فؤاد بوعلي انطلقت يوم الاثنين فاتح شتنبر عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى التي ستستمر حتى ال20 منه. وحسب المشرفين على العملية، فإن الأسئلة التي تم إعدادها تخضع للمعايير الدولية، مستجيبة في مجملها لتوصيات لجنة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة، وتضم كل الأسئلة التي تطرح عادة في مثل هذه الإحصاءات على الصعيد الدولي، حول البنية والسلوك الديموغرافي للمغاربة وظروف السكن من حيث الجودة والتجهيزات المستعملة. وقد صاحبت العملية نقاشات إعلامية، وليست اجتماعية، واسعة أثارتها الأسئلة اللغوية التي تتضمنها الاستمارة والتي دفعت بعض الناشطين في الحقل الثقافي الأمازيغي إلى اتهام المندوب السامي للتخطيط بالعنصرية والعروبية وكالوا له كل أوصاف القدح الممكنة زاعمين انتماءه إلى حزب يعادي الأمازيغية، مع العلم بأن كبيرهم الذي يقودهم يحمل بطاقة الانخراط في نفس الحزب. ودون الدخول في مناقشة المزاعم التي وردت في مختلف مقالات وبيانات هؤلاء والتي تفننت في تبيان تمييزية الإحصاء، يمكننا إبداء الملاحظات التالية: 1 - السؤال البسيط: لم الخوف من إدراج سؤال حول تيفيناغ؟ تفنن المنافحون في تبرير التخوف من نتيجة الإحصاء حول الكتابة بالحرف المقدم من قبل المشتغلين على أنه حرف الأمازيغية، وتلخصت الآراء في قول السيد بودهان إن "استعمالها الكتابي يحتاج، ليس إلى اكتساب، بل إلى تعلّم ومدرسة أو ما يقوم مقامها. والحال أن الأمازيغية لم تدخل بعدُ المدرسة ولم يُشرع في تدريسها لتنتقل من مرحلة الاكتساب الشفوية إلى مرحلة التعلم الكتابية". وبمعنى أوضح، لا يمكنك السؤال عن الكتابة بحرف لم تعلمه للناس. لكن الواقع الذي لا يمكنه أن يرتفع هو أن ما تعانيه الأمازيغية في جزء كبير منها داخل المدرسة المغربية يرجع إلى فرضها بحرف غريب وصعب التداول، لست ممن يحملونه النقائص الخلقية، لأن كل الحروف متماثلة إذا قدمت في سياقاتها المقبولة، والسياق اللغوي في المغرب لا يمكنه أن يمنح تيفيناغ وضعا استثنائيا. واعتماد الحرف لم يتم بالطريقة المقبولة اجتماعيا وعلميا بل وفق منطق التحكم وعقلية الاستئساد بالسلطة من أجل فرض واقع معين. وفي هذه الحالة يكون رد المجتمع هو الرفض الذي يعبر عنه بسلوكات احتجاجية متنوعة منها البحث عن البدائل الدراسية أو على الأقل عدم الاهتمام وتبخيس كل الجهود. لذا مازلنا نكرر بأن الحل لا يمكنه أن يكون قانونيا أو حقوقيا أو بفرض خيارات معينة بل من خلال حوار مجتمعي حقيقي.لكن الذي يفاجئك أنه في نفس الوقت الذي يطلب البعض من المشرفين على الإحصاء استبعاد السؤال حول تيفيناغ، تجد هؤلاء يجادلون في اللوحات الإشهارية للإحصاء بكونها لا تتضمّن الكتابة بحرف "تيفيناغ" وتقتصر على كتابة العبارات الأمازيغية بالحرف العربي، وفْق ما صرّح به بعضهم؛ فلِمَ الإصرار على الكتابة بحرف يعجز الناس عن قراءته؟ وكيف يفسر هذا التناقض؟ 2 - لكي نفهم الحملة الحالية على المندوب السامي والإحصاء العام للسكان ينبغي تفكيك الخطاب الثقافي الأمازيغي القائم على عنصرين أساسيين: الصراعية والنخبوية؛ فقد نشأ هذا الخطاب بعقلية صراعية لا يمكنها أن تعيش إلا داخل أجواء التجاذب والتطاحن حتى لو تم البحث عن أدلة مغلوطة ونسبة كل القضايا والأحداث إلى الأمازيغية كما هو حال رسالة منظمة رشيد راخا إلى السيدة نافي بيلاي والتي رددنا على مغالطاتها في رسالتنا: "باسم الأمازيغية هؤلاء لا يمثلوننا" المنشورة في العديد من المنابر الإعلامية. وفي نفس الوقت، أثبتت الأحداث أن كل الصراعات المعلنة لا تتجاوز الساحة الإعلامية وأن القضايا المطروحة للتداول، سواء الحرف أو الانتماء أو غيرها هي قضايا النخبة ذات الحسابات الخاصة والإيديولوجية. لذا فالجواب المنتظر عن أسئلة الإحصاء، مثل إحصاء 2004، ستكون استفتاء على هذا الخطاب ومدى حضوره في النسيج الاجتماعي المغربي بعيدا عن النقاشات الإعلامية والصالونات المغلقة، فالخوف من النتيجة دليل على معرفة هؤلاء بحجمهم الحقيقي. 3 - بدأ النقاش بالمطالبة باستقالة الحليمي، ولعلم أصحاب المطالب بفشل المسعى لأن المجتمع له منطقه الخاص وليس دمية في يد الأجندات الاستئصالية، بدأت المطالبة بالمقاطعة بحثا عن نصر موهوم . لكن الحقيقة أن الخوف هو من نتيجة الإحصاء والتي ستخلص إلى قوة العربية في النسيج الوطني من خلال الإجابة عن سؤال اللغات الثلاث الأكثر قراءة وكتابة من لائحة تضم: العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية ولغات أخرى مختلفة. لذا فما يفعله هؤلاء هو استباق نتيجة الإحصاء خوفا من الحقيقة الواقعية التي ستهدم كل ما أسسته خطاباتهم عن الحقوق الإثنية والأقليات المهمشة والسكان الأصليين. أساطير بنيت دعائيا لكنها تتساقط حين تصطدم بوقائع المجتمع ومطالبه. لقد أثار بعض الغيورين على لغة الضاد تخوفات حين استبعد الوصف العربي للدارجة وهو يحمل في جوهره نيات مبيتة لدى المشرفين على صياغة الأسئلة للسير مع لوبي التلهيج، الذي يرى في اللهجة المغربية لغة مستقلة عن أصلها العربي، لكن لا يصل إلى درجة المطالبة بالمقاطعة لأن الأمر يحتاج إلى نقاش علمي لم تهتم المندوبية السامية بإجرائه قبل صياغة الأسئلة؛ ولسنا من دعاة التأزيم والبحث عن المعارك؛ وفي النتيجة ستظهر قوة العربية المكتوبة والمحكية.