في عز التراشق الدبلوماسي الذي يطفو هذه الأيام على ساحة الخلاف بين المغرب والجزائر، نشر موقع وزارة الخارجية الأمريكية وثيقة تكشف الكثير مما ظل خفيا من علاقة الملك الراحل الحسن الثاني بالرئيس الجزائري السابق هواري بومدين، رغم الخلاف الشديد الذي كان بين الرجلين الوثيقة المؤرخة في 7يناير 1970 تكشف كيف طلب الملك الحسن الثاني من الأمريكيين حماية الرئيس بومدين بسبب مخاوف من محاولات الاغتيال التي يمكن أن يتعرض لها من طرف العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وتكشف الوثيقة أن الحسن الثاني طلب من «هنري طاسكا»، وهو سفير سابق للولايات المتحدةالأمريكية في المغرب أن يخبر الرئيس الأمريكي أن ملك المغرب يطلب الحماية الأمنية للرئيس الجزائري بومدين الذي كان مهددا بالانقلاب عليه من طرف الرئيس المصري جمال عبد الناصر بمساعدة حليفه في ذلك الوقت، العقيد معمر القذافي، الذي انقلب على النظام الملكي في ليبيا بمساعدة مصرية، حيث لم يتردد عبد الناصر في تعيين القذافي أمينا عاما للأمة العربية، إذ صرح في أحد خطاباته «إنني سأترككم غدا وأنا أشعر بقوة جديدة ودم جديد. وأنا أشعر أن أخي معمر القذافى هو الأمين على القومية العربية وعلى الثورة العربية وعلى الوحدة العربية..» الوثيقة التي تأتي في توقيت تعيش فيه العلاقات المغربية الجزائرية أسوء حالاتها في ظل تراشق دبلوماسي بين البلدين، سواء على الصعيد المحلي أو في الهيئات الدولية، وهي الوثيقة ذاتها التي قد تكشف الكثير مما ظل غائبا عن علاقة الحسن الثاني بالنظام في الجزائر على عهد الرئيس هواري بومدين. الرئيس الجزائري هواري بومدين عاش أيامه الأخيرة يكن كرها شديدا للملك الراحل الحسن الثاني، فالرئيس الجزائري الذي عرف بعصبيته الزائدة وتوتره الدائم لم يكن يتردد في كيل الشتائم والتهم الجاهزة للملك في حضرة بعض الدبلوماسيين الأجانب، إلا أنه بالرغم من ذلك رفض مخططا من الزعيم الليبي باستهداف نظام الحسن الثاني بهجوم عسكري، ووصف يومها القذافي أنه رجل غير متوازن. ورغم أن نظام بومدين كان يسبح في فلك الناصرية، التي دعهما بالمال والسلاح، إلا أن ابتعاده عنها في الفترة الأخيرة تسبب له في جفاء كاد أن يكلفه حياته، بعدما خطط القذافي ممثل جمال عبد الناصر في المنطقة، لاستهداف بومدين ونظامه، بعد مخطط للوحدة بين الجزائر وليبيا، عبر تخصيص مبلغ وصل إلى 40 مليون دولار لتدريب مخربين يستهدفون نظام بومدين ضمن زعماء آخرين في المنطقة. سنوات مرت على تاريخ الرسالة وتحذير الحسن الثاني، لتكشف بعض الكتابات الجزائرية أزيح عنها الستار في الأخير، أن هناك دلائل ومؤشرات تدل على أن هواري بومدين مات مقتولا، مشيرة إلى أن هناك دبلوماسيين عرب قابلوه أياما قليلة قبل وفاته وعلموا بحقيقة تسميمه، في الوقت الذي أذيع بعد وفاته أنه توفي بمرض غامض ألم به ولم يمهله طويلا. وقد تسهم الوثيقة المنشورة ليس فقط في عودة بعض الدفء للعلاقات المغربية الجزائرية، بل في عودة النقاش حول الكثير من التفاصيل الغائبة عن ظروف وفاة الرئيس الجزائري بومدين، والذي لم تتردد بعض الكتابات في تكذيب الرواية التي رافقت رحيله عن الدنيا، مشيرة إلى أنه مات مقتولا. .في هذا الملف تلقي «المساء» الضوء على حيثيات نشر الوثيقة الأمريكية في هذا التوقيت الزمني بالذات الذي اشتد فيه الخلاف المغربي الجزائري، كما تعيد إلقاء الضوء على بعض الوقائع التاريخية التي ميزت فترة تاريخية مهمة من تاريخ دول المغرب الكبير. القذافي طلب من بومدين فسح المجال الجوي لدعم انقلابيي المغرب [[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"10820","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"335","style":"line-height: 1.538em;","typeof":"foaf:Image","width":"1265"}}]] تصاعدت حدة المواجهة في الحرب المفتوحة التي بدأت بين الحسن الثاني والقذافي في مؤتمر القمة العربية بالرباط عام 1969، ففي بداية السبعينيات، في يوم عاشر يوليوز 1971 قاد ضباط عسكريون انقلابا ضد الملك بعد أن اقتحموا إقامته بالصخيرات «كشفت تلك المحاولة عن أمور كثيرة، وكان من بين هذا أنها وضعت الملك الحسن الثاني والعقيد معمر القذافي في منعطف صدام. عندئذ ذهبت الأمور بينهما نحو الحافة» كما يشرح طلحة جبريل. القذافي حالما علم بخبر الانقلاب، أعلن تأييده للثورة في المغرب ول»الضباط الأحرار». أيام بعد ذلك بعث القذافي عضوا في مجلس الثورة الرائد عوض علي حمزة إلى الجزائر ليطلب من بومدين السماح لطائرات ليبية بالمرور فوق تراب بلده لمساندة الثوار في المغرب، لكن بومدين رفض وأخبر الحسن الثاني بذلك. يحكي محمد لومة في حوار له مع الصحافي إدريس ولد القابلة: «لقد جاءت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة لتؤكد طبيعة التوجه السياسي العام لنظام العقيد القذافي، والذي كثيرا ما أبلغ قادتنا في التنظيم السري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ انقلابه الشهير في فاتح سبتمبر 1969، بأنه لا يثق مطلقا في قدرة الحركة التقدمية المغربية على إسقاط النظام الملكي وإبداله بنظام جمهوري على الطريقة الناصرية، وكان ينصح قادتنا بالاعتماد على قوات الجيش النظامي المغربي إذا هم أرادوا الحصول على نتائج طيبة...» رغم أن نظام العقيد القدافي كان يدعم بشكل مباشر المعارضة المغربية، بتخصيص برنامج إذاعي دائم، كان عبد الرحمان اليوسفي يكتب افتتاحياته بانتظام، وفتح معسكرات التدريب على السلاح فوق الأراضي الليبية وكذا تقديم الأموال والأسلحة للقادة المغاربة المعارضين، فقد كان دائما ينصحهم بالتعاون مع الجيش المغربي في الداخل مهما كانت عقليته وتركيبته وميوله، إن هم أرادوا نتائج إيجابية! منذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة ل 10 يوليوز 1971 انطلقت الإذاعة الليبية في بث بلاغات التهنئة والتبريك، بل لقد أجرى العقيد القدافي - حسب ما نشرته وثائق الخارجية الأمريكية والبريطانية، وحسب ما ذكره الملك الحسن الثاني نفسه في كتابه (ذاكرة ملك)، أجرى القدافي اتصالا هاتفيا بالرئيس الجزائري هواري بومدين طالبا السماح لقواته الجوية والبرية باستعمال الأراضي والأجواء الجزائرية للمرور إلى المغرب لدعم الانقلابيين.. وهكذا أرسل ضابط المخابرات الليبية الرائد عوض علي حمزة، إلى الجزائر على جناح السرعة، لمتابعة تنسيق هذه العمليات، غير أن الرفض القاطع لهواري بومدين أفشل مسعى إرسال حوالي 12 ألف جندي ليبي إلى المغرب لدعم الانقلاب. ورغم إعلان فشل الانقلاب ظلت الإذاعة الليبية تواصل بث بلاغاتها الداعمة للانقلابين، بينما المغرب الرسمي من جهته رد بتطويق مقر السفارة الليبية في الرباط ثم وضع كافة العاملين بها في الإقامة الإجبارية، واضطر في وقت لاحق إلى قطع كل الاتصالات الهاتفية عن السفارة. أربكت محاولة الانقلاب الفاشلة في 10 يوليوز 1971 ضد الملك الحسن الثاني علاقات المغرب مع ليبيا ومصر، وتداعت أيضا لجهة إرباك تلك العلاقة بين كل من ليبيا والجزائر، وهذا ما أكدته عشرات الوثائق التي أفرجت عنها الخارجية البريطانية لعام 1971 والتي حملها ملف رقم 884 39 Fco. الوثائق أعطت التفسير البريطاني لمحاولة الانقلاب والتحليل المبدئي لدوافعها وإمكانية صمود العاهل المغربي الراحل، وكشفت في المقابل الكثير من الأسرار حول مشادات وملاسنات بين الرئيس الجزائري هواري بومدين ومبعوث من الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، في مقابل دوافع التأييد التونسي للملك الحسن الثاني وتدخل الرئيس أنور السادات بنصائحه للعقيد القذافي بالتريث وعدم تعقيد الأمور. وأكدت ذلك الوثيقة البريطانية رقم 13 المؤرخة يوم 13 يوليوز 1971 التجاوب الحذر للجزائر مع محاولة الانقلاب بالمغرب، إذ «تم اجتماع بين مجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة مساء يوم انقلاب 10 يوليوز في وقت كان فيه الموقف في الرباط غامضا. ولم يصدر أي تعليق.. فيما أعلن أن شريف بلقاسم الذي اعتبر أكبر مبعوثي بومدين سيزور المغرب، في مهمة معلوماتية وقد غادر أمس...». وثيقة أخرى مؤرخة بدورها يوم 13 يوليو1971، صدرت عن المصالح الدبلوماسية البريطانية بليبيا أكدت أن «وضع الجيش الليبي-كان- في حالة التأهب، راديو ليبيا واصل هجومه على الملك الحسن حتى بعد ظهور فشل الانقلاب...» كذلك صرح مصدر مقرب من مجلس الثورة لدبلوماسيين بريطانيين، أن الحكومة الليبية غير متورطة في محاولة الانقلاب رغم أن السفارة الليبية بالرباط تلقت اتصالا قبل 6 أشهر من عناصر معارضة داخل الجيش المغربي. لكن بعد تنفيذ الانقلاب، كان رد فعل القذافي سريعا. إذ تحرك في اتجاه تعبئة 12 ألفا من القوات الليبية (هي بالتقريب كل قوة الجيش الليبي) بالجو إلى المغرب لمساعدة الثوار. ومع ذلك، فلا الجزائر ولا موريتانيا –كانت-ستسمح لطائرات سلاح الجو الليبي بعبور مجالها الجوي حتى لو دبر الليبيون أمرهم لتنفيذ المهمة. تؤكد الوثائق البريطانية نفسها. هكذا حرضت إذاعة "صوت العرب" الشعوب العربية على التمرد. تم إنشاؤها في يوليو»4 يوليوز سنة 1953، واختار لها عبد الناصر اسم» إذاعة صوت العرب»، كانت تبث من «القاهرة» على تردد 621 AM وتردد 106.3 FM ، وتعد من أول وأشهر الإذاعات المصرية التي بثت لجميع أقطار العالم العربي باللغة العربية. اشتهرت الإذاعة كوسيلة أساسية استخدمها الرئيس المصري جمال عبد الناصر لبث دعايته حول الوحدة العربية ومناهضة استعمار بعض الدول العربية، التي كانت خاضعة للاستعمار. رغم سطوع نجمها في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلا أنها باتت اليوم تفتقر جمهورا واسعا وشعبية كبيرة في مصر والعالم العربي بشكل عام. حتى عام 1960، تميزت الصحافة المصرية المكتوبة باستقلالها وموضوعيتها، لكن في المقابل كانت الإذاعات تحت سيطرة الحكومة المصرية المباشرة، مما أدى إلى تسخيرها لخدمة أغراض دعائية لنظام جمال عبد الناصر الذي حكم مصر بقبضة من حديد بعد إلغائه جميع الأحزاب السياسية. وكان الرئيس مدركا لقدرة الإذاعات على التأثير على الرأي العام الشعبي المصري، مما شجعه على الاستثمار بغية تطوير الإذاعة، وهكذا تمت مضاعفة وقت البث الإذاعي من نصف ساعة يومية إلى خمس عشرة ساعة يومية في عام 1962 وإلى بث على مدار الساعة في نهاية الستينيات. كانت إذاعة صوت العرب بمثابة سلاح دعائي-على شاكلة الدعاية الستالينية- للهجوم على الأنظمة العربية المناوئة له، ومن أمثلتها نظام الملك حسين بن طلال في حقبة نهاية الستينيات، حيث كان للقناة جولات وصولات وتحيز واضح للأهداف الناصرية. يقول الصحفي المخضرم سمير عطا الله وهو ينتقد محمد حسنين هيكل: «لا يجوز وفق مبادئ التاريخ أن يكون الرجل المطّلع والمضطلع، انتقائيا. لا في اختيار الوثائق والنصوص، ولا في إعادة قراءة ما يعرفه تماما من التاريخ. أي مجموعة المحادثات (والمعاهدات) التي عقدها الملك فيصل مع الرئيس جمال عبد الناصر، حول العلاقات الثنائية، ومن ثم حول اليمن. وجميع تلك المحادثات والمعاهدات تثبت أن الملك فيصل رمى إلى إقامة أفضل وأعمق علاقة مع مصر، وقوبل دائما بصوت أحمد سعيد الذي جعل نفسه «صوت العرب»... وكان الرد عليه دائما في صوت أحمد سعيد، بل ألقى عبد الناصر نفسه خطبا تجرح تجريحا شخصيا في فيصل بن عبد العزيز وفي لحيته وفي قضايا أخرى» (الشرق الأوسط، 1 فبراير، 2008). كانت «صوت العرب» أشهر إذاعة عربية تبث من قلب القاهرة، وهي تبشر بالقومية العربية التي حلم بها جمال عبد الناصر... وهي لم تكن تجرؤ على إذاعة أي بيان أو إعلان أو برنامج من برامجها، من دون علم السلطات المصرية، وبالذات بتوجيه خاص من الرئيس عبد الناصر.. وعندما انطلقت عام 1953، كانت توجه نداءاتها التحريضية على الاستقلال إلى الشعوب العربية، وبالذات في المغرب العربي، ولكنها في العام 1955، بدأت تتخذ لها مسارا آخر، إذ كانت تهاجم ليل نهار الأنظمة السياسية العربية التي لم تكن ترق وتنسجم مع أفكار عبد الناصر «التحررية» و»الثورية».. لقد شغلت الإذاعة تاريخيا حيزا كبيرا من تفكير العرب ومشاعرهم ونزوعاتهم السياسية، بل كان ل»صوت العرب» تأثير بالغ في قيام انتفاضات ونشوب انقلابات واندلاع ثورات.. قبل أن تعرف تراجعا وانتكاسة مهمة بشكل عميق عام 1967.