معادي أسعد صوالحة كان طابور المسافرين على متن الرحلة 426 المتجهة إلى تل أبيب طويلا للغاية على غير عادته في ذلك اليوم الحار جدا من مساء يوليوز، كان يقف في هذا الطابور ما يزيد عن مئة من المسافرين المتعصبين والمتضايقين وهم يحملون حقائبهم في انتظار استجوابهم الإلزامي من طرف كادر أمني خاص بطائرة العال (رجال الشين بيت)، يتم فحصهم وفحص حقائبهم بواسطة أجهزة أشعة اكس وأجهزة أخرى قبل إعطائهم بطاقات الإذن بالصعود إلى الطائرة، وكانت لائحة الأسئلة عادة: هل هذه حقائبك؟ هل حزمتها بنفسك؟ هل ابتعدت عنها لبعض الوقت؟ هل أعطاك أحد شيئا أو هدية لإيصالها لأحد ما؟، وهي أسئلة اعتاد عليها كل من يركب شركة العال على الدوام، وفي الحالة التي يبدو فيها على المسافر خطأ ما أو يتعرّق كثيرا أو يحاول تجنب النظر إلى أعين من يسأله أو تظهر عليه علامات الشكوك، يتم على الفور إجراء تفتيش دقيق له ولأمتعته ويجرد في غالب الأحيان من جميع ملابسه حتى يصبح عاريا، وإذا رفض الخضوع لمثل هذا الإجراء يمنع من الصعود إلى الطائرة ويعتقل في غالب الأحيان .. ومع أن جبريل كان يدرك أن فاعلية أجهزة أمن العال تشكل حاجزا منيعا إلا أنه كان يدرك أيضا أن بعض المسافرين الأبرياء أو الفتيات القابلات للتأثير ممّن يفكرّن بقلوبهن ويجري الاستحواذ عليهن بعاطفة رومانسية ويعتقدن بأن عشّاقهن لن يسببّوا لهنّ الضرر، يمكن لهن أن يتجاوزن سلسلة الأسئلة التي يسألها رجال الأمن بقليل من الصعوبة، كما أن جبريل كان يعتقد أيضا بأن مروان خريسات يمكنه وبشكل يسير أن يصمّم جهازا حديثا من نوعه لا يمكن حتى لرجال الشين بيت النجاح عن كشفه وكانت نظريته تلك سليمة مئة بالمائة. ففي الركن المخصّص للوزن سلّمت جيني الشابة الهولندية تذكرتها وجواز السفر إلى موظف الحجز الذي قام بطبع إذن صعودها، بعد التأكد من عدم كونه مُزيفا وبعد نجاحها في الإجابة على الأسئلة المعتادة وبطريقة سلسة تخلو من أي غموض أو شكوك، رغم كونها كذّبت بخصوص إذا ما سلمها أحد بعض الهدايا لتوصيلها إلى شخص داخل (إسرائيل) حتى دخلت الطائرة وجلست فوق مقعدها الوثير...، وعندما حلقت الطائرة بدأت الشابة تتحدّث في قصتها إلى سيدة تجاورها في المقعد دون أن تعي بأن تلك الإسرائيلية تعرف وبشكل ملحوظ ما يملكه الفدائيون الفلسطينيون وطرق عملياتهم وسارعت إلى الاتصال بأحد ضباط الطائرة وأخبرته بما جاء على لسان هذه الشابة الشقراء، ليتخلصوا سريعا من جهاز التفجير عن طريق الضغط الجوي وتصل الطائرة بسلام إلى تل أبيب. هنا لم يأبه جبريل بهذا الخطأ، فحاول مرة أخرى مع شاب عربي أقام سابقا علاقة سريعة مع فتاة من البيرو تبلغ من العمر 21 عاما تحمل اسم داليا، بعد أن تعرف عليها باسم (روبيرتو)، الشاب البرازيلي ذو الأصول العربية، وكرّر هذا الشاب نفس السيناريو وأقام معها علاقة لعدة أسابيع حتى فاز بقلبها وجسدها وسار على نفس المنوال، بعد أن حمّلها بعض الهدايا لأهله من ضمنها جهاز تفجير بالضغط الجوي، وانطلقت الفتاة من مطار لندن شتنبر 1971 وعلى متن طائرة العال رحلة رقم 16 التي أدركت بأن حقائبها قد حوّلت من هذه الطائرة قبل الإقلاع حتى تم القبض عليها لحظات وصولها إلى تل أبيب وبشكل سري عن طريق أجهزة الأمن، التي ابتدأت عمليات تحقيق واسعة معها، وانتهت بالتالي إلى ضرورة اتخاذ وتعزيز إجراءات أمن الطيران والطائرات الإسرائيلية في كل أرجاء أوروبا، سواء تعلق ذلك بطائرات نقل المسافرين أو نقل البضائع على حدّ سواء...