تفجرت في الآونة الأخيرة حرب باردة جديدة بين الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي «الكنوبس» والتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، حيث بلغ التوتر بين مدير الصندوق، عزيز العلمي، ومسؤولين في التعاضدية مستوى غير مسبوق. وتعود وقائع هذ التوتر إلى منتصف شهر يوليوز المنصرم، حيث عرف المجلس الإداري للكنوبس اصطدام عزيز العلمي، رئيس المجلس الإداري للصندوق بمسؤولين بالتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية. فعند بداية أشغال المجلس، حضر مدير التعاضدية ونائب رئيس مجلسها الإداري لينوبا عن عبد المولى عبد المومني الذي تغيب عن الحضور، وأصرا على أخذ الكلمة باسم التعاضدية العامة أمام المجلس دون الإدلاء رسميا بما يثبت تفويض عبد المولى عبد المومني لهما قانونيا هذه المهمة، مما حذا برئاسة المجلس إلى سحب الكلمة منهما، خاصة أن ممثل وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية أيد موقف عزيز العلمي. وتطورت الأمور بعد ذلك في 22 يوليوز المنصرم، حيث أصدر المكتب الإداري للتعاضدية العامة بلاغا اعتبر فيه أن «تصرف عزيز العلمي غير سليم، وأنه سابقة من نوعها، ولا يتماشى مع أدبيات تسيير المجلس»، مؤكدا، كذلك، أن ما قام به العلمي عبارة عن مضايقات دون المستوى وغير لائقة». وذهب أعضاء المكتب أبعد من ذلك، إذ اعتبروا أن التصرف الصادر من رئيس الصندوق من المفترض أن «يتسم بالرزانة وأن يعالج المواضيع المرتبطة بديمومة التغطية الصحية ببلادنا، بمنظور رئيس للصندوق وليس رئيس التعاضدية»، ونددوا ب»هذا التصرف اللامسؤول الذي رؤوا فيه إهانة وتصغيرا لممثلي التعاضدية العامة والنقابات التي ينتمون إليها»، مشيرين إلى أنهم يحتفظون لأنفسهم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للرد على هذه التصرفات في الوقت المناسب. من جهته، اعتبر عزيز العلمي، في بلاغ صحفي، أن رئاسة المجلس الإداري للصندوق التمست من أحد ممثلي وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية بالمجلس إبداء الرأي القانوني في هذا الخصوص، حيث أكد أن مرسوم تعيين أعضاء المجلس الإداري للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي يُحدد العضوية بالمجلس بالنسبة للإدارات والمركزيات النقابية في أشخاص بعينهم يتم اقتراحهم من طرف هذه الهيئات. أما بالنسبة للتعاضديات المكونة للصندوق، فإن العضوية بالمجلس ترجع إلى رؤساء هذه التعاضديات بصفتهم هاته أو إلى ممثليهم في حالة تعذر حضورهم. وقد أكد مدير الصندوق، عبد العزيز عدنان، عدم توصله من رئيس مجلس إدارة التعاضدية العامة -إلى حدود انعقاد المجلس الإداري- بأي تفويض. ويبدو أن المادة 44 المتعلقة بإغلاق صيدلية الكنوبس والمادة 114 المتعلقة باستقبال الصندوق لمؤسسات عمومية جديدة في إطار التأمين الإجباري عن المرض شكلتا أرضية لتبادل الاتهامات. فالمكتب الإداري للتعاضدية العامة رأى أن «منع» مسؤولي التعاضدية من أخذ الكلمة كان بغرض الحؤول دون تقديمهم لمقترحات بخصوص انعكاسات الفصلين 114 و44 على مستقبل التغطية الصحية، واللذان ستكون لهما انعكاسات على مكتسبات المنخرطين وعلى التوازنات المالية للصندوق. وقد اعتبر عزيز العلمي أن هذا الادعاء «لا أساس له من الصحة»، على اعتبار أن هذه النقط كانت محط عروض ودراسات خلال عدة دورات للمجلس الإداري للصندوق، إذ سبق أن تقرر خلال أشغال المجلس الإداري المنعقد في 25 دجنبر 2012 عقد دورة استثنائية لدراسة مستقبل ديمومة التأمين الإجباري عن المرض والتحديات التي يواجهها الصندوق، ومن ضمنها استقبال الفئات المعنية بالمادة 114. ويربط بعض المتتبعين موقف التعاضدية العامة برسالة بعثها عبد المولى عبد المومني لمدير الصندوق في فبراير 2014 حول تدبير الكنوبس للتغطية الصحية لفائدة ضحايا ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، إذ تساءل عبد المولى عن الضوابط القانونية وراء اختيار تعاضدية أومفام (التعاضدية التي يترأسها العلمي) لتدبير العلاجات العادية، ملمحا إلى أن رئاسة عزيز العلمي للمجلس الإداري للصندوق قد تكون وراء هذا الاختيار. غير أن ما نسيه عبد المولى عبد المومني وذكره به عبد العزيز عدنان هو أن الاتفاقية بين الصندوق والدولة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تعود لسنة 2007، وأن المجلس الإداري المنعقد في 18 دجنبر 2007، الذي كان يترأسه آنذاك امحمد غيور، رئيس المجلس الإداري للتعاضدية العامة للتربية الوطنية، وليس عزيز العلمي، هو الذي صادق على هذه الاتفاقية التي تنص المادة 10 منها على ضرورة التوقيع على اتفاقية تفويض تدبير العلاجات العادية مع إحدى التعاضديات، وتم اختيار أومفام «الهيئات التعاضدية لموظفي الإدارات والمصالح العمومية»، بالنظر إلى خصوصية الفئات الاجتماعية المعنية بهذه التغطية الصحية الأساسية وللنجاعة والفعالية التي تسجلها هذه التعاضدية، وفي ما يبدو أنه محاولة لتطويق تداعيات بلاغات التعاضدية العامة، عبر عزيز العلمي في بلاغه عن أسفه إقحام المنظمات النقابية في هذه النازلة بدون وجه حق، مؤكدا احترامه وتقديره لهذه المنظمات، باعتبارها فاعلا وشريكا أساسيا في الرفع من النقاش الإيجابي والبناء لتطوير منظومة التغطية الصحية بشقيها الأساسي والتكميلي.