في 2002، لم تُحترم المنهجية الديمقراطية، التي ستصبح في دستور 2011 فاصلة؛ وهي التي بموجبها أضحى عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة حينما احتل حزبه المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية. كان المنطق السياسي يفرض أن يختار الملك عقب استحقاقات 2002 وزيرا أول من الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يقود حكومة التناوب منذ 1998، باعتباره الحزب الذي احتل الصف الأول في تلك الاستحقاقات. لكن العملية لم يكتب لها النجاح لسبب جوهري هو أن حزب الاستقلال، المكون الثاني للكتلة الديمقراطية وقتها، رفض أن يكون مجرد مكمل لحكومة اتحادية، وطالب بحقه في الكعكة وهو يتحدث وقتها عن «مولا نوبة»، الصيغة الجديدة التي غزت المشهد السياسي المغربي آنذاك. لقد قال حزب علال الفاسي إنه حان الوقت لكي يقود الحكومة كما قادها خصمه التقليدي الاتحاد الاشتراكي، حتى وإن كان الأمر خارج المنهجية الديمقراطية. وحينما لم تنجح كل الخطوات، اضطر الملك إلى أن يعين ادريس جطو وزيرا أول من خارج الأحزاب التي تسابقت بعد ذلك لكي تجد لها موطئ قدم في تشكيلته الحكومية من الاتحاد الاشتراكي الغاضب وحزب الاستقلال الذي كان ينادي بدوره. كان لا بد أن نسترجع شريط هذه الحكاية، من أمسنا السياسي القريب، لنفهم كيف وصل الأمر بحزب كبير اسمه حزب الاستقلال -الذي يوصف بكونه أب كل الأحزاب السياسية التي ولدت من رحمه، بصيغة أو بأخرى- إلى ما وصل إليه مع أمين عام يعتقد أن ممارسة السياسة تشبه مباريات الملاكمة الأمريكية، التي تبيح الضرب تحت الحزام. في الرد على تصريح رئيس الحكومة الأخير بمناسبة مرور منتصف ولايتها، استمعنا إلى ممثلي أحزاب المعارضة الذين عددوا مواطن ضعف الحكومة، ووقفوا عند المحطات التي جعلتها حكومة لم تقو على تفعيل أي من البرامج التي نادت بها، وتلك التي وعدت بها. مع حزب الأصالة والمعاصرة، كان الرد عنيفا وبالأرقام والإحصائيات؛ ومع الاتحاد الاشتراكي، كدنا نستحضر تلك الأيام الخوالي لحزب كان، بالقوة والفعل، حزبا للقوات الشعبية؛ لكن مع حزب الاستقلال، لا أحد فهم المعنى الحقيقي لتلك الأسئلة التي طرحها أمينه العام حميد شباط حول ارتباطات بنكيران ب»داعش» أو بالموساد. وكان لا بد من أن نصاب بالدهشة من وصول أمر ساستنا إلى هذا الحد من العبث، وكان لا بد للمواطن العادي من أن يطالب بالحسم: فإما أن بنكيران له ارتباط بهذه التنظيمات التي تحدث عنها شباط، وبالتالي فإنه يجب أن يسأل عنها لخطورة الأمر؛ وإما أن شباط رجل يهذي، وبالتالي فإنه يكون وقتها في حاجة إلى عيادة طبية، وليس من مصلحة حزب كبير اسمه الاستقلال أن يكون أمينا عاما له! حينما كان الصراع على أشده بين حميد شباط وعبد الواحد الفاسي حول منصب الأمانة العامة للحزب، قال حكماء الاستقلال ومثقفوه إن منصب الأمين العام للحزب هو منصب لرئيس الحكومة غدا إذا فاز الحزب بالمرتبة الأولى في الاستحقاقات، عملا بالمنهجية الديمقراطية؛ لذلك على برلمان حزب علال الفاسي أن يختار الأنسب.. هل حدث ذلك فعلا؟ لقد قال شباط بعد أن حملته صناديق الاقتراع إلى منصب الأمين العام لحزب الاستقلال، دون أن يفرط إلى اليوم في منصبه كاتبا عاما للاتحاد العام للشغالين بالمغرب في وضع استثنائي غريب، إن الأيادي الربانية هي التي حملته إلى هذا المنصب! واليوم، بعد كل الذي حدث في البرلمان، وحكايات «داعش» والموساد، ولافتة «أنت كذاب»، لا بد أن نعيد طرح نفس السؤال: هل نفس الأيادي الربانية هي التي لاتزال تحرك شباط وتملي عليه نفس السلوكات التي لا بد أنها أزعجت الاستقلاليين الأحرار، أولئك الذين يرددون في مستهل كل أنشطتهم الحزبية وتجمعاتهم شعارَ حزب علال الفاسي : «صوت الضمير صوت البلاد دوما ينادي إلى الأمام تقدموا بني البلاد»؟ هل نحن مع صوت الضمير من أجل تقدم البلاد؟