مرة جديدة تجد الدارالبيضاء نفسها أمام فوهة بركان، السبب يكمن في الفاجعة التي هزت كيان المدينة في الأيام الأخيرة والمرتبطة بانهيار ثلاث منازل، ما أدى إلى مقتل 23 شخصا وجرح 54 مواطن، الفاجعة أعادت فتح ملف التعمير في المدينة من خلال مدى مساهمة المنتخبين في صنع ورقة التعمير في المدينة، وذلك بعد الجدل الكبير بخصوص التراخيص الممنوحة للمواطنين بالقيام بالإصلاحات، وأكدت مصادر ل «المساء» أنه لابد من إعادة النظر بشكل قطعي في منظومة التعمير، ووضع الثقة في الأطر التي لها دراية كبيرة بهذا المجال، الذي لابد من وضع حد فاصل بينه وبين الممارسات السياسية. خلال السنتين الأخيرتين، وأثناء النقاش المرير الذي عرفته الدار البيضاء بسبب تصاميم التهيئة في مجموعة من المقاطعات، لم يكن يجد مجموعة من المنتخبين في المدينة أدنى حرج للمطالبة بمنحهم اختصاصات واسعة في إعداد هذه التصاميم، على اعتبار أنهم يشعرون ب"الحكرة" في إعدادها، مؤكدين أنهم الأولى في إعداد وثائق التعمير لمعرفتهم الشديدة بكل صغيرة وكبيرة في مناطقهم، واعتبروا أن شرعية تمثيل المواطنين وحدها كافية من أجل ضرورة إعادة النظر في الجهة التي توكل لها مهمة إعداد وثائق التعمير. ودخل منتخبون في كثير من المقاطعات في حرب كلامية مع الوكالة الحضرية للمدينة، والتي يوجد على رأسها محمد الأوزاعي الذي خلف علال السكروحي في هذه المهمة، متهمين هذه الوكالة بتهميشهم وعدم أخذ ملاحظاتهم بالجدية، وكان بعض هؤلاء المنتخبين يطمعون في توسيع اختصاصاهم في هذه القضية، انسجاما مع المتغيرات السياسية التي عرفها المغرب بعد دستور 2011، إلا أن ما حدث في الدار البيضاء قبل أيام قليلة أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، ففاجعة بوركون التي زلزلت المدينة وأدت إلى مقتل 23 مواطن وجرح 54 كانت سببا كافيا بالنسبة إلى البعض للمطالبة بالتعامل مع إشكالية منح التراخيص وتصاميم التهيئة بالشكل الجدي، مع ضرورة حصر كل العمليات المتعلقة بالتعمير في جهة واحدة، وذلك بهدف تسهيل تحديد المسؤوليات أثناء وقوع كوارث جديدة، وإحداث هيئة وطنية وهيئات إقليمية للتعمير تضم كل المتدخلين في القطاع. فوهة بركان ووجد المنتخبون أنفسهم في فوهة بركان، حيث لم يتردد الكثير من المراقبين في تحميلهم مسؤولية ما يصفونه بالفوضى التي تعرفها المدينة في مجال التعمير، فهل حان الوقت لكي يتم سحب البساط بشكل نهائي من تحت أقدام المنتخبين في كل ما له علاقة بالتعمير في المدينة، وما هي حدود هؤلاء المنتخبين في وضع تصاميم التهيئة ومنح رخص الإصلاحات؟ وهل الأمر مرتبط بالجهة التي يوكل لها منح هذه التراخيص، أم أن الأمر يتعلق بالمتابعة والمراقبة بعد الحصول على هذه التراخيص؟ وبقدر ما شكلت فاجعة بوركون صدمة للكثير من مراقبي الشأن المحلي في الدار البيضاء، فإنها كانت بالنسبة للبعض عادية جدا في ظل مسلسل الانهيارات الكثيرة التي عرفتها المدينة في السنوات الأخيرة، ما جعل البعض يعتبر ملف التعمير في العاصمة الاقتصادية من الأولويات مستقبلا، نظرا لأن الأمر أصبح يتعلق بأرواح مواطنين أبرياء، كما أن الانهيارات لم تعد مرتبطة فقط بالمنازل المهددة بالانهيارات، فحي بوركون الذي كان مسرحا لهذه الواقعة ليس بالحي القديم، إذا ما قورن بالمدينة القديمة أو الحي المحمدي أو درب السلطان، الشيء الذي ضاعف من مخاوف الكثير من المواطنين في مناطق مختلفة في المدينة. مصطفى رهين، عضو مستقل في مجلس جماعة الدار البيضاء اعتبر أن قضية تصاميم التهيئة ومنح الرخص ووثائق التعمير بصفة عامة ليست مرتبطة بالجهة التي تتكلف بها، ولكن بقضية أخرى وهي الأهم بالنسبة إليه، والمرتبطة بضرورة في الحرص على تطبيق القانون، وقال رهين في تصريح ل "المساء" "إن الجهة التي تتكلف بوضع تصاميم التهيئة ووثائق التعمير تتكون من دوي الاختصاص والمنتخبين يساهمون فقط من خلال صفتهم السياسية، والكثير من الملاحظات تكون ذات طابع سياسي، ليس لها أي علاقة بالجوانب التقنية، وإن المشكل يكمن بشكل كبيير في عدم تطبيق القانون"، وأضاف "سواء تعلق الأمر بإشراف التقنيين على إعداد التصاميم ومنح رخص الإصلاح أو تكلف بهذه المهمة المنتخبون، فإن القضية المهمة في هذا الأمر هي تطبيق القانون، وذلك من أجل ضمان السير العادي لهذه التصاميم، أما في حالة العكس فإن الأمور غاديا تمشي بطريقة عوجاء". وأوضح رهين أنه لتفادي ما وقع لابد من وضع حد لجميع الممارسات المتعلقة بالتعمير في المدينة وتطبيق القانون بحذافيره، وذلك بغض النظر عن الجهة الموكول لها منح التراخيص أو إعداد تصاميم التهيئة، لأن هذا الأمر ليس بالأهمية الكبرى، إذا ما قورن بضرورة تطبيق القانون والحرص عليه من طرف الجميع. ربط الرخص بضمانات ولم يتردد محمد بوالرحيم، نائب عمدة الدار البيضاء في إبدائه استيائه من محاولة تحوير النقاش فيما وقع في بوركون، مؤكدا أن المستشار الجماعي محكوم بنوعين من المحاسبة، الأمر يتعلق بالمحاسبة القانونية والسياسية، عكس الموظف الذي يكون متبوعا فقط بالمحاسبة القانونية، كما أن احترام الديمقراطية يقتضي أن يساهم المنتخبون في وضع تصورات حول تصاميم التهيئة ووثائق التعمير، على اعتبار أن المستشارين هم الذين يضعون التوجهات الكبرى للمدن وليس الموظفين أو التقنيين". وأضاف أن ما وقع في بوركون ليس له أي علاقة بالتراخيص التي يتم منحها من قبل رؤساء الجماعات، والسبب الذي أدى إلى انهيار المنازل يمكن أن يقع حتى في عمارة جديدة، وأكد أن الضوابط القانونية يجب أن يخضع لها الجميع. وأكد بو الرحيم أن "الشيء الذي يجب تفعيله حاليا هو أن منح رخصة الإصلاح لابد أن تكون مرتبطة بمجموعة من الضمانات التقنية، والمتابعة، لأنه يمكن أن تمنح لأي شخص يرغب في الإصلاحات رخصة تتوفر على كل الشروط، لكن من يضمن أن هذا الشخص سيلتزم بما هو موجود في الرخصة، الأمر الذي يتطلب المراقبة وتحديد من له الحق في التتبع. واعتبر المتحدث ذاته أنه للخروج من كل هذه الإشكاليات لابد من تفعيل دور "سانديك" والحرص على ضرورة تأمين المنازل، أما الحديث عن من الجهة التي يمكن أن تتكلف بمنح الرخص، فهذه أمور، بالنسبة إلى بو الرحيم، مسألة ثانوية، وقال "هل تعلم أن بعض المنتخبين لم تعد لهم رغبة في منح رخص الإصلاح، ولابد في فتح ملف الملكية المشتركة بكل جدية، لأن هناك مجموعة من المشاكل تتعلق بهذه القضية. فوضى الطوابق الملاحظ اليوم وباستثناءات جد قليلة، حسب رئيس أحمد بوحميد، رئيس الاتحاد الوطني لصغار المنعشين العقاريين، فإن مدنا كثيرة تعيش تشويها عمرانيا حقيقيا، وكمثال على ذلك مدينة الدار البيضاء، حيث إن هنالك شارعا واحدا قطع أرضية لها المساحة نفسها، وتتواجد على الواجهة نفسها يرخص لجزء منها ببناء 5 طوابق ولجزء آخر ب 3 أو 4 طوابق وجزء بطابقين، ورغم المعرفة الكاملة لمسؤولي التعمير بالثقافة المغربية فإنهم يفرضون الشرفة أو الواجهات، مما يدفع أصحاب العمارات إلى إضافة طوابق إضافية وأصحاب الشقق إلى إقفالها كل حسب هواه وضمها للغرف، مما يساهم في تشويه الواجهة العمرانية للمدينة (أنظر التصريح). وتحول التعمير في الدار البيضاء خلال العشرية الأخيرة إلى ورقة سياسية بالنسبة إلى بعض مكونات المجالس المنتخبة، من أجل استمالة عطف الغاضبين منها، وهو ما ظهر بشكل جليّ أثناء مناقشة تصاميم التهيئة في العديد من مناطق المدينة في الشهور الأخيرة، إذ رفع الكثير من المستشارين أصواتهم ضد بعض هذه التصاميم، داعين إلى إعادة النظر في طريقة إعدادها. في المقابل، الشيء الذي كان يدفع في كل مرة الوكالة الحضرية إلى عقد اجتماعات للتشاور والتنسيق من أجل تسجيل جميع الملاحظات والانتقادات. وكشف مصدر ل "المساء" أن جميع الملاحظات والتعرضات التي يتم إبداؤها من حول تصاميم التهيئة، سواء من قِبل المواطنين أثناء نشر التصميم في مقرات المقاطعات أو الجماعات أو من لدن المنتخبين، تُبعث إلى اللجنة المركزية في الرباط، والتي يترأسها وزير الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، التي تتدارس جميع هذه الملاحظات بحضور جميع المسؤولين المحليين، وتسجَّل هذه الملاحظات في محضر قانوني، وبناء عليها يتم تعديل تصاميم التهيئة، ما يعني أن للمنتخبين دور كبير في إعداد ورقة التعمير. 34 تصميم للتهيئة بالبيضاء في الفترة الممتدة بين 2005 و2009 انكبّت العديد من المصالح في البيضاء على إعداد مخطط لتوجيه التهيئة العمرانية، والذي خرج إلى حيز الوجود في يناير 2010، وتم اعتبار هذا المخطط هو مستقبلالمدينة إلى حدود 2030، وتم عقد سلسلة من اللقاءات في أيام الوالي محمد القباج لعرض الخطوط العريضة لهذا المخطط أمام وسائل الإعلام، حيث تم التأكيد على أهمية هذا المخطط، لأنه يحدد التوجهات الكبرى لجهة "الدار "البيضاء في حدود 20 سنة المقبلة. وبعدما تمّت المصادقة على هذا المخطط أدرك المتتبعون للشأن المحلي أن المرحلة القادمة تتعلق بتصاميم التهيئة، وهو ما وقع، حيث قسمت جهة "البيضاء إلى 34 منطقة، لكل واحدة منها تصميم تهيئة خاصٍّ بها، باحتساب "المنصورية"، التابعة إداريا إلى مدينة بنسليمان ومعماريا إلى الوكالة الحضرية للدار"البيضاء، حسب ظهير 1984. إبراهيم أدناس، عضو مجلس الفداء لم يخف تذمرهم من بعض المنتخبين الذين يناقشون أمورا مهمة كالوثائق المرتبطة بالتعمير، وقال ل "المساء" إن بعض المنتخبين الذين يكونون معنيين بمناقشة وثائق التعمير جلهم ليست لهم دراية بمثل هذه الملفات، ولن تكون فاجعة بوركون آخر الكوارث إلى حين تصحيح المنهج الديمقراطي في شموليته، وذلك عبر وضع الثقة في أناس مؤهلين، وهذا لن يتم إلا بتزكية الأحزاب السياسية للأطر الكفأة القادرة على إعطاء الإضافة. وأوضح أن للمنتخبين رأي استشاري فقط في إعداد تصاميم التهيئة، وليس لهم أي قرار نهائي بخصوص هذه القضية، حيث إنه بعض إعداد تصميم التهيئة تتم مطالبة المنتخبين بإبداء الرأي. * بوحميد: لابد من إعادة النظر في منظومة التعمير بصفة شمولية مند أكثر من 5 سنوات طلبنا كاتحاد لصغار المنعشين العقاريين، بضرورة إعادة النظر في منظومة التعمير، وإعطاء المسؤولية الكاملة في إنجاز التصاميم وتتبع عملية المصادقة عليها ومراقبة وتتبع الأشغال ومنح شهادة السكن، للمهندسين المعماريين وإخلاء مسؤولية صاحب المشروع، سواء كان منعشا عقاريا أو منتفعا شخصيا من كل مسؤولية، وأن ينحصر دوره في التعاقد مع المهندس ومقاول البناء، وفي مراقبة جريان الأشغال وتنفيذ العقد وإبداء ملاحظاته في إطار إدارة تنفيذ المشروع تضم المهندس المعماري ومهندس الخرسانة ومقاول البناء ومكتب الدراسات وصاحب المشروع. كما طالبنا بأن تتحمل وزارة السكنى ووزارة التعمير المسؤولية في مراقبة عمليات البناء ومنح شهادة المطابقة، وأن تبقى وزارة الداخلية طرفا ملاحظا ضمن هذه المنظومة، كما طالبنا بضرورة خلق هيئة وطنية وهيئات إقليمية للتعمير، تضم كل المتدخلين بما فيهم المهنيين من منعشين عقاريين ومهندسين معماريين وطبوغرافيين ومهندسي الخرسانة تسند لها مهمة وضع سياسات وطنية وإقليمية في مجال التعمير تتماشى وخصوصية كل جهة أو إقليم. فالملاحظ اليوم وباستثناءات جد قليلة على مستوى بعض المدن أن مدننا تعيش تشويها عمرانيا حقيقيا وكمثال على ذلك نأخذ مدينة الدار البيضاء حيث نجد في شارع واحد بقع لها نفس المساحة وتتواجد على نفس الواجهة يرخص لجزء منها ببناء 5 طوابق ولجزء آخر ب 3 أو 4 طوابق وجزء بطابقين، ورغم المعرفة الكاملة لمسؤولي التعمير بالثقافة المغربية فإنهم يفرضون الشرفة أو (الباركون ) بالواجهات مما يدفع أصحاب العمارات إلى إضافة طوابق إضافية وأصحاب الشقق إلى إقفالها كل حسب هواه وضمها للغرف، مما يساهم في تشويه الواجهة العمرانية للمدينة. كما أن العشوائية وعدم إشراك المهتمين وجميع المهنيين من مهندسين ومنعشين عقاريين في وضع تصاميم التهيئة يساهم بشكل كبير في ما تعيشه بعض المدن من مشاكل تعميرية خصوصا مدينة الدار البيضاء التي تعيش جل عمالاتها على وقع التعرضات والاحتجاجات كلما أقدمت إحداهن على نشر تصميم تهيئتها الحضري. ومن ضمن ما طالبنا به لتفادي بعض المشاكل التي تنجم عن بعض التغيرات التي يقوم بها مقتني الشقق في إطار الملكية المشتركة بعد تسلمها من المنعش العقاري، تقنين وضبط عملية منح رخص الإصلاح وضرورة الرجوع إلى المهندس المعماري ومهندس الخرسانة اللذين أشرفا على إنجاز المشروع. *رئيس الاتحاد الوطني لصغار المنعشين العقاريين