بكلماتها المُقتضبة والمُوجزة " يجب أن تحضر إلى المنزل" أخذت (أندريا ياتس) تُخبر زوجها (روسيل) الموظف في وكالة ناسا الأمريكية لأبحاث الفضاء، دون أن يعي ما يحدث أو ما حدث للتو في منزل عائلته المليء ببهجة أطفاله الخمسة، فحرارة جسمه التي ارتفعت وتجاوزت حرارة الهاتف الذي يمسك به لم تُمكنه من استكمال كلمات زوجته أندريا التي أخذت تقول " لقد حان الوقت...لقد فعلتها"، فالخوف كان قد تسلل سريعا إلى قلب روسيل الذي يعلم جيدا المشاكل النفسية التي تعاني منها زوجته وطار سريعا إلى منزله بعد أن استطردت بالقول: إنهم الأطفال ....الأطفال كلهم"، رمى سماعة الهاتف بيده المرتجفة وهرْول مُسرعاً إلى خارج مكتبه مبعثرا كل شي في طريقه في رحلة العشرين دقيقة، حيث منزله بمدينة هيوستن الأمريكية ...لكن الصدمة هناك أفقدته الشعور والوعي معا.... "..كانت سيارات الشرطة ( يروي راسيل) قد أحاطت بالمنزل من كل جانب حين كنت أهرول نحو المنزل، بعد منعي من الدخول من طرف الشرطة التي سحبتني بعيدا، كنت أبكي وزاد بكائي عندما أخبرني ضابط الشرطة بموت أطفالي الخمسة...، حينها بدأت أصرخ مخاطبا زوجتي : كيف طاوعك قلبك على فعل ذلك، وقبل أن أكمل صراخي سقطت مغشياً علي وقد بدأت أرى الشرطة تقتاد زوجتي وهي مُكبلة بالأصفاد، لم أع شيئا إلا بعد الإسعافات الأولية في سيارة الإسعاف ..."، هكذا بدأ راسيل يروي للصحافة لحظات وصوله إلى منزل عائلته الذي فقد فيه أطفاله الخمسة... وإليكم القصة كما روتها تقارير الشرطة . "... بعد أن فقت من غيبوبتي بدأ ضابط الشرطة يقول "... كانت أجهزة الشرطة قد تلقت بلاغا قرابة الساعة العاشرة صباحا من يوم 10 حزيران/يونيو 2001 من امرأة تقول فيها إنها قتلت أطفالها مانحة إياهم عنوان منزلها، وفي الحال توجهت إحدى الدوريات إلى المنزل، فاقتادت أفراد الشرطة بهدوء إلى مؤخرة المنزل، حيث جثث الأطفال الأربعة المُبللة، بينما مازالت الجثة الخامسة في مغطس الحمام، وبدأت تسرد لهم تفاصيل قتلها لأطفالها الخمسة، مبررة ذلك بأنها تريد إنقاذهم من جهنم، وببساطة قامت بمناداتهم الواحد تلو الآخر، ودفعهم إلى مغطس الحمام بيدها حتى فارقوا الحياة، حيث نوح وجون وبول ولوقا وماري وجميعهم لم يتجاوزوا سبع سنوات، غير آبهة باستعطافهم لها بعدم قتلهم وهم يصرخون نحن آسفون.... نحن آسفون ". وتضيف التقارير بخصوص الأم "....أندريا زوجة متدينة وتؤمن بأن رسالتها في الحياة هي أن تكون ربّة بيت صالحة تحب زوجها وتسانده وتتفانى من أجل تربية أطفالها، حتى وقعت لها عملية الإجهاض اللاإرادية وقلبت حياة الزوجين رأسا على عقب، بعد أن بدأت تعاني من مشاكل نفسية تجلت في إصابتها بانهيار عصبي أدى بها إلى الإقدام على الانتحار لمرات متعدّدة، فقد كان الأطباء قد أكدوا أنها مصابة ب(كآبة الإنجاب)، وباتت أندريا وبالتدريج (ونتيجة لمشاكلها النفسية) تعتقد بأن الشيطان يلبسها وأن أطفالها لن يجدوا الخلاص أبدا وسيدخلون الجحيم بسببها، وبالتالي لا بد من التخلص منهم وقتلهم، وبخصوص ذلك تقول "..إنها الخطايا السبع المميتة (في العقيدة الكاثوليكية)، أطفالي لم يكونوا صالحين، كانوا ينحرفون عن الطريق لأني شريرة....، طريقة تربيتي لهم لم تكن لتسمح لهم بالحصول على الخلاص...، لقد كانوا سائرين للهلاك في نار الجحيم، ولهذا قمت بقتلهم جميعا حتى أخلصهم من الجحيم..". هكذا استرسلت أندريا في اعترافها الكامل بقتل أطفالها الخمسة قبل أن تواجه حكم الإعدام يناير عام 2002 في محاكمة استقطبت اهتماما إعلاميا كبيرا لبشاعة الجريمة وغرابتها، قبل أن يستطيع محامي الدفاع استئناف الحكم والطالبة ببراءتها تحت ذريعة إصابتها بالمرض النفسي الذي خفف عنها الحكم إلى السجن المؤبد مع عدم إمكانية الحصول على إطلاق السراح المشروط قبل مرور أربعين عاما من الحكم، ليتم استئناف القرار من جديد عام 2006 ويفرج عنها، وإحالتها على إحدى المصحات العقلية في ولاية تكساس الأمريكية، لتتحول قصتها إلى فيلم سينمائي ( فيلم الرعب الشهير كآبة الإنجاب Baby Blues ). جينفيف لرميت..... الرحيل معي...لكنهم رحلوا بدونها حين هبط (بوشعيب مقدم) سلم الطائرة في المطار البلجيكي لم يكن الرجل العائد تواً من زيارة أهله في المغرب يدرك حجم الكارثة التي تنتظره، يُهرول سريعاً للخروج من المطار لرؤية أطفاله وزوجته قبل أن يفاجأ بضابط الجوازات في المطار، الذي طلب منه مرافقته بهدوء إلى غرفة جانبيه مليئة برجال الشرطة وطبيب خاص، دون أن يدرك بوشعيب مغزى ذلك وبدأ يقول بتعجب:"هل للأمر علاقة بالأمراض ؟ وقبل أن تندثر علامات الاستغراب عن وجهه انطلق أحد الضباط بالقول: "يؤسفني أن أنقل إليك بعض الأخبار المزعجة... ، فرّد بوشعيب مُتلعثما: ماذا حدث ...أنا لم أقترف أية مخالفة وأوراقي سليمة...، حينها قاطعه الضابط وبدأ يقول له من جديد: الأمر لا يتعلق بأوراقك ..الأمر يتعلق بعائلتك.... يؤسفني إخبارك بأن أطفالك تعرضوا إلى حادثة مؤسفة...، لقد ماتوا جميعا....قالها الضابط وهو ينكس رأسه بينما سقط بوشعيب في الحال مغشياً عليه..، وفي اليوم التالي كان هناك عنوان كبير يتصدر أغلب الجرائد البلجيكية .. "أم تذبح أولادها الخمسة". كانت الشرطة البلجيكية قد تلقت بلاغا ليلة 28 من شباط/فبراير عام 2007 من سيدة قالت بأنها ذبحت أطفالها الخمسة للتو وأنها تنوي الانتحار، وفي الحال توجهت سيارات الشرطة إلى مصدر الاتصال وهو منزل صغير في ضاحية مدينة ليفيل، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة بروكسل، كان كل شي عاديا وهادئا للوهلة الأولى، فلم يكن باب المنزل مقفلا، لذلك دلف رجال الشرطة إلى الداخل بسهولة، وفي الممر المؤدي إلى الصالة الرئيسية شاهد الرجال أول المشاهد الصادمة، فقد كانت الأم جينفيف لرميت جالسة على الأرض وسط بركة صغيرة من الدم وهي تسند رأسها وجسدها إلى الجدار تلفظ أنفاسها الأخيرة التي لم تفارق معها الحياة بعيد نقلها سريعا إلى أحد المستشفيات القريبة من مكان الحادث، وما هي إلا لحظات حتى ولج رجال الشرطة الطابق الثاني للمنزل الذي بدت إحدى غرفة أشبه بالمسلخ حيث الدماء التي تغطي الأرضية والجدران، وعلى أحد الأسرة تمددت أربع جثث لأطفال يتأبط كل منهم دمية صغيرة في ظل وجود جرح كبير نازف في عنق كل منهم، في منظر شبيه بجثة الطفلة الخامسة التي وضعت في مغطس الحمام كما فعلت الأمريكية أندريا قبل سنوات قليلة. بعد أن تماثلت جينفيف للشفاء بدأت الشرطة إجراءات التحقيق معها وبدأت تسترسل في تفاصيل ارتكابها لعملية قتل أطفالها الخمسة قائلة "... كنت قد خططت لقتل أطفالي الخمسة قبل عودة والدهم بوشعيب من زيارة عائلته بالمغرب، ففي البداية استدعيت ابنتي الكبرى ياسمين (14 عاما) التي كانت تشاهد التلفاز مع أشقائها في الصالة الصغيرة للمنزل، وبما أنني أعي جيدا بأنها بالغة وربما تفشل عمليتي في القتل وتقاومها، فقد التجأت إلى خداعها موهمة إياها بأنني خبأت لها مفاجاة كبرى، فطلبت منها أن تتمدد على السرير وتغمض عينيها لكي لا ترى المفاجأة، حينها قمت بضربها ضربة قوية على رأسها بقطعة من الرخام حتى فقدت وعيها وأخرجت السكين الحاد وحززت رقبتها سريعا، وانتقلت بعدها وبالعملية نفسها لأطفالي الآخرين واحدا تلو الآخر...مريم (10 سنوات)، منى (7 سنوات)، مهدي (3 سنوات)،أما نورا (12 سنة) فقد قمت بقتلها ووضع جثتها في الحمام الخاص بالمنزل...، وما أن أتممت كل شي حتى نزلت إلى الصالة واتصلت بأحد أصدقائي وتركت له رسالة صوتية قلت له فيها " قررت الهرب بعيدا جدا رفقة أطفالي الخمسة...، وقبل أن أضع سماعة الهاتف قمت بالاتصال بالشرطة وإخبارهم بقتل أطفالي وعزمي على الانتحار الذي قمت بطعن نفسي بمجرد أن أغلقت سماعة الهاتف..لكنني لم أمت .....". بعد هذه الحادثة حوكمت جينفيف بالسجن المؤبد سنة 2009 ، وهي أقصى عقوبة في القانون البلجيكي .