لم يكن حكم الحسن الثاني مرحبا به في الكثير من المحطات، خصوصا تلك التي أعقبت توليه العرش وما رافق ذلك من اعتقالات واختطافات، ستنتهي بالإعلان الرسمي عن حالة الاستثناء التي وضع الملك بعدها كل السلط في يده. لذلك تعرض لأكثر من محاولة انقلاب تحدث البعض عن كونها قاربت العشرين محاولة، لم يكتب لأي منها النجاح. وبين انقلاب الصخيرات في 1971 ومهاجمة الطائرة الملكية في غشت 1972، وقع توافق كبير بين إرادتي الجنرال أوفقير، الذي كان يردد أنه يريد أن يسحق الحسن الثاني، وإرادة الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، المكتوي بنار الملك الذي استحوذ على الحكم وأصبحت كل السلط مركزة بين يديه، لإنهاء حكم الملك. انضاف إليهما كل من المقاوم حسن صفي الدين الأعرج، والمستشار الملكي ادريس السلاوي. هذا الرباعي الذي رتب لانقلاب من نوع خاص لن تطلق فيه أي رصاصة، ولن يسقط فيه ضحايا كما حدث في الانقلابات السابقة. سيرة الانقلاب، والترتيبات التي سبقته، والتي تعيد «المساء» تركيب حلقاتها في هذه السلسلة، كانت تهدف إلى اختطاف الملك الحسن الثاني بواسطة طائرة مروحية، ثم تشكيل مجلس وصاية إلى أن يصل ولي العهد إلى سن الرشد، على أن يتولى مستشاره ادريس السلاوي مهمة رئاسة الدولة. سيعترف الحسن الثاني، أياما بعد المحاولة الانقلابية التي استهدفت طائرته البوينغ 727 وهو عائد من فرنسا في الرابع عشر من يوليوز من سنة 1972، وفي ندوة صحافية، أن التخطيط لهذه العملية استغرق أشهرا كثيرة. فعن سؤال لأحد الصحافيين حول المدة التي يكون قد رتب فيها الانقلابيون عملية الهجوم على طائرة الملك، قال الحسن الثاني، بما يشبه التأكيد، إن ترتيبات العملية انطلقت أربعة أيام بعد انقلاب العاشر من يوليوز من سنة 1971 بالصخيرات، وهي الترتيبات التي قادها الجنرال أوفقير. لكن الشق الآخر من السؤال حول من يكون قد خطط مع أوفقير، لم يحمله جواب الملك. وحينما نستحضر ما قاله اليوم الاتحادي محمد الحبابي من أن الترتيبات لانقلاب الثالث من مارس من نفس سنة 1972، والذي لم يكتب له النجاح بعد أن خطط له الرباعي أوفقير، وعبد الرحيم بوعبيد، والمقاوم صفي الدين الأعرج، باتفاق كامل مع مستشار الحسن الثاني إدريس السلاوي، انطلقت مباشرة بعد انقلاب الصخيرات، لا بد أن نطرح السؤال، هل كان انقلاب الطائرة الذي نفذ في الرابع عشر من يوليوز، هو الفصل الثاني من الخطة، بعد أن فشل فصلها الأول، الذي كان مقررا في الثالث من مارس من نفس السنة؟ وهو سؤال يعني هل الذين خططوا لاختطاف الملك بعد أن يركب الطائرة في يوم عيد جلوسه على العرش، ثم إرغامه بعد ذلك على التخلي عن العرش، وتكوين مجلس وصاية في انتظار أن يكمل ولي العهد سن الرشد، وهو الذي كان وقتها لا يتجاوز سن التاسعة من العمر، هم أنفسهم من خططوا لانقلاب الطائرة؟ في نفس الندوة الصحافية التي أعقبت الانقلاب، يحكي الحسن الثاني كيف استقبل أمقران، أحد منفذي عملية الهجوم على طائرة الملك بعد أن قرر العدول عن الهرب إلى جبل طارق، وطلب اللجوء السياسي من قبل السلطات البريطانية. وحينما كانا وجها لوجه، اعترف أمقران للملك الراحل، أن الترتيبات انطلقت أربعة أيام بعد انقلاب الصخيرات بتخطيط من أوفقير. وللتأكيد على أن الجنرال، الذي كان وقتها وزيرا للدفاع هو من رتب كل شيء، يقدم الملك الراحل حكاية يوم اقترح عليه أوفقير وهما في مدينة أكادير، التصدي لطائرة معمر القدافي الذي كان يرتب لزيارة إلى موريطانيا. لقد قال أوفقير إنه مستعد لاعتراض طائرة الزعيم الليبي وهي في طريقها إلى موريطانيا بواسطة طائرة «أف 5». لكن الحسن الثاني رفض. وقال إن ذلك ليس من شيم المغاربة. كما أن المغرب هو من كان يتوفر وقتها على هذا النوع من الطائرات في المنطقة، ما يعني أن التحقيقات التي ستتم مباشرتها ستكشف المستور. وحينما كانت الأربع طائرات من نوع «اف 5» تطارد طائرة الملك وهو فوق سماء مدينة تطوان، استحضر الحسن الثاني هذه الحكاية التي قالها أوفقير، وفهم أن الخطة التي أراد تطبيقها ضد القدافي، حولها ضده لولا البركة، كما ظل يردد الحسن الثاني، التي لعبت وقتها دورا كبيرا في الإفلات من موت محقق حينما قال في الراديو إن الملك مات، وإن ضحايا كثيرين يوجدون بين الموت والحياة. وهي الصيغة التي تكون قد دفعت الانقلابيين إلى عدم تفجير الطائرة وإسقاطها في البحر، كما قال الحسن الثاني، قبل أن يتحكم أوفقير في كل السلط. لقد فوجئ الملك الراحل بهجوم انقلابي من طرف أوفقير ونخبة من الجيش كانت تدين بالولاء للجنرال، وهو على متن الطائرة بيونغ 727 في رحلة توقف خلالها في برشلونة، عائدا إلى الرباط بعد رحلة لفرنسا استغرقت ثلاثة أسابيع. وبعد دخوله الأجواء المغربية، أقلعت ست طائرات حربية من طراز «إف 5» من قاعدة القنيطرة الجوية لتقابل الطائرة الملكية. كان سرب الطائرات، تحت قيادة صالح حشاد، قد أقلع من قاعدة القنيطرة الجوية لمرافقة طائرة ملك المغرب الحسن الثاني مباشرة بعد دخولها الأجواء المغربية. وهي الطائرات التي سيطالب الملك بعودتها لأنه لم يطلب أي حراسة. لكن ثلاثا منها أطلقت النيران على الطائرة الملكية، حيث تعطل محركان من المحركات الثلاث، فيما تحطم خزانها التحتي، وأصيبت الطائرة بالتواءات من جراء إطلاق قذائف من عيار 20-mm. لقد كان قائد سرب الطائرات المقاتلة في هذه العملية هو الرائد كويرة، قائد قاعدة القنيطرة الجوية، الذي عجز عن تشغيل مدفعه الرشاش، لأسباب تقنية في الطائرة. فقرر أن يقوم بهجوم انتحاري على البوينغ الملكية. وإن كان مقربون ممن خططوا للانقلاب، خصوصا محمد أيت قدور، أحد المسؤولين في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قد تحدثوا على أن مخطط أمقران وكويرة، اللذين كانا على اتصال بقادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وفي مقدمتهم عبد الرحيم بوعبيد، لم يكن هو تفجير الطائرة، ولكن إرغامها على النزول إلى قاعدة القنيطرة، ودفع الملك للاستقالة، وتكوين مجلس ثورة، وليس مجلس وصاية، لو تم انقلاب الثالث من مارس من نفس السنة، في انتظار أن يصل ولي العهد سن الرشد. لقد أبدى قائد الطائرة الملكية هدوءا كبيرا في إيقاف الهجوم على الطائرة حينما، أوحى إلى مهندس الطيران في الطائرة بالتحدث عبر الراديو إلى المهاجمين، فقال لهم إن قبطاني الطائرة، قد قتلا، وإن الملك أصيب بجروح خطيرة في مؤخرة عنقه، لينسحب المهاجمون إلى قاعدتهم في القنيطرة للتسلح مجددا، فيما اغتنم قائد الطائرة محمد القباج، الذي سيصبح بعد ذلك قائدا لسلاح الجو، الفرصة في هذه الأثناء. وبعد 20 دقيقة، هبط بنجاح بالطائرة، بالغة الإصابة، وسط سحب من الدخان في مطار الرباط العسكري. فشل انقلاب الطائرة في السادس عشر من يوليوز من سنة 1972، وفشل قبلها اختطاف الملك في الثالث من مارس من نفس السنة. لكن هل من خطط لاختطاف الملك، هو نفسه من خطط لقصف الطائرة؟