سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنونة: أول قصة قومية كتبتها وأنا بفلسطين عن صبية تعاني من قمع الاحتلال قالت بأن وفدهم كان هو الثاني الذي يسمح له بالدخول إلى بيت«صفافة» بعد وفد الأمير مولاي عبد الله
حياتها من حياة المغرب المعاصر تفاعلت معه وفعلت فيه بكل الصدق والإخلاص ككاتبة وكمناضلة على طريقتها الخاصة وهي السليلة لأسرة عريقة في النضال والوطنية ومعروفة بالإيثار يقف على رأسها والدها «سيد الآباء» كما تسميه . ووالدتها المرأة الوحيدة في المغرب التي تنازلت عن أراضيها لجيش التحرير. المرأة الحديدية التي قال عنها خالها سيد العربي الإدريسي المقاوم الشهير «لم تغلبني فرنسا وغلبتني هذه القردة»، حينما رفضت بشراسة أن تزوج وهي بعد طفلة لأحد الشرفاء كما تدعو إلى ذلك الطقوس. وهي التي قال لها والدها الروحي كما تسميه علال الفاسي: «لقد سبقت زمانك بمائة سنة»، وهي التي قالت له:»لو كان الجدار هو المستحيل نفسه لظللت أضرب برأسي عليه حتى أموت أو أفتح فيه كوة تصنع منها الأجيال الآتية بابا للمستقبل، لأكون جديرة بأبوتك» ، فعانقها وهو يقول: «أومن بك، أومن بك» ودمعت عيناه . حماها من الزواج المبكر وراهن عليها ولم تخيب فراسته. قال عنها :»هي ابنتي، وابنة المغرب وقرة عيني». أما عبد الكريم غلاب فكان يقول: «حينما تحضر خناثة نضع أيدينا على قلوبنا في انتظار أية قنبلة ستفجر» وهي التي قال عنها الراحل عبد الجبار السحيمي علمت الأجيال الشجاعة. وكثير كثير. سجلت لوحدها ملحمة في الكتابة والمواقف والإيثار و رفضت الإغراء وعبرت عن أرائها بكل صدق وأخلصت لاختياراتها فكانت دائما هي الضمير المتحرك الذي لا ينام ، وهي التي قالت لأحد قادة الاتحاد الاشتراكي حينما سألها أتمنى أن تكون لنا شجاعتك:» لقد أطلقتم أحزمة بطونكم وبلعتم ألسنتكم، أما أنا فأحكمت الحزام على بطني، وأطلقت الحرية للساني». في هذه الحلقات تروي صاحبة «النار والاختيار»، و«الغد والغضب» القصة الكاملة لقراء «المساء» بتفاصيل التفاصيل كما لم تسمعوها من قبل. وماذا تتذكرين عن «بيت صفافة»؟ «بيت صفافة» هذا لم يعد له وجود. وقد سبق أن كتبت عنه مقالا. ثم بعد ذلك توجهنا إلى مدينة الخليل وزرنا قبر سيدنا إبراهيم وزوجته سارة وسيدنا يعقوب وإسحاق، وبهذه المؤسسة القبرية إن جاز التعبير توجد بها عين مباركة شربنا منها جميعا. ثم وصلنا إلى معان، الذي صادف وجودنا بها الفيضان، وقد رأينا هناك الخيام الممزقة تحت هجير الشمس وعواصف رمال الصحراء. وأذكر أيضا أنه في معان جمعوا الناس الذين فقدوا بيوتهم في المساجد. وكانت هناك امرأة كبيرة في السن تلتحف الأسود وتدخن، فأثارنا هذا المنظر وتعجبنا مما تقوم به داخل المسجد. ولذلك قلنا إن ما حدث لهم هو عقاب ولعنات حلت بهم لمثل هذه التصرفات. فقد «نزلت عليهم لعنة اليهود»، هكذا قالت الأسرة. وأذكر أنه في «بيت صفافة» سابق الذكر وقعت لنا قصة كنت أنا المسئولة عنها، فقد كان لا يسمح بالدخول إليها لأي وفد إطلاقا، إلا برخصة عسكرية، وذلك على أساس أن يلتزم الوفد بعدم الاحتكاك بالجيش الإسرائيلي. وقد كان «بيت صفافة» عبارة عن مدينة صغيرة مقسمة بالأسلاك الشائكة، ومازالت صورتها حاضرة أمامي وإلى الآن. إذ كان السكان الفلسطينيون من هنا ومن هناك، فجزء منهم تحت الاحتلال الإسرائيلي ووراء أولئك السكان، كانت هناك مجموعة من العمارات مبنية على مسافة طويلة وكأنها حية ملتوية بنتها ألمانيا لفائدة إسرائيل، وقيل لنا عنها إنها بنايات مدنية وما هي في ذلك من شيء . وأذكر أنهم حينما منحونا رخصة الدخول أخذوا علينا التزاما أن لا نتكلم وألا نتحرش بالجيش الإسرائيلي، حتى وإن فعل هو ذلك، وذلك حتى لا نتسبب في صدام بين العسكر الأردني والإسرائيلي. وعلى ذلك فقد جاء إخوتي وقالوا لي إننا لا نخاف إلا منك: إما أن تتعهدي بعدم إثارة المشاكل أو تبقين في الفندق ..فقال لهم والدي رحمه الله إذا بقيت هي فسيبقى الجميع. وقد ذكر لنا أن وفدنا هو الوفد المغربي الثاني حينئذ الذي سمح له بالدخول إلى «بيت صفافة». أما الوفد الثاني فكان يرأسه الأمير مولاي عبد الله الذي منحت له رخصة الدخول. وقد حصل وفدنا على الرخصة بفضل المقاوم الجبار عيسى الذي سبق الحديث عنه. وقد كنا ننزل في فندقه، وكان يحمل السلاح للنضال في القدس ثم يعود. ذهبنا جميعا، ولما دخلنا استقبلنا بعض الأفراد من الجيش وأعطونا مرة أخرى توجيهات وأوامر، وأكدوا لنا أن الحديث أو التحرش ممنوع. لكن حينما دخلنا للدرب الذي يسكنه الفلسطينيون، شاهدت صبية سنها ما بين 11أو12 سنة تقف على الجهة الأخرى وهي تنظر إلى ما وراء الأسلاك الشائكة في الجهة المقابلة، وفي يديها دملجان من الذهب، وقد كتبت عنها قصة موجودة في مجموعتي «فليسقط الصمت»، حيث إنها ستكون لها علاقة مع أحد أبناء جلدتها وتشترط عليه شرطا من أجل أن يأخذ يدها وهي أن يكون فدائيا وهذا هو صداقها، وقد باعت من أجل ذلك كل ما تملك لشراء السلاح من أجل المقاومة. وهذا كنت قد كتبته حينئذ، فكيف يقولون عني الفاسية البورجوازية الرجعية ..هؤلاء الذين قلت عنهم ذات يوم إنهم فقط «ثوار البارات» و»أبطال من الورق المقوى»، وقد كتبت عنهم كتابا تحت عنوان:»الصورة والصوت». إن ما كتب عني سابقا فيه ظلم كثير، والآن هناك عدد من الإخوة اعتذروا وقدموا تبريرا لمواقفهم من كتاباتي على أساس اللازمة التي كانوا يسطرونها بشكل الذم والقدح، وهي الفاسية البورجوازية الرجعية الاستقلالية .. فهم لا يقبلون امرأة كاتبة لها شخصيتها الخاصة واحترامها لذاتها. كانت هذه الصورة مكرسة عن المرأة الكاتبة، في المشرق، ثم ارتحلت للأسف إلى المغرب. إن أول مجموعة قصصية ظهرت لي هي»ليسقط الصمت» أول قصة فيها هي قصة قومية، وثلثان من نصوصها تتعلق بقضايا القومية والقضايا المغربية، في الوقت الذي كانت فيه رفيقة الطبيعة التي تجايلني لا تكتب إلا عن مغامراتها الأنثوية وغير ذلك-مع الاعتذار إليها- لأن سياق الحديث جاء بهذا. مع أنها أخيرا كانت صديقة لي، ذكرها الله بخير. - هل من صور وأحداث مازالت عالقة بذهنك في رحلتكم إلى فلسطين؟ مما أذكر أن امرأة كانت تسكن بالجهة العربية وابنتها في الجهة المحتلة وتفصل بينهما الأسلاك الشائكة فحسب. وكانت ابنتها حاملا في لحظة المخاض. وقد ظلت ترخي أذنيها لتسمع صراخ ابنتها لتعرف ما إذ مازالت حية. وحين جاء الليل صعدت إلى سطح بيتها لتقصي الخبر عبر الإنصات لصراخ ابنتها؟ فاصطادها العسكر الإسرائيلي وقتلها. وانطلاقا من الحدث بت أشحن، وبدأ صبري ينفذ. ثم وبعد أن صرنا مسافة في الدرب الفلسطيني غير المزفت .. إذا بامرأة تنشر الغسيل، تشد انتباهي. كانت هذه المرأة المسكينة وهي تنشر الغسيل وتشده ب»القباضات» وهي تراقب الحركات تشدني وهي تطل ما بين الفراغات الموجودة مابين الملابس المنشورة. وهكذا فقد أوحت لي بقصة» تبدأ هكذا:».. المناديل والأسلاك..» وقد ضمتها مجموعتي القصصية»فليسقط الصمت». وفي ظل هذا المشهد المثير للانتباه ناديت عليها صائحة وأنا أشد على الأسلاك أريد تحطيمها إلى أن أغمي علي. ولم استفيق إلا في ضريح سيدنا موسى الذي استغل كثكنة عسكرية، حيث كان يوجد به بعض الجنود الأردنيين. وحينما استفقت من غيبوبتي وجدت نفسي في حجر والدي وإخوتي حولي فاتحين القرآن الكريم ومعهم اثنان أو ثلاثة من الجنود يقرؤون معهم. أما أمي رحمها الله فكانت واقفة وهي تضرب على قبر سيدنا موسى، وهي الشريفة / «المهلهلة :» دعيتك الله يا نبي اليهود/ ، دعيتك الله أنت واليهود ديالك جيتك ببنتي وما شي نمشي بلا بنت، قتلتوها لي. الله يعطيكم قتيله أنتينه والناس ديالك» . كانت في حالة هستيرية. ولما قالوا لها إنني أفقت من غيبوبتي فرحت فرحا عظيما. وأخذوا يصبون علي الماء. وبعد ذلك قالوا إنها كانت معجزة ألا يصطدم الجيشان: الأردني والإسرائيلي. ومن تم فقد ألحوا علينا أن نغادر المكان بل والقدس. وكذلك كان. - وما هي وسيلة النقل التي استعملتموها في رحلتكم هذه؟ سافرنا من مصر إلى لبنان بالباخرة، وسافرنا من لبنان إلى الأردن بالسيارة. ثم فلسطين وبعد ذلك دخلنا إلى «معان « التي كان يهدد بها جمال عبد الناصر إلى «صحراء بطن الغول». وقد قطعناها في ثلاثة أيام - بالسيارة؟ نعم بالسيارة؟ - وكان معكم علال الفاسي؟ لا سي علال الفاسي جاء إلى مكة بالطائرة. وكذلك الأعمام وزوجاتهم وأولادهم. فقد جاؤوا جميعا من أجل أن يحضروا العرس ويحجون، وكذا الجيران من مثل عائلة بوعياد، السبتي ..