سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البطيوي: عزيز المنبهي اقترحني للإدلاء بشهادتي في ندوة حول حقوق الإنسان ببروكسيل حكى قصة فراره من مليلية إلى بروكسيل وتوقف عند رفض السلطات البلجيكية مواصلة دراسته
في كراسي الاعتراف تجري العادة أن يسرد المحاور حياته منذ أن رأى نور الحياة الأول إلى نهاية مساره الحياتي، لكن محمد البطيوي، آثر أن يسير ضد هذا المنطق، ويشرع في بناء الأحداث بالطريقة التي يراها هو مفيدة للتاريخ المغربي، أي أنه اختار أن يبدأ بلحظة عودته إلى المغرب بعد 27 سنة من حياة المنفى الاضطراري تارة، والاختياري تارة أخرى. في بروكسيل، يتذكر البطيوي قصته مع الاعتقال والتعذيب البشع الذي تعرض له بمدينة وجدة، بعدما ورد اسمه إلى جانب طلبة آخرين في اللائحة السوداء للمشاركين في إضرابات سنة 1984، ويتوقف طويلا عند تجربة المنفى وقصة هروبه من المغرب وعلاقته بمومن الديوي، أحد أبرز معارضي نظام الحسن الثاني، ويعود، فوق ذلك، إلى تفاصيل تنشر لأول مرة حول التنسيق الذي كان يجري خارج المغرب للإطاحة بالحسن الثاني. - بعد لحظات الحزن التي عشتها، استطاع والدك أن يجد حلا لمغادرتك المغرب دون إثارة انتباه السلطات الأمنية، وتوقفت في الحلقة السابقة عند نقطة مساعدة أحد رجال الأمن، الذي جرى الاتفاق معه على أن يؤشر على جوازك دون تسجيله ثم سيأتيك به إلى مليلية، ما الذي حدث بالضبط؟ في هذه اللحظة، حسب الخطة المعدة سلفا يجب على الشرطي أن يدخل إلى مليلية ويسلم لي جواز سفري ثم أشتري تذكرة سفر مهما كانت ليؤشر الإسبان أيضا عليه. طبعا أنا كنت أتوفر على ظرف يحتوي على القدر المالي الذي طلبه الشرطي ليسدي لنا هذه الخدمة ولم أكن أعرف مقداره. جاء الشرطي إلى «بارك مليلية» وسألني عن السبب الذي يجعلني أفكر في مغادرة المغرب وأخبرته عن رغبتي في مواصلة الدراسة وحكيت له كل ما جرى لي في جامعة محمد الأول ورفض عميد كلية العلوم تسجيلي. لن أنسى الموقف الإنساني الذي قام به الشرطي، إذ بعدما اقتنع بأنني أريد أن أكمل دراستي حقا رفض رفضا قاطعا أن يتسلم المبلغ المالي وأعاده إلي قبل أن أسلمه لأخي الذي رافقني ليعيده إلى الوالد، فقد كنت أخمن أنه اقترضه من أحد أصدقائه لمساعدتي على الخروج. بعد دخولي إلى المغرب سألت عن الشرطي وأخبرني والدي أنه توفي قبل مدة وكان يسأل عني دائما، فرغم أنه كان معروفا بتلقي الرشاوى إلا أنه سجل موقفا نبيلا غير مسار حياتي. - ماذا حصل حين تسلمت جواز سفرك يحمل طابع الخروج؟ بدأت أبحث عن التذكرة لأغادر مليلية، في نفس اليوم لم أجد التذكرة. كنت مشتت الأفكار كثيرا، حيث لم يستقر قراري على بلد معين، في البداية قلت في نفسي سأذهب إلى غرناطة لأرى إن كانت هناك إمكانية للتسجيل وإذا تعذر الأمر سأذهب إلى فرنسا، ثم وضعت بلجيكا في آخر قائمة الاختيارات. انتصبت أمام وجهي مشكلة أخرى، فقد طلبت مني السلطات الإسبانية أن أحصل على تذكرة الذهاب والإياب ضمانا لعودتي إلى المغرب فتأشيرتي كما قلت لك سلفا لا تحمل سوى عشرين يوما إلى دول البينلوكس. أعتقد أن كل الأقدار تحالفت لحظتها لأغادر بعيدا عن المغرب، فقد وجدت صاحب محل للصرف اقترح علي مساعدتي شريطة أن أصرف أموالي عنده، فوافقت على اقتراحه. في اليوم الموالي رافقني إلى وكالة للتذاكر، حيث منحني صاحبها تذكرتي الذهاب والإياب مع خصم ل 3 بالمائة من مبلغ الحجز إلى حين أن أعيد له تذكرة الإياب. - إلى حدود تلك اللحظة لم تكن تعرف وجهتك..؟ بالتحديد، فالذي كان يهمني هو أن أسجل نفسي في أي مؤسسة جامعية لأواصل دراستي وفي أي بلد آخر غير المغرب. في الميناء حدث شيء غريب، إذ جاء عندي أحدهم وسألني عن الوجهة التي أقصدها، لأرد له نفس السؤال، فأجابي: «أنا غادي لبروكسيل وعندي جوج طوموبيلات، وإذا أردت أن تذهب بالمجان عليك أن تقود السيارة الثانية»، فأخبرته أنني لا أتوفر على رخصة للسياقة، ثم بعد لحظات فقط التقى مغاربة آخرين فعاد عندي ليقترح علي مساعدته في دفع ثمن البنزين إذا ما أردت مرافقتهم فوافقت على الاقتراح. كنت أرى أمر الخروج من المغرب مغامرة، ولذلك قررت أن أواصل المغامرة وأذهب إلى بروكسيل على متن سيارة عبر إسبانيا وفرنسا واخترقنا بعض المدن الصغيرة تجنبا لدفع ثمن تذكرة الطريق السيار، ثم التحق بنا ألماني على الطريق وساهم معنا في دفع ثمن اقتناء البنزين. كانت مغامرة حقيقية، ثم وصلنا إلى مدينة بروكسيل صباح 13 غشت ودعانا صاحب السيارتين إلى منزله. أوصلني «صاحب السيارات» كما كنت أسميه إلى منزل ابن خالتي الذي يسكن في بروكسيل. عشنا لحظات جميلة أنا وابن خالتي لاسيما أنه تربى معنا. - هل بدأت تبحث عن طريقة للالتحاق بالجامعة؟ أتذكر أن كل الأجانب الذين كانوا يأتون إلى بروكسيل، خاصة المغاربة منهم كانوا يسجلون في مدارس «المبصارية» les écoles d'optique، كمرحلة انتقالية قبل الالتحاق بأي جامعة أخرى. بالفعل، سجلت في إحدى المدارس ودفعت كل رسوم التسجيل ومتابعة الدراسة، لأن والدي منحني مبلغا ماليا محترما حينما غادرت المغرب. إلى هنا كانت الأمور عادية جدا، لكن حين قصدت مقر الجماعة، اشترطوا علي أن أعود إلى المغرب للحصول على تأشيرة الطالب لمتابعة الدراسة ببلجيكا، فكان جوابي مليئا بلغة الاستنكار والسخرية وأخبرتهم بما حصل لي في المغرب وعن استحالة الرجوع إليه مهما كان. تشبثت موظفة الجماعة بموقفها وقالت لي إن القانون البلجيكي لا يسمح لي بالتسجيل في أي مؤسسة تعليمية بلجيكية إلا حين الحصول على تأشيرة الطالب. في تلك الفترة كنت أتوفر على رقم عزيز المنبهي، أخ سعيدة المنبهي، فقررت أن أتصل به، وحكيت له من جديد قصتي في المغرب، وضرب لي موعدا في أواخر شهر شتنبر ببروكسيل، كما طلب مني عنوان سكني كي يكلف اثنين من أصدقائه بزيارتي. بعدها زارني بلجيكيان لإقناعي بالإدلاء بشهادتي حول ما وقع لي بالمغرب في نفس الندوة التي سيشارك فيها المنبهي حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب. - لم يسبق لك إلى حدود ذلك اليوم أن التقيت عزيز المنبهي..؟ لا أبدا. - ماذا اقترح عليك البلجيكيان اللذان زاراك في محل سكناك؟ اقترحا علي أن أشارك في الندوة التي ستخصص للحديث عن أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، فوافقت على عجل، وأتذكر أن الحضور كان مكثفا جدا في تلك الندوة، إذ حضرها العديد من المعارضين المغاربة من أمثال عبد الله سبايطي ومحمد البارودي، وختمها سعيد المغربي بأمسية غنائية.