سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عندما طلب ليوطي من جيشه احتلال وجدة دون خسائر وحمل المجارف والفؤوس عوض السيوف الفيلق الذي احتل وجدة كان يرى أن السلاح هو الحل بالنسبة إلى المعضلة المغربية
عديدة هي الكتب التي ألفت عن الماريشال ليوطي وعن علاقته بالمغرب، فقد ارتبط اسمه بالدولة الحديثة في المغرب إلى درجة أن المؤرخ إبراهيم بوطالب قال مرة إن ليوطي «ينتمي إلى المغرب أكثر مما ينتمي إلى فرنسا». ويعتبر كتاب «ليوطي المغرب» الذي كتبه الجنرال جورج كاترو عام 1952 أقدم وثيقة شاملة عن حياة ليوطي وسياسته في المغرب، فقد عاش بجانبه طويلا في الجزائر قبل أن يأتي إلى المغرب بطلب من الماريشال ويلازمه في كل تحركاته. «المساء» تنشر الكتاب مترجما إلى العربية للمرة الأولى، كونه يفتح عينا على الماضي الذي صنع الحاضر. في شهر مارس 1907 قررت فرنسا خوض مغامرة باحتلال وجدة، فتلقى ليوطي - الذي كان وقتها رئيسا للفرقة العسكرية في وهران - الأمر بأن يوجه إلى هذه المدينة رتلا عسكريا، كانت الكتيبة الثالثة التابعة للفرقة الأجنبية الأولى، التي كنت أخدم بها، جزءا منه. كانت هناك حالة حبور وجيشان في الثكنة القديمة في سيدي بلعباس، مركز قيادة الجيش الأجنبي، وكانت نفس الحالة في كل الجيش الإفريقي الذي ظل طيلة عقود، وتحديدا منذ عام 1900، ينجذب إلى السراب المغربي الخلب. لقد كان هذا الجيش جيشا نشطا ومتحفزا، وريث الجيش الذي احتل الجزائر ورفع رايته في تونس، وكان لديه جنوح إلى استكمال المهمة بجعل المغرب بلدا تابعا لفرنسا. كان جيشا من المحترفين والصفوة المختارة والأطر المنتقاة، وكان مشكلا من فرق متمرسة وقتالية، وأفراد يعشقون الحركة والمغامرة، يتم إغناؤه بزبدة المتخرجين من مدارسنا العسكرية. ولأن هذا الجيش كان متحرقا للقتال لإثبات كفاءته، فقد كان يركز بصره على المغرب كساحة للأمجاد المستقبلية، ويتابع تطورات المشكلة المغربية على أمل أن يتمكن ذات يوم من حسمها. ومع أنه لم يكن يتابع الجانب المتعلق بالتدخلات الدولية في هذه المشكلة العويصة إلا بشكل عام، فإنه لم يكن على اطلاع سوى على المفاوضات الديبلوماسية غير الناجعة لحلها، مستشعرا بأن المطالب الألمانية المترفعة ومواقف السلطان المعيقة تمسانه في نخوته الوطنية. ومن ثمة كان يعتبر أن أساليب التفاهم أساليب عقيمة وأن إنهاء المعضلة المغربية لن يتم سوى باللجوء إلى استعمال السلاح. لذلك استقبل خبر تشكيل فرقة مختصة لاحتلال وجدة بنوع من المرح والارتياح، لأنه كان يدرك أن تلك العملية التي كان يراد لها أن تكون مؤقتة ومحدودة لن تنتهي في الزمان أو المكان، وأن احتلال مدينة لن يكون سوى نقطة البداية لحملة غنية بالمفاجآت والأعمال الحربية والأمجاد، كما كان احتلال مدينة الجزائر عام 1830 من لدن الجنرال بورمونت. لقد كان ذلك الجيش يعتقد - عن حق - بأن صفارة اللعب قد نادت وبأن ساعته قد أزفت. انطلقت الفرقة الأجنبية في جو من الحماس في بضع ساعات من سيدي بلعباس متوجهة ناحية مغنية، معسكر التجمع، وفي حوالي الساعة العاشرة ليلا نصبت الخيام على الطريق الرابطة بين مغنية وتلمسان، على الحدود مع المدينة التي تحمل الاسم الممجد ل»تورين»(بلدة فرنسية كانت تلمسان تسمى بها خلال الحكم الفرنسي). وخلال تلك الاستراحة الليلية القصيرة، وبينما عقلي منشغل بذلك الأمل الكبير، وفي الوقت الذي كنت أراود النوم حوالي الساعة الثانية صباحا، سمعت وقع خطوات مجموعة من المشاة وصوتا يسأل:«من القائد هنا؟». خرجت من خيمتي على وجه السرعة، لأجد نفسي أمام ليوطي راكبا جواده وسط نجوم إفريقيا. قلت: «أنا كاترو، رئيس السرية الثانية عشرة التابعة للفرقة الأجنبية الأولى، رهن إشارتك، سيدي الجنرال». ومباشرة بعد ذلك امتد بيننا خيط الحوار، وسألني الجنرال: «صباح الخير، كيف أخبارك؟ ما أخبار فيلقك؟»، فأجبت: «في أحسن حال، وسعيد بالذهاب إلى القتال». وفجأة اكتست صوت ليوطي نبرة حادة: «ماذا تعني بالذهاب إلى القتال؟ إننا لا نقاتل، الغ هذه الفكرة من دماغك، ليست هناك ولن تكون عمليات عسكرية، نحن نحتل وجدة، هذا كل شيء، وبدون خسائر. هل تفهم؟ أنتم لا تحلمون إلا بالبحث عن المشاكل. نحن لسنا بعد في حالة مواجهة، ولا أريد سماع صليل سيوفكم، أنا بحاجة إلى أيد تحمل المجارف والفؤوس. أريد طريقا سالكة من وجدة إلى مغنية، وأنتم من سيقوم بذلك، أنتم وفرقتكم المتفوقة في التهيئة الترابية، لأجل هذا جئت بها. اصنعوا لي هذه الطريق على وجه السرعة. سيكون ذلك نافعا ومناسبا، عوض خوض الحرب التي لا مكان لها اليوم». وبعد هذه الكلمات مد لي يده وقال لي بنبرة دافئة: «إلى اللقاء، عزيزي كاترو. لا تجأر كثيرا بالشكوى. كان يجب أن أقول لك ما قلته سلفا، حتى لا يكون هناك غلط. وسأقول نفس الشيء لزملائك: نحن لا نخوض حربا». وبعد ذلك اختفى في لجة الظلام، متابعا طريقه ناحية مغنية.