تحتل الأخبار والمعلومات المرتبطة بالشأن الديني، خصوصا الإسلامي منه، موقع الصدارة في الخط التحريري للصحافة الإسبانية، لما يكشفه بعضها من أواصر الترابط والصلة بالمغرب، التي تعود إلى ما قبل عهد السلطان المغربي الموحدي عبد المومن بن علي، الذي بنى بسبتة عددا من المساجد وأصلح بها عددا من المؤسسات واعتنى بطلبتها وأشياخها. وبعد مبايعته لابنه أبي محمد بولاية العهد في سنة 549ه، أمر أن يذكر اسمه في الخطبة بعده، «وكتب بهذا إلى جهات مملكته ومن بينها مدينة سبتة التي وصلها كتاب بهذا المعنى» . وتؤكد هذه الروابط، معطيات تاريخية أخرى، بعضها يعود إلى بداية الانتداب الاستعماري الإسباني في شمال المملكة ويكشف عن إقامة خليفة سلطان المغرب بمدينة مليلية تحت حماية إسبانيا ونفوذها، ووجود مندوب للسلطان يمثله بطنجة الدولية . فيما البعض الآخر من هذه المعطيات التاريخية، يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، وتحديدا إلى يوم18 يوليوز من سنة 1940م حينما تسلم الخليفة السلطاني من يد المقيم العام الجنرال أسينسيو، خلال أول زيارة رسمية له إلى مدينة سبتة، مفاتيح المسجد الأعظم، مولاي المهدي، وكتب الأستاذ عبد الخالق الطريس حينها يقول في مذكراته :»تعتبر الزيارة الرسمية التي قام بها سمو الخليفة مولاي الحسن هذا اليوم لمدينة سبتة من المكتسبات الهامة التي أحرزنا عليها في عهد الحماية وذلك لأنه لأول مرة منذ قرون أي منذ احتلالها سنة 1415، يزور خليفة سلطان المغرب مدينة سبتة ليس فقط بصفته السياسية بل كإمام لمغاربة أبناء المدينة المذكورة، حيث استلم مفاتيح المسجد الأعظم المشيد هناك وألقى خطابا أبرز فيه الصفة الإسلامية المغربية للمدينة» . «وفي يوم 26 يوليوز1940، أقيمت بالمسجد الأعظم الجديد أول صلاة للجمعة حضرها الخليفة السلطاني الأمير مولاي الحسن بن المهدي على رأس جميع أعضاء حكومة المخزن وجماعة كبيرة من العلماء والشرفاء والوجهاء من جميع أنحاء المنطقة الشمالية. وعند وصوله إلى باب المسجد أدت له التحية فرقة من حرسه الخاص وجميع الجنود المغاربة المنخرطين في الجيش الإسباني بالمدينة» . وكان لحضور الخليفة السلطاني صلاة الجمعة مغزى كبيرا حيث كان بمثابة تتويج له على إمامة سبتة ومليلية. «فلم يعد أحد ينازع في أنه أصبح الرئيس الروحي لمسلمي سبتة ومليلية بصفته خليفة لأمير المؤمنين سلطان المغرب، سيدي محمد بن يوسف طيب الله ثراه. وكتب الأستاذ عبد الخالق الطريس يقول في مذكراته ليوم 27 يوليوز 1940 :أمس الجمعة ادى صاحب السمو الخليفة مولاي الحسن صلاة الجمعة التي أقيمت لأول مرة في المسجد الأعظم الذي شيد أخيرا بمدينة سبتة وأطلق عليه اسم مسجد مولاي المهدي، وكان سموه محفوفا بأعضاء حكومته وبعدد كبير من علماء وشرفاء وأعيان هذه المنطقة. وكان لحضور سموه مغزى كبيرا حيث كان بمثابة تتويج له كإمام لمسلمي سبتة ومليلية بصفته الرئيس الروحي لهم نيابة عن أمير المؤمنين السلطان نصره الله». مما شكل وقتها، اعترافا ضمنيا من لدن السلطات الإسبانية، بخليفة السلطان المغربي، كإمام لمسلمي المدينتين ورئيسهم الروحي. ويكشف هذا الطرح، الوثائق الرسمية للأرشيف الإسباني التي تحفظ لنائب الأمور الوطنية الإسبانية بتطوان في عهد الحماية تقريرا كان قد رفعه في يوم 2 نوفمبر1937، إلى المقيم العام بصفته حاكما عاما لمدن السيادة، على هامش اللقاء الذي كان أجراه مع رئيس حزب الإصلاح الوطني وقتئذ الأستاذ عبد الخالق الطريس، بخصوص النظام المناسب للمغاربة أبناء مدينتي سبتة ومليلية، والذي استعرض فيه (أي في التقرير) أهم ما فاه به عبد الخالق الطريس، ومن ضمنه رأيه حول النظام اللائق بالطائفة الإسلامية بالمدينتين. وقد ترتب عن هذا الطلب صدور قرار من المقيم العام يوم 23 نوفمبر1937، يؤكد من ضمن ما يؤكد عليه أن» إمام مدن السيادة الإسبانية هو الأمير الجليل مولاي الحسن بن المهدي بن اسماعيل الذي ستقام باسمه الصلوات. وله يرجع أمر تعيين موظفي العدلية الإسلامية وكذا المكلفين بالشعائر الدينية، وذلك بناء على الاقتراحات التي سيقدمها له المجلس الإداري للطائفة. عبد السلام أندلوسي