مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    وفاة مهاجم مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن عمر 84 عاما    بطولة ألمانيا: البرتغالي بالينيا يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    المصارع المغربي علاوي بطل النسخة العربية الإفريقية من "محاربي الإمارات"    خارجية قطر: الساعة 8:30 صباح الأحد سيبدأ تطبيق اتفاق غزة    بنك المغرب: حاجيات سيولة البنوك تبلغ نحو 136 مليار درهم خلال شهر دجنبر 2024    رسميًا.. باريس سان جيرمان يضم كفاراتسخيليا حتى 2029    نهضة بركان يطرح تذاكر مواجهة ستيلينبوش الجنوب إفريقي    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    عاجل..العثور على أطنان من المخدرات إثر حادث انقلاب لشاحنة في الطريق السيار (فيديو)    الوزير قيوح يترأس اجتماعا تنسيقيا للتحضير للدورة الرابعة للمؤتمر الوزاري العالمي حول السلامة الطرقية    ضبط شخصين يشتبه تورطهما في السياقة الخطيرة في ظروف تهدد سلامة الأشخاص والممتلكات    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    أفضل الوجهات السياحية في المغرب: دليل شامل لعام 2025    المحكمة العليا الأمريكية تؤيد حظر تطبيق تيك توك    هل يفتح اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" أفقا للسلام الدائم؟    له موقف كراهية ضد المملكة.. الرباط تنفي أي صلة بمغربي موقوف بتهمة التجسس في ألمانيا    السياقة الاستعراضية توقف شخصين    نيناتي: أمتن لدعم الملك لتنمية ليبيريا    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    إتقان اللغة الأمازيغية.. من السلطان محمد الثالث إلى ولي العهد مولاي الحسن: إرث ثقافي مستمر    بلاغ لوزارة الخارجية المغربية يشيد ب "وقف القتال والهجمات على المدنيين" في غزة    نور الدين أمرابط يرفض عرض الوداد ويُفضل العودة إلى إنجلترا    الجيش يفتقد 3 لاعبين أمام ماميلودي    طقس السبت.. امطار وثلوج بعدد من مناطق المملكة    المغرب يشيد باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويدعو لسلام دائم    إسرائيل تنشر قائمة بأسماء 95 معتقلا فلسطينيا ستفرج عنهم اعتبارا من الأحد    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بالأحمر    شهادة تأمين "المسؤولية المدنية العشرية" أصبحت إجبارية للحصول على "رخصة السكن"    جنيف.. مطالبات بتسليط الضوء على ضحايا الاختفاء القسري في تندوف    المغاربة يتصدرون قائمة الأجانب المسجلين في الضمان الاجتماعي بإسبانيا    مجموعة مارتينيز أوتيرو الإسبانية تختار المغرب لفتح أول مصنع لها في الخارج    توقيف عنصر متطرف بتاوريرت يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم «داعش» الإرهابي    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    تخفيف ضريبي يرفع معاشات التقاعد    "أطاك" تنتقد لجوء الدولة إلى تكبيل الحق في ممارسة الإضراب    كوت ديفوار تجدد التأكيد على موقفها الثابت الداعم للوحدة الترابية ولمغربية الصحراء    انضمام الحارس المغربي أنس الزنيتي إلى الوصل الاماراتي    مغاربة يحتفلون باتفاق غزة وينددون باستمرار الإبادة عقب صلاة الجمعة    الهند وباكستان في طليعة المستفيدين من التأشيرة الإلكترونية المغربية.. إصدار أزيد من 385 ألف تأشيرة منذ 2022    وفاة الممثل المصري فكري صادق بعد صراع مع المرض    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    ارتفاع أسعار النفط في ظل مخاوف بشأن المعروض    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    الصين تؤكد على التزامها الدائم بتعزيز التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القايْدة طامُو
نشر في المساء يوم 23 - 05 - 2014

كثيرون لم يسمعوا ب»القايْدة طامو»، وحتى لو سمعوا بها فسيعتقدون أنها قايْدة حقيقية، وحتى لو كانت فعلا قايْدة حقيقية فإن القايْدة التي عرفناها وعايشناها نحن كانت مختلفة تماما.. كانت قايْدة كما يجب أن تكون، وفي كل مساء كانت تزرع الخوف في كل مكان، إلى درجة أنها كانت تنافس عيشة قنْديشة في تخويف الناس.
في الأمسيات الباردة والممطرة، كنا نسمع صوت «القايْدة طامو» يأتي من بعيد فنتجهز لذلك كما يجب؛ وعندما تصل كنا نختار أحد حلّين، إما الإسراع نحو منازلنا مثل أبطال عاقلين، وإما التهور وممارسة اللهو واللعب مع هذه القايْدة في ميدان معركة نعرفه جيدا.
مع مرور الوقت والتجارب، استطعنا أن نتجاوز الخوف من القايْدة طامُو بشكل نسبي، ثم حولنا الخوف إلى نوع من التسلية، وشيئا فشيئا صارت القايْدة طامو جزءا من الماضي.. ربما.
القايْدة طامو لم تكن امرأة، ولا حتى رجلا، بل كانت سيارة كبيرة عليها خطوط حمراء وخضراء، وعبارة باهتة من كلمتين «الأمن الوطني»، وكنا في زمن الطفولة نقْلب العبارة فتصبح «الخوف الوطني»، لأننا لم نكن نستسيغ أن تطوف سيارة للأمن الوطني بين الأحياء بحثا عن مواطنين أبرياء لكي تجمعهم مثل الخراف في حملات عشوائية ل»لارافْ» وتضعهم في قلب أقبية الكوميساريات بلا أدنى سبب.
كان حيُّنا يقع على مرتفع استراتيجي، وهذا كان يمنحنا وضعا اعتباريا في وجه حملات «القايْدة طامو». ففي غالب الأحيان، كانت سيارة ستروين الكبيرة تكون متهالكة ويصدر محركها العجيب صوت دبابة عتيقة تقتحم الميدان، لذلك كنا نمارس معها لعبة قرودٍ تسخر من أنياب أسد عجوز، وغالبا ما كان «المخزن» يجد صعوبة بالغة في مطاردتنا في وقت كانت فيه أغلب الأحياء بلا كهرباء، فنستمتع بلعبة «مخزن يطارد شعبه»، لكن ذلك لم يكن يمر دائما بدون ضحايا، حيث جرب كثيرون الوقوع في قبضة «لارافْ» وقضاء ليلة أو أكثر في الأقبية.
في ذلك الزمن لم نكن نفهم شيئا في السياسة، لكن من يكبروننا سنا قالوا لنا مرارا إن أفراد أمن فاسدين عادة ما يشتركون في ثمن «المازوط» ويملؤون بطن «القايْدة طامو» بما يلزم ويقومون بحملات «لارافْ» لكي يجمعوا الغنائم.. كانت تلك أولى عمليات الخصخصة في مغرب الحداثة.
لكن «لارافْ» كانت أيضا سياسة دولة، فالشعب يجب أن يخاف باستمرار حتى تبقى الدولة مطمئنة، فلا معنى لدولة لا يخاف شعبها من «أمنها الوطني»، لذلك كانت حملات «لارافْ» تتحرك في طول البلاد وعرضها لجمع الناس في الكوميساريات، وكأن المخزن ضاق ذرعا بالشعب؛ والغريب أننا كنا كلما أفلتنا من حملة من حملات «لارافْ»، فتحنا الراديو أو التلفزيون فسمعنا عبارة «الديمقراطية الحسنية» تتردد باستمرار، فنفهم توا أنها تعني «والله يا باباكُمْ...».، أما عندما كنا نسمع الحسن الثاني يبدأ خطابه بعبارة «شعبي العزيز»، فإننا كنا نقول مع أنفسنا: ياااااه.. من يرسل، إذن، «القايْدة طامو» إلى حيّنا كل ليلة؟
حملات «لارافْ» لم تكن تجري فقط بسيارة «سيتروين» العملاقة، بل أيضا بسيارة «رونو» فارغونيط التي كانت بدورها تصدر صوتا غريبا يشبه صدى فرقة نحاسية تعزف في خندق، فيأتينا صداها من على بعد كيلومترات، فتدق قلوبنا بمزيج من الخوف والفرح، الخوف من الوقوع في براثنها، والفرح بالتسلية مع الدولة التي جاءت للقبض علينا لسبب لا نعرفه.
هناك مسألة أخرى، وهي أن كل عمليات «لارافْ» كانت تتم بواسطة سيارات فرنسية، وهو ما جعلنا ندرك مبكرا معنى الاستقلال، أي أن فرنسا التي غادرتنا رسميا وأعطتنا حريتنا ظاهريا، أرسلت سياراتها لخدامها لكي يكملوا ما عجزت عن إكماله.
اليوم، يبدو أن الجميع نسيَ أيام «لارافْ» المجيدة، رغم أنها كانت تشبه الطاجين المراكشي والزّرْبية الرباطية والقشّابة الشاونية، أي أنها إنتاج مغربي محض وسلعة مغربية خاصة جدا.
الأجيال الجديدة التي قد تسمع يوما عبارة «القايْدة طامو» يجب ألا يذهب تفكيرها بعيدا، فهذه القايْدة هي التي كانت تحكم المغرب بزرع الرعب والخوف في كل مكان، وكانت عبارة «اطلع» لا تعني شيئا سوى «اطلع للسّطافيط»، فالمغرب لم يحقق الطلوع في أي مجال، لا في الصحة ولا في التعليم ولا في العلوم ولا في العمل ولا في البر ولا في البحر.. المجال الذي حقق فيه المغاربة أرقاما قياسية هو مجال «الطلوع للسّطافيط».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.