يطلقون على الذين لا يتحدرون من نسبهم "العوام"، إنهم "المعاشيون"، المنتمون إلى سلالة سعيد بن معاشو الواقع ضريحه بجماعة بن معاشو بإقليم سطات، يحدثونك بكل طلاقة وافتخار عن عاداتهم وتقاليدهم الغريبة، ومنها أكل لحوم المواشي المسعورة، التي توارثوها أبا عن جد، فكلما أصاب داء الكلب حيوانا أو إنسانا ببعض المناطق خصوصا المجاورة لهم، فإنه يلجأ إليهم طلبا للتداوي بطريقتهم الخاصة، وإذا ما استشرى المرض وانتشر ولم يعد سبيلا لعلاج الأبقار أو الخرفان، فإنهم يقومون بذبحهم وتوزيع لحومهم فيما بينهم لأكلها دون أن يصابوا بسوء، وإذا ما رغب "العامي" الذي لا ينتمي إليهم في أكل هذا اللحم، فإنهم يبصقون على اللحم، "البخ" ويقدمونه للعوام حتى لا يصابون بأي شيء. «منذ أربعة أيام فقط، قمنا بذبح بقرة مسعورة ووزعناها على الشرفاء بالدوار بعدما استعصى علاجها، وهذا ألفناه منذ عقود مضت، فالمعاشيون وحدهم من يستطيعون مداواة «الجهل» الذي يصاب به الإنسان أو الحيوان، ولا يصيبهم شيء إذا ما أكلوا لحوم الأغنام والأبقار المسعورة»، تقول للا خودة المتحدرة من جماعة بنمعاشو بإقليم سطات، التي تؤكد أن المعاشيين وحدهم من يستطيعون أكل هذا النوع من اللحوم، أما غيرهم من «العوام» و»الخدام»، أي الذين يخدمون الشرفاء، فاللحوم المسعورة تشكل خطرا على صحتهم، وأن الشرط الوحيد لتناولها هو أن يقوم «المعاشي» بالبصق عليها. تتأسف هذه المرأة على التراجع الذي عرفته الاحتفالات التي كان يشهدها ضريح سيدي سعيد بنمعاشو، حيث كان المعاشيون يقصدونه من كل ناحية من أجل إقامة الموسم، وكذا الاحتفال بالجد الأول «سيدي علي بنمعاشو» بإقليم الصويرة، الذي يحج إليه جميع المعاشيين، وهم يحملون الأعلام وينشدون الأهازيج ويتلون القرآن. ومما كتب حول سيدي سعيد بن معاشو أنه كان «مجاهدا من أفراد معاشات، وكان موقرا ومحترما لدى قبيلة حدامي وأولاد عبو، وضريحه يقع على قمة هضبة تطل على وادي أم الربيع، وهو جد سكان المعاشات، إحدى فخدات قبيلة حدامي، ومقامه كان مزارا هاما لأهالي القبيلة، ويعقد فيه موسم كبير يحضره جميع قبائل الشاوية ودكالة وعبدة واحمر للتسوق وممارسة ألعاب الفروسية والذبائح إلى غير ذلك»، وأن المعاشيين هم من ذرية سيدي سعيد بن علي بن معاشو، القادمون من الشياظمة. علاج الإنسان والحيوان بدوار تابع لجماعة أولاد حسين بإقليم الجديدة، يوجد دوار يسكنه «المعاشيون» الذين حكوا ل»المساء» عن نسبهم الشريف الذي يمتد إلى جدهم سيدي علي بنمعاشو، الذي يوجد قبره بإقليم الصويرة، ودليلهم في أنهم ليسوا كالآخرين، وأنهم ورثوا بركات أجدادهم المتمثلة في أكلهم لحوم الأغنام والأبقار المسعورة دون أن يصابوا بأي شيء، كما أنهم قادرون على شفاء الإنسان أو الحيوان المسعور . «نتحدر من سيد علي بنمعاشو الذي يوجد بإقليم الصويرة، وابنه هو سيدي سعيد بنمعاشو الذي يوجد قبره بجمعة فوكو بإقليم سطات، وكان الأب وأبناؤه يتزاورون سنويا، فهم توارثوا شفاء «الجهل» وكل من اعوج فمه، يقومون بكي مكان الإصابة بالسعار، الذي ينتقل عن طريق عض الكلاب أو القطط المسعورة» يقول محمد المتحدر من المعاشات بجماعة أولاد حسين، الذي ورث عن أجداده علاج السعار. منذ شهور فقط أكل محمد رفقة بعض أقاربه بقرة مسعورة، بعدما استعصى علاجها يقول هذا الشاب، الذي يبلغ 33 سنة، ل»المساء» «انتقلت إلى الوليدية من أجل علاج بقرة مسعورة لكنني اكتشفت أنه مرت 26 يوما على إصابتها فأخبرت أصحابها أنه لا يمكن أن تعالج، لأنه لا ينبغي أن تتجاوز مدة إصابتها عشرين يوما، فقبل هذه المدة نستطيع أن نتدخل، لكن بعدها نقوم بذبحها وأكلها، وإذا أراد العوام أكلها وقتها «نبخ عليها» ونقدم لهم اللحم ولن يصابوا بأي أذى بإذن الله». طقوس خاصة للمعاشيين طقوسهم الخاصة بعلاج الإنسان المسعور، الذي يجب أن يحجر عليه مدة أربعين يوما، لا يمس الماء ولا يسمح له بالنظر في المرآة والاستماع للموسيقى، أو يتلفظ بالكلام القبيح»، يقول عامر، الذي حكى عن طرق العلاج المتمثلة في كي مكان العض بالحجر ووضع القطران والملح على الجرح. ومن بين شروط ممارسة العلاج، حسب هذا الرجل، هو أن يكون «الشريف» المشرف على العلاج على وضوء، ويكون طاهرا حتى يفلح في علاج المسعور سواء إنسان أو حيوان. أكل عامر، البالغ من العمر 60 سنة، لحم بقرة مسعورة منذ حوالي عشر سنوات، بعد أن جلبت لهم امرأة «معاشية» بقرة مصابة فقاموا بذبحها بالقرب من المسجد وتوزيعها على أهل الدوار، فقاموا بدفن مخلفاتها حتى لا تنتقل عدوى السعار للعوام، حسب قوله، فهو الذي عالج العديد من المصابين بالسعار، ومازال قادرا على علاج كل من قصده، يحاول المتحدث إلينا إقناعنا بنسبه الشريف عن طريق الإدلاء ببطاقة الشرفاء المتحدرين من سيدي سعيد بنمعاشو، ولا يقتصر الأمر على علاج «الجهل» بل يتعدى الأمر أمراض أخرى، يقول بكل افتخار «احنا معطينا التسباب للجهل من زمان، ومن الصغر واحنا كناكلو لحم الجهل «. تشاطره الرأي زهرة، من سكان دوار المعاشات، التي تقول إن أي معاشي باستطاعته أن يعالج السعر، لأنه نال بركة الأجداد الشرفاء، كما أن البقرة المسعورة إذا ما اقترب منها كل منتسب إليهم، فإنها تهدأ وتلامسه مثل طفل صغير في حضن أمه. ببساطة وتلقائية تصر زهرة على أن تقوم بواجب الضيافة اتجاهنا رغم مرارة الفقر الذي تعاني منه في دوار يعتمد سكانه على الفلاحة والأشغال الحرة، ويبعد بحوالي 25 كيلومتر عن مدينة الجديدة. البركة للأحفاد محمد مفتاح رجل تجاوز التسعين من عمره، قال إنه لم يعد يداوي «الجهل» لأنه أعطى البركة لحفيده الذي يقطن بمدينة الدارالبيضاء، عندما سألناه عما إذا كان لحم الماشية المسعورة لا يسبب له أي مشاكل صحية قال وهو يضحك «أين هو اللحم المسعور لم نعد نجده لنأكله لأنه قلما يأتي الناس بالماشية لعلاجها بعدما تطور الطب». كل ما يتذكره هذا الشيخ هو أنه وجد والده يداوي هذا النوع من المرض فبدأ هو الآخر بفعل ذلك، غير أنه لما تقدم به السن منح ذلك لحفيده بعدما «بخ» له في يده وقال له «عطيتك البركة ديال جدودك». بدورها تحكي زوجة ابنه مفتاح عن الطريقة التي يعالجون بها الإنسان الذي يعضه كلب مسعور، حيث ينظفون مكان الإصابة ويضعون عليها «القطران»، وبعدها يضعون المريض في مكان معزول ولا يستمع لأي ضجيج يذكر، لمدة عشرين يوما وقد يبدأ في الحركة «كيتهز»فإنهم يجبرونه على المكوث في مكان يطلقون عليه اسم «المتروسة»، وهي عبارة عن أعمدة مغطاة، وبعدما يكسوه العرق يزيلون الوسخ بكيس ثوب دون استعمال الماء، ويقومون بوضع غطاء عليه، وإذا ما عصى أوامرهم فإنهم قد يضطرون لضربه، وبعد إتمامه لأربعين يوما يكون قد شفي تماما من السعار، على حد تعبير هذه المرأة التي تعتبر أن علاج المسعورين وكذا المصابين باعوجاج في فمهم، أو كما يسمونهم «المعرسين» هي من اختصاص عائلاتها التي نالت البركة من أجدادها. عدم التصريح بداء «السعار» جريمة وأكل اللحوم المصابة قد تؤدي إلى الموت أكد الدكتور منير سرتاني، المنسق الوطني للجنة الوطنية للأطباء البياطرة، أن لحم «السعار» «داء الكلب» يؤدي إلى نقل العدوى للإنسان وبالتالي الموت، موضحا أن عدم التبليغ عن الإصابة بهذا الداء جريمة يعاقب عليها، كما أن الذي يقدم اللحوم المسعورة للاستهلاك البشري معرض للمساءلة الجنائية ولعقوبة تصل إلى ستة أشهرحبسا، وفي ما يلي جواب الدكتور سرتاني عن 3 أسئلة: ما هي أسباب إصابة المواشي ب«السعار» (الجهل)؟ داء الكلب أو «السعار» هو مرض فيروسي يسبب التهابا حادا في الدماغ ويصيب الثدييات بما فيها الإنسان. يسبب المرض فيروس يوجد في لعاب وإفرازات الحيوانات المصابة وهو من فصيلة Rhabdoviridae يحدث الانتقال الرئيسي للفيروس عن طريق عض الحيوان المسعور للحيوانات الأخرى أو الإنسان عن طريق ملامسة اللعاب الملوث لجروح بالجلد أو الأغشية المخاطية (مثل أغشية العين أو الفم( ثم يمر من موضع العضة إلى الدماغ بواسطة الأعصاب ماراً عبر المحاور العصبية و الجزء الظهري للنخاع الشوكي، إلى أن يصل الفيروس إلى المخ حيث يتكاثر هناك. ما هي الأضرار التي تترتب عن أكل لحم المواشي المسعورة؟ نظريا العدوى بداء الكلب وبالتالي الموت. هناك سكان قبائل في المغرب يأكلون لحوم المواشي المسعورة بدعوى أنهم شرفاء ولا يصابون بأي ضرر كيف تفسرون ذلك؟ إن طهيه هو الذي يجنبهم الإصابة، لأن درجة الحرارة المرتفعة تقتل الفيروس! على كل حال ما لا يعلمه هؤلاء القبائل هو ما يقومون به هو مخالفة وجريمة في الوقت نفسه، لأن التصريح بحالة داء «السعار» لدى السلطات المحلية أو المصلحة البيطرية هو إجباري طبقا لمقتضيات الفصل 3 من القانون 1.75.292 الصادر ب 19 شتنبر 1977 وذلك قصد اتخاذ تدابير الشرطة الصحية الضرورية. أما في حالة معايشتها لحيوان لاحم أليف ثبتت إصابته بالمرض، فإن هذه الحيوانات العاشبة توضع تحت مراقبة السلطة البيطرية لمدة ثلاثة أشهر، وفقا للمادة 10 للقرار الوزاري رقم 2271.13 الصادر ب 21 نونبر 2013 المتعلق بالتدابير التكميلية الخاصة لمحاربة داء الكلب. أما الذي يقدم لحوم حيوان مصاب بداء «السعار» للاستهلاك البشري فإنه معرض للمساءلة الجنائية، لأن الفصل 10 للقانون نفسه واضح في فقرته الأولى: يعاقب بحبس تتراوح مدته بين شهرين وستة أشهر. الدكتور منير سرتاني: المنسق الوطني للجنة الوطنية للأطباء البياطرة* سعيد البغدادي داء الكلب يودي بحياة عشرين مغربيا سنويا إذا كان المعاشيون يتعاملون مع هذا «الداء» بهذه البساطة فإن منظمة الصحة العالمية، تؤكد أن داء الكلب يودي بحياة أكثر من 000 55 نسمة، معظمهم من آسيا وإفريقيا، وبالنسبة للمغرب فإن هذا الداء يقتل عشرين شخصا سنويا و400 حالة سنويا عند الحيوان. وداء الكلب مرض حيواني المنشأ (ينتقل من الحيوانات إلى البشر) يسببه فيروس. ويؤثر هذا المرض على الحيوانات الأليفة والبرية، وينتقل من الحيوان إلى الإنسان من خلال اللعاب، عن طريق العض أو الخدش. وتتمثل أعراض المرض الأولى في الحمى وألم يصاب به الشخص الموبوء في غالب الأحيان أو شعور بالوخز غير المبرر في موضع الجرح. وتسبب الكلاب، حسب موقع منظمة الصحة العالمية، في معظم وفيات البشر الناجمة عن الإصابة بداء الكلب، والذي يوجد في أكثر من 150 بلدا وإقليما، وكذلك الأمر بالنسبة للمغرب، لكون الكلاب هي الخزان الرئيسي لهذا الفيروس وهي التي تنقله للإنسان. ومنذ الثمانينيات والمغرب يضع برنامجا لعلاج هذا الداء، كما أن استراتيجية تمت بلورتها خلال سنة 2000 في هذا المجال. ومن بين الإجراءات بهدف القضاء على هذا الداء هو القضاء على الكلاب الضالة، وتوفير التلقيح المجاني للكلاب التي يملكها السكان خصوصا في العالم القروي. وقد بات هذا المرض منتشرا في جميع قارات العالم تقريبا، باستثناء القطب الجنوبي، حسب موقع منظمة الصحة العالمية، غير أن أكثر من 95% من الوفيات البشرية تحدث في آسيا وإفريقيا. ويؤدي داء الكلب، بعد تطّور أعراضه، إلى وفاة المصاب به في جميع الحالات تقريبا. وينتشر الفيروس في الجهاز العصبي المركزي، ويلاحظ وقوع التهاب تدريجي في الدماغ والنخاع يؤدي إلى وفاة المصاب به. ويمكن أن يعقب ذلك ظهور شكلين من المرض، يتمثل أحدهما في داء الكلب الهياجي الذي يبدي المصابون به علامات فرط النشاط ورهاب الماء والهواء أحيانا، وبعد مضي بضعة أيام تحدث الوفاة نتيجة فشل قلبي تنفسي. أما داء الكلب الصامت فهو يقف وراء حدوث 30% من مجمل الحالات البشرية، ويكون أقل من الشكل الهياجي ويستغرق فترة أطول منه. وتصاب العضلات، تدريجيا بالشلل، انطلاقا من موضع العضة أو الخدش. وتتطور الأعراض، ببطء، إلى غيبوبة تعقبها الوفاة في آخر المطاف.