إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. فاكهة القطلب وتسمى كذلك اللنج، وتعرف في المغرب والجزائر باسم «الساسنو» أو «الشاشنو». ونلاحظ أن جل النباتات تحمل نفس الاسم في المغرب والجزائر، وبعض منها في تونس. و»الساسنو» فاكهة غابوية، لكن يمكن أن تغرس كباقي الأشجار المثمرة، وتوجد في بلدان المغرب العربي لأنها فاكهة متوسطية، وتوجد بكثرة في المغرب من تازة إلى الناظور، خصوصا في منطقة الدريوش (تمسمان) وبركان، وتوجد في الجزائر في مناطق كثيرة أشهرها أخناق مايون ووهران، وتوجد كذلك في تونس المنطقة الشمالية الغربية. و»الساسنو» من الفواكه الغابوية التي لا تكاد توجد في الأسواق إلا للترفيه وليس للاستهلاك، وهي فاكهة صفراء مشربة باللون البرتقالي، ولها حجم الكرز تقريبا، لكن فواكهها ليست بقشرة ملساء، بل على سطحها كأثر الحبوب، ومذاقها حلو وحامض في نفس الوقت، ولا يستهلك منها الكثير لأنها تسبب إسهالا ككل الفواكه الغنية بالأملاح والماء. ومن عجائب هذه الثمار أنها تحتوي على مركبات قوية في ميدان الحمية والتغذية المرافقة للعلاج، فتركيبها الكيماوي، وإن كان يقترب من الفواكه الأخرى، يختلف بخاصية بعض الألياف الخشبية النادرة، ومنها البيكتين والنشا، وتحتوي على مضادات الأكسدة بتركيز عالٍ يجعل منها فاكهة واقية للقلب والشرايين، وحافظة كذلك من تآكل الخلايا الدماغية. ونجد من بين هذه المضادات للأكسدة مركب حمض الإلاجيك Ellagic acid، وحمض الكاليكGallic acid ، والكويرستين Quercetinوالفلافونويدات والأنتوسيانين. وتبقى الفايتمينات، مثل الفايتمين Cوالفايتمين B 1 وB 2، والأملاح المعدنية، مثل الحديد والكلسيوم والمغنيزيوم والمنغنوز والفوسفور، من المكونات الغذائية الهامة للجسم؛ وهي كباقي النباتات، مصدرٌ للبوتسيوم الذي يسوي التوازن المائي في الجسم. والغريب في تركيبها الكيماوي أنها تحتوي على معدن الكروميوم، وهو معدن يوجد في النشويات، وتساعد هذه الأملاح المعدنية الهامة على تخفيف الدم وتنشيط الدورة الدموية، وتسكن بعض الآلام على مستوى العضلات. ولو أن هناك فواكه ربما تشتهر على أساس أن لها أهمية قصوى بفضل بعض الخصائص التي تتميز بها، كالوقاية من أمراض القلب والشرايين وإذابة النقرس، لكن هذه الفواكه المبكرة، ومنها الكرز والساسنو والتوت البري، لا تقارن بالفواكه الأخرى مهما بلغت من الأهمية، واستهلاك هذه الفواكه بانتظام مع التوقف عن تناول اللحوم (كل اللحوم) والحلويات والمقليات والمواد الصناعية يعطي نتيجة باهرة من حيث التحسن في ما يخص أمراض القلب والشرايين والنقرس والضبط االهرموني عند النساء. ومذاق الساسنو حامض، وهو ما يجعله يتصدر قائمة الفواكه المذيبة لحصوات المرارة، وكذلك تحسين حلة القولون والمعدة، لأن الأحماض العضوية تساعد على رفع حموضة المعدة، وكذلك على تراجع حجم الحصوات فيها لمرارة وإذابة النقرس. ونلاحظ أن تحمض الدم Acidosis أصبح متفشيا في المجتمعات بكثرة، وذلك ناتج عن نمط العيش الحديث الذي ليست فيه مواد نباتية بكمية كافية، وتطغى عليه اللحوم والحلويات والمقليات، ونحن نعلم بأن تحمض الدم تسببه اللحوم والألبان والمواد الغذائية المصنعة. وكل الأشخاص الذين يتغذون على الوجبات السريعة ويكثرون من اللحوم بدون خضر أو فواكه يكون لديهم تحمض الدم. ولنا قاعدة في علم التغذية وهي أن كل المواد القاعدية تسبب تحمض الدم، وكل المواد الغذائية الحامضة تزيل حموضة الدم، ولذلك فالنظام الغذائي يجب ألا يهمل الفواكه، وألا يعتمد على اللحوم والألبان كمواد أساسية، فهذا الخطأ تداركه الباحثون في البلدان الغربية منذ التسعينيات، ونصحوا بالرجوع إلى النظام النباتي، ونحن ننصح بالرجوع إلى النظام المغربي الذي يغلب النبات على اللحوم، والذي يستعمل زيت الزيتون والشعير والقطاني كمواد أساسية في التغذية، كما يعتمد على الطبخ في المنزل. و»الساسنو» من الفواكه الربيعية، أو الفواكه المبكرة، ومنها البشملة والتوت البري والكرز والبرقوق والمشمش والفراولة، وهي فاكهة تسبق الفواكه الصيفية وهي العنب والتين والبطيخ والشمام، وهناك كذلك فواكه خريفية مثل الباباي والرمان والبرتقال، وهكذا يكون التنوع طبيعيا ومن النواميس الكونية المهمة التي يجب احترامها ومراعاتها. وتمتاز الفواكه الربيعية، ومنها «الساسنو»، بكمية الماء المرتفعة وتركيز الأملاح المعدنية، ولذلك تسبب بعض الإسهال إذا ما تناولها الشخص بكثرة. وتعتبر هذه الإسهالات باردة ولا تشكل أي خطر، وربما تكون مفيدة لأنها تعتبر من العمليات الأساسية لطرح بعض السموم من الجسم Cleanse، كما تحد من الإمساك الحاد، ولأنها تحتوي على مادة البيكتين فهي ترطب الجهاز الهضمي، وتحول دون حدوث إمساك لدى الأشخاص الذين لديهم مشكل الإمساك. لكن تناول هذه الفواكه لغاية صحية يجب أن يكون مع نظام غذائي طبيعي، فتجنب الحلويات والمقليات والمواد الصناعية واللحوم وتناول هذه الفواكه بانتظام يعيد الجسم إلى حالته الطبيعية ويخفض الوزن لدى أصحاب السمنة، كما يضبط الهرمونات لدى النساء. ونلاحظ أن تركيبة «الساسنو» تحتوي على حمض الكاليك وحمض الإلاجيك معا، إلى جانب الفايتمين B، وهي المركبات التي تخفف الدم وتسهل خروج الماء من الجسم وتساعد نسيج الشرايين والقلب على التمدد، وبذلك فهي من الفواكه التي تساعد أصحاب القلب والشرايين. وليست لهذه الفواكه سمومية ولا آثار جانبية، لكن استهلاكها لا يكون مفرطا. ونلاحظ أن فاكهة «الساسنو» تتعرض للفساد بسرعة، حيث تتعجن ويسيل منها ماء وتفقد شكلها فتصبح غير قابلة للاستهلاك، ويعزى هذا الحادث إلى نسبة الأنزيمات الموجودة فيها، واستهلاكها كفاكهة يعطيها امتياز تزويد الجسم بالأنزيمات الضرورية، فيسهل الهضم والاستقلاب معا. لا تعرف شجرة «الساسنو» بفواكهها أكثر ما تعرف بخصائصها الطبية، وهي مصنفه ضمن النباتات الطبية، لأن استعمال الأوراق يطغى على استعمال الفواكه، ولذلك لا ينتبه الناس إلى استهلاك الثمار في موسمها، ليستفيدوا بطريقة غذائية، دون أي تخوف من الأعراض التي قد تسببها الأوراق أو الأعشاب الأخرى، فتناول بعض الفواكه يكون في كثير من الأحيان أقوى من الأعشاب. د. محمد فائد