ينظم رواق «ماتيس» معرضا تشكيليا للفنانة العصامية أسماء بناني، تحت عنوان «تركيبات»، من 18 أبريل إلى 6 ماي 2014 بمراكش. وبهذه المناسبة جاءت هذه الورقة لتضيء بعضا من ملامح هذه التجربة التجريدية التي جمعت اتجاهين في اتجاه واحد. «من له القدرة على أن يضيف شكلا آخر إلى الشكل الهندسي أو العشوائي، يعتبر اكتشافا كبيرا». قولة للنحات الروماني إيتيان هاجدو تحمل معاني متعددة، وتصب في عمق موضوع تمت إثارته بشكل ذكي من طرف فنانة واعدة، تحمل إرهاصات أولية لتجربة جنينية، استطاعت أن تتخذ موقعا إضافيا في تاريخ التشكيل المغربي، برؤية تعيد طرح أسئلة جمالية من منظور اختلط فيه المادي والحسي، ليشكل وحدة متناسقة جمعت بين عناصر تشكيلية غنية ومتعددة لا يمكن أن تصدر إلا عن ذات مبدعة واعية ومدركة لتفاصيل هذه العناصر. لم تكن أعمال الفنانة أسماء بناني إلا نموذجا لهذه التفاصيل من خلال أول معرض لها وسمته بعنوان دلالي هو «تركيبات»، اختزل في ثناياه التعدد والتنوع بمفهومه الشامل، بمفردات شكلت معجما تشكيليا، أفرز بالتالي خطابا زئبقيا يدعو إلى الحوار والتساؤل من منطلق تعددت فيه القراءات والتأويلات، لما يحمله من دهاء معرفي في التعامل مع المرجعية المشهدية، داخل نسق فني بحمولته التاريخية، جعلت منه الفنانة أسماء بناني حقلا تجريبيا لشكلين يفترقان تقنيا من حيث التكوين، ويتقاطعان في الاتجاه. من الصعب الالتزام بأشكال هندسية في استقامتها وتحديد خطوطها، في حضور أشكال تجريدية مجاورة ومتحررة بحركيتها وعفويتها وغنائيتها وسيولتها وانسيابها. لكن الفوضى المرئية التي شكلت مظهريا أعمال الفنانة أسماء بناني، تختزن في شموليتها، بعدا تنظيميا وتراتبيا مقصودا ومرغوبا فيه للضرورة الإبداعية، التي جعلت من السند مسرحا لعدد من التقسيمات بخطوط مستقيمة، تارة تكون شفافة، لتحافظ على استمرارية متواصلة للشكل التجريدي، وتارة أخرى تكون حدا فاصلا بين شكل وآخر، لتكون وحدة متناسقة تتعدد فيها المساحات بقراءات متشعبة، تدعو المتلقي إلى التأمل ودقة الملاحظة، لما تتوفر عليه من أبعاد مفاهيمية، جعلت من الخط وسيلة في البداية، ليصبح بعد ذلك غاية في حد ذاته. واستنادا للتساؤل المعتاد والجوهري المرتبط بخوف الفنان من البياض، استطاعت الفنانة أسماء بناني أن تواجه هذا البياض، بعمق صوفي، جعل من العمل بابا مشرعة على كل الاحتمالات، ضمن فضاء يرغم ويستضيف المتلقي لعوالم روحية شكلها الأبيض بما يحمله من دلالات صوفية، ارتبطت بالظاهر والغابر في حضور الشكل وغيابه من خلال الإضافة والمحو، ولينتقل به من المحور إلى هامش خطي اختزل في مساره عددا من الألوان المتفاعلة بقوة مرئية أقل وقعا في حضور أسود لا نهائي كسند يضم هو الآخر خطوطا منعرجة على المجهول. إن المثير في هذه التجربة ليس هو احتواؤها اتجاهين تشكيليين بطريقة منسجمة فقط، كما أجمع الناقدان بيرنار كولي وعبد الرحمان بنحمزة، بل تلك العصامية المتقدة والعارفة، التي تتوفر على قوة دينامية توحي بالرغبة الملحة على الاستمرارية عند الفنانة أسماء بناني، التي دمغت مشروعها الفني بأسلوب شخصي من خلال ملون Palette مزج هو الآخر بين الألوان الساخنة والباردة في نفس الوقت، في إطار تكوينات بامتداداتها الاحتفالية، تفضي بالمتلقي في آخر المطاف إلى قراءة كاليغرافية، بأبعاد شرقية بتفاعلاتها الغنائية، التي جعلت من تحركات الفنانة أسماء بناني أثناء الاشتغال طرفا في العملية الإبداعية بكل حيثياتها، كلحظة متعالية سامية في المكان والزمان، باعتبار مرسمها ضريحا أو محرابا لا يتجزأ عن طقوس الوضعية الإلهامية لولادة العمل التشكيلي.