الأخوة لا تعني دائما المودة والتضامن والتآزر. هذا على الأقل ما يمكن أن نستخلصه من علاقة متوترة بين أخوين بسبب الإرث، ولم يفد القضاء ولا أعوان السلطة ولا رجال الدرك في وضع حد لها في مجال قروي يصور، في أغلب الأحيان، على أنه مجال تتعمق فيه أواصر الأخوة، عكس المدن الكبرى التي تنقص فيها هذه الأواصر بسبب تفشي قيم «السوق الاستهلاكي». فعلى إثر خلاف نشب بين الأخوين أحمد وعيسى حول الأرض الواقعة بدوار أولاد بوعبيد الصومعة بقيادة أولاد الطيب بفاس، حكمت المحكمة لصالح عيسى من أجل اقتسام الأرض، لكن أحمد، الأخ الأكبر، رفض تنفيذ القرار محتفظا بكل الأراضي التي كان يتصرف فيها أخوهم محمد قيد حياته. ووصلت الأزمة بين الأخوين وعائلاتهما أوجها منذ حوالي26 يوما. واستعملت كل الأسلحة البيضاء في هذا التشابك الذي شارك فيه الأبناء والزوجتان وعائلتاهما وحتى الجدة. وسقط البعض على الأرض مدرجا في الدماء بعدما استعملت في هذه المعركة السيوف والعصي والحجارة. والبعض الآخر هرب من شدة الخوف، وظل يترقب الوضع من بعيد، في انتظار وصول رجال الدرك وسيارة إسعاف. رجال الدرك لم يحضروا، وسيارة الإسعاف جاءت متأخرة بحوالي ساعة تقريبا على اندلاع المعركة بين الأخوين العدوين بسبب أرض تركها لهما أخوهما الملقب ب«دعكو» والذي لم يكتب له أن يتزوج ويخلف الأولاد، لكي ينجي شقيقيه من نزاع لا زال مفتوحا. واستمرت المعركة بين الطرفين حتى في سيارة الإسعاف. وظل طفل يصرخ بأعلى صوته نتيجة نظرات عدائية لعمه، فيما لم يتوان أحمد عن تسديد بعض الضربات إلى رأس عيسى. وظل الهلع مسيطرا على الجميع داخل سيارة الإسعاف التي فضل سائقها السير بالسرعة القصوى حتى لا تتطور الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه ويدخل بدوره في «مسلسل» تحقيقات لا تنتهي. وفي اليوم الموالي، وبعد تلقي الإسعافات في المستشفى، عادت الساحة التي يقتسمها الأخوان الجاران لتعرف من جديد مشادات عنيفة بين الطرفين. لكن هذه المرة، فضل عيسى، رفقة أبنائه، الهرب للاحتماء بالجيران، تاركا الجمل بما حمل، من أبقار ودواب، في انتظار هدوء العاصفة. لكنه، لما عاد لتفقد أحوال المنزل والبهائم، تعرض لهجوم آخر من أخيه وأبنائه، وتم تكبيل يديه، وتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح. ويحكي أن بعضهم حاول أن يضرم النار في بعض أنحاء جسده. كل هذه الأحداث التي دارت على بعد 6 كيلومترات من مقر الدرك الملكي، لم تفرض على رجاله التنقل إلى عين المكان لتفقد الوضع وإيقاف هذه المعارك المفتوحة بين أفراد العائلة الواحدة. المرة الوحيدة التي تدخل فيها رجال الدرك، هي المرة التي رافقوا فيها عيسى، بعدما شعر بالهزيمة رغم توفره على قرار القضاء، لكي يحرسوه ويضمنوا سلامته إلى أن يجمع قش أبنائه وزوجته وأمه في اتجاه حي واد فاس بمركز المدينة، وهو الحي الذي اكترى فيه غرفة واحدة يقيم فيها رفقة والدته، بينما طلب من زوجته وأبنائه «الانتشار في الأرض» في انتظار تدبر الوضع.