تمر قضية الصحراء المغربية في الوقت الحالي بظرفية شديدة التعقيد، تجعل جميع الأنظار مشدودة إلى التقرير المقبل الذي من المتوقع أن يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أمام مجلس الأمن الدولي، حول الصحراء. ويمثل التقرير موضع رهان لمختلف الأطراف المرتبطة بالنزاع الطويل الأمد، سواء المغرب أو الجزائر أو جبهة البوليساريو. ففي الوقت الذي قام المغرب بعدة خطوات تهم مجال حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، لصالح تمتين الضمانات الحقوقية في هذه المناطق، ترغب كل من الجزائر وجبهة البوليساريو في أن يتحول التقرير الأممي المقبل إلى صك إدانة للمملكة، من خلال استثمار مجموعة من الوسائل الدبلوماسية والمناورات السياسية، لتسفيه كل ما قام به المغرب في بحر السنة الفارطة فيما يرتبط بمجال حقوق الإنسان في الصحراء. ومنذ شهر أبريل من السنة الماضية، دخلت قضية حقوق الإنسان في الصحراء مجال المزايدات في الصراع الذي تخوضه جبهة البوليساريو والجزائر ضد المغرب، بعد عدة محاولات لتحويل نقطة التركيز إلى هذا الملف، إثر فشل جميع المناورات الأخرى الرامية إلى التأثير على المواقف الدولية من نزاع الصحراء، خصوصا بعد أن قدم المغرب عام 2007 مقترحه حول الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية ولقي قبولا من مختلف الأطراف داخل مجلس الأمن، الأمر الذي جعل الموقف المغربي في موقع متقدم، وأسقط أطروحة خصومه. ففي 25 أبريل من السنة الماضية اتخذ مجلس الأمن الدولي قراره الشهير رقم 2099، الذي ركز فيه بشكل خاص على الجانب المتعلق بحقوق الإنسان في نزاع الصحراء، إذ أكد القرار على»أهمية تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف، وتشجيع الأطراف على العمل مع المجتمع الدولي لوضع وتنفيذ تدابير مستقلة وذات مصداقية لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، واضعة في اعتبارها التزاماتها ذات الصلة بموجب القانون الدولي»، و»تشجيع الأطراف على مواصلة الجهود في كل منهما لزيادة تعزيز وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف للاجئين». بيد أن القرار نوه في الوقت نفسه بالإجراءات التي اتخذها المغرب في مجال حقوق الإنسان، حتى وقت صدور القرار، ومن جملتها اللجان التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في الصحراء، والتفاعل المستمر للمملكة مع الإجراءات الخاصة لمجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان. وقد منح ذلك القرار لخصوم الوحدة الترابية للمغرب فرصة للتشكيك في كل ما قام به فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، وتحريك اللوبيات الموالية للجزائر وجبهة البوليساريو في الدول الأوربية لتوجيه الأنظار ناحية الملف الحقوقي، وهو ما قاد الولاياتالمتحدةالأمريكية في شهر ماي من السنة نفسها، أي بعد أقل من شهر على صدور القرار المشار إليه، إلى تقديم اقتراح أمام مجلس الأمن من أجل توسيع مهمة بعثة الأممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء، بحيث تشمل مراقبة حقوق الإنسان، الأمر الذي رفضه المغرب، وكان هناك تدخل من أعلى جهة في الدولة، مما أدى إلى إجهاضه. وكان واضحا أن المغرب يدرك حجم المناورات التي يخطط لها خصوم وحدته الترابية، من أجل إدخال نزاع الصحراء في متاهات جديدة، وتحويل الصراع إلى معركة حقوقية لالتقاط الأنفاس. وكان حجم التحدي كبيرا بحيث توقف عنده الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح دورة أكتوبر 2013 للبرلمان، حين أشار الملك إلى أن قضية الصحراء تجتاز مرحلة صعبة تقتضي تركيز الجهود. المرحلة الفاصلة بين صدور القرار الأممي 2099 والتقرير المنتظر حول نزاع الصحراء شهدت عددا من الإجراءات التي أقدم عليها المغرب في أفق تعزيز حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، مثل إلغاء إمكانية محاكمة الأشخاص المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ووضع نموذج جديد للتنمية في الأقاليم الجنوبية من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وقرار المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالتفاعل مع جميع الشكايات المقدمة إلى المجلس من لجنتي الداخلة والعيون، في أجل أقصاه ثلاثة أشهر. كما استقبل المغرب موفدين أمميين في إطار مهام خاصة، مثل الموفد الخاص بالاتجار في البشر، ومجموعة العمل الأممية حول الاعتقال التعسفي. ويدرك المغرب أنه قدم ما طلب منه في الإطار الأممي، وأن الكرة الآن في ملعب الأمين العام للأمم المتحدة، للتعامل مع هذه الإجراءات التي قام بها وفق ما تقتضيه الأعراف الدولية، بعيدا عن التأثر بمواقف الخصوم. وفي هذا السياق جاءت رسالة وزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار الموجهة إلى بان كي مون، والتي نقلت الدبلوماسية المغربية من الانتظارية إلى الهجوم، إذ ذكرت الرسالة بكل ما قام به المغرب في مجال حقوق الإنسان في الصحراء، وبالتعهدات الأخرى المزمع القيام بها. شبح ملف حقوق الإنسان يخيم على لقاء مجلس الأمن الخاص بالصحراء بلغزال: لا يجب رهن مجال حقوق الإنسان بأجندة ومواعيد الأممالمتحدة خديجة عليموسى مع اقتراب موعد تصويت مجلس الأمن على قرار بشأن بعثة الأممالمتحدة في الصحراء «المينورسو»، يعود ملف حقوق الإنسان إلى الواجهة، لاسيما مع ما شهدته السنة الماضية من توتر بين المغرب وأمريكا على خلفية اقتراح هذه الأخيرة توسيع صلاحيات البعثة الأممية «المينورسو» لتشمل ملف حقوق الإنسان، وهو ما رفضه المغرب بشدة وخلف توترا واحتقانا دفع الملك محمد السادس إلى التدخل لحل المشكل وإعادة الأمور إلى نصابها. ومن المرتقب أن تعرف سنة 2014 هدوءا في الملف على عكس ما عرفته السنة الماضية، وفق متتبعين، على اعتبار أن كل المؤشرات تدل على ذلك، وأن التقرير الذي من المنتظر أن يقدمه كريستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، نهاية أبريل سيكون لصالح المغرب، لإحراز هذا الأخير تقدما ملحوظا في هذا المجال من خلال عمل اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن هذا التقرير وإن كان سيتحدث عن مجهود المغرب في مجال حقوق الإنسان، فإنه سيتم، لا محالة، إدراج بعض الأحداث التي عرفتها الأقاليم الجنوبية. الشأن الحقوقي في ملف الصحراء، هناك من يعتبره ثانويا، على أساس أن الصراع سياسي، وهناك من يراه أساسيا. وفي هذا السياق، يقول عبد المجيد بلغزال، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، «الكوركاس»، إن مركز الصراع وجوهره هو الملف الحقوقي، لذلك فإن تقرير كريستوفر روس، بصفته وسيطا سياسيا، سيتطرق لا محالة إلى ملف حقوق الإنسان في إطار حديثه عن معيقات تقريب وجهات النظر بين الأطراف. «البلوكاج» في تدبير النزاع السياسي الخاص بملف الصحراء، يقول بلغزال، يجعل الجزائر و»البوليساريو» توظفان مجال حقوق الإنسان للهجوم على المغرب وتطويق مبادرة الحكم الذاتي من أجل التقليل من قيمتها والتنقيص من جاذبيتها، إضافة إلى أن «البوليساريو» تظهر دائما بمظهر الضحية من أجل استقطاب الشباب في الأقاليم الجنوبية بالمغرب لذلك فإنها تسعى دائما إلى أن تكون هناك اصطدامات من أجل استمرار توظيف مجال حقوق الإنسان، يوضح عضو الكوركاس، في تصريح ل»المساء»، ويؤكد أن الملف الحقوقي له جاذبيته لدى المنظمات الدولية على عكس الشق السياسي. وإذا كان ملف حقوق الإنسان قد استأثر، السنة الماضية، بنقاش واسع بعد الدعوى إلى توسيع صلاحية بعثة «المينورسو» فإن هذه السنة لن يكون هناك أي تغيير، إذ قال بلغزال «لحد الآن ليس هناك، حسب علمي، أي ضغط من الدول دائمة العضوية من أجل توسيع بعثة المينورسو، غير أن الملف الحقوقي سيكون حاضرا في النقاش، والجديد هو أن هناك دولة تحاول بكل المساعي أن يكون تمديد عمل البعثة الأممية بالصحراء ستة أشهر فقط وليس سنة». الدعوة إلى تقليص المدة لا تعتبر إشكالا حسب بلغزال، بل إن الإشكال هو رهن البناء الديمقراطي ومجال حقوق الإنسان بأجندة ومواعيد الأممالمتحدة على أهميتها، متسائلا عن كيفية التأسيس لبناء حقيقي ديمقراطي بدون انكسارات ولا تراجعات. وقد أثيرت السنة الماضية مشاكل بعد دعوات توسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، مشروع القرار الذي قدمته أمريكا رفضه المغرب بشدة لاستغلال موضوع حقوق الإنسان في نزاع الصحراء المغربية، وهو ما دفع الديوان الملكي إلى إصدار بلاغ في الموضوع بعدما تم عقد اجتماع ضم مستشاري الملك ورئيس الحكومة ووزراء وقادة الأحزاب السياسية، تم على إثره إصدار بلاغ تم فيه إعلان الرفض التام لهذا المشروع، وتحدث عن أن المغرب يبذل جهدا من أجل النهوض بحقوق الإنسان بكافة التراب الوطني٬ بما في ذلك الأقاليم الجنوبية٬ والتي تحظى بإشادة المجتمع الدولي والعديد من الشركاء الدوليين. وتدخل على إثرها الملك محمد السادس في الملف، واستغلت الآلة الدبوماسية المغربية للحيلولة دون التصويت على المشروع، ليتم سحبه والتمديد لبعثة المينورسو دون أن يطرأ أي تغيير على مهامها، وهو ما اعتبر انتصار للمغرب الذي تصدى لكل محاولة من شأنها أن تنتهك سيادته الوطنية وتدعم الجزائر وجبهة البوليساريو. هل تنجح الدبلوماسية المغربية في إفشال مناورات الانفصاليين؟ الحسيني: المغرب اتخذ تدابير تفوق توصيات مجلس الأمن المهدي السجاري استباقا لمحطة أبريل بمجلس الأمن الدولي، تحركت الآلة الانفصالية للبوليساريو بقوة، بدعم من محتضنتها الجزائر، داخل بعض الأوساط الأمريكية، فكان أن أطلقت أميناتو حيدر، محاضرات ولقاءات في خطوة تلعب من خلالها الجزائر والبوليساريو الورقة الحقوقية، بهدف إحياء المشروع السابق لتوسيع مهام بعثة «المينورسو» في الصحراء، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. أميناتو حيدر، التي لم تكن قبل سنوات إلا رقما مغمورا في خريطة «قيادات» انفصاليي الداخل، حولت إحدى المحاضرات بمقر الكونغرس الأمريكي إلى ساحة للافتراء على المغرب، والتغاضي عن حقيقة الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في تندوف، والتي فجرت غضبا واسعا لسكان المخيمات، سرعان ما ووجه بقمع شديد من طرف عساكر البوليساريو. منظمة «ديفانس فوروم فاوندايشن»، التي دعت حيدر لإلقاء كلمتها داخل مبنى الكونغرس، منعت ولوج رأي مخالف إلى القاعة، وهو ما دفع نادي واشنطن المغربي – الأمريكي إلى دعوة مغاربة الولاياتالمتحدة إلى مراسلة ممثليهم المحليين داخل الكونغرس للاحتجاج على ما وقع، بالنظر إلى كون المؤسسة ذات صبغة عمومية، ولا ينبغي أن يستثنى من حضور الاجتماعات العمومية بداخلها أيا كان. هذا اللقاء، وغيره من التحركات، لم تتم بشكل تطوعي بل بتمويل قوي من الجزائر، التي حولت الورقة الحقوقية إلى مجرد بضاعة تتاجر بقيمها النبيلة، اعتمادا على تحويل أموال ضخمة لمنظمات معروفة بعدائها للوحدة الترابية للمغرب، كما هو الشأن بالنسبة لمنظمة كيري كينيدي، التي دعمت احتضان مبنى الكونغرس لمحاضرة حيدر. أما داخل أوربا، فالتحركات لا تكاد تنتهي على مستوى الدول الإسكندنافية، التي تثير برلماناتها بين الفينة والأخرى، محاولات لمناقشة قرارات تمس الوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يستلزم تكثيف التواصل لشرح موقف المغرب، مع توفير الإمكانيات اللازمة من أجل فعل دبلوماسي فعال. تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، أكد في تصريح ل»المساء» أن تعاطي الدبلوماسية المغربية مع الملف هذه السنة كان أفضل من سابقاتها، بالنظر إلى أن قرار السنة الماضية لمجلس الأمن الدولي حث المغرب على اتخاذ خطوات فيما يتعلق بمسألة مراقبة حقوق الإنسان، إذ اتخذ المغرب السنة الماضية تدابير تفوق تلك التي أوصى بها مجلس الأمن، وقد جاء ذلك في آخر رسالة وجهها وزير الخارجية للأمم المتحدة تتعلق بتوضيح هذه التدابير. ومن هذه التدابير، يوضح الحسيني، إبعاد المدنيين عن المحاكم العسكرية، ومعالجة الشكايات المقدمة إلى اللجان الجهوية لحقوق الإنسان في الصحراء، والمصادقة على اتفاقيات دولية متعلقة بحقوق الإنسان وغيرها من التدابير التي تشكل تقدما مهما في هذا المجال. وأكد أن الصبغة الوقائية لكل تحرك دبلوماسي ينبغي أن تتجه بقوة نحو تفادي الوقوع في نفس الفخ الذي أصاب الدبلوماسية المغربية عندما تقدمت الولاياتالمتحدة بمشروعها الذي يقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان. واعتبر خبير العلاقات الدولية أنه تم وضع نوع من الموانع لعدم الوصول إلى هذه الوضعية، والذي يهم بشكل أساسي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسجل في هذا السياق أن زيارة العاهل المغربي إلى الولاياتالمتحدة قد تكون حصلت على نوع من التعهد الضمني بعدم تقديم مثل هذا المقترح مجددا أمام مجلس الأمن، خاصة أن الولاياتالمتحدة قررت سحبه بناء على طلب من العاهل المغربي. المسألة الثانية هو أن المغرب وسع مجال علاقاته الدبلوماسية على الخصوص مع كل من روسيا والصين، وهو ما يعطي للمغرب نوعا من الحصانة المبدئية حتى لا يبقى مقتصرا على الحليف الفرنسي كعنصر أساسي لوقف صدور قرار لمجلس الأمن الدولي ضده على هذا المستوى. أما بالنسبة للعلاقات المغربية الأمريكية، فيرى الحسيني أنه بعد زيارة كاتب الدولة في الخارجية جون كيري أصبح واضحا أن هذه العلاقات لم تعد تمس فقط الجوانب الأمنية والسياسية، بل تجاوزتها بقوة إلى الجانب الاقتصادي والمجال الثقافي والمسائل التربوية. وشدد أستاذ العلاقات الدولية على أن زيارة كيري تأتي في وضعية خاصة، بضعة أيام بعد زيارة العاهل المغربي الناجحة إلى إفريقيا، التي وقعت فيها أزيد من 50 اتفاقية، وأثبتت صلاحية الاتفاق جنوب- جنوب كإطار للعمل، وأيضا بعد مناورات الأسد الإفريقي التي تم إيقافها السنة الماضية بقرار من المغرب، لكنها هذه السنة كانت المناورات ناجحة حيث شارك المغرب إلى جانب دول أخرى من الحلف الأطلسي بما فيهم ألمانيا، ومشيرا إلى أن الزيارة تأتي بضعة أسابيع من اجتماع مجلس الأمن، وهي فرصة للتركيز على عدم تقديم مقترح مجددا. وخلص الحسيني إلى أن وضعية الدبلوماسية هذه السنة هي أفضل بكثير مما كانت عليه السنة الماضية، وأنها أصبحت الآن تدرك بأن السياسة الوقائية هي مسألة أساسية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية، وبالتالي اتخاذ بعض التدابير الاستباقية. علاقات المغرب بالقوى العظمى المؤثرة في ملف الصحراء، التي تناقش الملف داخل «مجموعة أصدقاء الصحراء» المكونة من الولاياتالمتحدةوفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا، تعززت اليوم بخطوات دبلوماسية مكنت الموقف المغربي من تقوية موقعه داخل مجلس الأمن الدولي، خاصة مع الجانب الأمريكي الذي تذهب كل المؤشرات إلى وقوفه على الأقل في زاوية الحياد من هذا الملف، دون التقدم مجددا بمقترح شبيه بمشروع توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان، في ظل آليات وطنية أثبتت فعاليتها، ولقيت إشادة من هيأة الأممالمتحدة نفسها. هل مازال الموقف الأمريكي من قضية الصحراء على الحياد؟ محمد أحداد فاجأ الموقف الأمريكي داخل أروقة الأممالمتحدة من قضية الصحراء المغربية الكثيرين خلال السنة الماضية، إذ لم يكن أحد يتوقع أن تعمد القوة رقم 1 في العالم، والحليف الاستراتيجي رقم 1 للمغرب إلى طرح مشروع قرار جديد يقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء المغربية. بعض المحللين أرجعوا القرار الأمريكي الغريب إلى محاولة «ليّ ذراع المغرب» خاصة أمام التقارب الفرنسي المغربي غير المسبوق بعد زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المغرب، فيما أرجع البعض تقديم مشروع القرار إلى التحركات الديبلوماسية القوية لجبهة البوليساريو ومعها الجزائر داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية. على العموم، تحركت الدبلوماسية المغربية على مختلف الواجهات، وبعث الملك رسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قبل أن تضطر أمريكا إلى سحب مشروع القرار أمام اشتعال جذوة الغضب المغربي مسنودا من طرف كل من فرنسا وإسبانيا أحد أهم الأطراف التي يمكن أن تؤثر في النزاع. ورغم سحب المشروع الأمريكي، بمقدورنا أن نطرح الكثير من الأسئلة: هل نرهن قضية الصحراء المغربية بدولة واحدة؟ وهل نرمي كل البيض في سلة الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ ألم يكن مشروع القرار تنبيها قويا للمغرب بضرورة مراجعة تعاطيه مع الملف؟ الثابت أن العلاقات الأمريكية المغربية، مرت بفترة طويلة من الاستقرار، وظل المغرب دائما الحليف الاستراتيجي في منطقة شمال إفريقيا والساحل، وبيان ذلك أن مناورات «الأسد الإفريقي» التي تجري بين الجيشين المغربي والأمريكي تعد الأضخم من نوعها في المنطقة علاوة على التنسيق الكبير بين البلدين في العديد من القضايا المصيرية بالعالم، منها القضية السورية التي توجت بتنظيم المغرب مؤتمر أصدقاء سوريا بمراكش. بصيغة أخرى، كان القرار الأمريكي مفاجئا إلى حد أن الديبلوماسية المغربية أصيبت بالذهول، وهي ترى المندوبة الأمريكية في الأممالمتحدة تطرح الملف. عنصر المفاجأة يكمن بالأساس في تغيير وجهة نظر الأمريكيين إلى الملف، فقد كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية طيلة عقود تمسك العصا من الوسط، وتحتمي، في الغالب» بالمقاربة الأممية لحل ملف الصحراء المغربية، ولاسيما أنها تحمل في ذهنها قناعة أساسية مؤداها أن المشكل الحاصل لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يكون بين المغرب والبوليساريو بقدر ما هناك طرف ثالث، وهو الجزائر، يحرك الخيوط في السر والخفاء ويرصد أموالا «خيالية» لمواجهة المغرب رغبة في تسكين «عقد» سياسية سحيقة والبحث عن موطئ قدم في الساحة الإفريقية. من الواضح، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتنعت بأن قضية الصحراء أعقد من أن تحل بقرار أممي يقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لسبب بسيط لأن أطراف النزاع فيه متعددة ومصالحها السياسية والاقتصادية متشابكة جدا، بمعنى أن المسار الأممي الذي يدعو إليه الجميع لن يحرز أي تقدم سياسي، خاصة على المدى القريب. في عز الأزمة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمغرب، طفت إلى السطح الكثير من التحليلات التي تشير إلى أن خلفيات مشروع القرار، تجد شرعيتها في الضغوط التي مارستها قيادات من الجبهة حول وجود خروقات حقوقية بالمنطقة الجنوبية للمغرب، ولأن المنظمات الحقوقية في أمريكا، أصبحت فاعلا رئيسا، فقد مارست ضغوطا على الإدارة الأمريكية للتسريع بتقديم مشروع القرار، بيد أن تلك التحليلات أقصت من المعادلة عنصرا نراه أساسيا وضروريا لفهم سياقات ومعنى الحدث. في قضية الصحراء المغربية، ثمة ملفات متقاطعة ومصالح سياسية وإستراتيجية كبيرة وصراعات طاحنة، ومن ثم ليس من السهل جدا أن يحل الملف داخل أروقة مجلس الأمن ما لم تقدم تنازلات وما لم ترفع الدول الكبرى يدها عن الملف. أمريكا، وعت بالأمر، ولذلك سارعت إلى سحب مشروع القرار، رغم أن الدبلوماسية الأمريكية لم تترك يوما مجالا واحدا للصدفة. في وقت سابق، لم تجد هيلاري كلينتون، كاتبة الدولة السابقة في الخارجية الأمريكية مناصا من التأكيد على أن مشروع «الحكم الذاتي» الذي طرحه المغرب لحل النزاع المفتعل يتسم ب»المصداقية والجدية»، وقد كان التصريح موقفا تاريخيا طبع رؤية أمريكا إلى قضية الصحراء المغربية. الآن، أدرك المغرب أن ورقة حقوق الإنسان تجلب عليه الكثير من المتاعب، الأمر الذي بدا واضحا جدا حينما ألغى المجلس الوزاري الأخير المحكمة العسكرية، التي نال، المغرب بسببها انتقادات واسعة من طرف منظمات حقوقية وازنة. بدا لافتا أن المغرب يريد أن يثبت للمنتظم الدولي أنه ماض في سلسلة من الإصلاحات الجذرية التي انخرط فيها منذ تولي الملك محمد السادس العرش في أواخر القرن الماضي، وأنه قادر على ضمان حقوق الإنسان في منطقة الصحراء، وهي رسالة موجهة بالأساس إلى القوى الفاعلة في الملف في مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. الزيارة الأخيرة، التي قام بها جون كيري كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، أثبتت إلى أي مدى تريد أمريكا تحييد موقفها تجاه قضية الصحراء، حيث تجنب الحديث عن الملف في الندوة الصحافية التي جمعته بصلاح الدين مزوار، وزير الخارجية والتعاون. المغرب يعي أن قضية الصحراء أصبحت ورقة صراع في يد القوى الكبرى، وهذا الوعي لابد أن يتبلور بالبحث عن حلفاء جدد وعن قوى جديدة، فما حدث السنة الماضية، ليس واقعة عادية في مسار العلاقات الأمريكية المغربية، بل يمكن أن تتكرر في أي لحظة. باختصار شديد، يجب الابتعاد عن «الديبلوماسية العتيقة» وترديد الأسطوانة المشروخة «المغرب أول بلد يعترف باستقلال أمريكا»، فالسياسة لم تعد تمارس بالتاريخ ولا بالجغرافيا بل بالمنافع والمصالح.