عرف العرب التبغ في عصر متقدم نقلا عن الهنود والفرس، حيث استعملوه في الأغراض الطبية ومداواة الجروح، وقد ذكروه في كتبهم الطبية تحت اسم» شجر القمر». ويقال إن اكتشاف واستعمال التبغ لدى الهنود والفرس كان مرتبطا بالمناسبات والأعياد الدينية، كنوع من الاحتفال. أما في أوروبا فإن أول من تكلم عن نبتة التبغ واستعمالها هو كريستوفر كولومبوس الذي اكتشف قارة أمريكا عام 1492، السنة نفسها التي طرد فيها المسلمون واليهود من الأندلس. وقد ذكر كولومبوس في أخبار رحلته أنه وجد في جزيرة كوبا نساء ورجالا من الهنود يشمون نبتة ذات رائحة غريبة. وقد دخل التبغ بلدان أوروبا بداية من القرن السادس عشر، حيث انتشر في إيطاليا أولا ثم في بريطانيا وألمانيا ثم تركيا. لكن انتشاره كان مصحوبا بقلاقل اجتماعية وسياسية بسبب مواقف الرفض التي كان يبديها الحكام تجاه عادة شرب الدخان لدى العامة. ففي إنجلترا مثلا يذكر أن الإمبراطور جاك الثاني كان معارضا قويا لانتشار نبتة التبغ، وفي إيران كان الشاه عباس يقوم بقطع ألسنة مستعملي التبغ لأسباب دينية، بينما كان السلطان التركي مراد الرابع يقوم بشنق كل من يدخن التبغ، أما في روسيا فقد كان القيصر ميشيل فيديروفيتش يعاقب المدخنين بالضرب أربعين جلدة تحت أقدامهم. وفي عام 1642 منع البابا أوربان الثامن استهلاك التبغ تحت طائلة الاتهام بالهرطقة. وقد تسببت زراعة التبغ في العديد من الأزمات السياسية والثورات، أشهرها في العالم الإسلامي ثورة التبغ أو«ثورة التنباكو» في إيران في نهاية القرن التاسع عشر. فقد اتفق الشاه ناصر الدين القجاري مع بريطانيا عام1891على إعطاء الأخيرة حق التصرف بالتبغ الإيراني داخل البلاد وخارجها، فتدفق الأجانب على إيران، فأرسل المرجع الشيعي محمد حسن الشيرازي رسالة إلى الشاه يعترض فيها على تلك الاتفاقية، محذرا من أن تؤدي إلى إضعاف الدولة. وتكررت الرسائل دون أن يهتم بها الشاه، فأصدر الشيرازي فتواه الشهيرة التي جاء فيها «إن استعمال التنباكو والتبغ بأي نحو كان يعتبر محاربة للإمام صاحب العصر والزمان»، فخرجت ثورة عارمة في شوارع المدن الإيرانية، واضطر الشاه إلى إلغاء الاتفاقية المبرمة مع البريطانيين. بداية الكيف بالمغرب يرجع البعض فترة دخول نبتة الكيف إلى المغرب إلى نهاية القرن السادس عشر، ولكن هناك بعض النصوص التي توحي بأن استعمال الكيف أو الحشيشة كان معروفا في المغرب قبل ذلك التاريخ. فعبد الحق بن إسماعيل البادسي، مؤلف كتاب «المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف»، يعتبر أول من أشار إلى كلمة «حشيشة» في القرن الثالث عشر الميلادي، ذاكرا أنها واردة من المشرق. وجاء في رواية البادسي:«وحدثني الحاج يحيى المذكور قال: لما استقر الشيخ عبد الملك بمدينة سبتة حرسها الله تعالى صار يصنع ليلة المولد طعاما للفقراء يأكلونه، وكان طعامه الكعك والعسل، ويحضر تلك الليلة الفقراء والمحبون يعمل فيها السماع، فأتى فقير من المشرق برسم زيارته، ومعه جراب من ورق القتيب المعروف عند المستعملين له بالحشيشة، وكان بات ذلك الفقير ليلة وروده برابطة السودان خارج البلدة، فلما أصبح قال: ليس من الأدب الدخول على شيخ من المشايخ بشيء محرم، قال: فعمد إلى مقبرة فدفن فيها جرابه ودخل على الشيخ». ويذكر الطبيب الأندلسي الوزير الغساني، الذي عاش ما بين 1548و1610، في كتابه»حديقة الأزهار»، أن عادة استعمال نبتة الكيف قد انتشرت وسط ساكنة مدينة فاس، رجالا ونساء، حيث يسمي تلك النبتة «المأكول للإسكار»، كما يذكر أن ورق الكيف أصبح جزءا من التجارة الرائجة بين السكان. أما المؤرخ الناصري، صاحب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى»، فيرجع دخول نبتة الكيف إلى المغرب إلى الفترة التي أعقبت غزو السودان مباشرة، في عهد أحمد المنصور السعدي. ويربط الناصري ذلك بدخول الفيلة إلى المغرب، التي تم إدخالها إلى المغرب كهدية للسلطان، حيث يقول:»قال بعضهم: وبسبب دخول هذه الفيلة إلى المغرب ظهرت هذه العشبة الخبيثة المسماة بتابغ، لأن أهل السودان الذين قدموا بالفيلة يسوسونها قدموا بها معهم يشربونها ويزعمون أن فيها منافع، فشاعت منهم في بلاد درعة ومراكش وغيرهما من بقاع المغرب، وتعارضت فيها فتاوى العلماء رضوان الله عليهم فمن قائل بالتحريم ومن قائل بالتحليل، ومتوقف، والعلم فيها عن الله سبحانه». العلماء والتبغ بدأت ظاهرة استعمال التبغ في المغرب في عصر السعديين، وشكل ذلك موضوع نقاش بين العلماء واستفتاء للسلطان أحمد المنصور، الذي طلب مشورة العلماء في منع التبغ أو الترخيص به، وقد استجاب المنصور لنصيحة بعض الفقهاء فأحرق وأتلف كميات كبيرة من عشبة التبغ في مختلف أنحاء البلاد، حيث جمعها من الباعة والتجار في ديوان القصر وأحرقها. لكن الاستهلاك لم ينقطع كليا وسط العامة بل زاد استفحالا، خصوصا في القرن التاسع عشر، بعدما أدخل الأوروبيون كميات كبيرة منه مع تنامي التجارة بين المغرب وبين البلدان الأوروبية. وبعد وفاة أحمد المنصور انتشرت ظاهرة استعمال التبغ أكثر من السابق، وخاصة في الصحراء. ومن هناك حمله أحمد بن أبي محلي، الثائر، في رحلته إلى الحجاز في بداية القرن السابع عشر، فكان ذلك بداية دخول التبغ إلى مصر والشام والجزيرة العربية. فقد كان ابن أبي محلي مدمنا على تلك النبتة، إذ كان يرى أنها حلال، وكان يسعى إلى إقناع العلماء بفكرته، فكتب إلى بعضهم لطلب رأيهم في الموضوع، لكنه توصل بفتاوى تحرم استعمال الدخان، فخصص في رحلته الشهيرة «الإصليت الخرتيت» حيزا هاما للرد على تلك الفتاوى وأصحابها، حيث كتب فتويين اثنتين يرد بهما على من حرم استعمال التبغ. وجاء في واحدة من هاتين الفتويين:»ومن حرمها من الجهلة بلا فقه صريح معه، فليس بأقل وزرا ممن أضاف إليها من المناكر العارضة ما يوهن دينه، ويقتل ورعه، وقد والله اجتمعت ببعض البلداء المحرمين من الطلبة بلا علم يزين ولا علم يصون، في ملأ من الناس، فأريتهم من عند أنفسهم بالنص الصريح يومئذ من تحققوا أنهم من التفقه في الدين على غاية الإفلاس، أو نهاية الإبلاس، جهلا أو تجاهلا تبعا للوسواس، دون مستند إليه ولو لمجرد القياس، فباؤوا بالخيبة من الحق، ورجعوا على أعقابهم بالخزي والفضيحة». قاضي درعة يفتي بإباحة التبغ ومن بين العلماء الذين خاضوا في هذا النقاش حول تحريم التدخين أو حليته قاضي درعة أحمد بن محمد البوسعيدي. فقد كان من المدمنين على التدخين رغم مشيخته العلمية، وناقش القاعدة الفقهية التي جاءت عند الإمام القرافي في كتابه «الفروق»، التي ورد فيها:»المتناول لما يغيب العقل، إما أن يغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم تغب معه الحواس، فإما أن تحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له فهو المسكر، وإما أن لا يحدث معه ذلك فهو المفسد. فالمرقد ما يغيب العقل والحواس، والمفسد: ما يغيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح». فقال محمد البوسعيدي: «إن التبغ من نبات الأرض، وقد نص الإمامان الطبري وإبن جزي في تفسيرهما عند قوله تعالى «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا» أن نبات الأرض محمول على الإباحة حتى يرد دليل على التحريم، وكذلك القاضي عبد الوهاب في تلقينه، جعل نبات الأرض أحد أجزاء المباحات، وقيده الدكالي بما لم يكن فيه ضرر على البدن. ثم مثل لما فيه الضرر بالدفلى لأنه قتال، والتبغ تشاركه في هذا المعنى لأن أكلها قتال، وكذلك الحرمل أكلها مدقوقا قتال، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبخير بالحرمل لأن دخانه لا ضرر فيه وفيه منفعة، والتبغ بهذا السبيل أكلها حرام لأنه قتال، ودخانها فيه منافع ظاهرة بدليل العيان، منها أنه يهضم الطعام وهو من أعظم المنافع، ومنها إطفاء السموم، شاهدنا أكثر من أربعين نفسا لسعتهم العقارب فشربوه فشفاهم الله في الحين. وقد تكلمت مع أصحابنا فقهاء مراكش وفقهم الله ورحم موتاهم عليها فلم أر أحدا يدعي تحريمها، والذي ينهى عنها قال لأجل السفهاء يجتمعون على شربها، وربما تحضر معهم النساء كاجتماعهم على الخمر، قلت له: وها هم يجتمعون على طواجين اللحم وغيرها من نعم الله عز وجل، أيصح أن نقول بحرمة الطواجين من أجل ذلك؟». ومن العلماء الذين كتبوا في موضوع الدخان واستعماله أحمد بابا السوداني، وقد كان مدمنا على التدخين ومن القائلين بإباحته، حيث وضع فتوى تحت عنوان «للمغ في الإشارة إلى حكم طبغ» عام 1607 بتمكروت، وقال إنه اختصر تلك الفتوى بسبب سفره من مراكش إلى تمبوكتو، متعهدا بأن يعود للموضوع لاحقا في كتاب بعنوان»عين الإصابة في مسألة طابة». ومن العلماء أيضا إبراهيم اللقاني المصري المتوفى عام 1630، في فتوى حملت عنوان «نصيحة الإخوان باجتناب الدخان»، رد فيها على ابن أبي محلي، ومما جاء فيها «ففي أول شيوعه أي الدخان بمصر دخل به رجل من تافيلالت من بلاد المغرب يقال له أحمد بن عبد الله الخارجي أي ابن أبي محلي المشهور بسفك الدماء بغير حق، وإهانة أهل بيت الرسول من أشراف ملوك المغرب، وكان ملبسا على العامة يزعم أنه من العارفين وأهل السلوك وهو مغرور مخدوع، فسأل عنه أي الدخان شيخنا وقدوتنا العلامة سالم السنهوري فأفتاه بالتحريم، فأسر ذلك في نفسه وألقى إلى شياطين إخوانه أن ما أفتى به الشيخ خطأ، وأنه جائز الاستعمال وهو من أحل الحلال، فعليه بالوبال واليم النكال». ومنهم أيضا العلامة علي الجهوري، من مصر، الذي وضع فتوى يرد فيها على اللقاني بطريقة غير مباشرة، وكان الجهوري من المؤيدين لإباحة الدخان، وأحد من أفتوى لابن أبي محلي بذلك. وجاءت فتوى الجهوري تحت عنوان «غاية التبيان لحل شرب ما لا يغيب العقل من الدخان»، حيث قال فيها «شرب الدخان المذكور ليس مما يغيب العقل أصلا وليس بنجس، وما كان كذلك لا يحرم استعماله لذاته، بل لما يعرض له من ضرر ونحوه. فمن لم يضره لم يحرم عليه، ومن ضره بأخبار عارف يوثق به أو بتجربة في نفسه حرم عليه». ومن العلماء أيضا عبد الكريم بن محمد الفكون القسنطيني، في فتوى تحت عنوان»محدد السنان في نحور إخوان الدخان»، ومفتي مكة الشيخ خالد الزواوي في فتوى بعنوان «كشف الغسق عن قلب دفق في التنبيه على تحريم دخان الورق». وفي عام 1625 ألف محمد العربي الفاسي كتيبا صغيرا تحت عنوان»سهم الإصابة في حكم طابة»، في مناقشة أدلى المحرمين والمبيحين للتدخين الذي استفحل في عصره. ومن طرائف ما ورد عنده أن البعض يستدل على تحريم الدخان بالآية القرآنية من سورة الدخان:»يوم تأتي السماء بدخان بين يغشى الناس». وجاء في ذلك الكتيب:»وأجيب بأن إيصال الدخان لجوف الإنسان غير ممنوع للإجماع على جواز استنشاق البخورات مع وصولها للجوف، بدليل منع الصائم منها، وكونها من قبيل الطعام المحترق ممنوع في هذا المقام». التدخين والحركة الصوفية ابتداء من القرن السادس عشر دخل تدخين القنب الهندي عالم الجماعات الصوفية في المغرب، من خلال ممارسات بعض الحركات الصوفية الجديدة التي ظهرت في تلك الفترة، ليعود استعمال التبغ إلى جذوره الأولى التي بدأت في آسيا مع الجماعات الدينية كجزء من الطقوس الشعبية. أصبح القنب الهندي يطلق عليه اسم»حشيش الفقراء»، مقارنة إياه بالتبغ الصناعي الذي كان يأتي من أوروبا عبر البحر. وقد عرف أتباع الزاوية الهداوية، التي أنشأها المهدي بن محمد بن الزين الحسني، المعروف ب»سيدي هدي»، باستهلاكهم للقنب الهندي، نظرا لقربهم من ضريح عبد السلام بن مشيش حيث توجد مزارع القنب الهندي. وقد تزامن ذلك مع ظهور بعض الظواهر الاجتماعية الجديدة ضمن ما عرف ب»الأولياء الجوالين»، الذين كان يطلق على الفرد الواحد منهم لقب»السايح» أو»البوهالي» أو»بودربالة». وكان هؤلاء يريدون الجمع بين الممارسات الدينية الصوفية من رقص وسماع، وبين ملذات الحياة، قصد الوصول إلى ذروة النشوة الروحية. وكان أتباع الزاوية الهداوية يصنعون أنبوبا من الأعواد(سبسي) قد يصل طوله إلى مترين يطلقون عليه اسم»الدواية»، وموقدا قد يحتوي على كمية كبيرة من الكيف، ثم يدخنون في طقس جماعي. فقد كان الهداويون يعتقدون أن استهلاك القنب الهندي يساعدهم بشكل أكبر على الاستغراق في الأذكار، وكان يقال في المثل السائر»الهداوي يصبر على الجوع لكنه لا يصبر على الكيف»، ولذلك كان ينظر إلى القنب الهندي كنوع من البركة. وقد انتشرت هذه الممارسة حتى في صفوف بعض الجماعات الصوفية الأخرى مثل حمادشة وعيساوة وجيلالة في فترة من الفترات. القنب الهندي والمخزن خلال القرن التاسع عشر عرف المغرب أزمات اقتصادية متوالية، جعلت المخزن يفكر في احتكار تجارة وترويج القنب الهندي. وفي تلك الفترة عمد المخزن إلى الإشراف على تجارة التبغ ومراقبة رواجه بالمغرب، واتضح ذلك في بعض بنود المعاهدة التجارية التي أبرمها السلطان عبد الرحمان مع إنجلترا عام 1856، التي منحت الاحتكار المخزني للنشاط التجاري، واستثنت من ذلك كل ما يتعلق بالتبغ والسلاح، مع السماح للأوروبيين بجلب ما يحتاجونه من التبغ لاستهلاكهم فقط. وقد انقسم العلماء في تلك الفترة بين مؤيد ومعارض لاحتكار تجارة الكيف من طرف المخزن، مثلما انقسموا في الماضي في عهد السعديين. وفي عام 1886 وضع السلطان المولى الحسن، بمناسبة زيارته لمدينتي تطوانوطنجة، سلسلة من الإجراءات التي كانت ترمي إلى الحد من رواج القنب الهندي بين السكان بكل حرية، كما كان الأمر في السابق، لكنه استثنى بعض المناطق القروية في الريف مثل قبيلة بني خالد شمال المغرب. فقد كان السلطان يخشى من أن تتحول تجارة القنب الهندي ومداخيلها إلى قوة دعم مادية لما كان يسمى»بلاد السيبة»، ولذلك سعى للتحكم فيه، وفي نفس الوقت كان ذلك الإجراء يرمي إلى إيجاد مداخيل جديدة لبيت المال، ولذلك قرر المخزن إنشاء «الصاكة»، من أجل احتكار رواج القنب الهندي، وقام بإجراء آخر، وهو منع الأوروبيين من إدخال بعض المنتوجات التبغية إلى المغرب، باستثناء تلك الأنواع التي يطلبها المقيمون الفرنسيون داخل البلاد. وقد كتب المؤرخ الناصري في كتابه»الاستقصا» عن أحداث تلك الفترة، حيث أكد أن استمرار المخزن في احتكار القنب الهندي قد يشكل ذريعة للمتعاطين لهذه المادة بعدم الإقلاع عن استعمالها واستهلاكها، وقال»ولو نهوا عنها لما انتهوا، بل ربما احتجوا بأنها لو كانت حراما ما احتازها المخزن واستبد بربحها». وقد طالب الناصري السلطان بأن يسلك منهجا متدرجا في دفع العامة إلى الانقطاع عن استهلاك القنب الهندي، نظرا لصعوبة إقناعهم بذلك، ونصح السلطان بأن يلجأ إلى طريقة الوعظ والإرشاد في البداية وبين مفاسد تلك العشبة الضارة، ثم إقصاء المتعاطين لها من الشهادة والإمامة وممارسة سائر الوظائف الشرعية في الدولة، ثم منع زراعتها وإدخالها والتجارة فيها، ومعاقبة المخالفين لتلك القرارات. وقد شكل فرض السيطرة على تجارة القنب الهندي والإشراف على تجارته مجالا للصراع بين المخزن في المركز وبين حركات العصيان التي كان يقوم بها بعض المتمردين في الأطراف، مثل حركة الروكي بوحمارة في منطقة الريف، الذي حاول حرمان المخزن من التصرف في تلك المادة، وجعلها مصدرا للدخل، بهدف تمويل حملاته العسكرية. القنب والاستعمار لكن أثناء اتفاقية الجزيرة الخضراء في عام 1906 منحت القوى الأوروبية حق احتكار تجارة القنب الهندي لشركة جديدة تم إنشاؤها لذلك الغرض، أطلق عليها اسم»الشركة المغربية للكيف والتبغ»، كانت شركة متعددة الجنسيات أغلبية رساميلها فرنسية، جعل مقرها في طنجة، وكانت تتوفر على فرع تابع لها بالدار البيضاء. وعملت تلك الشركة لأول مرة في المغرب على التحكم في تجارة ورواج القنب الهندي، وفي أسعاره في الأسواق الداخلية، وكذا في المناطق التي يجب أن يباع فيها. وقد قضت تلك الشركة على «الصاكة»التي كان السلطان المولى الحسن قد أنشأها من قبل للتحكم في تجارة الكيف. وفي الوقت الذي سمحت فيها إسبانيا بحرية زراعة وتجارة القنب الهندي في الشمال، قد بسطت نفوذها، ضيقت السلطات الفرنسية من ذلك في المنطقة الجنوبية. وفي عام 1916، عندما وضعت فرنسا تشريعا في الداخل من أجل منع القنب الهندي واستعماله والتجارة فيه، وحاولت تعميم ذلك القرار على المناطق التابعة لها، ومنها المغرب، غير أنها ظلت تنظر بعين القلق إلى السياسة الإسبانية في شمال المغرب، التي عمدت إلى التساهل مع مزارعي وتجار تلك المادة. وقد حاول محمد بن عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف، في الفترة ما بين 1921و1926، اتخاذ قرارات زجرية لمنع رواج القنب الهندي في المناطق الخاضعة لنفوذه، حيث سعى إلى إقناع القبائل بالانقطاع عن زراعته، وإقناع المقاتلين التابعين له بعدم استهلاكه. وكان ذلك القرار يعتبر بمثابة مغامرة سياسية في منطقة تعيش على تجارة القنب الهندي ولا تتوفر على مصادر أخرى للعيش. غير أن تلك الإجراءات توقفت مباشرة عقب استسلام بن عبد الكريم الخطابي عام 1926 بعد معركة أنوال، فعادت تجارة القنب الهندي ورواجه إلى ما كان عليه سابقا. وقد أصدر المخزن في عام 1921 ظهيرا هو الأول من نوعه حول تجارة التبغ والكيف، نزولا عند الاتفاقية المبرمة في الجزيرة الخضراء وتطبيقا للقانون المنشئ ل«الشركة المغربية للكيف والتبغ»، متعددة الجنسيات، يجعل العملة التي يباع بها التبغ والكيف هي العملة الإسبانية بدل العملة المغربية . وهذا نص الظهير:»يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأبد في المعالي فخره، أننا بحول الله وقوته، وشامل يمنه ومتنه، أمرنا بتقرير بيع التبغ والكيف بالسكة الإسبانية، بدلا عما قدر لهما قبل بالسكة المخزنية، فنأمر الواقف عليه من كافة ولاة أمرنا، أن يعلمه ويعمل بمقتضاه، ويلزم حده ولا يتعداه، والسلام». ونظرا لارتباط القنب الهندي، زراعة وتجارة، بالحياة الاقتصادية للمناطق التي يكثر فيها، لجأت إدارة الحماية الفرنسية في عهد الماريشال ليوطي إلى مساومة بعض القبائل التي تقوم بزراعة تلك المادة مقابل المصالح السياسية لفرنسا. ففي عام 1926 أيضا سمح ليوطي لبعض القبائل المتاخمة لمدينة فاس، مثل بني زروال، بزراعة القنب الهندي مقابل استسلامهم لقوات الحماية الفرنسية ومساعدتها في احتلال منطقة الريف.