وصفات الحكومة لاجتثاث منابع البطالة ما فتئت تفشل الواحدة تلو الأخرى، في وقت تتناسل أعداد العاطلين، حيث تجاوزت، حسب التقديرات الرسمية، مليونا و81 ألف عاطل عند متم سنة 2013. ويطرح هذا الإخفاق الحكومي في مواجهة البطالة أكثر من علامة استفهام، بينما يذهب الخبراء إلى أن التشبث بالبرامج والاستراتيجيات القديمة التي أثبتت فشلها، سابقا، هو السبب الرئيس في استمرار هذا الإخفاق الذي يهدد السلم الاجتماعي للبلد. أعادت أرقام البطالة، التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها الأخير، الجدل من جديد حول نجاح الحكومة في إيجاد الوصفة السحرية لمواجهة جحافل المعطلين، الذين تحولوا إلى قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي. فقد كشفت المندوبية أن عدد العاطلين بالمغرب قفز إلى أزيد من مليون و81 ألف عاطل عند متم سنة 2013، بعدما لم يكن يتجاوز مليونا و38 ألف عاطل في 2012، مسجلا بذلك زيادة بحوالي 4.1 في المائة. ونتيجة لذلك، سجل معدل البطالة، على المستوى الوطني، ارتفاعا قدره 0.2 نقطة، منتقلا من 9 في المائة سنة 2012 إلى 9.2 في المائة سنة 2013. وعزت المذكرة الإخبارية ارتفاع عدد العاطلين في المغرب إلى فقدان آلاف مناصب الشغل بقطاع البناء والأشغال العمومية، مشيرة إلى أن هذا القطاع، الذي كان يمثل أحد أهم القطاعات المحدثة لمناصب الشغل خلال السنوات الأخيرة (55.000+ منصب كمعدل إحداث سنوي خلال الفترة 2008-2011)، عرف منذ سنة 2012 تراجعا، بفقدان 21.000 منصب شغل سنة 2012 و50.000 سنة 2013. وتطرح هذه النتائج علامات استفهام كثيرة حول أسباب فشل برامج التشغيل التي أطلقتها الحكومة في التقليص من عدد العاطلين. هذا في الوقت التي يرى فيه الخبراء أن تشبث الحكومة بالاستراتيجيات والبرامج الفاشلة هو السبب الرئيس وراء استمرار الوضع على ما هو عليه. استراتيجية جديدة ببرامج قديمة قبل أسابيع قليلة، أعلن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، أنه بصدد إعداد أول استراتيجية وطنية للتشغيل، لمعالجة هذه الإشكالية وفق مقاربة أفقية شمولية ومندمجة. وأبرز بنكيران، في معرض رده على سؤال بمجلس المستشارين يتعلق بالسياسة العامة للحكومة في مجال التشغيل، أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى التوفر على رؤية ووضع إطار تنسيقي لمختلف المتدخلين والفاعلين المعنيين بالتشغيل، وإدماج أهداف التشغيل ضمن السياسات الاقتصادية، وملاءمة الإطار القانوني المتعلق بسوق الشغل وبعلاقات الشغل، انطلاقا من تشخيص دقيق لواقع التشغيل بالمغرب. وأكد أنه سيتم، بناء على ذلك، إعداد جيل جديد من الإجراءات لإنعاش التشغيل، تستهدف بالأساس تحسين قابلية التشغيل وملاءمة مؤهلات الباحثين عن الشغل مع حاجيات المقاولات، مضيفا أن الحكومة تعمل على إنعاش وتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني باعتباره اقتصادا للقرب، من خلال الأنشطة المدرة للدخل، بهدف إنعاش التشغيل محليا. وأشار إلى أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع مختلف المتدخلين، على تشجيع الإدماج المباشر في القطاع الخاص وتطوير السياسة الإرادية لإنعاش التشغيل عبر مواصلة تنفيذ البرامج الإرادية لإنعاش التشغيل مع تطويرها وتحسين أدائها على ضوء نتائج الدراسات التقييمية التي قامت بها الحكومة، مبرزا أن الأمر يتعلق ببرنامج «إدماج» وبرنامج «تأهيل» وبرنامج «مقاولتي». وذكر بأن هذه البرامج مكنت منذ إحداثها إلى غاية متم شهر غشت 2013 من إدماج 377 ألف شخص وتأهيل 101.500 شابا باحثا عن العمل، 45 في المائة منهم إناث ومواكبة أزيد من 30.500 حامل مشروع، وإحداث أكثر من 5.100 مقاولة صغرى ساهمت في توفير ما يناهز 14.120 منصب شغل. وقال بنكيران إنه سيتواصل تفعيل هذه البرامج التي ستمكن برسم سنة 2014، من «إدماج» 55 ألف مستفيد و»تأهيل» 18 ألف باحث عن الشغل ومواكبة 1.500 حامل للمشروع في إطار التشغيل الذاتي، مضيفا أنه بالنظر لأهمية هذه البرامج والاعتمادات المخصصة لها في إطار صندوق دعم تشغيل الشباب والتي تقدر ب 2.28 مليار درهم برسم سنوات 2012-2014، فإن فعاليتها تبقى نسبية، حيث تستفيد منها مقاولات كبرى ليست في حاجة إليها، في حين لا تستفيد منها كثير من المقاولات الصغرى والمتوسطة، رغم دورها في إحداث مناصب الشغل، لذلك، فإن الحكومة بصدد تقييمها من أجل العمل على مراجعتها. وبالتركيز على مضامين الاستراتيجية الجديدة للتشغيل التي تحدث عنها رئيس الحكومة، يبدو أنها ستكون تكرارا لاستراتيجيات سابقة، خاصة أنها تعتمد بالأساس على برامج «مقاولتي» و»إدماج» و»تأهيل»، التي واجهت مشاكل كبيرة، ورغم ذلك ظلت تحظى بثقة الحكومة. التشغيل الذاتي.. فشل ذريع ومقاربة واحدة منذ انطلاق برنامج التشغيل الذاتي «مقاولتي» سنة 2006، لم يتم قبول سوى عدد قليل من المشاريع، في حين أن وزارة التشغيل كانت قد أعلنت خلال المناظرة الوطنية الأولى للتشغيل أن البرنامج سيمكن من خلق أزيد من 30 ألف مقاولة في أفق 2008، وأكثر من 90 ألف منصب شغل. ما يطرح أكثر من تساؤل حول جدوى برامج التشغيل التي تسوقها الحكومة، خاصة أن عددا كبيرا منها يكون مصيره الفشل. وبالعودة إلى مسار تجربة برنامج «مقاولتي»، يرى المحللون أن الفشل الذريع الذي آل إليه البرنامج كان متوقعا منذ انطلاقته، بالنظر إلى عدد من الثغرات والنواقص التي كان يشكو منها، كما أن القائمين على البرنامج لا يتوفرون في معظمهم على تجربة في ميدان إنشاء المقاولات وتأطير الشباب الراغب في تأسيسها، سيما أن المدة التي خصصت لتكوين المؤطرين لم تكن كافية للقيام بمهامهم على أحسن وجه، وأن المشروع لم يحظ بدراسة معمقة بمشاركة كافة الفاعلين في المجال، ولم تشرك في صياغته جمعيات المجتمع المدني المهتمة بدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتي تتوفر على تجربة في هذا المجال. والغريب في الأمر، حسب المحللين، أن المسؤولين عن البرنامج عوض أن ينكبوا على إعادة النظر في المقاربة المعتمدة وتسليط الضوء على مكامن الخلل فيه، من خلال تشخيص دقيق لاكتشاف علاته وإيجاد الحلول الناجعة، بدؤوا بتقاذفون التهم في ما بينهم، فالجهات المسؤولة عن الجانب الإداري في العملية تتهم البنوك، بأنها لم تبد حماسا حقيقيا بخصوص الموضوع، وأنها تضع العراقيل التعجيزية أمام الملفات التي تحال عليها، والبنوك تتهم الشباب بعدم التمكن من تقديم ملفات مدروسة ومحددة بالشكل المطلوب، وبأنهم في حاجة إلى تأطير من طرف الجهات المسؤولة عن إدارة المشروع. ويمكن القول إن من بين الأسباب الرئيسية لفشل البرنامج، الصعوبات التي يواجهها حاملو المشاريع في إيجاد مصادر التمويل، وهذا ما يؤكد غياب أي تنسيق بين الجهات الحكومية المسؤولة عن البرنامج والمؤسسات البنكية المطالبة بتمويل البرنامج، إذ لا يمكن للمؤسسات البنكية أن تقرض دون حصولها على دراسة دقيقة حول المشروع ومدى قابلية إنجازه، في وقت لا يستطيع فيه أغلب الشباب القيام بذلك. ويرى المحللون أنه كان من المفروض على الحكومة أن تنشئ هياكل مؤسساتية، تتكفل بتقديم المساعدات الضرورية لحاملي المشاريع، من خلال مساعدتهم على إعداد دراسة الجدوى ومصاحبتهم للحصول على القرض ومواكبتهم في إنجاز المشروع، لكن الحكومة فضلت الاشتغال بمعزل عن كل الجهات التي من المفترض أن تتدخل لإنجاح المشروع. ومن الإشكاليات الأخرى التي لابد من التطرق إليها، والتي كانت سببا في فشل العديد من المشاريع، غياب التواصل، فأغلب حاملي المشاريع يعتقدون أنهم بمجرد تقدمهم بالمشروع إلى أحد شبابيك «مقاولتي» سيتم قبوله على الفور، في الوقت الذي تمر فيه المشاريع بمسطرة معقدة تنقص من عزيمة العديدين في خلق مشاريعهم الخاصة، فالمشروع يمر بمراحل عديدة، يعتبرها المشرفون على البرنامج ضرورية لتحقيق نجاحه ومردوديته، في حين يرى بعض الشباب أنها ضياع للوقت لا فائدة منه، وعراقيل أمام تحقيق مشاريعهم على أرض الواقع، إذ أن الموافقة النهائية على المشروع لا تتم إلا بعد المرور بمرحلة الانتقاء الأولي التي تشرف عليها شبابيك مخصصة لهذا الغرض في كل مدينة، وتوجد الشبابيك لدى جمعيات القروض الصغرى وغرف التجارة والصناعة ومكاتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة الانتقاء النهائي الذي تقوم به لجان جهوية تتكون من ممثلين عن كل من المراكز الجهوية للاستثمار والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات وغرف التجارة والصناعة والخدمات، ثم تأتي مرحلة المواظبة، وتشمل المساعدة التقنية ودراسة السوق والتكوين الإداري والمالي وتحضير مخطط الاستثمار المرتبط بالمشروع قبل أن يصل إلى مرحلة التمويل التي تشرف عليها البنوك المتعاقد معها. التكوين.. وصفات عديدة والعقم واحد رغم الجهود المبذولة خلال السنوات الأخيرة في مجال ملاءمة التكوين مع سوق الشغل، إلا أن الخبراء يعتبرون أن ذلك لم يكن له تأثير يذكر على جحافل الخريجين، الذين يجدون أنفسهم سنويا في مواجهة العطالة، متسائلين حول ذنب هؤلاء في كون شهاداتهم لم تعد مسايرة لمتطلبات سوق عمل بات يشترط توفر الخريج على كفاءات ومهارات مهنية عالية. ويرى الخبراء أن الدولة كانت مطالبة منذ سنوات بتطوير الكفاءات المهنية لرفع مردودية الموارد البشرية، لكنها لم تقم بذلك وظلت تنهج أسلوب الانتظارية، رغم أن المناهج كانت في حاجة ماسة إلى إعادة نظر وتقويم مستمر حسب المستجدات وحسب المعطيات المتسارعة في سوق الشغل. ويشير هؤلاء إلى استمرار وجود إشكال في سوق الشغل بالمغرب مرتبط بالتكوين والتكوين المهني وحاجيات سوق العمل، مؤكدين أنه فيما يتعلق بمنظومة التعليم، سواء التعليم العام أو التعليم المرتبط بالتكوين المهني، كانت هناك العديد من الإصلاحات منذ أواخر القرن الماضي، وعلى الخصوص فيما يتعلق بمنظومة التكوين المهني منذ سنة 1984، لكن هذه الإصلاحات وصلت إلى المستوى الذي نعرفه اليوم، وهذا المستوى لم يغير في الحقيقة من واقع الأمر شيئا. ويبقى المغرب يعاني من أكبر إشكالية، والتي تتمثل في ملاءمة التكوين مع حاجيات وعروض سوق الشغل المتجددة، والتي أضحت تتطلب وتنحو نحو المهنية والتخصص مع بروز مهن جديدة أفرزتها مخططات التنمية القطاعية التي يجري تنفيذها أو المبرمجة، مما يطرح وبإلحاح مضاعفة الجهود لتأهيل الموارد البشرية الضرورية للاستجابة للحاجيات بارتباط مع إعمال مفهوم العمل اللائق. وكذا لمواجهة التحديات المطروحة على سوق الشغل ببلادنا على المدى المتوسط بفعل دخول المغرب مرحلة التحول في بنيته الديمغرافية، حيث من المتوقع أن يعرف سوق الشغل ارتفاعا ملموسا في أعداد الوافدين عليه سنويا إلى غاية 2016. وترى وزارة التشغيل أن ذلك حتم على المغرب وضع مخطط استعجالي في ميدان التكوين المهني 2008-2012، والذي أثمر في تنويع عرض التكوين ووضع مخططات جديدة للتكوين، وتوسيعه بإحداث جيل جديد من ستة معاهد للتكوين المتخصصة بشراكة مع المهنيين في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والموضة والابتكار، وتطوير التكوين بالتدرج المهني بإحداث 21 مركزا في ميدان الفلاحة والصناعة التقليدية والسياحة والصيد البحري، إلى جانب الشروع في الدراسات لإحداث ثلاثة معاهد للتكوين المهني متخصصة في مجالات الطاقات المتجددة. وهو البرنامج الإستعجالي الذي انبثق عنه التوجه نحو وضع رؤية إستراتيجية وطنية لتنمية التكوين المهني في أفق سنة 2020 بمساهمة كل الشركاء والمتدخلين في هذا المجال وفي مقدمتهم المهنيين، رؤية تضع من أولوياتها ربط التكوين بحاجيات سوق الشغل المستقبلية، كما تم التأكيد على ذلك خلال اجتماع أمس للقاء الأول للجنة المكلفة بتتبع إعداد هذه الرؤية الاستراتيجية. الصديقي: لا يمكن أن نعتمد فقط على النمو لحل مشكل البطالة يرى وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، عبد السلام الصديقي، أنه «لا يمكن أن نعتمد فقط على النمو» لحل مشكل البطالة الذي يكتسي بعدا أفقيا. وحسب الصديقي، فإن نسبة 1 بالمائة من النمو تخلق، حسب التقديرات، 30 ألف منصب شغل في المعدل، «في وقت نتوفر فيه على سوق شغل تقدم فيها سنويا 180 ألف طلب عمل». ويضيف الصديقي أنه، ولامتصاص هذه الطلبات، يلزم تحقيق نمو بنسبة 6 بالمائة «دون احتساب عدد العاطلين الموجود سلفا»، مؤكدا أهمية إحداث «معايرة بين الاستثمارات المجددة، وتلك الموجهة للقطاعات التقليدية» والاستثمار في البنيات التحتية التي تحدث فرص شغل غير مباشرة. ويعتبر الوزير أن الضغط على سوق الشغل «يظل مرتفعا حاليا»، مضيفا أن الوزارة «يمكن أن تعمل بشكل فوري على سياسات نشيطة للتشغيل الموجودة حاليا»، والمتمثلة في برامج «تأهيل» و»إدماج» و»مقاولتي». وفي هذا الصدد، أبرز الصديقي أنه «تم تسجيل العديد من التجاوزات» في ما يتعلق ببرنامج «إدماج»، معربا عن الأسف لوجود «مقاولات تشغل الشباب لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات، ثم تسرحهم بعد ذلك». وأوضح أن نسبة الإدماج النهائي لم تبلغ سوى 40 بالمائة من ضمن 600 ألف شخص معني بهذا البرنامج، وهي النسبة التي اعتبرها الوزير «غير كافية»، مبرزا أن الأولوية ستعطى للمقاولات «الشابة» و»التي توجد في وضعية صعبة». وبخصوص برنامج «مقاولتي»، وصف الصديقي نتائجه ب»الكارثية»، مبرزا أن من ضمن عشرة آلاف من الأشخاص الذين تمت مواكبتهم، فإن 3 آلاف شخص فقط هم من تمكنوا من خلق مقاولتهم. وقال الصديقي إن الأولوية ستعطى، في إطار هذا البرنامج، للمأجورين على اعتبار أنهم على دراية بعالم المقاولات»، معبرا عن إرادته في إيجاد حلول لمشاكل التمويل. وأشار إلى أن الحكومة وضعت آليتين أخريين هما «مبادرات» و»تأطير»، موضحا أن الحكومة لم تحسم، في ما يتعلق بآلية «مبادرات» التي تقوم على وضع أطر متوسطة رهن إشارة الجمعيات قصد تدبيرها، بشأن إرساء جهاز للقيادة: الجماعة والداخلية والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات أو مؤسسة أخرى.