مرعى للأغنام والمواشي، ومكان للتبول وتجمع الكلاب الضالة، انعدام النظافة، مرتع لممارسة مختلف طقوس الشعوذة. صورة قاتمة لحال المقابر المغربية والتي تتضاعف عندما تكون في البادية، فعلى من نلقي باللائمة في قضايا إهمال الموتى والمقابر، هل ندين المؤسسات الرسمية التي لها علاقة مباشرة بحرمة المقابر؟ أم نلوم هيئات حقوق الإنسان التي تصر على الاهتمام بالإنسان في حياته قبل مماته؟ أم نلقي اللوم على أنفسنا لأننا لا نتذكر موتانا إلا إذا حلت ذكرى؟.... مقبرة المذاكرة ينتبه الزائر لأي مقبرة مغربية، وخاصة ما تواجد منها في القرى والبوادي ومن الوهلة الأولى، إلى مساحات مغطاة بالحجارة في منظر لا يوحي بأن هناك أموات، يرقدون تحت التربة السوداء والحجارة المتناثرة هنا وهناك. وبعد تمعن، سرعان ما تتضح شيئا فشيئا، معالم القبور وشظايا أحجار الشواهد بكتاباتها غير الواضحة بين أكوام الحجارة المتناثرة. لتطالعك الروايات الشفهية التي تحيل تاريخ هذه المقابر إلى عقود خلت، حيث دفن فيها الأجداد على مر السنون، لكن لا شيء يوحي بأن المكان لموتى علينا احترام قبورهم، إذ تغطي غالبيتها الأزبال والأشواك وبقايا الحيوانات التي تتخذ منها مرعى ومكانا لالتقاط ما طاب لها من العشب والحشائش التي تتخذ بدورها من القبور تربة خصبة للنمو، في غياب مهتم بإزالتها من على أسطح القبور التي تختفي وتهوى بفعل عوامل التعرية وغياب مشرف على صيانتها وحتى نظافتها. واقع يؤثث مشهد غالبية المقابر في المغرب، ما تواجد منها في القرية وحتى المدينة، وكانت زيارة «المساء» لمقبرة شدت إليها انتباه الرأي العام بابن سليمان، لما طال 500 قبر فيها من تكسير وعبث برفات الموتى، نسبه المطالبون بالحق المدني محام في هيأة الدارالبيضاء، رفقة مجموعة من العمال، جراء حرث طال هكتارا ونصف هكتار من المقبرة يقول عنه محمد الحبشي جراء لقائه ب»المساء» بأنه تم عن طريق الخطأ. «ناس الدوار» في شهر أكتوبر من السنة المنصرمة، تنبه بعض من سكان المذاكرة لحادث حرث تم في مقبرة بدوار أولاد اسماعيل. إذ صرح (م. ب) (فلاح) بأن (م.ح)محام بهيأة الدارالبيضاء دنس قبرا برجليه وهو يردد « نوض 40 عام وانت شاد ليا الأرض» مستدلا بأنه قام بحرث الأرض بعد إزالته للحجارة التي راكمها في مقلع بجوار مسكن المتحدث (م.ب) مستنكرا بأن يكون حادث حرث المقبرة، تم عن طريق الخطأ، مؤكدا أن العملية كان مخططا لها سلفا، نظرا لأن أرض المقبرة توجد على الطريق الرابطة بين الكارة والدارالبيضاء، والتي يصل ثمنها إلى ملايين الدراهم. وزاد بقوله ل»المساء» إن المتهمين كانوا يعمدون إلى حرث جزء من المقبرة كل سنة لإتلاف معالمها، نظرا لغياب سور يرسم حدودها، ومن أجل ضمها إلى القطع المحروثة من أرضهم. قبل أن يقرروا القيام بضمها كليا خلال هذه السنة، الشيء الذي كان سببا في اكتشاف مخططهم. وإلى جانبه طالب عادل الوردي مهاجر بالديار الإيطالية، بعد أن ترك كل شيء في بلاد المهجر، بتبني ملف المقبرة التي طال الراقدين تحت تربتها التعسف والظلم، من قبل محام وابنه من «دوار مليلو» واللذان قاما بإزاحة الحجارة باعتماد الفؤوس، مضيفا في الآن نفسه إلى أنه سيواصل المطالبة «بالحق حتى يبان» من خلال طرقه لأبواب جمعيات ومنظمات حقوقية مغربية منها ودولية لأجل رد الحق لأصحابه، خاصة إن كانوا أمواتا مطالبا إلى جانب (م .ب) بوصفهما من أبناء المنطقة بضرورة الكشف عن مصير رفات وعظام القبور التي طالها الحرث لأجل إكرامها بالدفن. وعند الاتصال بمحمد الحبشي ( محام بهيئة البيضاء) وضح ل»المساء» بقوله» هناك قبر وقع العبث به عن طريق عملية الحرث بالجرار، وعائلة الميت هي التي قامت بهدمه وإعادة بنائه وإصلاحه من جديد، ولم تزل مخلفات ذلك، وسبق لها أن احتجت على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي التقطت له صورة، وسبق لهذه القضية أن أثيرت أمام المحكمة، ليتم فتحها من جديد والهدف واضح وهو خلق أدلة مزيفة للتأثير على القضاء. وأضاف في معرض رده على اعترافه بالمنسوب إليه في نازلة المقبرة قال» لم يسبق لي أن اعترفت، والمحضر الذي اطلعت عليه ووقعته، نفيت الاتهام الموجه إلي، وهناك محضر آخر لم أطلع عليه ولم أوقع عليه، وهو لا يتضمن هويتي الكاملة، وادعى فيه من حرره أنني اعترفت له بأني قمت بالحرث، رغم أنني لم أكن متواجدا وقت الحرث، ولدي شهود يثبتون ذلك. وأشير إلى أنه سبق لكافة الشهود المستمع لهم من طرف المحكمة أن أكدوا أنهم لم يشاهدوا أنني أقوم بالحرث، فكيف أعترف بشيء كذبه حتى الشهود المشتكون؟ ورد محمد الحبشي على مطالبة المشتكين بالكشف عن مصير رفات القبور قائلا» إن هذه القضية من صنع الخيال للتأثير على الرأي العام، لأن الطرف المشتكي لم يسبق له أن صرح بهذا الأمر لرجال الدرك حتى يبحثوا فيه، لأنه يعلم أن هذه القضية غير صحيحة ومادام الإدعاء بحرق العظام صادر عنهم، فعليهم إثبات هذا الزعم. وأضاف أن الطرف المشتكي سبق أن تظاهر بما وقع يوم 17 أكتوبر وملف القضية عرض على النيابة العامة، فكان عليهم أن يقدموا العظام كدليل، لأن لا حق لهم في الاحتفاظ بها، علما أن معاينة رجال الدرك لم تثبت وجود أي قبر منبوش، ولم تجد إلا عظمين تشككت في مصدرهما وأحالتهما على الخبرة للتأكد إن كان حيواني أو آدمي. وأضاف « وإن كانت عملية الحرث التي تمت عن طريق الخطأ شملت حوالي هكتار، فهل يعقل ألا يتم إخراج إلا عظمين من هكتار واحد من المقبرة؟ ببساطة لأن الرفات مازالت في مكانها على بعد متر بينما عملية الحرث كانت سطحية ولم تتعدى 30 سنتمرا. وفي الموضوع ذاته نفى محمد الحبشي كونه عرض على الأطراف المشتكية 5 هكتارات بقوله «لم يسبق لي أن التزمت بشيء لكون وزارة الأوقاف هي المسؤولة، ولا صفة لهم لكي أتفاوض معهم، وأنا لا أمنع أحدا من دفن الموتى، والمقبرة مفتوحة في وجه الجميع. حكم غير مرض اعتبر جل المطالبين بالحق المدني في نازلة مقبرة ابن سليمان الحكم بكونه غير منصف للمتضررين مما طال المقبرة التي تعود لسنوات خلت، حيث دفن الآباء والأجداد، مؤكدين ل»لمساء» بأنهم لن يستكينوا، وبأنهم سيواصلون المطالبة بالإنصاف في مرحلة الاستئناف التي لم يحدد تاريخ الجلسة الخاصة بها بعد. و يشار إلى أنه سبق واحتج المئات من أهالي الموتى المدفونين بالمقبرة قبل صدور الحكم الابتدائي بمحكمة ابن سليمان، إذ نصبوا خيمة كبيرة فوق أرض المقبرة التي انتهكت حرمتها، حاملين رفات بعض الموتى التي تناثرت فوق المقبرة نتيجة جرف عدد من القبور بواسطة الجرار، رافعين لافتة يستنكرون ما وصفوه ب» العمل الوحشي « ضد أمواتهم. الكلمة للقضاء صرح محمد الحبشي (محام بهيأة الدارالبيضاء) ل»المساء» قائلا:» إن ملف القضية مازال معروضا على محكمة الاستئناف للبت في طلبات كل طرف، ونظرا لثقتي في العدالة واحترامي لها، فإنني لا أحاول التأثير عليها، وموقفي سأوضحه أمام المحكمة في جلسة علنية، وأن كل محاولة للتأثير على المحكمة لن تؤثر على سير الملف الذي تحكمه وسائل الإثبات الموجودة داخل الملف، وأن تجييش الرأي العام من أجل جنحة ضبطية تتعلق بحرث مقبرة عن طريق الخطأ ليلا أمر حدث في عدة مدن ولم يثر ضجة كما هو الأمر في هذه المقبرة، لأن الركوب على قضية المقبرة يخفي دوافع انتقامية وسياسية، تهدف إلى إعداد حملة انتخابية سابقة لأوانها، خاصة وأن الطرف المشتكي لم يستطع إثبات أي ضرر لحقه وحاول تضخيم القضية عن طريق جلب عظام أجنبية عن المقبرة ووضعها على سطحها للتأثير على القضاء وتزوير الأدلة الجنائية. كما أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي المعنية بالأمر وحدها، لأن المقبرة من الناحية القانونية تابعة لها، وإن كانت لم تراقبها ولم يحضر شخص ينوب عنها للمقبرة منذ ما يزيد عن 100 سنة، وتدعي أنها متضررة وتطالب بالتعويض عن ضرر لم يقع لها». ملابسات القضية أثيرت قضية مقبرة ابن سليمان بيومين قبل عيد الأضحى، عندما اكتشف مجموعة من سكان الدواوير من أهالي الموتى، تدنيس مقبرة بدوار أولاد إسماعيل، وجماعة الردادنة، وأولاد مالك قيادة الأحلاف بابن سليمان، والإجهاز على قبورها ورفات موتاها من قبل المحامي، رفقة مجموعة من العمال، إذ رغم أنها تضم زاوية كل من الولي الصالح سيدي عبد العزيز وزاوية الولي الصالح سيدي قاسم وأكثر من 500 قبر، إلا أن المتهمين حرثا هكتارا ونصف هكتار من المقبرة. وانتهى الفصل ما قبل الأخير حينما قضت المحكمة الجنحية التلبسية، بالمحكمة الابتدائية بابن سليمان في 2013/12/18، بنطقها الحكم في ملف القضية 323/13، والتي يتابع فيها (م.ح) البالغ من العمر 71 سنة، محام بهيأة البيضاء، وكان يشغل نائب وكيل ملك قبل تقاعده، وابنه (م.ح) في العقد الرابع من عمره، وسائق ا لجرار (ش.ب) بتهمة انتهاك حرمة الأموات داخل مقبرة إسلامية بالجماعة القروية الردادنة أولاد مالك، على بعد ثمانية كيلومترات من الكارة، بعد حرثها. وأدانت هيأة الحكم المحامي(م.ح) بأربعة أشهر حبسا نافذا، بعدما تابعته المحكمة من أجل المشاركة، وعلى ابنه وسائق الجرار بالحبس عشرة أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها 500 درهم مع تحميلهم الصائر. وبخصوص المطالب المدنية، قضت المحكمة بقبولها شكلا ورفضها مضمونا، كما قضت بأداء المتهمين 100 ألف درهم تضامنا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مع تحميلهم الصائر، ودون إجبار في حق المحامي (م.ح). واقع يثير أكثر من سؤال عن واقع تعيش تحت رحمته المقابر في القرى المغربية، ولأجل إثارة بعض من حقائقه هناك صرخة أعلنت عنها الجمعية المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر، من خلال تنظيمها لأسبوع وطني خلال الشهر الجاري. زعزاع*: تعديل فصول المتابعة وتشديد العقوبة كفيل بحماية حرمة المقابر نسجل من خلال نازلة حرث مقبرة سيدي عبد العزيز الكائنة بالمذاكرة عدة ملاحظات قانونية: هذا النوع من الجرائم تؤطره الفصول: 268-269 -270-271-272 من القانون الجنائي والعناصر المكونة لهذه الجرائم، تتكون من أفعال مادية أي الواقعة المادية وهي حسب كل فصل إما هدم أو تكوين أو امتهان (الفصل 269 ق.ج)أو عمل من شأنه الإخلال بالاحترام الواجب للموتى في مقبرة( الفصل 269 ق.ج) أو انتهاك القبر (الفصل 207ق.ج) أو التلويث للجثة وارتكاب أعمال وحشية أو بذيئة عليها أو التمثيل بها (الفصل271 ق.ج) والجنحة الأخيرة هي جنحة الفصل (272ق.ج) وتتعلق بإخفاء الجثث وتضييعها واشتراط المشرع الجنائي إلى جانب الوقائع المادية أن تقع على مقبرة أو مكان للدفن بصرف النظر عن الدافع الذي يدفع الجاني لارتكاب مثل تلك الأفعال المشار إليها أعلاه، ويستثنى من تجريم تلك الأفعال إعادة فتح القبور بناء على أوامر قضائية أو إدارية. وكذلك لا مجال للتجريم أيضا عند العمليات المتعلقة بفتح المقابر بهدف التحريات والتنقيب عن الآثار، ودائما تحت مراقبة النيابة العامة، وبالنسبة للركن الثالث فهو «النية الجرمية» أو ما يعرف بالقصد الجنائي وهو القيام عن علم بالأفعال الجرمية المذكورة، وهو علم الجاني بأن الأفعال التي قام بها وقعت على قبر أو مقبرة أو مكان للدفن، سواء تعلق الأمر بمقبرة للمسلمين أو اليهود أوالنصارى، حيث أن المشرع لم يفرق بين مقابر المسلمين وغيرهم في هذا النوع من الجرائم. كما تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الجرائم اعتبره المشرع جرائم خطيرة وأوردها في الباب الرابع المتعلق بالجنايات والجنح التي يرتكبها الأفراد ضد النظام العام. وأهم الملاحظات أن المشرع الجنائي المغربي لم يطور نفسه بشأن هذا النوع من الجرائم رغم استفحال الظاهرة المتعلقة بالاعتداء على الأموات، وذلك أن البرلمان المغربي بقيت آلته التشريعية جامدة في المجال ولم يتطور رغم تطور الجريمة بشكل خطير، ذلك أن مقابر المسلمين في المغرب تتعرض لانتهاكات خطيرة مثل ما حدث في مقبرة سيدي عبد العزيز وفي مقبرة سيدي مومن قبل ذلك. وبقيت فصول المتابعة جامدة إلى الآن منذ الستينات، وبقيت كذلك العقوبات الحبسية غير رادعة، والغرامات هزيلة لا تفي بالغرض، إذن المعول عليه هو تعديل فصول المتابعة في انتهاك حرمة الموتى في اتجاه تشديد العقوبة حماية للمقابر، ذلك أن هذا النوع من الجرائم كما وقع في مقبرة سي عبد العزيز بإقليم بن سليمان مس بحرمة الموتى وبحقوق الأغيار وأحدث اضطرابا جماعي في المنطقة. * محام بهيئة الدار البيضاء