في هذه القراءة / مقدمة ديوان "البلا والفاس" لعبد الله ودّان يسترجع الناقد حسن بحراوي ذكرى شاعر كتب الزجل بحرقة وعمق وجعله الأقرب إلى القضايا الإنسانية، معبرا عن مطالب شعبية، فكان شعره يتدفق مع صيحات الحركات الطلابية كالشلال. حسن بحراوي أكتب هذه السطور استحضارا لذكرى شاعر زجلي متميز غادرنا في ميعة الشباب هو عبد الله ودّان، الذي برز في الأوساط الطلابية المغربية خلال النصف الثاني من السبعينيات، في تزامن مع بروز حركة شعرية طلابية كاسحة شهدتها كلية الآداب بالرباط خلال تلك الحقبة وضمّت إلى جانب العديد من شعراء الفصحى الشاعرين الزجليين رضوان أفندي وعبد الله ودان. وكان هذا الزجال متدفق الموهبة قد ولد في مدينة المحمدية سنة 1953 من أسرة صحراوية من ورزازات، وقد اشتهر والده امبارك أوسالم، الذي كان يعمل سائقا في الميناء، بالصلاح وفعل الخير في المدينة، وأنشأ ابنه عبد الله على الاستقامة والجدية حتى صار مضرب الأمثال في ذلك بين أقرانه. بهذه المدينة الشاطئية الصغيرة تلقى عبد الله تعليمه الابتدائي والإعدادي، وحصل على بكالوريا التعليم الأصيل من الثانوية البيضاوية العريقة الإمام مالك، ثم التحق بكلية الآداب بالرباط ليحرز على الإجازة في علم الاجتماع بإشراف الأستاذة فاطمة المرنيسي، ثم رحل إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا في الأنثربولوجيا الثقافية، وبعد حصوله على شهادة الدروس المعمقة العليا سيسجل أطروحة تحت إشراف الأستاذ المعروف جورج بلانديي حول الفكر السحري في المغرب، وهي الأطروحة التي لم يسعفه القدر لإتمامها مع أنه سار فيها شوطا مهما. ولأمر ما، بينما كان المراهقون من مجايليه يبدؤون حياتهم الأدبية بنظم الشعر الغزلي باللغة العربية الفصحى متأثرين بما تعلموه في المدارس، بتشجيع من أساتذتهم كما جرت العادة، اتجه عبد الله ودان من دون سابق تصميم إلى نظم القصائد الغزلية بالعامية المغربية، متأثرا بالزجالين الشعبيين في الحلاقي من الذين كان يدمن على مشاهدتهم في سوق الأحد الأسبوعي وجوطية العالية، وبما كان يسمعه ويحفظه من أزجال مغناة على أمواج الإذاعة لأحمد الطيب العلج وحسن المفتي وعلي الحداني وفتح الله المغاري... ولكن ودان لم يبرز، كمبدع معلَن، أي كزجال متميز، سوى في أواسط السبعينيات خلال التجمعات الطلابية الحاشدة، التي عاشتها كلية الآداب بالرباط والمدرسة المحمدية للمهندسين بها أيام كانت معقلا للنضال الطلابي وعموم اليسار الشبابي في تلك اللحظة الحرجة من تاريخ منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التي أعقبت حظره واعتقال قيادته التاريخية (1973). وقد اشتهر في هذه الأوساط بقصائد لاقت الكثير من الترحيب في اللقاءات والقراءات الطلابية، التي كانت فيها عباراته تلهب الأسماع، كما كان لها الانتشار الواسع عبر الأشرطة المسجلة، التي كانت تنتقل من يد ليد فيما يشبه السرية، بل قل بمنتهى السرية، ومنها قصائده ذائعة الصيت «البالا والفاس» و»لاماليف» و»هذيك المّيمة الباكية ديما»..وغيرها من النصوص الملتهبة، التي كانت تطفح بالاحتجاج ونقد الأوضاع والدعوة إلى الانتفاض ضد أشكال القمع والقهر المسلّطة على الفئات الشعبية وطليعتها المناضلة. وكثير من هذه القصائد أتيح لها، بعد انتقاله إلى فرنسا أواخر السبعينيات للدراسة، أن تتحول إلى أغان ملتزمة قام بتلحينها وأدائها فنانون موهوبون مثل سعيد المغربي والثنائي كمال ونجيب، وأصبحت في وقت وجيز شعارا لمرحلة ساخنة عاشها الطلاب والعمال المغاربة، بل المغاربيون في فرنسا وعموم أوروبا الغربية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بعدما صار سماعها والاستمتاع بها في المغرب يدخل في باب المحظورات التي يعاقب عليها، وربما يحاكم من أجلها. وإذا لم يكن في نيتنا أن نقدم دراسة حول تجربة عبد الله ودان الزجلية، وهو ما لا تتسع له هذه المقدمة الموجزة، فلا أقل من أن نسجل بصددها بعض الملاحظات الإجمالية التي يمكن أن تفيد القارئ في تشكيل فكرة عن العوالم التي ارتادها صديقنا الراحل، والأدوات التي توسّل بها لتشييد إبداعه وتقديمه بمظهر الإنتاج النضالي المتميز. وفي هذا السياق سأقتصر على تناول ما أتصوّر أنها المصادر التي ألهمته في تجربته الزجلية، وكانت الزناد الذي قدح موهبته وجعلها تنطلق مخترقة أفق الإبداع ومسجلة تميزه الاستثنائي الذي بقي في الظل ولم ينتبه إليه أحد من نقاد الأدب الرائج..وفي الجملة، يمكن أن نصنف هذه المصادر إلى ثلاثة أنواع حسب اتصاله الزمني بها وتدرجه في التأثر بها: 1 - ارتياد الحلقات الشعبية التي كانت تقام يوميا في جوطية العالية، الموقع الحالي لمسرح المحمدية ودار الثقافة بها، أو في السوق الأسبوعي أيام الآحاد بحي السعادة، قبل انتقال السوق الأسبوعي إلى منطقة اللويزية، أو في مواسم الأولياء، خاصة موسم سيدي موسى المجذوب الذي كان يقام، وربما لا يزال، كل فصل خريف على مقربة من منطقة الشلالات. وقد كان من بين ما يدمن عليه ودان من هذه الحلقات تلك التي تحتفي بالأزجال مرويةً، كما عند الفنان الشعبي الكفيف قربال، أو مغناة كما في أهازيج الثنائيات الزراعية من أمثال قشبال وزروال وقرزوز ومحراش وبوشعيب الذكالي ومصطفى الحسناوي وغيرهم ممن كانوا يغشون مثل هذه الأسواق والتجمعات الشعبية. وهو لم يكن يقنع فقط بحفظ هذه «النصوص» أحيانا ظهرا عن قلب، بل كان يعمد إلى تدوينها في دفاتر بخطه الجميل ويبالغ في تلوينها والاحتفاء بها مثلما يحتفي تلاميذ المدارس النجباء بأشعار المتنبي وأبي تمام. ولا بد لدارس أزجال عبد الله ودان أن يعثر على آثار وظلال هذا المتن الفطري، التي تتسلل بمحبة وسلاسة إلى قصائده كدليل على الانغراس في الوجدان الشعبي العميق، والاستحضار الدائم لانتسابه إلى تربة هذه الأرض، التي أنجبت النبغاء من أبناء شعبنا القابعين بصبر في ذاكرة الوطن رغم الكيد والبطش. ومن ذلك ما نقرأه في مقدمة قصيدة «سرّ الكلام»: «سر الكلام ولغز الماية وخلي وذنيك معايا وروَى آش قالت الحكاية». أو مطلع قصيدته «القوافي» التي يقول فيها: «بغيت نغني بصوتي الحزين يمكن المقصود من غنايا زين وحيث الكلمة أسيادي شاهد وكل ما تملك يد المسكين». 2 - الافتتان بالأغنية المغربية العصرية، التي برزت بقوة في الستينيات، خاصة مع روادها الكبار كمحمد فويتح وإبراهيم العلمي وأحمد جبران والمعطي بلقاسم، أو الفنانين المخضرمين مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط ومحمد الحياني..فمن خلال أغاني هؤلاء وأولئك عشق ودان الأزجال العامية، التي تغنوا بها والعائدة إلى شعراء بارزين من أمثال أحمد الطيب العلج وعلي الحداني وحسن المفتي وفتح الله المغاري وعبد الرحمن العلمي والطاهر سباطة وغيرهم. ومعلوم أن هذه الزمرة من شعراء العامية المغربية ومن سبقهم من الرواد، مثل عبد الله شقرون وحمادي التونسي وعبد السلام العمراني..، لم تعرف نصوصهم طريقها إلى النشر لأسباب تاريخية وثقافية، وإنما جعلوا من الأغنية العصرية سبيلهم إلى لقاء الجماهير وتشنيف أسماعها بالجميل واللطيف من الكلام الموزون والمقفى. وقد تميزت أزجال شعراء العامية هؤلاء إلى جانب ذلك بكونها خلقت لنفسها لغتها الخاصة، التي سيألفها المستمعون ويستأنسون بها مع مرور الوقت، وهي اللغة العامية المدينية الشائعة على ألسنة الناس في المدن الكبرى كفاس والرباط ومراكش.. وهي بذلك تنزاح عن اللغة الكلاسيكية أو الفصحى، وعن لغة كلام الملحون ذات الحذلقة المعروفة، وكذلك عن لغة الغناء الشعبي ذي اللكنة البدوية الخاصة. وقد استلهم ودان هذه اللغة الآتية من رحم الأغنية المغربية في محاولاته الأولى، بل سعى إلى تقليدها والنسج على منوالها مثلما يفعل كل مبتدئ. ومثلما استلهم ودان من هذه الأغنية الرائجة لغتها وتعبيراتها، سوف يقتبس منها كذلك موضوعها العاطفي الأثير الذي لم تغادره إلا لماما. ولذلك نجد في نصوصه الأولى ذلك الإلحاح المألوف، في عموم الغناء المغربي بل العربي، على ثيمة الحب والشكوى من لوعة فراق الحبيب والبكاء على ذكريات الأيام الخوالي..إلخ، ونحن نقرأ في نصوصه المبكرة ما يعيد إلى أذهاننا صدى الزجل الغنائي المغربي في نماذجه المألوفة: «بعتيني اليوم الله يهنّيك. عنداك أنا غدا نشريك وسلعتك تتبدّل في يديك وكيف لعبات بيا الأيام حتى أنت سيدي تلعب بيك». ومع أن مرحلة التقليد هاته لم تستمر لوقت طويل في تجربته، فإنها كشفت عن تبلور موهبة ودان الزجلية وأعلنت عن ميلاد صوت متميز لن يتأخر في فرض نفسه حتى ضمن هذا السجل العاطفي بالذات، ولنسمع إليه يقول في تلك الأهزوجة العاطفية اللطيفة التي عنوانها «نقط على الحروف»: «نحاولو مرة ونعملو معروف ونوضعو النقاط على الحروف ونشوفو علاش أنت هاني وعلاش أنا عقلي مخطوف». ومن دون شك، فقد شكّل الزجل الغنائي المغربي مدرسة غير مباشرة مارس فيها زجالنا تداريبه الأولى في تملّك ناصية التعبير العامي وبناء الصورة الشعرية وارتياد آفاق المخيال الرحبة. غير أن انبثاق وعي جديد في ذهنه بطبيعة التأليف بالعامية وخطورته، وخاصة بدوره السياسي، سيسارع إلى إبعاد ودان عن مسايرة هذا السجّل العاطفي الغنائي، الأسيان واللذيذ، ويعجّل بارتمائه في أحضان عالم آخر مارس عليه من أول وهلة إغراءه الكاسح واستغرق كل اهتمامه وجعله ينصرف إليه بكامل وعيه ومجموع جوارحه. 3 - يتعلق الأمر باكتشافه في أواسط السبعينيات للقصيدة الزجلية الملتزمة، أو القريبة من الالتزام، والتي لم يكن القارئ المغربي على صلة تذكر بها، والممثلة هنا بنماذج من الشعر العامي المصري، الذي اشتهر على ألسنة وأقلام زجالين شعبيين كبار من أمثال بيرم التونسي وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين، وخاصة وأساسا الشاعر أحمد فؤاد نجم، الذي كان حصول ودان على ديوانه «بلدي وحبيبتي» وقراءته قصائده الشهيرة مثل «يعيش أهل بلدي» و»جيفارا مات» و»بقرة حاحا» لحظة استثنائية، وشكّل نقطة التحول الحاسمة في تجربة ودان الزجلية. وأذكر أننا التقينا، كعادتنا في كل صيف، في المحمدية سنة 1974، وكان ما يزال طالبا في الرباط، فأعلن لي بأسلوبه التمثيلي المحبّب عن طلاقه البائن مع القصيدة العاطفية ذات اللغة المهادنة والأسلوب الرقيق ليعانق عالما جديدا غير معهود في الشعر العامي بالمغرب، حيث غادر التغني بوقائع الهوى والحب والفراق ليحتفي ب»البالا والفاس» و»تمّارة التي قهرات الناس..»، وحيث استبدل الغزل والتشبيب بالإشادة بالعامل والفلاح وحشود الكادحين.. لم يفاجئني هذا التحول الهائل في تجربة ودان الزجلية، بل قل إني كنت أتوقّعه وأنتظر حصوله بين الحين والآخر، فقد كانت محاولاته تسير بخطواتها الخاصة على طريق سبق أن عبّدته القصيدة المغربية المكتوبة مع أحمد المجاطي وعبد اللطيف اللعبي ومحمد بنيس وعبد الله زريقة وشعراء آخرين كثيرين كانوا قد جعلوا من رهافة الشعر وقودا للنضال من أجل مقاومة الاضطهاد وتحرير الإنسان من قيود الاستغلال والقمع. وقد كان الوفاء للوطن والإنصات إلى نبض الاحتقانات التي تخترقه والاهتزازات التي تتناوب عليه هو السبيل الذي قاد الزجال، بغير توصية من جهة أو توجيه من أحد، إلى معانقة القضايا التي تشغل عموم الشعب وتُكرهه على خوض نضالاته والاستماتة في الدفاع عن هويته وكرامته. ولكي نبقى على مقربة من أجواء الموضوعات التي تطرق إليها ودان في شعره، نلاحظ بأنه يعرض في قصيدته الملحمية المسماة «القوافي» على نحو توثيقي تقريبا كفاح الطبقة العاملة التي كانت تعاني من ويلات الاستغلال والاستنزاف من طرف الباطرونا وحلفائها، كما تحتفي بطبقة الفلاحين البسطاء، الذين بعد أن سُلبت منهم أراضيهم تحولوا إلى بروليتاريا من العمال الزراعيين مهضومي الحقوق، كما تسجل محنة نقابة التلاميذ، وكانت قد اعتُقلت قيادتها من اليافعين وألقي بها في الأقبية والسجون، وترفع أصبع الاحتجاج تضامنا مع المنظمة الطلابية العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التي وقع عليها الحظر الظالم في تلك السنة الموشومة وتشتت أعضاؤها بين مطارد ومعتقل ومغترب... ولمّا كان الشيء بالشيء يذكر، فلابد أيضا أن تعرّج نصوص عبد الله ودان على المحاكمات الصاخبة لمناضلي اليسار التي كانت طقوسها تشبه الاحتفالات الأممية وتنتهي بإصدار أحكام عشوائية بمئات السنوات يلقيها بنشوة غريبة قضاة مأجورون ويطبخ ملفاتها عملاء ومخبرون حاقدون. ولابد لها كذلك من الوقوف على الاختطافات (بنبركة) والاغتيالات (عمر بنجلون) والإعدامات (دهكون)، التي كانت تجري تحت ستار الظلام المغربي. ثم لكي تكتمل الصورة، ها هي ذي أخيرا عروس التقدميين المغاربة «سعيدة» الحبيبة تبرز مسربلة بجروحها تلتحف مأساتها وتفضح أشكال الاضطهاد التي ظلت تطاردها بلا هوادة في كل الأمكنة حتى وهي مضربة عن الطعام، ذلك الإضراب الذي أودى بزهرة شبابها المأسوف عليه. وطبعا لا يمكننا أن ننكر تأثر ودان في أزجاله بأشعار فرقتي الغيوان وجيلالة، وعموم غناء الأجيال، الذي انطلق مدويا مع بداية السبعينيات ليكون بديلا جذريا لموجة التطريب الرخو والنجمية المريضة، فقد استمع إليهم مثل آلاف الشباب وردد أهازيجهم ومواويلهم بكل التياع، وكان لابد أن ينعكس أسلوبهم في التعبير على ذائقته الإبداعية ويجد طريقه إلى نصوصه الزجلية. والخلاصة التي نرغب في الوصول إليها عبر هذه الملاحظات الموجزة، هي أن هذا التعدد والتنوع في المصادر التي ألهمت تجربة ودان الشعرية، جعلها تمتد في المكان من المحلي إلى الوطني والقومي، وفي الزمان على طول حقب تاريخ المغرب مهيض الجناح، أي مغرب الاستقلال تحديدا. كما يدلّنا على الالتصاق الجذوري الذي كان للشاعر بالواقع المغربي المحتقن سياسيا والملتهب اجتماعيا والمتمرد ثقافيا..وعلى الجدية البالغة التي كان يأخذ بها مهمته كشاعر بالعامية مطوّق بمسؤولية تعرية الفظائع التي ترتكب في حق شعبه والنيابة، عبر قصائده، عن حشود المسحوقين لإيصال صوتهم الغاضب إلى ضمير العالم اللاهي من حولهم. كل ذلك وأكثر كان يجد السبيل إلى النفاذ إلى التجربة الزجلية لدى عبد الله ودان، حيث نصير معها في لحظة ما في منتصف المسافة بين القصيدة الشعرية والمنشور السياسي ذي الوظيفة التحريضية، بين التحدث عن الواقع بكامل التهابه وطزاجته، الذي يذكّرنا بأن وظيفة القصيدة هي كذلك الفضح والاحتجاج، والتحليق الشعري الذي يقدم باليد الأخرى متعة الكلمة ونشوة الإيقاع.. وأخيرا، فقد شاء القدر أن تنتهي مسيرة هذا الزجال بوفاته الغامضة بباريس في شهر يونيو من سنة 1993 وهو في الأربعين من عمره في أعقاب حادث ما تزال ظروفه غير معروفة. وقد فجعت فيه الشبيبة المغربية التقدمية في الداخل والخارج، وكان رحيله خسارة فادحة للحركة الزجلية، التي فقدت سندا قويا ورائدا للقصيدة الملتزمة المناهضة لمألوف الشعر الغنائي المترهل بنرجسيته ونجوميته المفتعلة، ولكن الحمد لله أن هذه النصوص، التي كتبها ودان في الظلام وأنشدها في السرية، أو ما يشبه السرية، أصبح من المتيسر أن نقرأها في الضوء وننشرها في العموم دون أن نخشى شيئا أو نهابَ أحدا. ونحن نعرف أننا تأخرنا في نشر هذه النصوص، التي كانت تؤجج المشاعر في السبعينيات وتملأ الأسماع خلال الثمانينيات، ولكن نشرها المتأخر اليوم خير من عدم نشرها بالمرة، فلا أقل من أنها ستقدم لشبيبة القراء نموذجا من الزجل، الذي لابد سيعطيه فكرة عن المناخ الذي كان سائدا في تلك الحقبة وأشكال التعبير التي أخذت على عاتقها تصويره والإخبار عنه.