في يوليوز 2012، اتهم محمد طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام، ياسمينة بادو ب»تهريب» حوالي 2 مليار سنتيم من المغرب، لشراء شقتين فاخرتين في باريس. الاتهام لم يتوقف عند ياسمينة، بل تعداها إلى قيادي آخر في حزب الاستقلال هو رحال المكاوي، الكاتب العام السابق لوزارة الصحة، الذي اتهمه السباعي بكونه المشرف الحقيقي على «تهريب الأموال» واقتناء الشقتين. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تكتوي فيها وزيرة الصحة السابقة وكاتبها العام بنيران رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام، فالسباعي كان قد اتهم، أسابيع قبل ذلك، ياسمينة ورحال ب«التواطؤ» مع أحد مختبرات الأدوية «لعقد صفقة مشبوهة لرفع أسهم المختبر الذي رست عليه صفقة لقاحي «روتافيروس» و«بنوموكوك»، مما تسبب في ضياع الملايير من مال المغاربة». أمام هذين الاتهامين خرجت ياسمينة بادو تتوعد طارق السباعي بجرجرته أمام المحاكم، لكنها لم تفعل. بالمقابل، تقدمت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بدعوى قضائية تتهم فيها وزيرة الصحة السابقة بتبديد المال العام في صفقة اللقاحات. الأمين العام لحزب الاستقلال، وعوض أن يضع عضوي اللجنة التنفيذية للحزب بين خيارين: إما أن يتبرآ من التهمتين الثقيلتين ويقاضيا السباعي وإما أن يتبرأ الحزب منهما، اختار، كعادته، إثارة جعجعة بلا طحين، حيث صرح لإحدى القنوات التلفزيونية، قائلا: «السيد طارق السباعي، كمحام، أنا عندي ملف ديال النصب والاحتيال ديال هاذ الأستاذ». هذا التصريح كان في شتنبر 2012، وطيلة هذه المدة، التي تزيد على 15 شهرا، لم يقدم حميد شباط ما يتوفر لديه من دلائل على تورط السباعي في «النصب والاحتيال»، مما يوقعه في وضعية «التستر وعدم التبليغ»، المنصوص عليها في الفصل 299 من القانون الجنائي، وهو الفصل الذي اعتمده حزب الاستقلال في الدعوى التي رفعها، مؤخرا، ضد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ومنطوقه: «يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين وحدها مَن علِم بوقوع جناية أو شروع فيها ولم يشعر بها السلطات فورا». قبل أيام، اهتدى شباط إلى طريقة لتشتيت انتباه الرأي العام وتعويم النقاش حول اتهام القيادية في حزبه بتهريب الأموال، حين أعلن، في ندوة صحافية، أن «حزب الاستقلال سيرفع شكاية من أجل القذف وعدم الإشعار بجناية مرتكبة ضد عبد الإله بنكيران، وياسمينة بادو سترفع دعوى ضد طارق السباعي». كلف شباط، لدعواه ضد بنكيران، 31 محاميا، ضمنهم أربعة نقباء، لكنه لم «يُبق» ولو محاميا واحدا لينوب عن ياسمينة في دعواها التي لم ترفعها ضد السباعي؛ وبذلك يكون شباط قد غض الطرف عن «الكفر» (اتهام ياسمينة، من طرف السباعي، بتهريب أموال وشراء شقتين خارج القانون، وتبديد المال العام) و»كفَّر ناقل الكفر» (بنكيران) بالرغم من أن «ناقل الكفر ليس بكافر»؛ لذلك يمكن القول بأن ما قام به أمين عام حزب الميزان لا يعدو كونه طلقة طائشة غايتها تتويه المفتشين عن مكان «الجثة»، وإتلاف الخيوط الرابطة بين «الجريمة والعقاب». بعد أيام قليلة على اتهامه لياسمينة بادو وكاتبها العام بالتهريب وتبديد المال العام، سيطلق طارق السباعي مدفعيته الثقيلة باتجاه توفيق احجيرة، وزير الإسكان حينها، متهما إياه ب»تكديس ثروة تقدر ب600 مليار سنتيم بطرق غير مشروعة». احجيرة «خرج عينيه» في السباعي وهدده بمتابعته قضائيا، لكنه لم يفعل. بعد أسابيع على ذلك، وفي سياق المناوشات التي نشبت بينه وبين عباس الفاسي، سيخرج صلاح الدين مزوار، رئيس «التجمع الوطني للأحرار»، غامزا إلى «ملفات الفساد» التي تراكمت خلال قيادة حزب الاستقلال للحكومة، وعوض أن تتكتل قيادة حزب الاستقلال لمقاضاة السباعي الذي اتهم احجيرة، بصريح العبارة، انبرت لخوض حرب خطابية ضد مزوار الذي تراجع عن تصريحاته. اتهامات طارق السباعي لقياديين من حزب الاستقلال بتبديد «فلوس الشعب» تعود إلى سنة 2008، حين قالت الهيئة الوطنية لحماية المال العام إن كريم غلاب، عندما كان وزيرا للتجهيز والنقل، «تورط في 53 قضية متعلقة بإهدار المال العام»، وفي مقدمة هذه الاتهامات «تورطه» في بيع رافعة بميناء الدارالبيضاء لشركة إيطالية -بالكيلو، على شكل خردة- لتبيعها نفس الشركة الإيطالية، بعد صباغتها، لشركة فرنسية، والحال أن هذه الناقلة «لم تكن تتطلب سوى 50 مليون سنتيم لإصلاحها، بينما إذا أراد المغرب شراء ناقلة مثلها فإن الأمر سيكلفه 5 مليارات سنتيم». هدد غلاب بمتابعة طارق السباعي أمام القضاء إذا لم يقم بموافاته، داخل أجل لا يتعدى 15 يوما، بنسخة مطابقة للأصل من الرسالة المفتوحة التي أرسلها إلى وزير العدل يطالب فيها بفتح تحقيق حول إهدار المال العام بوزارة التجهيز والنقل.. لم يواف السباعي غلاب بأية نسخة، ولم يرفع غلاب أي دعوى. في خضم اتهامات السباعي لوزير التجهيز والنقل، ستنشر جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، على صفحتها الأولى، خبرا يقول إن غلاب «حصل على بقع أرضية من الملك البحري المسمى «سهم الذهب» من خلال إحداث جمعية وهمية». وكعادته، خرج حميد شباط لتسييس الموضوع وتشتيت الانتباه بعيدا عن الاتهامات الموجهة إلى زميله في الحزب، كريم غلاب، حيث قال مهاجما الاتحاد الاشتراكي، تماما كما يفعل الآن مع العدالة والتنمية: «الإعدامات التي عرفها الريف ومناطق أخرى، المسؤول عنها هو ما يسمى المرحوم بنبركة الذي كان يتحكم في الحزب ويقتل الوطنيين عندما كان علال الفاسي منفيا خارج الوطن». إذا كان السؤال الغامض، هو: لماذا لا تجرؤ قيادة حزب الاستقلال الحالية على مقاضاة طارق السباعي؟ فإن الجواب عنه لن يكون إلا بسؤال أكثر غموضا: لماذا انحاز، فجأة، توفيق احجيرة وياسمينة بادو وكريم غلاب إلى صف حميد شباط، هم الذين كانوا دائما إلى جانب عبد الواحد الفاسي؟!