الوصف الذي نعت به فوزي بنعلال الجلسة التي ترأسها أول أمس بالغرفة الثانية، حين شبهها ب«السوق»، هو، في الحقيقة، تعبير صادق يلخص كل ما يحدث في مؤسسة يفترض أن يتحلى من ينتمون إليها بأعلى درجات الرزانة والاحترام وأن يملكوا، أيضا، فضيلة الإنصات وتقبل الانتقادات. ما حدث هو استمرار لمسلسل شد الحبل بين الحكومة والمعارضة حول موضوع «الإحاطة علما»، وهو خلاف يثار في كل مرة حتى صار النقاش حوله مبتذلا وينم عن جهل الطرفين بأبسط قواعد العمل السياسي. فإذا كان رئيس الحكومة قد استند إلى قرار المجلس الدستوري الذي اعتبر أن هذه الإحاطات غير دستورية لأنها تعطي الحق للمستشارين في انتقاد الحكومة وإبداء آراء لا تملك الحكومة حق الرد عليها، فهناك الكثير من القنوات المتاحة للرد عليه، وما على المنتقدين إلا أن يسلكوها بدل تحويل الجلسات إلى سيرك يقدم فقرات فرجوية يتابعها المواطنون فتتنازعهم الرغبة في الضحك والبكاء في آن. القانون واضح، وقد حدد طبيعة المواضيع التي يمكن للنائب أن يستعمل فيها حق الإحاطة علما، وهي حين يتعلق الأمر بحدث كبير تعرفه البلاد ويرى أن من واجبه تحسيس الحكومة به، بمعنى أنها لا تصلح للحديث في أي شيء كان، كما لا مجال لاستغلالها سياسيا، وهذا ما يحدث اليوم في غرفتي البرلمان. لكن، بالمقابل، على أعضاء الحكومة أن يتحلوا بقدر أعلى من رحابة الصدر لتقبل الانتقادات الجادة دون تشنج كما يحدث في أحايين كثيرة. والأساسي في كل هذا النقاش أن الممارسة الديمقراطية في بلدنا محكومة بالتطور؛ وإذا اتضح أن بعض القوانين التي تؤطر هذه الممارسة غير مفيدة ولا تساهم إلا في توسيع الهوة بين الفاعلين السياسيين، فلا شيء يمنعنا من تغييرها أو إدخال تعديلات عليها، فلا شيء مقدس سوى مصلحة الشعب الذي ينتظر من سياسييه الكثير.