شكل اسم «الطود»، الذي يعني الجبل العظيم، لكل من حمله سنوات الخمسينيات في شمال المغرب، نعمة في طيها نقمة؛ فبقدرما كان يورث حامله المجد والعلم.. كان يلحق به لعنة المطاردة والاختطاف والاغتيال.. لارتباط آل الطود بزعيمين «مزعجين»، هما محمد بنعبد الكريم الخطابي واحمد الريسوني، وابتعادهم عن حزب الاستقلال وجيش التحرير. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يحكي الروائي والمحامي بهاء الدين الطود مأساة اختطاف واغتيال أفراد من عائلته، وكيف تم تهريب أخيه نحو القاهرة حيث كان أفراد من عائلته رفقة الخطابي؛ كما يتحدث عن مساره الدراسي في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا، وعن تفاصيل علاقته الوطيدة بطالبين هما الوالي الركيبي ومحمد سالم ولد السالك، وكيف أن الأخيرين انقلبا من مواطنين مغربيين إلى انفصاليين مؤسسين لجبهة البوليساريو. كما يحكي الطود، في معرض «اعترافاته»، أنه كان محاميا لملك مصر، أحمد فؤاد الثاني، ابن الملك فاروق، وللروائي الفلسطيني الكبير إيميل حبيبي؛ ويتوقف عند التفاصيل الدقيقة لعلاقته بالعديد من المثقفين العالميين أمثال روجيه جارودي ومحمود درويش وجابر عصفور وجمال الغيطاني.. وكيف رفض محمد شكري روايته «البعيدون» قبل أن يكتب مقدمتها بعد أن اختارتها وزارة التربية والتعليم المصرية كرواية نموذجية. ويتوقف بهاء الدين الطود، أيضا، عند سياق لقائه بالقذافي وإهدائه إياه روايتيه «البعيدون» و«أبو حيان في طنجة». - خلال دراستك في مدريد تعرفت على بعض مؤسسي جبهة البوليساريو؛ حدثنا عن ذلك؟ تعرفت في مدريد سنة 1966 على محمد سالم ولد السالك الذي أصبح الآن وزير خارجية البوليساريو، وكان حينها يدرس في كلية الطب؛ وتعرفت إلى جانبه على العديد من الصحراويين الذين منهم من بقي على مغربيته، مثل ابراهيم حسن موسى الذي يشغل الآن منصب سفير المغرب لدى جمهورية الدومينيك، ومنهم من أغرته فكرة الانفصال التي تشكل أساس أطروحة البوليساريو فانساق وراءها. - ما الذي تذكره عن محمد سالم ولد السالك؟ ولد السالك، كنا نتندر عليه لأنه كان يحمل جواز سفر إسبانيا بينما يبدي تشبثا بمغربيته. الآن، أستغرب عندما أسمعه، هو الذي كان متلهفا على استكمال المغرب لوحدته الترابية بتحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني، يدعو إسبانيا إلى التدخل عسكريا في الصحراء، أي العودة إلى استعمارها. عندما رأيت في إحدى الصحف المغربية، قبل أسبوعين أو ثلاثة، صورة ولد السالك يُستقبل من طرف الرئيس الموريتاني، وقد اشتعل رأسه شيبا، عاد بي شريط الذكريات إلى السنوات الخوالي ووجدتني أستعيد صورته في مرحلة الدراسة بمدريد. - كيف كانت علاقتك الشخصية بولد السالك؟ بعد لقاءات مدريد، عثرت عليه في أحد مدرجات كلية الحقوق بأكدال، حيث كان قد تحوَّل إلى دراسة العلوم السياسية بعد أن هجر الطب، بينما كنت أنا أدرس العلوم القانونية بعد أن تخليت عن الأدب، وكانت لنا مواد مشتركة نتقابل خلالها، دون أن تكون ثمة أشياء أخرى مشتركة تجمعنا. - عندما عدت إلى المغرب في سنة 1969، تعرفت عن قرب إلى الرجل الذي سيؤسس جبهة البوليساريو، الوالي مصطفى السيد؛ اِحك لنا تفاصيل ذلك؟ أولا، عندما تعرفت إلى الشخص الذي سيطلق شرارة البوليساريو، لم يكن يحمل في أوراقه الثبوتية أو في سجلات الجامعة اسم الوالي مصطفى السيد، بل اسم الوالي الركيبي؛ ثانيا، وهذه هي الحلقة المفقودة للعديد من الباحثين والمهتمين برصد مسار هذا الرجل، فبعد موسم أو موسمين قضاهما بالمعهد الأصيل في تارودانت الذي كان قد التحق به، انتقل إلى مدينة الحسيمة لمتابعة تعليمه بها.. وهذا أمر لا يعرفه إلا من كانوا قريبين منه. وبعد موسم دراسي بالمدينة الريفية، سيحل الركيبي بالرباط لمتابعة دراسته الثانوية في مدارس محمد الخامس التي حصل فيها على الباكلوريا، لألتقي به رفقة ولد السالك في كلية الحقوق، خلال موسم 1969 - 1970. - في هذه المرحلة، إذن، تعرفت على الوالي مصطفى السيد أو الوالي الركيبي كما كان يطلق عليه حينها؛ كيف كان هذا الطالب ذو الأصول الصحراوية؟ كان من أذكى زملائنا، فقد فاجأنا جميعا عندما حصل في السنة الأولى على أعلى النقاط في جميع المواد تقريبا، حيث أذكر أنه حصل على نقطة 19 على 20 في مادة القانون الدستوري التي كان يدرسنا إياها الدكتور مصطفى البارودي، وزير الإعلام الأسبق في سوريا. حينها توطدت علاقتي بالوالي الركيبي، فكان يزورني مرارا في غرفتي بالحي الجامعي، حيث كنت أسكن رفقة صديقي الأستاذ المحامي محمد الشنتوف؛ كما كنا نلتقي في منزل ولد السالك الكائن بشارع موسى بن نصير، المتفرع عن ساحة بوركون، وسط حي أكدال، وقد كان منزلا جميلا بحديقة صغيرة، لكنه تحول اليوم إلى عمارة بنوافذ ضيقة؛ بعدها سأترك الحي الجامعي لأقيم في شقة قرب مقهى «باليما»، وهي الشقة التي زارني فيها الوالي الركيبي عدة مرات. - كيف كانت حينها مواقف الوالي مصطفى السيد (الركيبي) من قضية الصحراء؟ لم يكن الوالي الركيبي يتوقف عن الدعوة إلى النضال من أجل تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني وضمها إلى الوطن الأم. وأذكر أنه زارني مرة في شقتي المتاخمة لمقهى «باليما»، أثناء التحضير للمؤتمر الرابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي انعقد في 1970، وطلب مني، على اعتبار أني كنت عضوا نشيطا في «أوطم»، أن أتوسط له لدى رئاسة المؤتمر لإلقاء كلمة عن قضية الصحراء وضرورة تحريرها من الاستعمار الإسباني، استكمالا للوحدة الترابية للمغرب، فأبلغت الصديق محمد الخصاصي (رئيس المؤتمر ال13) برغبة الركيبي، لكنه اعتذر إلي بلباقة، وقال: الظروف لا تسمح بأن يلقي طالب من أصول صحراوية كلمة في المؤتمر، مبررا عدم إمكان ذلك بالخلافات السياسية التي كانت قد اشتدت حينها داخل «أوطم» ما بين الطلبة الاتحاديين والطلبة الجبهويين، «23 مارس» و«إلى الأمام». وعندما أبلغت الركيبي برد رئاسة المؤتمر لم يصدر عنه أي رد فعل غاضب، ذلك أنه كان معجبا بمواقف الخصاصي الوطنية والعربية، بل حاول إيجاد طريقة لإسماع صوت المناطق الجنوبية في مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لذلك اقترح أن ألقي أنا أو أي طالب آخر تلك الكلمة التي كان قد أعدها سلفا. هكذا عدت إلى الخصاصي لأخبره بالمقترح الثاني، لكنه تشبث بموقفه، قائلا: «مخصناش نزيدو فالمشاكل». - هل كان الوالي مصطفى السيد يطرح قضية الصحراء في الحلقيات واللقاءات الطلابية وغيرها؟ طبعا. وقد حكى لي الوالي حينها أنه التقى بعلال الفاسي وأخبره بأن الوقت قد حان لتحرير الصحراء من ربقة الإسبان بأية طريقة، سلمية كانت أو مسلحة، وقال إن علال الفاسي وافقه على ذلك. كما حكى أنه التقى بالمحجوبي أحرضان وأن الأخير شاطره الرأي في أن الوقت مناسب لتكثيف الجهود من أجل تحرير الصحراء المغربية؛ بينما رفض عبد الرحيم بوعبيد ذلك، حسب ما رواه أيضا.