في سابقة هي الأولى من نوعها أقدم مجموعة من المستفيدين من مشروع للسكن الاجتماعي بمدينة الدشيرة الجهادية على إثارة موضوع عدم احتساب الأقساط الأولى، التي دفعوها للشركة صاحبة المشروع السكني المصنف على أنه سكن اجتماعي. وبعد العديد من الاحتجاجات والأخذ والرد مع إدارة الشركة اكتشف المستفيدون أن هذه الأقساط تدخل في إطار ما بات يعرف ب«النوار»، الذي تحول إلى معاملة شبه عادية في مجال العقار، والذي يقع فيه التواطؤ أحيانا كثيرة بين الزبون وبين الشركة العقارية. في هذا التحقيق سنكشف بعض جوانب هذه القضية التي تعتبر من القضايا التي عرضت أمام أنظار القضاء وفتح فيها تحقيق قضائي معمق. بداية الحكاية
بدأت فصول هذه القضية عندما قام مجموعة من المستفيدين من أحد المشاريع السكنية المصنفة ضمن السكن الاجتماعي بالدشيرة الجهادية بتوجيه رسالة إلى كل من المدير الجهوي لإدارة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ووالي جهة سوس ماسة. وذكرت الرسالة أن المستفيدين من هذا المشروع قاموا باستكمال جميع الإجراءات الإدارية اللازمة، بما فيها شهادة عدم الملكية، وسلموا الشركة الدفعة الأولى من المبلغ الإجمالي للشقق، إلا أنهم بعد استكمال المبالغ الإجمالية لاحظوا أن مبلغ الدفعة الأولى لم يتم احتسابه ولم يتم التصريح به في عقد البيع، وهو ما دفعهم إلى اللجوء إلى الموثق الذي يتولى عملية البيع من أجل الاستفسار عن هذا الأمر. غير أن جواب الموثق، حسب الرسالة ذاتها، كان صادما لهم، إذ أخبرهم بأن المبالغ التي سلموها للشركة كدفعة أولى تعتبر في إطار ما يصطلح عليه ب»النوار»، الأمر الذي جعلهم يكتشفون تواطؤ الموثق مع صاحب المشروع، تضيف الرسالة. تهديد ووعيد بعد إثارة الموضوع من طرف المستفيدين، من خلال الرسائل التي وجهوها إلى كل الجهات المعنية، كشف بعضهم أنهم تعرضوا للتهديد من طرف صاحب المشروع، الذي ادعى، حسب ما ورد في إحدى الشكايات التي تقدموا بها إلى النيابة العامة، أنه يملك نفوذا على جميع المستويات. ووصل الأمر إلى حد تهديد السكان بالطرد من الشقق، وحرمانهم من الاستفادة منها، حسب شهادات بعض السكان، وهو ما خلق أجواء من الارتباك في صفوف المستفيدين، خاصة أولئك الذين وجدوا أنفسهم اقترضوا من الأبناك. كما قام صاحب المشروع بمجموعة من السلوكات، التي وصفها المستفيدون بالاستفزازية كقطع التيار الكهربائي عن المجمع السكني، وطرد حراس الأمن الخاص بعد أن واجهه المستفيدون بضرورة إرجاع مبالغ الدفعة الأولى وعدم القبول ب«النوار»، حيث تشير الإشهادات التي أنجزها المستفيدون أن المبالغ التي تسلمها صاحب المشروع تصل إلى 80 ألف درهم، في حين أن ثمن الشقة محدد في 250 ألف درهم. عندما اتخذت هذه القضية منعطفا جديدا، بعد متابعتها إعلاميا ودخول مجموعة من الأطراف على الخط، بما فيها إدارة الضرائب، أصبح مصطلح «النوار» مزعجا، سواء بالنسبة للمستفيدين أو صاحب المشروع، خاصة أنه بمجرد وصف تلك الأقساط الأولى ب»النوار» يجعلهم شركاء في تهمة تسمى في التعريف القانوني بالنصب والاحتيال، كما يسقط المقاولات، التي تقبل بهذا النوع من المعاملات المالية، في دائرة الاتهام بالتهرب الضريبي، عبر استغلالها الإعفاءات التي تقدمها الدولة في إطار السكن الاجتماعي وكذا فرضها أقساطا غير مصرح بها على الزبناء، بدعوى أن التكلفة الخاصة بالسكن الاجتماعي لا تمنح المنعشين العقاريين الأرباح المناسبة للمجهود الذي يقومون به. وصلت تفاعلات الموضوع إلى تقديم المتضررين شكاية إلى وكيل الملك لدى ابتدائية إنزكان، فأحيل الملف على قاضي التحقيق بنفس المحكمة. وقد استمع قاضي التحقيق إلى كل من صاحب المشروع السكني، والموثق الذي أشرف على العديد من العمليات المرتبطة بهذا المشروع الذي يدخل في إطار برنامج السكن الاجتماعي. كما استمع إلى أعضاء من الجمعية التي تمثل المتضررين، فضلا عن عدد من المستفيدين الذين أدلوا بالعديد من الإفادات في الموضوع. وقد تضمنت الشكاية المحالة على قاضي التحقيق اتهام صاحب المشروع بالنصب والاحتيال والابتزاز وخيانة الأمانة والمنافسة غير المشروعة. الخصم والحكم عندما دخلت إدارة الضرائب المباشرة وغير المباشرة على خط هذه القضية قامت بإجراء افتحاص مالي للمشروع، إلا أن نتائج ذلك لم تعرف. كما طلبت من المتضررين، الذين سبق لهم أن قدموا شكاية في الموضوع إلى هذه الإدارة، أن يتقدموا بالإشهادات التي تثبت المبالغ التي سلموها للشركة صاحبة المشروع، والتي لم يتم احتسابها في المبلغ الإجمالي لثمن الشقق الحقيقي. لكن المفاجأة كانت صادمة بالنسبة للمتضررين عندما اعتبرت إدارة الضرائب أن الأقساط، التي وصفتها الشركة صاحبة المشروع السكني ب«النوار»، مبالغ غير مصرح بها فقط، وبالتالي تم ضمها إلى مبلغ 250 ألف درهم، وتم فرض الضريبة عليها من أجل طي الملف بطريقة وصفها المستفيدون بالتحايلية. إذ في الوقت الذي اشتكى المتضررون إلى إدارة الضرائب بأنهم قدموا أقساطا أولية لإدارة الشركة صاحبة المشروع، وبأنها لم تقم باحتسابها من أصل المبلغ الإجمالي للسكن الاجتماعي المحصور أصلا في 250 ألف درهم، فوجئوا بإدارة الضرائب تفرض عليهم أداء مبالغ مالية إضافية. القانون والتحايل الإجراء الذي قامت به إدارة الضرائب يفيد أنها طبقت القانون، إلا أن المتضررين اعتبروا أن هذا الإجراء يهدف إلى إخراج المشروع من دائرة السكن الاجتماعي لإبراء ذمة الشركة عن طريق سحب الامتيازات التي أعطيت لها وتحميل المستفيدين من المشروع كل الخسائر المالية، رغم أن الملف لازال يروج أمام قاضي التحقيق لدى ابتدائية إنزكان. عندما واجه قاضي التحقيق الموثق، الذي كان متابعا على خلفية هذه القضية، بنسخة من شيك يتضمن مبلغ 40 ألف درهم سبق أن سلمه لأحد المستفيدين من المشروع، حيث قدم المستفيد الشيك على أساس أنه دليل على محاولة الموثق التراجع عن تسلم مبلغ «النوار»، تشبث الموثق بموقفه، وأكد أن الشيك الذي سلمه للمستفيد المذكور كان بناء على طلبه، لكونه كان يمر بضائقة مالية بسبب دعوى قضائية مرفوعة ضده في موضوع كراء محل. بالصوت والصورة من الأدلة التي لجأ إليها ضحايا هذا المشروع السكني من أجل إثبات ما تعرضوا له من نصب واحتيال تسجيل شريط فيديو بالصوت والصورة يتضمن حديثا لأحد المتهمين المتابعين على ذمة التحقيق في هذه النازلة وهو بصدد الحديث مع أحد الزبناء، حيث أكد المعني بالأمر، أثناء مواجهته بالشريط من طرف قاضي التحقيق، بأن الشريط يوثق للقاء جمعه بأحد الزبناء، مضيفا أن المبالغ المالية، التي يطلق عليها اسم «النوار»، يتم تسلمها من طرف المشتغلين بالقسم التجاري للشركة، ونفى أي استفادة له من أي مبلغ مالي له صلة بالموضوع. من بين المتابعين في هذه القضية موثق قدم على أنه متدرب لدى مكتب التوثيق، الذي أشرف على عملية بيع الشقق المشار إليها. كما يتابع صاحب المشروع وابنه، بصفته الممثل القانوني للشركة، وإحدى المستخدمات، ومحاسب لدى ذات الشركة، حيث وجهت لهم تهم ارتكاب جنحة النصب والمشاركة فيه والنصب وقبول شيكات على سبيل الضمان.وهي العقوبات المنصوص عليها في كل من الفصل 540 و129 من القانون الجنائي، والمادة 316 من مدونة التجارة. الضحية 68 بلغ عدد المستفيدين من هذا المشروع السكني، الذين تقدموا بشكايات في الموضوع واستمع إليهم قاضي التحقيق، ثمانية وستين شخصا، أدلى كل واحد منهم، حسب ما ورد في تقرير قاضي التحقيق، بمبالغ مالية تتراوح بين 60 ألف درهم و80 ألف درهم. وقد قدرت الأموال التي تسلمتها الشركة من المعنيين بالأمر بأكثر من أربعة ملايين درهم، كما ورد في الإشهادات التي تقدم بها الضحايا، والتي يقرون فيها بالمبالغ المالية التي لم يتم احتسابها من طرف الشركة. تعليل القرار وقد قام قاضي التحقيق بمتابعة ثلاثة أفراد من بين المتهمين بالتهم سالفة الذكر، فيما أمر بتحرير مذكرة بحث في حق صاحب الشركة وأحد مساعديه، وعلل قرار المتابعة بكون المتهم، الذي يعتبر ممثلا قانونيا للشركة التي تعاقد معها المشتكون للاستفادة من شقق تدخل في إطار برنامج سكني مدعم من طرف الدولة، يثبت أن المتابعين على ذمة التحقيق في هذا الملف اشتغلوا لفائدة الشركة المعنية بالأمر في تسويق وتسيير عملية بيع الشقق التي استفاد منها المشتكون. حيثيات القضية ويفيد تقرير قاضي التحقيق أن واقعة دفع مبالغ مالية من طرف المشتكين، التي حاول الممثل القانوني للشركة إنكارها، مدعيا أن ما توصل به يقابل السومة المحددة نظاميا لشقق السكن الاجتماعي والمحددة في مبلغ 250 ألف درهم، إلا أن وجود شيكات مسحوبة من قبل المشتكين استخلصها أجراؤه، يكذب هذا الادعاء، حيث إن الشيك عدد 3182037 بمبلغ مالي قدره 80 ألف درهم في اسم أحد المستفيدين تم استخلاصه من طرف أحد المتابعين في القضية في تاريخ يتزامن وعملية التعاقد، وكذا الشيك عدد 615805 بمبلغ مالي قدره 80 ألف درهم، وشيك ثالث يحمل رقم 0400401 بمبلغ مالي قدره 60 ألف درهم. إذ أن ساحبي الشيكات التي تم استخلاصها استفادوا من قرض بثمن الشقة، وهو ما يجعل إنكار الممثل القانوني للشركة مجرد محاولة لدفع المسؤولية الجنائية، حسب تعبير التقرير. ويضيف التقرير أن استخلاص الشيكات تزكيه واقعة القرص المدمج الذي يتضمن تفاصيل حول المبالغ غير المحتسبة ضمن ثمن الشقق حسب الطابق الذي توجد به الشقة، والتي قدمها بكثير من الشرح والإيضاح المتهم العامل بالشركة المتعاقدة مع المشتكين. دفوعات مردودة من الدفوعات التي أدلى بها دفاع المتهمين بشأن التسجيل الصوتي أن واقعة التسجيل تحتاج إلى إذن، الأمر الذي رد عليه تقرير قاضي التحقيق بالقول إن هذا الأمر يخالف المنطق القانوني، على اعتبار أن الأمر في هذه الحالة لا يتعلق بالتقاط المكالمات وتسجيلها وفق المسطرة التي تضمنتها المواد 108 إلى 116 من قانون المسطرة الجنائية، وإنما يتعلق بتوثيق حي لواقعة مشهودة لا تتصف بأي انتهاك للحرمة المخولة للحياة الخاصة أو حرمة المراسلات أو الاتصالات، كما أن ذلك تم في مكان عمومي يرتاده العموم. قرينة الإدانة استند التقرير الصادر عن قاضي التحقيق إلى أن سوء نية المتهم الأول في هذه القضية مستنتجة من خلال تصريحه بأنه لا يعرف متهمين اثنين من بين المتهمين، رغم أنهما يعتبران أجيرين لديه واشتغلا لفائدته. كما إن إنكار معرفته بهويتهما تكذبه واقعة أخرى هي تخويله لهما حق تسلم مبالغ مالية مختلفة. كما يضاف إلى ذلك إجماع المشتكين بهذا الكم على أن المتهمين أوهموهما عند بداية التعاقد بأن ما سيتم دفعه من مبالغ مالية هو عبارة عن جزء من ثمن الشقة المعروف سلفا. خلص التحقيق إلى أن كل الأدلة تفيد وجود واقعة النصب في حق المتهم الرئيسي في القضية على اعتبار أنه الممثل القانوني للشركة المشرفة على المشروع، من خلال إيهامه للمشتكين بأن المبالغ المدفوعة له ولبعض مستخدميه، حسب الحالات، تدخل ضمن الثمن الإجمالي للشقة المرغوب التعاقد بشأنها، الأمر الذي يعتبر إضرارا بالذمة المالية للضحايا، وبالتالي ثبوت عملية النصب والاحتيال.
المضاربون ولأبناك كشفت دراسة سبق أن تناولت ظاهرة «النوار» داخل سوق العقار، وهو ما يصطلح عليه قانونيا بالتهرب الضريبي، أن مجموعة من المنعشين العقاريين لا يصرحون بالقيمة الحقيقية للمباني عند تسجيلها، حيث تتأرجح نسبة الفرق بين القيمة الحقيقية والقيمة المصرح بها ما بين 15 بالمائة و25 بالمائة. وتبين الدراسة ذاتها، التي أنجزتها الوزارة الوصية على قطاع الإسكان والتعمير، أن هناك عددا قليلا من المنعشين العقاريين من يصرحون بالمبالغ الحقيقية، في حين أن جميع الأطراف المتدخلة تعمل على إخفاء القيمة الحقيقية للصفقات. فبالنسبة للبائع والمشتري، فإن التصريح بقيمة أدنى من قيمة التفويت الحقيقية يعني تقليص الضرائب ورسوم التوثيق والتسجيل ونفقات نقل الملكية الناتجة عن العملية. أما البنوك التي تمول الصفقات، فإنها تكون مسرورة بالحصول على رهون تفوق قيمتها الحقيقية قيمة القروض التي تمنحها لتمويل الصفقات كضمانات لهذه القروض. وغالبا ما تتساهل البنوك من خلال منح قروض شخصية أو قروض تكميلية، تحت غطاء تمويل التأثيث والتجهيز، والتي يتم استعمالها في واقع الأمر لتمويل الجزء غير المصرح به من قيمة الصفقة العقارية، بل إن بعض المصارف أصبحت تعرض منح قروض عقارية تغطي نسبة 110 في المائة من ثمن شراء الأصل العقاري. فالمضاربون يفرضون على النشطاء عدم التصريح بالسعر الحقيقي للأرض قصد إخفاء جزء مهم من أرباحهم الهائلة عن عيون إدارة الضرائب. فنسبة الضريبة المفروضة على الأرباح العقارية، أي الفرق بين كلفة شراء العقار وثمن بيعه، تبلغ 20 في المائة من مبلغ الأرباح، ونسبة 3 في المائة من ثمن البيع كحد أدنى. وبإضافة باقي الرسوم والتكاليف، فإن المبالغ المستحقة للضرائب قد تبلغ أحيانا أرقاما كبيرة. ضحايا جدد لعنة هذا «النوار» لم تقتصر على المستفيدين من السكن الاجتماعي، بل امتدت نيرانها لتصيب موظفين بقسم تصحيح الإمضاءات ببلدية الدشيرة الجهادية، الذين صدر في حقهم حكم قضائي بشهرين حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم. كما طالت العقوبة ذاتها صاحبة الإشهاد المتعلق بقضية المشروع السكني المشار إليه، والذي تتهم فيه صاحب المشروع بإلزامها بدفع مبلغ 140 ألف درهم ك«نوار» من أجل الاستفادة من شقتين لأختها وزوجها، اللذين يوجدان بالديار الفرنسية. 4 أسئلة ل: عبد الكريم الشافعي * التواطؤ بين المنعش العقاري والمستهلك يعقد مهمة جمعيات حماية المستهلك ما تعريفك لقضية «النوار» في المعاملات العقارية؟ قضية «النوار» قضية مجتمع بأكمله، حيث أخذت منحى معقدا، خاصة المتعلق بالعقار وضوابطه. والمستهلك كطرف أساسي يساهم بدوره في تكريس هذه الوضعية، مما جعل جمعية حماية المستهلك تتدخل للتصدي لهذه الظاهرة الشاذة. وإذا عدنا إلى القانون 08-31 المنظم لجمعيات حماية المستهلك، خاصة منه إعلام المستهلك، فإن المنعش العقاري ملزم بتزويد المستهلك بكافة المعلومات، التي تمكنه من التعرف على مميزات المنتوج أو الخدمة قبل إبرام العقد، حيث يجب أن يكون المستهلك على علم بجميع البيانات الإلزامية التي يجب أن يتضمنها العقد، بما فيها السعر الفعلي وكذا الضمان التعاقدي والخدمة بعد البيع أو هما معا. وبالرجوع إلى المادة 15، فإن كل شرط تعسفي في العقد المبرم بين المورد، باعتباره منعشا عقاريا، والمستهلك يترتب عنه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك، وهو ما يضيق هامش المناورة الذي تتوفر عليه جمعيات حماية المستهلك في ظل هذه الوضعية الملتبسة. هل هذا يعني أن جمعيات حماية المستهلك تبقى عاجزة أمام هذه الوضعية؟ جمعيات حماية المستهلك يصعب عليها التوفر على معطيات حول كلفة الغش في المغرب كدراسة موضوعية في ظل الظروف الحالية، إذ يتعذر الحصول على معطيات تعكس الوضع الحقيقي لعلاقة المنعش العقاري بالمستهلك، حيث تفتقر هذه الجمعيات لآليات المراقبة واستقلال القضاء من جهة، ومن جهة أخرى تفتقر إلى نوع من التوازن بين الدولة والفاعلين الاقتصاديين والجمعيات، وفي غياب هذين المطلبين لا يمكن للقانون أن يكون فعالا، وهنا نطالب بتنزيل الدستور باعتباره ورشا للديمقراطية وللممارسة السليمة للحقوق والحريات . ما هو التأطير القانوني الذي يمكن أن نحدد من خلاله مصطلح «النوار»؟ يمكن القول إن جمعية حماية المستهلك تجد نفسها محرجة أمام تطبيق القانون لاعتبارات كثيرة، منها أن المستهلك يدخل في هذه اللعبة ويساهم في تكريس هذه الوضعية، فتبقى جمعية حماية المستهلك مكتوفة الأيدي لأن تدخلها يبقى رهينا باعتمادها على شكايات من طرف المستهلك، وهذا لا يحدث إلا نادرا، حيث إن التراضي، الذي يصل إلى درجة التواطؤ بين المنعش العقاري والمستهلك، يعقد مهمة جمعيات حماية المستهلك، على اعتبار أن هذا التواطؤ يخدم مصلحة المستهلك في نظره، وهذا خطأ. كما أن المنعش العقاري يحاول بدوره ما أمكن التخفيض من قيمة العقار تهربا من الضرائب، وهذا يعتبر غشا وتدليسا وتحايلا يعاقب عليه القانون. وهنا أطرح سؤالا: ألا تعلم الدولة بهذه الخروقات؟ نعم كلنا يعرف مفهوم «المراجعة الضريبية»، وهي عندما يشتري شخص ما عقارا ولا يدلي بقيمته الحقيقية، وبعد مدة يتوصل بمراسلة من مصلحة الضرائب تخبره بأن قيمة العقار المصرح به لا تتناسب وقيمته الحقيقية، وهنا تدخل الرشوة والزبونية والمحسوبية أو العكس، حيث يؤدي المالك ما بذمته دون أن تتخذ الدولة أي إجراءات قانونية كالغرامة مثلا لردع المخالفين الذين يتملصون من أداء واجباتهم الضريبية للوطن. إذن، الدولة لها نصيب في هذه المخالفات لأنها تعفي المخالف من أي عقوبة زجرية. ومرد ذلك هو عدم وضوح المجال الاقتصادي، خاصة الوعاء العقاري. ماهي، في نظرك، الإجراءات التي من شأنها حماية المستهلك من آفة «النوار»؟ قبل الحديث عن الإجراءات التي يمكن أن تحمي المستهلك، الذي يفرضعليه أداء «النوار»، يجب التنبيه إلى أن غالبية المنعشين العقاريين، الذين يرتكبون هذا النوع من المخالفات، هم لوبيات لهم وسطاء يبتكرون مجموعة من الحيل تغيب فيها الحجة والبرهان ويحضر فيها ما هو شفوي بين المستهلك والمنعش العقاري لتبقى شكاية المستهلك بدون دليل ملموس وتضيع معها حقوقه (حقه في السكن). وما يزيد الطين بلة هو انخراط بعض الموثقين في هذا العمل الجبان بتواطئهم في هذه القضية «اللعبة»، حيث تمر المبالغ المالية الموجهة إلى «النوار» عبرهم وبتزكية منهم. وهنا يكون الخاسر الكبير هو المستهلك، باعتبار أن العقد يحتوي على بنود مجحفة تضيع معها حقوقه، فيضطر في غالب الأحيان إلى التسليم بالأمر الواقع. وعموما يظل المستهلك ضعيفا إزاء المؤسسات والمقاولات في ظل عدم تأطيره من قبل جمعيات لا توفر لها الدولة الظروف الملائمة من أجل حماية المستهلك. نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك *