غيب الموت أول أمس الخميس المناضل الإفريقي الكبير نيلسون مانديلا، الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق، بعد مشوار حافل بالنضال امتد 95 عاما، قضى منها الجزء الأكبر في المعتقلات والسجون بسبب نضاله ومقاومته سياسة التمييز العنصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبسببها قضى 27 سنة من الاعتقال. وكان قد نقل إلى المستشفى في الثامن من يونيو الماضي بسبب إصابته بالتهاب رئوي حاد. ويرجح أن تكون مشاكل مانديلا التنفسية ناجمة عن تداعيات إصابته بالسل خلال سجنه في معتقل روبن آيلاند قبالة مدينة الكاب. وأعلن الرئيس الجنوب إفريقي، جاكوب زوما، أن ماديبا (العظيم المبجل) توفي في منزله بالعاصمة جوهانسبورغ، مضيفا أن جثمان أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا سيشيع في جنازة رسمية، معلنا تنكيس أعلام البلاد ابتداء من الجمعة وحتى انتهاء مراسيم الدفن المتوقع أن يشارك فيها عدد من زعماء وقادة العالم. وقد أثار نبأ وفاة مانديلا موجة تأثر بالغ عبر العالم، إذ توالت رسائل نعيه والإشادة بنضاله، من قادة الدول. كما أمر رؤساء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وفلسطين بتنكيس الأعلام الوطنية حدادا على وفاة مانديلا، ودعت عدد من المنظمات الدولية إلى تنكيس الأعلام بمقراتها، ومن بينها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). ولد نيلسون مانديلا في قرية صغيرة في منطقة ترانسكاي بجنوب إفريقيا، وكان والده رئيس قبيلة، توفي عندما كان نيلسون في التاسعة من عمره، وقد انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب في هذه السن المبكرة. انتمى مانديلا إلى المعارضة السياسية لنظام الحكم في جنوب إفريقيا، الذي كان بيد الأقلية البيضاء، حيث انضم في 1942 إلى المجلس الإفريقي القومي، الذي كان يدعو إلى الدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوب السنغال. وفي سنة 1948، انتصر الحزب القومي في الانتخابات العامة، وكانت لهذا الحزب، الذي يحكم من قبل البيض في جنوب إفريقيا، خطط وسياسات عنصرية، منها سياسات الفصل العنصري، وإدخال تشريعات عنصرية في مؤسسات الدولة. في تلك الفترة أصبح مانديلا قائدا لحملات المعارضة والمقاومة، وكان يدعو إلى المقاومة غير المسلحة ضد سياسات التمييز العنصري في بداية الأمر. لكن بعد إطلاق النار على متظاهرين عزل في سنة 1960، وإقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة. في سنة 1985 عرض على مانديلا إطلاق سراحه مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، إلا أنه رفض العرض، وبقي في السجن حتى 11 فبراير 1990 عندما أثمرت مثابرة المجلس الإفريقي القومي، والضغوطات الدولية عن إطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية فريدريك ويليام دي كليرك، الذي أعلن إيقاف الحظر الذي كان مفروضا على المجلس الإفريقي. وبعد ثلاث سنوات، وبالتحديد في سنة 1993، سيحصل نيلسون مانديلا مع الرئيس فريدريك دكلارك على جائزة نوبل للسلام. شغل مانديلا منصب رئاسة المجلس الإفريقي (من يونيو 1991 إلى دجنبر 1997)، وأصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا (من ماي 1994 إلى يونيو 1999). وخلال فترة حكمه شهدت جنوب إفريقيا انتقالا كبيرا من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية. وفي يونيو 2004 قرر مانديلا، وهو في 85 من عمره، التقاعد وترك الحياة العامة، نتيجة ضعف صحته التي أصبحت لا تسمح بالتحرك والانتقال. كما أنه فضل أن يقضي ما تبقى من عمره بين عائلته وأُطلق عليه لقب «حكيم إفريقيا». وفي سنة 2005 اختارته الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة. وفي يوليوز 2008، أقر الرئيس الأمريكي جورج بوش شطب اسم مانديلا من لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية، تزامنا مع ذكرى ميلاده التسعين.