عندما فتح ادريس الخوري عينيه على هوامش الدار البيضاء، كان والده «التروبادور» (عازف الوتر) قد عزف عن الحياة ولحقت به أمه في نفس السنة، فتكفل أخوه بتربيته ورسْمِ حياته: علمه القرآن، الذي حفظه وهو في ال13 من عمره، واختار له «الكص» اسما عائليا. لكن الشاب ادريس مزق إطار أخيه وعاد إلى حياة والده التي عثر عليها في الأدب و»الحياة المحرمة»، واختار اسم «ادريس علال» ثم «الخوري» الذي يحيل على عائلة لبنانية اشتهرت بالأدب والموسيقى. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يحكي «بَّا ادريس» كيف اجتاز امتحانات الشهادة الابتدائية له ولأحد أصدقائه فرسب هو بينما نجح صديقه، فأصبح الناجح شرطيا، والراسبُ كاتبا مشهورا سيقدِّم محمد بنعيسى، عندما كان وزيرا للثقافة، كتاباته إلى نجيب محفوظ، قائلا: هذه أعمال أهم كاتب قصة في المغرب. وعلى كرسي الاعتراف أيضا، سوف نغوص داخل «الوقائع الغريبة» لعلاقة الخوري بالكتابة والحياة رفقة صديقيه: محمد زفزاف الذي يعتبره روائيا كبيرا لم ينل حقه من الاعتراف، ومحمد شكري الذي يقول إنه كان كذابا ووقحا وأنانيا.. ومن عمق ذاكرته القوية، يحكي «با ادريس» عن طرائف علاقته بالصحافة والرياضة والمسرح والسينما.. وحكاياته مع «أدب القذافي» و«ساعة صدّام حسين». - في 2002، شاركت بورقة حول «أدب» معمر القذافي خلال ندوة كبرى نظمها النظام الليبي لهذا الغرض. ومن جملة ما ورد في مداخلتك: «عندما قرأت خبرا عن صدور مجموعة قصصية في الصحف لمعمر القذافي ذات يوم، تساءلت: كيف يجد رئيس دولة كبرى، مثل الجماهيرية الليبية، الوقت الكافي لكتابة قصة أو رواية أو قصيدة؟ ذلك أن المهام الرئيسية للرجل وانشغالاته ببلده الناهض وببقية بلدان العالم تحُول دون أن يخلد إلى الراحة والتأمل: التأمل في الذات، في الكون، في الآخرين.. ومع ذلك، فثمة اختلاس سري للوقت والتفكير في ما يجب عمله»، ثم أضفت: «ها هو القذافي يقرر أن يحلم مثل بقية الناس، فيكتب القصة القصيرة بنوع من المسؤولية السياسية والأخلاقية، منتميا إلى قبائلنا السردية دون استئذان.. هكذا يزاوج، من موقعه كزعيم بلده، بين الخطاب السياسي المباشر وبين الخطاب الأدبي»؟ أولا، أنا لم أرد أن أرد على مقالك المتحامل عليّ وعلى الأخ قمري بشير، وذلك لأنه مقال مبني على سوء نية؛ ثانيا، أنا لم أشد بما يسمى بالقذافي ولا بأدبه، بل الحكاية هي كالتالي: ذات يوم، كنت في أصيلا فالتقيت بالأخ طلحة جبريل رفقة الصحفي التونسي الصافي سعيد، ودعاني إلى زيارة ليبيا، فسألته: ماذا سأفعل هناك؟ فأجابني بأن أكتب عن مجموعة قصصية للقذافي، عندها سألته مجددا: وهل القذافي كاتب؟ فقال لي أكتب ما تشاء. وقرأت هذه المجموعة الرديئة أمام الجمهور بحضور التلفزيون.. لكني لم أمدحه على الإطلاق وأتحداك أنت أن تثبت ذلك، بل إني انتقدت طريقة كتابته حتى إن الروائي الليبي أحمد ابراهيم الفقيه هنأني على المقال، في حين صاح أحدهم مستنكرا ما كتبته. لقد كان معنا مصطفى القباج الذي أدار الجلسة. هذه هي الحكاية بالضبط وأتحداك أن تثبت العكس. - في إحدى زياراتك للعراق، على عهد صدام حسين، ارتديت رفقة محمد زفزاف وآخرين زيا عسكريا؛ كيف تبرر، كمثقف، ارتداءك لباس المحارب ونزولك إلى جبهة حرب لا علاقة لك بها؟ أنا مسرور بارتدائي الزي العسكري الذي أعطانا إياه العراقيون في أحد المرابد الشعرية ببغداد (مهرجان المربد من أشهر المهرجانات الشعرية العربية). لقد أخذونا إلى الحدود العراقية الإيرانية أثناء الحرب التي كانت مشتعلة بين العراق وإيران، ولم نكن وحدنا الذين ارتدينا هذا الزي العسكري، بل ارتداه أيضا أعضاء كل الوفود المشاركة في المهرجان السنوي، وقد التقطت صورة مشتركة لكل من عبد ربه الضعيف وزفزاف والشاعر أحمد الطريبق مرتدين ذلك اللباس النظامي. - بقدرما كنت معجبا بمصر وتاريخها ومتشوقا لزيارتها، استأت من سوء معاملة أمن المطار المصري لك؛ اِحك لنا عن قصتك مع المصريين؟ باعتباري صدى ثقافيا لمصر، أنا وجيلي، فقد كان لدي أفق انتظار زيارة مصر، هذا البلد العربي ذي التاريخ الحضاري والفني والفكري العريق. كنت في بغداد لحضور أحد المرابد الشعرية وكانت العودة من بغداد إلى باريس فالدار البيضاء، فطلبت من الصديق الشاعر العراقي الرائع حميد سعيد أن يجعل تذكرتي تشمل زيارة القاهرة ثم باريس فالمغرب، فلبى طلبي بكل سهولة؛ وهكذا حللت بمطار العاصمة لكني عوملت معاملة سيئة من طرف الشرطة المصرية، إذ تُركت قرابة ساعتين أنتظر إذن الخروج.. حدث هذا في سنة 1987. إن رجال الأمن المصريين سيئون، فنفس هذا السلوك الذي صدر عنهم سيتكرر معنا بعدها بسنوات، حيث كانوا ينقلون جواز سفرنا عبر الشباك ثم يعطونه لأحدهم فينقله من مكتب إلى آخر دون أن تعرف ماذا يفعل بالضبط؟ إنه سلوك المخابرات المتخلف. وهناك في القاهرة، أقمت عند الصديق الحسين البوكيلي، الصحفي في مكتب «لاماب» بالعاصمة المصرية، وقضيت أوقاتا ممتعة مع الروائي عبده جبير، وزرت المتحف الفرعوني والقبطي والإسلامي، وتناولت وجبة عشاء مع الأستاذة العراقية فريال جبور غزولي، أستاذة الأدب الإنجليزي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وشاهدت كذلك عروضا سينمائية في فندق سميراميس بمناسبة مهرجان القاهرة السينمائي الذي شارك فيه المرحوم محمد الركاب بفيلمه «حلاق درب الفقراء».. كانت 13 يوما ممتعة جدا قضيتها في القاهرة. - بالرغم من أنك من ضمن ألمع الأسماء الأدبية في المغرب، فإن أعمالك القصصية لم تعرف طريقها إلى الترجمة؛ لماذا؟ أنا لا أسعى إلى الترجمة مثل «شي وحدين» فمن أراد فليترجم، ومن لم يرد فذلك شغله. هناك قلة من المترجمين، ومنهم نجيب الرفايف، راغبون في ترجمة نصوصي القصصية، لكن أين هو الناشر؟ هذا هو المشكل. غير أنه لم يسبق لي أن طلبت من أحدهم أن يترجم لي إلى اللغة الفرنسية، وأعتقد أنني في غنى عن ذلك لأن الترجمة ليست من أولوياتي.