يفرض الحديث عن إعادة النظر في أداء وهيكلة مجلس المستشارين ضرورة طرح الكلفة المالية الضخمة التي يتم اقتطاعها لفائدته سنويا من الميزانية العامة، وهو الطرح الذي يجد مبررات موضوعية إذا ما اقترن بسؤال النجاعة، والأدوار الفعلية التي يقوم بها المجلس، وكذا في ظل الحديث المتواتر للحكومة عن ضرورة شد الحزام واللجوء للتقشف. وبلغة الأرقام، فقد رصدت للغرفة الثانية ضمن مشروع ميزانية سنة2014 اعتمادات مالية تقدر ب304 ملايين و480 ألف درهم، منها 256 مليونا و630 ألف درهم ستؤدى كأجور البرلمانيين والموظفين، في حين رصدت ميزانية للغرفة الأولى بقيمة 402 مليون و208 آلاف درهم موزعة ما بين أجور البرلمانيين والموظفين ومصاريف التسيير، ما يعني أن البرلمان بمجلسيه سيكلف المغاربة 730 مليونا و516 ألف درهم سنة 2014، وهو رقم ضخم اعتبر بعض المحللين أنه كاف لخلق أزيد من 100 ألف منصب شغل، بالحد الأدنى للأجور الموعود، والمتمثل في 3000 درهم، وهو الهدف الذي عجزت الحكومة عن تطبيقه بعد أن كان أهم الأوراق الانتخابية التي وضفتها قبل الانتخابات التشريعية. في هذا الصدد، اعتبر عبد المالك احزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن الكلفة المالية لمجس المستشارين ضخمة للغاية، مقارنة بحصيلته التشريعية، بحكم أن العمل المنجز على مستوى المجلس لا يصل إلى القيمة المالية المستثمرة فيه، والتي يمكن أن تكون أكثر مردودية في حال رصد تلك المبالغ في الاستثمار أو التوظيف. سؤال الكلفة يترافق، أيضا، مع نقاش حول مدى جدوى أهمية الاحتفاظ بهذا المجلس، وهو نقاش أكد الأستاذ عبد المالك احزرير أنه كان مطروحا منذ ظهور نظام الثنائية المجلسية، وأشار إلى أن هذا النظام كانت له إيجابيات من الناحية السياسية، كما اعتبر أداة للاستقرار الاجتماعي بالنظر للمكونات التي يمثلها المجلس الذي لازال يعتبر كنوع من الإرث، حتى لدى أعرق الديمقراطيات. وقال احزرير إن اللجوء إلى الثنائية المجلسية بالمغرب، كان يهدف إلى الحفاظ على النخب القروية والأعيان، مشيرا إلى أن هذه الثنائية كانت تلائم مناخ الستينيات والسبعينيات، رغم أن البعض لازال يشدد على ضرورة الاحتفاظ بمجلس المستشارين لكونه سيصبح ضمن الخيارات الإستراتيجية موازاة مع السعي لتنزيل الجهوية الموسعة، وذلك لضمان تمثيلية عادلة. إلى ذلك، فإن فتح ملف الكلفة المالية، والدور الفعلي لمجلس المستشارين، يجد أيضا مبررات موضوعية لا علاقة لها بنطاق التشريع، بعد أن اهتزت هذه المؤسسة على وقع سلسلة من الفضائح، منها فضيحة التوظيفات التي استفاد منها أقارب عدد من المستشارين بطريقة تدليسية أثارت ضجة كبيرة، وهو ما يقتضي، حسب احزرير، إعادة النظر في اختلال ميزان الأخلاق السياسية بالمجلس، مع ضرورة التشبيب وإفساح المجال للكفاءات، وقال إن نفس الوجوه القديمة لازالت حاضرة بقوة، مما يعرقل عملية التشبيب ويحد من المردود التشريعي، وهو ما نبه إليه الخطاب الملكي، الذي أشار إلى ضعف أداء البرلمان وخاصة مجلس المستشارين. وبالإضافة إلى الإشكالية التي تتعلق بالتركيبة والنخب، تبرز، حسب احزرير، حقيقة صادمة تتعلق بأن البرلمان المغربي، وبغض النظر عن تكلفته المالية، يسير بمنطق التوافق والتراضي، إذ لا نلمس وجود أي دفاع عن مشاريع أو مقترحات القوانين من منطلق قناعات سياسية، وهو ما يفسر تشابه الاختصاص بين مجلس النواب ومجلس المستشارين رغم المساعي التي بذلت لإحداث نوع من التمييز منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي. كما أن إعادة النظر في ميزان الأخلاقيات يبدو مطلبا ملحا، بحكم أن عددا من المستشارين يستغلون الهدف الذي أحدث من أجله المجلس لضمان مقاعد به بطرق عدة، قد يكون بعضها مخالفا للقانون، وهو ما يسفر وجود عدد من الأعيان و»أصحاب الشكارة» الذين يستغلون المجلس للدفاع عن مصالحهم، وهو ما ظهر بشكل مفضوح خلال مناقشة تضريب القطاع الفلاحي، بالنظر لوجود مستشارين يمتلكون آلاف الهكتارات ولا يرغبون في دفع الضرائب للدولة، وهو أمر ربطه احزرير بالتركيبة الاجتماعية والسوسيولوجية للمجلس، والتي طغى عليها الأعيان، مما لا يساعد على تطوير الأداء الديمقراطي «إذ لا يعقل أن يكون الوصول إلى مؤسسة تشريعية مرتبطا لدى البعض بتوظيف الأموال المشبوهة، بحكم أن ذلك يتناقض مع مساعي التخليق والرفع من الأداء السياسي»، وفي هذا الإطار اعتبر احزرير أن المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب السياسية التي أصبحت عاجزة عن إنتاج النخب ومحكومة بالهواجس الانتخابية. من جهة أخرى، فإن الأصوات التي تدعو إلى إعادة النظر في تركيبة المجلس والميزانية المخصصة له، تؤكد أنه لا يعاني فقط من تغليب المصالح الشخصية والعائلية، وضعف الأداء، بل إن جلساته تتم أحيانا بقاعة شبه فارغة بفعل ظاهرة الغياب، التي جعلت رئيس مجلس المستشارين، محمد الشيخ بيد الله، يقر في تصريحات سابقة بأن الإجراءات الزجرية لا تفيد في ردع المتغيبين، ليجتهد بعدها في البحث عن المبررات، عندما أشار إلى أن الحديث عن تقليص عدد المستشارين، وتقليص مدة الولاية من تسع إلى ثلاث سنوات، «شكل نوعا من الإحباط للمستشارين» بشكل دفعهم للعزوف عن الحضور.