'دير لاين' و'بوريل' يؤكدان التزام الاتحاد الأوروبي بعلاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها انسجاما مع مبدأ 'العقد شريعة المتعاقدين'    وزير الشؤون الخارجية الإسباني يدافع عن الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ويؤكد إرادة الحفاظ عليها    الخارجية المغربية ترد على قرار محكمة العدل الأوروبية بالغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    أساتذة الطب ينددون بحملة التشهير    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    عشرات الوقفات الاحتجاجية بالمدن المغربية رفضا للتطبيع وتنديدا بالجرائم الصهيونية في فلسطين ولبنان    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    إيران: خامنئي يؤكد في خطبة الجمعة أن إسرائيل لن تنتصر قط على حزب الله وحماس    باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الجمع العادي للمنطقة الصناعية بطنجة برئاسة الشماع يصادق بالإجماع على تقريريه الأدبي والمالي.. وإشادة كبيرة بالعمل المنجز    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    محكمة أوروبية تصدم المغرب بقرار إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    محكمة العدل الأوروبية تصدر قرارا نهائيا بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزراء تسبّبت ألسنتهم في «حوادث سير» سياسية
منهم البصري والميداوي والعلوي وبلخياط والوفا وبنكيران وآخرون
نشر في المساء يوم 01 - 12 - 2013

لا أحد كان يعتقد أن يصدر عن محمد أوزين، وزير الشبيبة والرياضة، ما صدر عنه وهو يرد على سؤال في البرلمان.
لقد قال الحركي أوزين، الذي جرب العمل الديبلوماسي، إن بعض الذين كاتبوا الاتحاد الدولي لكرة القدم من أجل التدخل في شؤوننا الداخلية «بزاف عليهم تا مغرابيت». وزاد، وهو يحضر برنامجا تلفزيونيا ليقول إن بعض الصحافيين هم أيضا كذلك، فقط لأنهم كتبوا ضد مصالح البلد حينما انتقدوا ما قامت به جامعة الكرة. ووجدنا أنفسنا أمام وزير في حكومة عبد الإله بنكيران، يوزع صكوك الغفران على المغاربة الذين انتقدوا أسلوب تدبيره لشأن جامعة الكرة، التي تلقت صفعة من الفيفا حينما رفضت أشغال جمعها العام الأخير.
إنها واحدة من حوادث السير السياسية التي يتسبب فيها بعض الوزراء، الذين يفترض فيهم احترام واجب التحفظ، سواء تعلق الأمر بتصريحات صحافية، أو بمداخلات سياسية. ومحمد أوزين هو واحد من وزراء الحكومة الحالية الذي ظل يسعى لهذا التحفظ، قبل أن يسقط في المحظور.
لم يكن أوزين أول من ارتكب هذه الحادثة السياسية «الخطيرة» من بين الوزراء الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام. لقد سبقته إلى ذلك أسماء عديدة ظل المغاربة يتداولون قفشاتها، أو خرجاتها الإعلامية المثيرة لدرجة لا يمكن أن نسقط من أي حكومة وزيرا لم يعرف بموقف غريب، أو لم يتسبب في إحراج لبقية زملائه.
لقد ظل مولاي أحمد العلوي، كواحد من قدماء المستوزرين، موضوعا لجملة من المواقف المثيرة خلال مشواره الذي انطلق قبيل الاستقلال لدرجة أن الرجل استوزر 11 مرة.
كما كان محمد أرسلان الجديدي، الذي شغل أكثر من منصب وزاري، نموذجا للبدوي الذي ظل يوظف هذه الصفة لإقناع أتباعه، حيث تداول الكثيرون حكايات عنه، كان بعضها من صنع الخيال، ومنها أنه قال لساكنة الجديدة مرة إنه يريد أن يحول دكالة كلها إلى حظيرة أبقار. ومنها أنه قال في تجمع خطابي، وهو وقتها وزير في إحدى الحكومات: «لقد سيفطني صاحب الجلالة».
غير أن أقوى الخرجات التي صنعها وزراء حملوا حقيبة الداخلية، بكل حجمها وقوتها، هو ما قاله ادريس البصري عن أحداث الدار البيضاء في 1981 حينما وصف شهداءها ب«شهداء كوميرا». وما قاله أحمد الميداوي للصحافي بوبكر الجامعي حينما اشتد بينهما النقاش: «نخلي دار بوك».
ولأن حوادث السير هذه أصبحت لدى جل الحكومات المتعاقبة، بمثابة تقليد وجب الحفاظ عليه، فقد عشنا مع حكومة عباس الفاسي قصصا مثيرة مع وزير الشبيبة والرياضة منصف بلخياط، وحكايته مع سيارة «الأودي» التي سماها المغاربة بالسيارة الملعونة.
أما مع حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، فقد صنع محمد الوفا، وزير التربية الوطنية وقتها، الحدث وهو يتسبب في كل مناسبة في حادثة سير. كانت البداية مع «المدير وصاحبتو»، و«أوباما باباه». وتوالت مع الطفلة التي نصحها الوزير بالبحث عن زوج، بدلا من المجيء إلى المدرسة.
بل إن بنكيران نفسه ظل في أكثر من مناسبة يصنع الحدث ببعض الخرجات الإعلامية المثيرة، وهو يتحدث مرة عن التماسيح، ومرة عن العفاريت. بالإضافة إلى تلك اللحظات التي كان يصنع فيها فرجة تلفزيونية وهو يرد على أسئلة نواب الأمة.
ويحسب لعبد الإله بنكيران أنه أول رئيس حكومة يستطيع أن يصنع الفرجة وهو في التلفزيون.
لقد ظل يحقق نسبة مشاهدة عالية إذا ما قورن بالوزراء الأولين الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام. فبالقدر الذي عرف عن سلفه عباس الفاسي الاختفاء عن كاميرات التلفزيون، أضحى بنكيران وجها مألوفا لدى جمهور الشاشة إلى درجة لا يتردد الكثيرون في وصف اللحظات التي يحضر فيها إلى التلفزيون بأنها لحظة فرجة يمكن أن نسميها ب«بنكيران شو».
في أول ظهور له في التلفزيون، وهو يحمل صفة رئيس الحكومة، عرف عبد الإله بنكيران كيف يستميل عطف المشاهدين الذين رأوا في حماسة الرجل واندفاعه وصراخه أحيانا مؤشرت على أن القادم أفضل.
تحدث بنكيران وقتها عن المقهورين والمظلومين، وتحدث عن ربطة العنق التي لا يحسن تثبيتها، وعن علاقته بالملك محمد السادس، الذي تمنى أن يحكي له نكتة وهو يستضيفه أول مرة ويعينه رئيسا للحكومة. وبدا أننا أمام شخصية استثنائية يكتشفها المغاربة أول مرة.
كادت الكثير من التفاصيل التي حكاها بنكيران في أول ظهور تلفزيوني له أن تغطي على الأهم، الذي يعني ما الذي جاء به حزب العدالة والتنمية لإنقاذ البلاد بعد أن منحته صناديق الاقترع المرتبة الأولى.
تحدث بنكيران عن التحالفات الممكنة لتشكيل حكومته، وتمنى لو أن الاتحاد الاشتراكي قبل دعوته لدرجة أنه سيعتبر ذلك «تسخينا لكتفه»، قبل أن يغازل بقية الأحزاب، مع وضع خط أحمر أمام حزب الأصالة والمعاصرة. ولعل هذا الخط الأحمر هو الذي لا يزال يؤجج الصراع بين البام والبيجيدي.
ولأن الدستور الجديد فرض على رئيس الحكومة الحضور للرد على أسئلة نواب الأمة فيما يشبه التقرير الشهري، فقد كان أول حضور لبنكيران فرجة حقيقية ستحقق نسبة مشاهدة عالية، ليس لأن بنكيران حمل معه مشاريع حقيقية تبشر بغد أفضل، ولكن لأن الرجل سيتحدث عن العفاريت والتماسيح التي تقف أمام حكومته.
وبحركات «المان وان شو» ظل بنكيران يصرخ أحيانا، ويخفت صوته أحيانا أخرى. بل ويسمي بعض النواب بأسمائهم ويهدد البعض الآخر من على منبر الخطابة. بل إن الجلسة ظلت تعرف لحظات مد وجزر لم تنته إلا برفعها.
لم تكن أول جلسة يخسر فيها بنكيران رهان الإقناع هي الأخيرة. فقد ظل كلما حضر إلى البرلمان بغرفتيه إلا وصنع الفرجة، وأخرج من جيب سترته صيغة جديدة للرد أو لتبرير عجز حكومته عن تدبير الملفات الحساسة التي تباشرها.
وبذلك تحول مجلس النواب بالقوة والفعل إلى سيرك، كما سبق أن وصفه الحسن الثاني. غير أن سيرك عبد الإله بنكيران اليوم هو أكثر فرجة من السيرك الذي وصفه الملك الراحل.
يكفي أن رئيس الحكومة اعترف أنه توجد بيننا في المشهد السياسي العفاريت والتماسيح.
في هذا الخاص، نستحضر بعض هذه الحوادث التي عاشها المغاربة مع وزرائهم، الذين ارتكبوا حوادث سير سياسية مميتة لا تزال عالقة بالأذهان.
البصري يصف قتلى أحداث الدار البيضاء ب«شهداء كوميرا»
لم يتردد إدريس البصري، وهو يعلق على القتلى الذين سقطوا في أحداث الدارالبيضاء التي اشتعلت في يونيو من سنة 1981، ب"شهداء كوميرا"، فقط لأنهم خرجوا إلى شوارع الدار البيضاء، وبعض المدن الأخرى، احتجاجا على قرار حكومة المعطي بوعبيد الزيادة في أسعار المواد الأساسية، بما فيها سعر الخبز.
ولم وتورع أقوى وزراء داخلية الحسن الثاني عن إطلاق هذا الوصف وهو يحمل خطابه إلى قبة البرلمان، والذي كان التلفزيون متحمسا لنقله مباشرة إلى مشاهديه.
لقد شكلت انتفاضة الدار البيضاء في يونيو من سنة 1981 الحدث الأبرز كمظهر للاحتجاج والغضب الشعبي في تاريخ المغرب المعاصر، خصوصا وقد أدت إلى اشتباكات خطيرة، وانتهت بعشرات الضحايا في السجون والمقابر الجماعية.
كانت الحكاية قد انطلقت حينما قررت المركزية النقابية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وهي وقتها في عز حماسها بقيادة الزعيم نوبير الأموي، أن تخوض إضرابا عاما بدعم من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد أن نفذت حكومة المعطي بوعبيد وصية المؤسسات المالية الدولية، وقررت أن ترفع من أسعار جل المواد الأساسية.
ففي صباح يوم 28 ماي من سنة 1981، ستستفيق ساكنة الدار البيضاء على وقع زيادات صاروخية شملت كل المواد الأساسية. لم يكن هذا القرار سريا. لقد بثت وكالة المغرب العربي للأنباء تفاصيل الزيادة، والتي عرف معها الدقيق مثلا زيادة بنسبة 40 في المائة. فيما وصلت الزيادة في مادة السكر إلى 50 في المائة، ووصلت في مادة الزيت إلى 28 في المائة، وفي الحليب 14 في المائة، والزبدة 76 في المائة.
لم يتردد وزير المالية آنذاك أمام البرلمان في الاعتراف بهذه الزيادات، بعد أن برر القرار بكون حالة صندوق الدولة جعلت هذه الزيادة ضرورية وحتمية اقتصادية.
انطلق رد الفعل، أمام ما أقدمت عليه حكومة المعطي بوعبيد، بإعلان يوم 18 يونيو إضرابا عاما في كل من الدارالبيضاء والمحمدية دعا إليه الاتحاد المغربي للشغل، وساندته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. غير أنه أمام رفض الحكومة التراجع، ستدعو كونفدرالية الأموي، ومعها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من خلال جريدتي "المحرر" و"ليبراسيون"، إلى إضراب عام على الصعيد الوطني يوم 20 يونيو 1981.
كانت الاستجابة قوية لإضراب العشرين من يونيو. وتوقفت الحياة في جل المدن المغربية، وفي مقدمتها الدار البيضاء التي أغلقت دكاكينها، وامتنع سائقو الحافلات عن القيام بعملهم. غير أن السلطة ستشرع بمساعدة أعوانها في إرغام أصحاب الدكاكين على فتح محلاتهم، والدفع بعمال الحافلات لاستئناف عملهم. بل إنها وضعت عددا من حافلات النقل العمومي بيد سائقين لا علاقة لهم بالنقل الحضري، في محاولة لتكسير وإفشال الإضراب.
كان لا بد أن تتدخل السلطات لقمع الإضراب وكبح جماح المضربين من خلال تشتيت الجموع، بعد أن انضمت إليهم فرق رجال الدفاع والدرك الملكي والقوات المساعدة، والتي تم استقدامها عبر الشاحنات العسكرية.
وبعد ساعات، أعطت السلطة إشارة الضرب والجرح والقتل والاختطاف والاعتقال وانتهاك حرمات البيوت، لتندلع انتفاضة شعبية وتتحول إلى مظاهرات عارمة في كل من درب غلف، ودرب السلطان، ودرب الكبير شارع الفداء، وحي الفرح، ودرب ميلان، وعين السبع إلى غير ذلك من أحياء مدينة الدارالبيضاء، احتجاجا على الزيادة التي قررتها حكومة المعطي بوعبيد في المواد الغذائية الأساسية، وكذلك ضد قمع الإضراب .
كانت آلة القمع الدموي التي عرفتها شوارع الدار البيضاء في يونيو من سنة 1981 قد ذكرت المغاربة بما عاشوه في 23 مارس من سنة 1965 بنفس شوارع المدينة الاقتصادية، مع فرق بسيط، هو أن وزير الداخلية وقتها محمد أوفقير قد ناب عنه وزير داخلية آخر اسمه إدريس البصري. لقد استعملت في ذلك اليوم الذخيرة الحية، وبدون إنذار، ليبدأ حمام الدم في جل أزقة وشوارع الدارالبيضاء، والذي استمر معه استعمال العنف إلى حدود يوم 21 يونيو.
أسفرت تلك الأحداث عن سقوط عشرات القتلى ومئات من الجرحى كانوا ضحايا سلوك مصالح الأمن، التي لم تتردد في استعمال أسلحتها بدون سابق إنذار، حيث طوقت قوات الجيش بالدبابات والسيارات العسكرية كل أحياء المدينة. والحصيلة هي أن عدد القتلى، الذين تم إقبارهم جماعيا، فاق بكثير ما تم الإعلان عنه رسميا من طرف الجهات الرسمية.
فقد وصل عدد القتلى إلى أزيد من 637 قتيلا، حسب الداعين إلى الإضراب. فيما قدرت إحدى الجمعيات اليسارية عدد القتلى بما يزيد عن 1000 قتيل. أما وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، فقد حدد القتلى في 66 فقط، نافيا أن تكون هناك وفاة بالرصاص الحي.
وبعد أن أحصت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قتلاهما، بدأت الاعتقالات العشوائية في صفوف الشغيلة، وعلى رأسها المكتب التنفيذي للكونفدرالية، وعدد من المناضلين الاتحاديين، والزج بهم في السجون. بالإضافة إلى الآلاف من المواطنين الذين خرجوا للتظاهر، حيث وصل العدد إلى حوالي 26 ألف معتقل. كما تم منع جريدتي "المحرر" و"ليبراسيون" من الصدور بصفة نهائية. أما بطل هذه الأحداث، وزير داخلية الحسن الثاني، فقد قال ببرودة دم: هل نسمي هؤلاء الذين سقطوا في شوارع الدار البيضاء في يونيو من سنة 1981، ب"شهداء كوميرا"؟.
عندما قال الميداوي لبوبكر الجامعي «نخلي دار بوك»
حينما اندلعت أحداث العيون في سنة 1999 على عهد حكومة التناوب، والتي كانت أحداثا استثنائية، لأن السلطة تدخلت بقوة لمنعها اختارت مؤسسة "ميديا تروست"، التي كانت تصدر أسبوعيتي "لوجورنال" بالفرنسية و"الصحيفة" بالعربية، بإدارة بوبكر الجامعي، أن تتعامل مع هذه الأحداث بمنطق لم يعجب، وقتئذ، وزير الداخلية، أحمد الميداوي، الذي أخذ مكان إدريس البصري في أم الوزارات.
فقد نشرت الأسبوعيتان صور تدخل السلطة، الذي وصفتاه بالعنيف مما أغضب الميداوي، الذي سيجتمع بمناسبة إحدى الندوات، التي تناولت وقتها موضوع الحكم الذاتي في الصحراء، ببوكر الجامعي.
ستنطلق الحكاية حينما قال الميداوي لمدير لوجورنال والصحيفة، بوبكر الجامعي، إنكم تنشرون صورا مستفزة يستغلها خصوم وحدتنا الترابية في الترويج لأطروحة أن الصحراويين يتعرضون للتنكيل. قبل أن يضيف في وجه الجامعي "إنني سأقوم بمنع مثل هذه الصور من النشر مستقبلا إذا ما تكررت". كان رد الجامعي هو أن السلطة هي التي تخطئ حينما تستخدم العنف ضد المتظاهرين. لقد كان الميداوي متضايقا مما نشر من صور، لأن البوليساريو ظلت تستعمل تلك الصور المنشورة، وترفعها كلافتات لخوض حملة ضد المغرب أمام الرأي العام الدولي.
سيدخل الجامعي والميداوي في سجال حول قرار المنع، الذي كانت لوجورنال قد تعرضت له، إذ اعتبر مدير الأسبوعية أنه كان غير قانوني. فأجاب الميداوي بأن الأمور لا تسير فقط وفق القانون، بل هناك أيضا الأعراف، ليكون رد الجامعي "إننا نريد أن نعيش في بلد لا يحكم بالأعراف، بل بقوانين مكتوبة وواضحة".
كان النقاش قد وصل إلى مستويات عالية بعد أن قال الميداوي للجامعي إذا لم يكن يعجبك البلد وقوانينه، فلترحل وهو يردد عليه بين الفينة والأخرى جملة: "سمع آولدي..سمع آولدي" إذا نشرت مجددا مثل هذا سأمنعك. رد الجامعي "أنا صحافي ..ماشي ولدك"، فكان جواب وزير الداخلية، وبانفعال، "كون كنتي ولدي كون خليت دار بوك"، ليرد عليه الجامعي وبنفس الأسلوب "إذا خليتي دار بويا نعاودك".
توترت الأعصاب بين الطرفين، على الرغم من أن الميداوي شعر بالخطأ القاتل الذي ارتكبه وهو يهدد صحافيا، وطلب من بوبكر الجامعي ألا يكتب شيئا عن هذه الواقعة. لكن الجامعي وجد أن ما تلفظ به وزير الداخلية في حكومة يقودها الاتحاد الاشتراكي، يجب ألا أن يسكت عنه، فقرر أن ينشر تفاصيل حكايته مع أحمد الميداوي، الذي عاد بعد ذلك، ومن خلال برنامج تلفزيوني على القناة الأولى، ليؤكد على ما قاله، وهو يرد على سؤال أحد الصحافيين بأن بوبكر الجامعي ليس وطنيا، فقط لأنه كان يدافع عن صيغة الحكم الذاتي في الصحراء، والتي أصبحت اليوم قضية الدولة المغربية ككل.
الوفا.. صاحب عبارتي «أوباما باباه» و«المدير وصاحبتو»
حينما كان الحسن الثاني يشطب بقلمه الأحمر على أسماء بعض الوزراء الذين اقترحهم عبد الرحمان اليوسفي، وهو يرتب أوراق حكومة التناوب في 1999، والذين رأى الملك الراحل أن يسقطوا من هذه الحكومة قبل أن يعلن عنها، كان اسم محمد الوفا ضمن الذين شملهم قلم الملك الأحمر، بعد أن سقط في امتحانه، إلى جانب عدد من أسماء الذين لم يكن الحسن الثاني مقتنعا بهم.
واضطر محمد الوفا لانتظار حكومة عبد الاله بنكيران ليضمن مقعدا وزاريا، راهن عليه منذ قرابة العشرين سنة.
وقبل 1999، كان محمد الوفا يمني النفس بمقعد في حكومة 1996 التي كان سيقودها محمد بوستة ويشارك فيها الاتحاد الاشتراكي، قبل أن يتم إجهاضها.
انطلقت الحكاية حينما قرر الاتحاد الاشتراكي أن يشارك في حكومة تناوب دعا إليها الحسن الثاني في 1996. غير أن غضبة عبد الرحمان اليوسفي احتجاجا على التزوير الذي عرفته استحقاقات 1993 وهجرته إلى مدينة كان الفرنسية، حركت نائبه وقتها، محمد اليازغي، الذي كان يفضل أن ينعت بالكاتب الأول بالنيابة، وليس بنائب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ليضع يده في يد الاستقلاليين، ويقول لمحمد بوستة إن الحزب مستعد للمشاركة وأنت وزير أول.
لم يكن من ضمن المحركين لهذه الخطوة، غير محمد الوفا، الذي سيحضر لاجتماع في بيت بوستة بمشاركة عدد من الاستقلاليين، إلى جانب محمد اليازغي ونوبير الأموي، عضوا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي.
وكان من المقرر أن يتوج هذا الاجتماع، بعد أن يتم التوافق حول الحقائب الوزارية بين الحزبين الرئيسين في حكومة امحمد بوستة، بوجبة غداء حول مائدة كسكس.
غير أن الاموي سينتفض في وجه الحاضرين محتجا على غياب من له قرار الحسم، وهو الكاتب الأول في الاتحاد عبد الرحمان اليوسفي. وصاح في وجه محمد الوفا بلكنته البدوية: "أنت اسمك الوفا، وهذا الاسم مشتق من الوفاء، لكن هل من الوفاء أن نتداول في أمر الحكومة وواحد من قادة الاتحاد غير حاضر لهذا الاجتماع؟"، وكان يعني به عبد الرحمان اليوسفي..
انفض الاجتماع. وانتهى مشروع حكومة تناوب سيقودها امحمد بوستة. واضطر الديوان الملكي إلى أن يصدر بلاغا يقول فيه إن أحزاب الكتلة رفضت أن يشارك في حكومتها وزير الداخلية وقتها ادريس البصري. في الوقت الذي كانت الحقيقة شيئا آخر، وهي أن الحسن الثاني كان يراهن على عبد الرحمان اليوسفي أن يكون هو قائد هذا التناوب.
لم يكن من ضحايا حكومة تناوب 1996 غير محمد الوفا، الذي خرج من السباق بدون حقيبة وزارية، كما سيخرج ثلاث سنوات بعد ذلك خاوي الوفاض من حكومة التناوب.
مع حكومة بنكيران، سيتحمل هذا المراكشي، المولع بالقفشات والنكت، حقيبة حساسة اسمها التربية والتكوين، بعد أن قضى سنوات سفيرا للمغرب في الهند ثم البرازيل.
وعلى الرغم من أن هذه المهام تفرض الكثير من الهدوء والديبلوماسية في تدبير الشأن العام، إلا أن محمد الوفا سقط في الكثير من الامتحانات، وارتكب الكثير من حوادث السير، وهو يدير شأن التربية والتعليم.
سياسيا، راهن حينما دخل حزب الاستقلال في سباق مع الزمن لعقد مؤتمره الوطني الذي كان يجب أن ينتخب أمينا عاما بديلا لعباس الفاسي، الذي لم تعد قوانين الحزب تعطيه إمكانية الترشيح لولاية جديدة، على أن يجلس على نفس المقعد الذي جلس عليه صهره الفاسي. ودخل السباق من بوابة أخرى، غير التي دخلها وقتها حميد شباط أو عبد الواحد الفاسي الفهري، نجل الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال.
لقد خرج محمد الوفا على الاستقلاليين ليعلن ترشيحه لمنصب الأمانة العامة، لكن شريطة أن يأخذ الإذن والموافقة من الملك محمد السادس. أما مبرر الوفا، فهو أنه وزير في حكومة صاحب الجلالة، ولا بد أن يأخذ الموافقة.
سيسقط الوفا في هذا الامتحان، ليقرر الانسحاب في هدوء، تاركا الصراع ثنائيا بين شباط وعبد الواحد الفاسي. لكنه لم يفرط في مقعده في المجلس الوطني للحزب، وهو المقعد الذي كان يفرض عليه الانضباط لقراراته حينما قدم وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم من حكومة بنكيران.
أما على مستوى تدبير ملف التربية والتعليم، فقد دشن هذا المراكشي، أولى خطواته بفتح النار على المخطط الاستعجالي، الذي جاء به سلفه احمد اخشيشن. فقرر القطع مع تجربة الإدماج، ومنع تدبير الزمن المدرسي كما كان على عهد سابقه. وأغلق مدارس التميز لأنها في نظره تعيدنا إلى مدارس الأعيان. وفي كل هذه الرحلة، لم تخل مواقفه وتدخلاته من قفشات ترك بعضها الكثير من الأثر السلبي على المدرسة المغربية.
قال في جمع على هامش أشغال المؤتمر الوطني لحزب الاستقلال وهو يدخن سيجارته، قولته الشهيرة: "والله أوباما باباه ما عندو بحال هاذ المدرسة". وزاد وهو يتحدث عن حالة مؤسسة تعليمية في التهكم من "المدير وصاحبتو"، قبل أن ينتقل إلى مدينة مراكش، مسقط رأسه، ليواجه تلميذة بالقول: "أنت خاصك غير راجل".
ظلت كل هذه المحطات في سيرة محمد الوفا، تنبئ بقرب مغادرته حكومة بنكيران. وتحدث الكثيرون عن أن الرجل تجاوز كل الحدود، وسيكون أول من يغادر هذه الحكومة في أول تعديل قد يطالها.
كان ذلك قبل أن يقرر حزب الاستقلال الانسحاب من حكومة بنكيران، وقبل أن يضع وزراء حزب الميزان استقالاتهم ويقبلها الملك.
وحده محمد الوفا رفض حضور أشغال المجلس الوطني، الذي اتخذ قرار الخروج من الحكومة. كما رفض تقديم استقالته. ورفض بعد ذلك الدعوة التي وجهت له لحضور جلسة لجنة التأديب، التي عقدت للتداول في وضعيته.
يذكر التاريخ السياسي لمغرب أواسط الثمانينيات حينما قرر حزب الاستقلال الانسحاب من حكومة المعطي بوعبيد، كيف اختار وقتها عز الدين العراقي عدم الامتثال لقرار الحزب بالانسحاب، وهو وقتها وزير للتربية الوطنية، واختار الإعلان عن استقالته من حزب الاستقلال والاستمرار وزيرا.
أما الجزاء الذي ناله العراقي وقتها، فهو أنه سيصبح بعد ذلك وزيرا أول في الحكومة الموالية.
اليوم، ومن مكر التاريخ أن يرفض الوفا الاستقالة من الحكومة ومن مهام وزير التربية الوطنية، تماما كما صنع عز الدين العراقي.
لكن العراقي أصبح بعد ذلك وزيرا أول في حكومة اختارها الحسن الثاني أما محمد الوفا، فلن يحلم غدا بمنصب رئيس حكومة جزاء له على هذا
الرفض.
منصف بلخياط.. «سقطات رياضية» متتالية
حينما جاء منصف بلخياط إلى وزارة الشبيبة والرياضة في يوليوز من سنة 2009 خلفا لنوال المتوكل, في تعديل حكومي مفاجئ، لم يتردد في القول إنه حفظ كل فقرات الرسالة الملكية التي تليت في مناظرة الصخيرات، والتي وصفها الكثيرون بالانقلاب، بالنظر إلى أن ملك البلاد سيشهد على أن الرياضة المغربية فيها فساد وتبذير وسوء تدبير، وأن فيها الكثير ممن يبحثون عن المصلحة الخاصة.
اعتقد الكثيرون أن قدوم هذا الشاب يمكن أن يحمل للرياضة المغربية وللشباب فائض القيمة الذي انتظرناه. غير أن خلفيات الاختيار ستكشف كيف أن بقاء نوال المتوكل أو رحيلها، وأن مجيء بلخياط، لن يغير في الواقع شيئا. بل إن مسار الرجل في قطاع اجتماعي حساس كان في مجمله حوادث سير بعضها كان مميتا.
لقد كشفت حكايته مع سيارة "الأودي أ 8"، التي سماها المغاربة ب""السيارة الملعونة"، فضيحة من العيار الثقيل حيث اكتراها بأكثر من قيمتها، وتفجرت فضيحتها في وجهه.
كانت المفاجأة غير السارة هي أن الشاب منصف، المزداد سنة 1970، والحاصل على دبلوم السلك العادي من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، سيصبغ بلون التجمع الوطني للأحرار، تماما كما كان عليه حال الوزيرة السابقة. وعلق الكثيرون أن اختيار هذا اللون الأزرق السماوي كان بخلفية ضمان نفس الحسبة في تشكيلة عباس الفاسي الحكومية.
أما الشاب مومو، وهو اسم ظل يطلقه أصدقاء منصف على صفحته في الفيسبوك، فقد قال معلقا على هذا الاختيار إنه استقلالي في الأصل، لكن انتماءه للتجمع الوطني للأحرار حدث فقط لأن عمه كان في يوم من الأيام مناضلا في حزب صهر الحسن الثاني، ولا غرابة أن يرث الشاب بعضا من نضال عمه.
تحرك وزير الشباب والرياضة بسرعة، وكأني به يصارع الزمن بعد أن اكتشف أنه جاء إلى حكومة عباس الفاسي متأخرا، وأن الثلاث سنوات المتبقية إلى 2012 لن تكفيه ليقوم بالثورة الذي وعد بها. وفي أقل من شهر، جاء بمشروع "فضاءات القرب" التي تتوفر على ملاعب وقاعات للرياضة وفضاءات للترفيه. واعتقد الكثيرون أن الرجل جاد في مسعاه، خصوصا أنه تحدث عن مئات من هذه الفضاءات، ولم يترك وسيلة إعلام مكتوبة أو مسموعة أو مرئية إلا وتحدث من خلالها عن مشروعه الكبير. وحينما كانت بعض هذه المشاريع تفتح أبوابها، سنكتشف أن "مومو" باعها لشركات خاصة، وأن الاستفادة من خدماتها يجب أن يكون بمقابل.
تماما كما صنع مع هذه الملاعب، والتي فوت تدبيرها والإشراف عليها لشركة خاصة أصبحت تفرض على كل المستفيدين منها أداء الواجب.
وبنفس المنطق الذي جاء به منصف بلخياط من شركة الصناعات المغربية، ثم من تيليفونيكا، ثم مشروع حانوتي الشهير، سيطلق الوزير حملة على كل الأراضي التابعة لوزارته من أجل بيعها في السوق واستثمار عائداتها في مشاريعه العجيبة.
فتح بلخياط أكثر من جبهة مع الجمعيات التربوية والرياضية التي رفضت منطق "حانوتي" في قطاع مجتمعي يعنى بفئة عريضة من الشباب المغربي. ونقل هذه الحرب إلى غرفة مجلس النواب حينما قال دون أن يرف له جفن إن دور الشباب اليوم هي مرتع للجمعيات اليسارية التي توظفها من أجل السياسة. ولم يفهم هذا الشاب الأنيق كيف أن تأطير المواطنين سواء في الجمعيات، أو في النقابات، أو في الأحزاب هي مهمة دستورية، لا تشبه الحق الدستوري الذي تحدث عنه حينما تفجرت فضيحة سيارة "الأودي أ 8".
لم يتوقف الوزير عند هذه المحطة. فالرجل يعرف كيف يصنع حوله الحدث، بل ويشهد له بهذه الكفاءة. تحرك كثيرا من أجل أن تنظم وزارته مناظرة جديدة حول الرياضة. وحينما لم يتلق الضوء الأخضر غير الوجهة نحو تنظيم صالون حول الرياضة اعتبر من أفشل المشاريع التي أقدم عليها.
فتح بلخياط أيضا جبهة عريضة مع الجمعيات التي تعنى بمجال التخييم. وراهن على فرض اختياراته في مجال يجهل عنه كل شيء.
وفي الرياضة، كانت للوزير أكثر من صولة. فحينما عاش المغاربة مسلسل المدرب البلجيكي الشهير، دخل على الخط وهو يرفض من أعلى منصة البرلمان الكشف عن أجر هذا المدرب، الذي ظل من المتحمسين للتعاقد معه. ولذلك لم يكن الأمر غريبا أن يرقص الوزير بمعية رفاقه التجمعيين في الحكومة حينما فاز المنتخب المغربي لكرة القدم على نظيره الجزائري في مراكش، في صورة استفزت الكثيرين، لأنها لا توحي فقط بفرح بري، ولكنها تكاد تقول لنا إن هذا الفوز تحقق بفضل وزير اسمه منصف بلخياط. ونجح ضدا على الجميع في أن يجعل من أجر مدرب سيتقاضاه من خزينة الدولة، وبالتالي من جيوب دافعي الضرائب، سرا من أسرار الدولة. حضر منصف بلخياط في السياسة أيضا. لقد شارك أسابيع بعد تنصيبه وزيرا، في "عصيان" حزبي توج بثورة على رئيس التجمع الوطني للأحرار المصطفى المنصوري، والالتفاف حول صلاح الدين مزوار رئيسا جديدا لحزب الحمامة. وظهر منصف بلخياط بقميصه الصيفي يرفع شارة النصر وهو يردد "مزوار يا رفيق لا زلنا على الطريق".
مولاي أحمد العلوي.. وزير للإعلام في 11 حكومة
لم يكن مولاي أحمد العلوي وزيرا عاديا في كل الحكومات التي شارك فيها. فعلى الرغم من أنه كان يشغل في أكثرها حقيبة وزارة الإعلام، فإنه لم يكن يتردد في إبداء الرأي في قضايا السياحة والتعليم والاقتصاد والصحة أيضا، خصوصا وأنه ظل يرتبط بعلاقة خاصة مع الحسن الثاني منذ كان وليا للعهد. لذلك استطاع أن يكون وزيرا في إحدى عشرة حكومة منذ سنة 1960. وقد ظل مقربا ومساعدا للملك محمد الخامس لفترة طويلة، واحتفظ بنفس الموقع على عهد نجله الحسن الثاني منذ كان وليا للعهد لطبيعته المرحة وأسلوبه الساخر، حد الإثارة أحيانا. وقد كانت سرعة بديهته تسعفه في الخروج من المواقف والوضعيات الحرجة بسهولة.
لم تكن خرجات مولاي أحمد العلوي تنتهي, بمناسبة وبدونها, لذلك تحدث الكثيرون عن بعض المواقف المثيرة التي صنعها.
تقلد أحمد العلوي، بعد عودته إلى مغرب ما بعد الاستقلال، مناصب وزارية في كل الحكومات المتعاقبة، إلا أن حقيبة وزارة الإعلام هي التي ظل يعشقها. بالإضافة إلى منصبه كوزير دولة من دون حقيبة، وذلك منذ سنة 1960. كما كان وزيرا للأنباء والسياحة، ووزيرا للإعلام والسياحة، والفنون الجميلة.
كان مولاي أحمد العلوي عين الملك الحسن الثاني، والصحفي الملتزم دفاعا عن الملكية، لذلك كان يقول إن الصحافة في البلدان النامية هي أولا مصلحة عمومية، والصحافي معلم. اشتهر أحمد العلوي بافتتاحياته المثيرة، التي قيل إنها ظلت تحمل أفكار الحسن الثاني. لذلك كانت قد سادت مقولة في هذا الباب، مفادها أن الذي يريد معرفة ما يروج بخلد الحسن الثاني، ما عليه سوى الاطلاع على افتتاحيات أحمد العلوي التي كانت تتصدر جريدة "لوماتان".
ومن الحكايات الغريبة التي رويت عن استوزار مولاي أحمد العلوي أول مرة بعد إسقاط حكومة عبد الله ابراهيم وتكليف الأمير مولاي الحسن بتشكيل الحكومة البديلة، أنه بعد الإعلان في الأيام الأخيرة لحكم الملك محمد الخامس عن الحكومة التي ترأسها ولي العهد، كان أحمد العلوي مكلفا بعرض أسماء الوزراء المرشحين، فاستغل الفرصة ليضيف اسمه بقلمه إلى لائحة الاستوزار كوزير للإعلام.
كانت لأحمد العلوي اليد الطولى في قطاع الإعلام إلى درجة مبالغ فيها. ويحكى أنه اتصل هاتفيا، في أحد الأيام، بالمهدي المنجرة، الذي كان يشغل، آنذاك، مدير الإذاعة, ليؤنبه على عدم تقديم الوقت الكافي من مقتطف خطاب الملك محمد الخامس الذي تم بثه على الأثير ضمن النشرة الإخبارية، والذي استغرق خمس دقائق فقط، في الوقت الذي كانت فيه مدة الخطاب تتجاوز 40 دقيقة. فكان جواب المنجرة وقتئذ: "أنه في الراديو نعتمد الإيجاز والاختزال". لكن أحمد العلوي لم يقتنع، وأصر على أنه كلما تعلق الأمر بالملك، يجب، في نظره، الخروج عن العرف المعمول به. وانتهى خلاف الرجلين، بتقديم المهدي المنجرة لاستقالته من إدارة الإذاعة.
غير أن حكايته مع ملتمس الرقابة، الذي قدمه الاتحاديون في ماي من سنة 1964، ضد الحكومة، هي الأبرز.
لقد كان النقاش جاريا على أشده بالبرلمان، حول ملتمس الرقابة وسحب الثقة من الحكومة، المودع من طرف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ضد حكومة باحنيني، المعينة من طرف الملك. وكان هذا السجال يبث مباشرة على شاشة التلفزة، كما كانت المرة الأولى التي واجه فيها البرلمان نازلة سحب الثقة من الحكومة، لذا تابع كل المغاربة مجريات الحدث باهتمام كبير.
اكتظت المقاهي عن آخرها بالمواطنين، لأن قلة من المغاربة فقط كانوا يمتلكون جهاز تلفزة آنذاك. وكان الجميع يتابعون تدخلات نواب الأمة تحت قبة البرلمان مباشرة على الهواء. وكان الملك الحسن الثاني قد سمح للمعارضة بالتعبير على مرأى ومسمع المغاربة، سعيا منه للنيل منها. إلا أنه مع مداخلة عبد اللطيف بنجلون، تحول السجال بالبرلمان إلى محاكمة النظام الفردي، الذي اعتمده وقتئذ الحسن الثاني. وقبل إنهاء المداخلة المذكورة، نهض وزير الأنباء أحمد العلوي، من مكانه وهم بمغادرة القاعة مهرولا، فانتبه أحد النواب الاتحاديين للأمر فقفز من كرسيه وهو يصرخ: "إنه ذاهب ليقطع البث المباشر"، وفعلا اتصل أحمد العلوي هاتفيا بمدير التلفزيون ليأمره بتوقيف البث، فتحققت بذلك نبوءة البرلماني بعد ثوان فقط.
آنذاك، كان الملك الحسن الثاني، يتابع البرنامج من مكتبه، ففوجئ بانقطاع البث.. فاتصل بإدارة التلفزيون حيث علم بما قام به وزيره، فأمر بإعادة البث حالا، لأنه كان يعلم أن المغاربة قاطبة يتابعون "الحدث" باهتمام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.