يرتقب أن تشكل الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية مناسبة لطرح الملف الأمني المتعلق بالتحديات الإرهابية في منطقة شمال إفريقيا، فواشنطن تبدي اهتماما متزايدا بالمجندين في صفوف الجماعات المقاتلة ضد النظام السوري، وترى أن أي مخرج من الأزمة الدائرة حاليا في بلاد الشام لا بد أن يرتبط بالتفكير في مصير هؤلاء المقاتلين الذين سيعودون أدراجهم من حيث جاؤوا. ويشبه الوضع الحالي في سوريا الوضع الذي كان حاصلا في أفغانستان خلال الثمانينيات من القرن الماضي، لكن في بعض التفاصيل الشكلية فقط. وهناك فروقات كبيرة بين الحالتين تجعل الوضع في سوريا أكثر خطورة مما كان عليه الأمر قبل قرابة ثلاثين سنة؛ فالمجندون في الجماعات المقاتلة في سوريا هم، اليوم، أكثر تدريبا وأكثر قدرة على استعمال الأسلحة المتطورة التي لم تكن متاحة للمقاتلين في أفغانستان، وعدد منهم راكم خبرة قتالية في مجموعة من الميادين، بينها الساحة الأفغانية نفسها وإقليم الشيشان؛ زد على ذلك أن بعض المجندين، مثل الجزائريين، خاضوا قتالا عنيفا ضد النظام في بلادهم خلال عشرية كاملة في التسعينيات. كما أن الظرفية الدولية حاليا غير الظرفية التي كانت إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان، ففي تلك الفترة هبّ المقاتلون لنصرة «المجاهدين» دون أن تكون وراءهم حالة سياسية سابقة؛ أما في الوضع الراهن فهناك حالة سلفية في أكثر من بلد عربي، تختلف تشددا أو اعتدالا من قُطر إلى آخر، وهذا يجعل المقاتلين في سوريا اليوم يتحركون ضمن بيئة متصالحة مع معتقداتهم الشخصية. ويشكل المغاربة جزءا من هؤلاء المقاتلين في الساحة السورية، بعد الجزائريين والتونسيين بالنسبة إلى منطقة شمال إفريقيا. وقد أقر وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، قبل أيام بأن هناك المئات من المغاربة الذين سافروا إلى سوريا للمشاركة في المعارك ضد نظام بشار الأسد، وهذا يعني أن الرقم يتجاوز مائتي مقاتل كما جاء في بعض التقارير الإعلامية الدولية، الأمر الذي يطرح تحديات أمنية كبرى على المغرب وبلدان المنطقة بعد انقشاع غبار الحرب في سوريا. واحدة من المخاوف التي تراود الإدارة الأمريكية هي أن يتحول هؤلاء إلى مجندين في أيدي جماعات إرهابية تتحرك في المنطقة المغاربية، أو أن يصبحوا وقودا للتيار السلفي الجهادي في تونس على سبيل المثال؛ فقد ظهرت هنالك أصوات سلفية تعتبر البلاد دار كفر وتعتبر قتالها واجبا شرعيا، وهناك فتاوى متشددة تنصح الشباب السلفي بالخروج من تونس لأنها ليست بلادا للإسلام. لكن الخطر الأكثر احتمالا هو أن يتحول هؤلاء المقاتلون نحو الصحراء لتغذية صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأن يصبحوا طابورا آخر في أيدي جبهة البوليساريو الانفصالية، التي أظهرت في أزمة مالي قبل عامين أن لديها تطلعا إلى تعضيد جبهات الحركات المسلحة في المنطقة. والسؤال هو: هل ستلعب كل هذه العوامل دورا في إقناع المغرب والجزائر بنزع الخلافات الثنائية لصالح التعاون بينهما في محاربة التحديات الإرهابية التي أصبحت تتربص بالمنطقة؟ وأي دور أمريكي في نزاع الصحراء المغربية خلال المرحلة القادمة، بما يجنب الإقليم أن يتحول إلى برميل بارود يهز استقرار المنطقة؟