المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    مقتل 66 شخصا احتراقا في تركيا إثر حريق في فندق    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    تركيا تعلن 66 قتيلا في احتراق فندق    الدفاع الجديدي يقيل مدربه زكرياء عبوب بعد توالي النتائج السلبية    شباب الريف الحسيمي يعيد الأشهبي لعارضته الفنية متأملا الصعود للقسم الوطني الأول    هوامش الربح تتحدى التقلبات.. كيف حافظت شركات الوقود في المغرب على أرباحها رغم انهيار الأسعار الدولية؟    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    الاتحاد الوطني للشغل: مشروع قانون الإضراب يعكس رؤية "الباطرونا"    بأكادير.. أخنوش يترأس افتتاح مصنع سيشغل 3 آلاف شخص وتوقيع اتفاقية إحداث الميناء الجاف    تداولات الإفتتاح ببورصة البيضاء    برنامج Go سياحة.. عدد الطلبات التي وافقت عليها وزارة السياحة بلغ 531 ( عمور)    إقليم الحوز: السلطات تتوعد المتلاعبين بحقوق المتضررين في إعادة الإعمار والتأهيل    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    بلقشور يكشف عن أزمات الأندية المغربية وخطط العصبة لتطوير كرة القدم الوطنية    وزراء الحكومة يفرجون عن جميع "تفويضات كتاب الدولة" بعد طول انتظار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    برادة يطلق الدعم التربوي في فاس    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    رفقة كلامور.. فضيل يطرح جديده "فاتي" بستايل رومانسي    "حماس" تستعد لمبادلة 4 إسرائيليات    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    توقيف 4 أشخاص للاشتباه في تورطهم في حيازة والاتجار في مسكر ماء الحياة بآيت ملول    وزير العدل الفرنسي يعلق على اعتقال "القط" من طرف السلطات المغربية    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    توقيف البطولة إلى غاية إجراء مؤجلات الجيش الملكي والرجاء البيضاوي ونهضة بركان    دوري أبطال أوروبا.. مبابي يبدد الشكوك قبل المواجهة الحاسمة لريال    فضيحة في كلية العلوم بالرباط.. حكم يدين أساتذة جامعيين في قضية تشهير ومس بالحياة الخاصة لنساء    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    مباحثات بين الرباط وإسلام أباد لتعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين    كيوسك الثلاثاء | الحكومة تفتح الطريق أمام "TGV" عبر نزع ملكية 21 قطعة أرضية    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    وزارة الاقتصاد: "التسوية الضريبية الطوعية" ساهمت في خفض نسبة عجز الميزانية    فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة من كندا والمكسيك ب25 بالمائة ابتداء من 1 فبراير( ترامب)    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المغرب يطالب باحترام هدنة غزة    الحكومة تعلن عزمها توظيف 1840 عونا إداريا ناطقا بالأمازيغية هذا العام    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    ياسين العرود: قائدٌ واعدٌ لرؤية اقتصادية جديدة في شمال المغرب    اختتام ملتقى الدراسات بالخارج وممثلو الجامعات والمعاهد.. يؤكدون نجاح الدورة الثالثة    باكستان تبحث تعزيز التعاون الأمني مع المغرب في مكافحة الإرهاب    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" بستايل رومانسي رفقة سكينة كلامور    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. 116 وفاة و25 ألف إصابة ودعوات لتحرك عاجل    تنظيم أول دورة من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عفاريت الجن وعفاريت الإنس».. تاريخ قرية منسية وخرافة ظالمة
نشر في المساء يوم 19 - 11 - 2013

صدرت رواية «العفاريت» عن دار النايا لعام 2013م. يقول الكاتب إبراهيم الحجري إن «هذه الرواية كتبت قبل خمس سنوات تقريبا، وكنت قدمتها لاتحاد كتاب المغرب خلال الفترتين الماضيتين، لكنها لم تر النور إلا خارج الحدود هذه السنة، ولعل عفاريت هذه الأرض حرصوا على ألا تولد إلا خارج القمقم؛ بعيدا عن جغرافيات عسسها».
تحتضن رواية العفاريت جزءا من تاريخ مسقط الرأس، وجزءا من هواجس ومخاوف الطفولة، وجزءا من خرافة قرية ظالمة؛ وجزءا من حاضرها الملتبس الذي قرفص بعُنْته على البلاد والعباد. يتعلق الأمر بقرية أحد أولاد أفرج، التي قصدها الشيخ عبد الرحمن المجذوب رفقة أسرته وأحبها قبل أن يرحل إلى مكناس، فهناك اشتد عوده، وتشكلت هويته الفكرية والشعرية باعتباره صوفيا مميزا. لكن هذه القرية ما عاد حارسها هو المجذوب، وكأنه رحل لحدسه بأن هذه المنطقة نكد أبدي على من يتخذها موئلا، فهام على وجهه في أرض الله الواسعة؛ بحثا عن ظل ظليل. لقد حل بها بعده أو قبله، ليست تدري كتبُ التاريخ ولا مصادر الصوفية؛ رجل اسمه مسعود بن حسين الذي جاء من بلاد «القصبة»؛ محملا بكثير من الكرامات والبركات التي أخذها عن شيخه سيدي أبوعبيد الشرقي، الذي لولا صراخه الشديد بعد أن تنبه إلى أن عرشه الصوفي كلّه يسير مقتفيا أثر مسعود الراحل على فرسه تتبعه الخيام والزاوية والخيل والأراضي والكرامات والبركة وكل ما جناه السيد أبوعبيد؛ طيلة سنوات من الزهد والعبادة والاعتكاف والوعظ، لما عاد لحارس القصبة من شيء يذكر؛ ولولّى مجده الصوفي، الذي بات في كف عفريت إلى الأبد؛ ولصار شيخ الزاوية الشرقاوية نسيا منسيا.
يقيم السيد مسعود الزاوية حيث اشتهت فرسه، ويجمع حوله المريدين والأتباع؛ غير بعيد عن «مشتراية» المدينة التي تخرَّج منها أجداده وأساتذته وشيوخه، وبات يتوسع نفوذه يوما عن يوم، وينتشر صيته بين الزوايا والأقطاب غير بعيد عن جغرافيا شديدة الاكتظاظ بالمواقع الصوفية: أبو شعيب السارية غربا وعبد الله أمغار في الجنوب الغربي، وأبو يعزى يلنور نحو الجنوب الشرقي، ناهيك عن سيدي إسماعيل وسيدي موسى وغيرهم. في هذه الخريطة ذات الكثافة الصوفية ظل يجتهد مسعود ليوسع جغرافيا سلطته الرمزية، وراح يبرم التحالفات واتفاقيات التعاون والتزاور وتبادل الوفود. وكانت رقعة الأنصار تتوسع، ويكثر الوافدون الطالبون لرفقة الشيخ الجديد الذي حل بسهل دكالة. لكن مسعود لم يكتف بجلب عشاق من الإنس فحسب، بل أقبلت عليه أيضا وفود الهائمين من الجن، حيث كان يأتيه كل مساء شمهروش وميمون وعائشة وغيرهم من ملوك الجن؛ طائعين طالبين الصحبة والبركات، وكانت كرامته، تبعا لذلك، التحكم في العفاريت ومعاقبتهم بفعل اعتدائهم على بعضهم وعلى الآدميين، وأسس بزاويته، فضلا عن خلوتين للتعبد والاعتكاف، محكمة تُقام، كل جمعة، من أجل البت في دعاوى تَرد عليه من الإنس ومن الجن، فكان يعطي لكل ذي حق حقه، فيشفى، إثر ذلك، كل ممسوس من الآدميين، ويعاد الحق لكل مظلوم من العفاريت، سواء من لدن الإنس أو إخوانهم المردة.
وحدث، ذات مرة، أن السلطان الأكحل السعدي خرج في إحدى حركاته لقمع تمردات القبائل وكسر شوكتها، فإذا به يمر بجوار زاوية السيد مسعود بن حسين العامرة، وكان قد بلغ السلطان ما بلغه من أخبار عن كراماته واعتداده بنفسه وإعلانه العصيان على الملأ من أتباعه ومريديه، فأراد إغاظته، فطلب من أعوانه أن يأمروا السيد مسعود باستضافته وجنده الكبير، فرحب مسعود بالسلطان ومن معه، واستقبلهم استقبالا بسيطا لم يرق للسلطان وحاشيته، وقدم خدام الزاوية للخيل علاليف الشعير والماء؛ وأناخوا العير في الظلال، فيما راحت الأَمَة «مباركة» تطحن القمح في الرحى؛ وطلب السلطان من عيونه التلصص على الزاوية ومساربها، فلمح أحد عبيده السلطان مباركة تراقب الرحى؛ وهي تدور من تلقاء نفسها، فرَجَته ألا يخبر مولاه؛ حتى لا يفتضح أمرها، فلم يف بوعده، وأخبر السلطان فأصابه العمى ساعتها، فقام السلطان غاضبا، وطلب من الجند هدم الزاوية ودك جنباتها دكا، واعتقال الشيخ ومريديه بذريعة التحريض على العصيان، فدعا السيد مسعود حليفه وجاره سيدي امحمد الأفحل مستغيثا:
«يا سيدي امحمد الأفحل آتني بالنعرة والنحل»
فكان النحل يلسع الفرسان والنعرة تهاجم بشراسة الخيل، ففر جيش السلطان في اتجاه وادي أم الربيع، ولم تهدأ أحواله وتستقر إلا بعد كيلومترات عديدة من الزاوية؛ لما تجاوز الحدود العملية لنفوذ الزاوية. هنا قال السلطان: «الآن هنينة» فسميت المنطقة بهذا الاسم إلى حد الساعة.
كان هذا هو الإطار التاريخي الذي تتأسس عليه أسطورة النص.
أما الإطار الواقعي الناظم لحلقات ألحكي فهو التحول الذي طرأ على موقع الزاوية، فبعد ما كانت رمزا للعزة والغوث في زمن سلطانها الصوفي الأبي الذي قهر عفاريت الإنس والجن، أصبحتْ موقعا مدنسا يطفح بالفقر والضياع، وملاذا قذرا للمشردين والمعتوهين والحمقى في غياب أي عناية للسلطة والمنتخبين بالوضع الاعتباري للمنطقة وسكانها، حيث يظل التهميش والانتهازية والاستغلال عناوين مرحلة تعاقبت خلالها مجالس وفرقاء كثر دون أن يتغير وجه القرية سوى إلى الأسوأ.
بين الماضي والحاضر يكون الزمن كفيلا بتبديل الصور والرؤى. في الماضي كانت الزاوية جغرافيا للورع والنبل والشهامة والاستقامة والقداسة والزهد، واليوم هي مرتع للفساد متعدد الأوجه، الأخلاقي والاجتماعي والسياسي. لم تعد مقصد العلماء والعارفين والزهاد، بل أصبحت وكرا للمنحلين والمهمشين والمتسكعين الذين يجيئون إليها من كل البلاد؛ بحثا عن وهم الشفاء، فيلتقي مرض الوافدين بمرض المحليين المقيمين، فتصير البلدة جسدا مريضا، وبدل أن يمنح الوافدون الخلاص القديم، فهو يزيدهم داءً على دائهم. ما عادت زاوية مسعود بن حسين قادرة على تقديم ما لم تستطع تقديمه لنفسها، فقد هجرتها سلالة الصُّلاح، فروع شجرة الولي، وعوضتها عصابات اللقطاء، الناهبين الذين يبيعون الوهم للمرضى الطارئين مقابل ما في جيوبهم وما في أجسادهم من نضارة أيضا، ظنا منهم أنهم وارثو بركة الأسلاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.