ترتبط فعالية أية مؤسسة بوجود الاستقلالية والحرية تطرح على التدبير الراهن للحقل الديني العديد من الإشكالات، التي تنبثق من خلال ملامسة واقع تجديد هيكلته وإخضاعه لمعيار تحقيق الأهداف المنتظرة منه من قبل المجتمع، أي طرح سؤال مدى إشباع الحقل الديني الرسمي بخطابه ومكوناته وبرامجه الحاجيات الدينية للمواطن وفق مضامين ومناهج مضبوطة وهادفة. فواقع التدين لم يعد يقتصر حسب تقرير الخمسينية المغرب الممكن على «أغلبية من المغاربة لا ينفكون يعيشون إسلاميتهم بوصفهم «مسلمين بسطاء»، إذ أن شريحة ممن است فادوا من مكاسب التربية، يعتبرون أنفسهم أفقه في الدين من آبائهم، إذ يطالبون اليوم بحق مقاربته بكيفية مغايرة كالتوسل بالرجوع إلى مصادر الإسلام، أو عبر نظرة تحررية، أو بمقاربة تقوم على إدماج الحقل الديني في مؤسسات الدولة». فالتدبير المؤطر للحقل الديني وانطلاقا من التغييرات الاجتماعية الوطنية والتحولات الدولية تطرح عليه إشكالات محرجة من المفروض أن يجيد الإجابة عنها، إذ حسب نفس التقرير فالمجتمع المغربي في إطار علاقته بالدين ليس في مأمن من وقع التأثيرات وتصاعد أشكال التطرف الكوني، وتأثير الانفتاح على سوق المنتوجات الدينية من كتب وأشرطة صوتية ومواقع إلكترونية وإعلام تلفزي، ولذلك لم تبق السياسة الدينية بالمغرب ومرجعية التقليد الديني وحدهما المشتغلتين في مجال التأطير الديني للمواطن». وانطلاقا من هذه المعطيات نطرح أربع قضايا محورية تبتغي المساهمة في بلورة رؤية واضحة عن الحقل الديني، باعتباره حقلا وظيفيا يرجى منه تلبية الحاجيات الدينية وإرساء السلم الاجتماعي والتربية على القيم وتنمية ثقافة المشاركة المدنية والسياسية بمضمون وشكل إيجابيين في ظل نسق سياسي يتسم بالحرية والديمقراطية الحقة. التدبير الديمقراطي للحقل الديني: بما يعنيه ذلك من إشراك مختلف الفاعلين من العلماء والباحثين في مختلف التخصصات المعرفية، في صياغة أجوبة متنورة للإشكالات المعاصرة المرتبطة بالدين من خلال آلية الاجتهاد الجماعي، وكذلك بإخضا ع التدبير الديني للتداول من قبل المهتمين للمساهمة في جعله يرتقي فعلا إلى سياسة عامة دينية، بإشراك الفاعلين الدينيين والجمعيات المهتمة في اتخاذ القرار وإنتاج تصور للحقل الديني مبني على أسس سليمة وفقا للمصلحة العليا للبلاد بما يقتضيه نجاح ذلك من الابتعاد عن المنطق الأمني. نجاعة مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني: بالاستقراء التاريخي للمبادرات الرسمية لما بعد الاستقلال في مجال ضبط وتأطير الحقل الديني نلحظ انعدام التجاوب ا لشعبي معه رغم كثرة المؤسسات الدينية الرسمية، ويرجع ذلك بالأساس لتقليدانية الجهاز المنفذ، خاصة العلماء. كما أنه ذو مواصفات علمية متجاوزة ومهاراته ضعيفة الارتباط بالواقع المعاصر من خلال قصوره التقني الكبير في التواصل مع الناس، من ثم كان من آكد الأولويات الاهتمام بالتكوين الأكاديمي المتين لتخريج علماء ذوي مصداقية، مع إرساء تطوير تكنولوجي للإعلام الديني يسهم في ردم الهوة بين العلماء والمجتمع. استقلالية العلماء: ترتبط فعالية أية مؤسسة بوجود الاستقلالية والحرية، إذ بدونهما لايمكن الحديث عن تحصين المجتمع من التطرف بمختلف أنواعه أو تجديد للخطاب الديني. فالوضعية الاعتبارية للعالم/المثقف تقتضي ضمان استقلاليته كشرط أساسي للإبداع والاجتهاد، مع الانضباط المفروض من العالم للتوجهات العامة المشكلة للوحدة العقدية والمذهبية للشعب المغربي. الوحدة العقدية والمذهبية: لا يمكن في زمن عولمة الفتوى وأشكال التدين تكريس الوحدة العقدية والمذهبية بمنطق دوغمائي منغلق، الذي يؤدي الاستمرار في نهجه إلى فتح الباب للاختراق المذهبي السري المشتت للكيان الوطني، وبذلك تبقى المقاربة السليمة هي التمسك بالوحدة المذهبية والعقدية كعامل من عوامل الاستقرار مع ضرورة الانفتاح على الاجتهادات المقارنة في المذاهب والمدارس الإسلامية الأخرى.