في الوقت الذي تعيش فيه الأحزاب المغربية بمختلف تلويناتها حمى الانتخابات الجماعية المقررة في يونيو المقبل، وتنشغل برسم خرائط طرق موصلة إلى المجالس البلدية والقروية، اختارت فعاليات أمازيغية الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات وشحذ همم أنصارها لإنجاحها. أولى دعوات المقاطعة لانتخابات 12 يونيو 2009 صدرت عن التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة المغربية، ومجلس التنسيق لتنسيقية مولاي موحند للجمعيات الأمازيغية بالريف، التي دعت في بيان صادر عنها مؤخرا «الشعب المغربي إلى مقاطعة مهزلة الانتخابات الجماعية باعتبارها لن تقدم أي جديد لمصلحة الشعب، بل فقط هي فرصة لاستنبات العديد من الكائنات المصلحية». وبالنسبة للناشط الأمازيغي، أحمد عصيد، فإن إشهار سلاح مقاطعة الانتخابات هو ورقة ضغط يحاول من خلالها الأمازيغ تمرير رسالة مفادها أنهم خارج اللعبة السياسية حتى يتم الاعتراف بهم وبلغتهم وهويتهم. وأوضح عصيد، في تصريحات ل«المساء»، أن «الأمازيغ يرون أن مشاركتهم في الانتخابات ستكون أقل مردودية وتأثيرا من فعل المقاطعة، وأن أي انتخابات بدون تعديل دستوري يعترف بوجود الأمازيغية لا تهمهم». وأضاف أن «الظروف الحالية لا تبدو مغرية للمشاركة في الانتخابات أو ذات جدوى بالنسبة للأمازيغ، خاصة أن خيبتهم كانت كبيرة بعد أن استعاضت الدولة عن إجراء تعديلات دستورية عشية الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر 2007 بالمرور مباشرة إلى مرحلة الإعداد». من جهته، قال قيادي في الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي المنحل: «ليس هناك ما يغري الأمازيغ بالتراجع عن قرار المقاطعة بعد أن لم تلب مطالبهم التي من أجلها أعلنوا مقاطعتهم للانتخابات التشريعية ل7 شتنبر 2007، مضيفا في حديثه ل«المساء» أنه«من الصعب جدا العودة عن موقف المقاطعة بالنسبة للمقاطعين للانتخابات التشريعية الأخيرة، سواء كانوا فعاليات أمازيغية أو غيرهم من الأطراف السياسية، بسبب استفحال الأوضاع». ورفض القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، وصف موقف الداعين إلى المقاطعة بالعدمي مادام لا تتحقق من ورائه أية نتائج لصالح الأمازيغية، وقال: «ما يشجع على العدمية هو طبيعة السياسة التي تنهجها الدولة، وهي ليست اختيارا للشعب وإنما هي مفروضة عليه». وتابع موضحا: «الدولة المغربية لم تقدم إلى حدود اليوم صورة إيجابية عن ظاهرة الانتخابات، بل إن سمعتها تزداد سوءا سنة بعد أخرى، بفعل عوامل عدة منها: خلق حزب الأصالة والمعاصرة كنتيجة من نتائج ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وسلبية البرلمان الحالي الذي لم يقم بأي دورإيجابي بمناسبة الكوارث الطبيعية التي ألحقت الضرر بالمواطنين، وهنا أتساءل من سيقنع المعطلين وضحايا الفيضانات في سيدي سليمان ونزع أراضي الجماعات، بالمشاركة في انتخابات يونيو المقبل؟». وإذا كانت فعاليات أمازيغية تدعو إلى مقاطعة الانتخابات في ظل الظروف الحالية، حيث استمرار عدم ترسيم اللغة الأمازيغية، واستمرار تجاهل الدولة لمطالب الحركة الأمازيغية، فإن فعاليات أخرى تحرص على تأكيد مشاركتها من أجل إسماع صوتها. المنسق العام الأسبق للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان سعيد الزاوي يرى أن مقاطعة الفاعلين الأمازيغ للانتخابات تمنح فرصا أكبر للانتهازيين والمفسدين من أجل الوصول إلى مراكز المسؤولية، ومراكمة الثروات على حساب مصالح السكان. ويؤكد الزاوي في تصريح ل«المساء» أن انخراط الفاعلين الأمازيغ في العمل السياسي يسمح لهم بالعمل عن قرب مع الساكنة المحلية، وتدبير شؤونها، مما يعطي صدقية أكبر للمطالب الأمازيغية»، مضيفا «أنتصر لموقف المشاركة الواعية والمسؤولة في كافة العمليات الانتخابية، رغم إكراهات الميثاق الجماعي الحالي، لوجود أحزاب سياسية وطنية، تتقاطع مشاريعها المجتمعية وبرامجها الانتخابية مع العديد من المطالب الأمازيغية كترسيم اللغة الأمازيغية والمطالبة بالنظام الفيدرالي». ومن الأسباب الأخرى التي تغري الناشط الأمازيغي بالانخراط في العملية السياسية، والمشاركة في كافة العمليات الانتخابية، ضعف استجابة السكان لدعوات المقاطعة، خصوصا في ظل غياب أي تفعيل لهذا الموقف من طرف الداعين إليه، واكتفائهم بإصدار البيانات فقط.