شكلت الانتخابات المحلية في إقليمي الباسك وغاليسيا التي عاشت على إيقاعها إسبانيا، نهاية الأسبوع الماضي، حدثا تاريخيا بكل المقاييس، فلأول مرة في تاريخ الديمقراطية الإسبانية تتراجع الأحزاب القومية الإسبانية إلى الوراء فاسحة المجال أمام الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي الوطنيين، كما أن الانتخابات بغاليسيا وضعت حدا لاستثناء تاريخي متمثل في حكم الاشتراكيين للإقليم لمدة أربع سنوات يبدو أنها لن تتكرر على الأقل في الأمد المتوسط. منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في مارس من العام الماضي كان واضحا أن الأحزاب القومية تعرف أزمة بإسبانيا التي تتجه صوب قطبية حزبية قوية يمثلها الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي في ظل تراجع حصل وقتها في نتائج حزب اليسار الموحد والأحزاب القومية الكتالانية، وهذا التراجع تأكد خلال الانتخابات التي شهدها إقليم الباسك، فالحزب الاشتراكي تقدم على الأحزاب القومية رغم أنه لا يتضمن في برنامجه أية إشارة إلى استقلال سياسي أكبر لإقليم الباسك، فالمطالب القومية تراجعت في هذه الانتخابات لصالح مطالب أخرى، وجاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال الحزب القومي الباسكي الذي حصل على 30 مقعدا، فيما حصل الحزب الاشتراكي على 24 مقعدا ويمكنه أن يشكل الحكومة في حالة موافقته على الدعم الذي قدمه له الحزب الشعبي الحاصل على 13 مقعدا، وهو ما سيشكل سابقة تاريخية في الحياة السياسية الإسبانية. لكن يبدو أن هذا التحالف غير ممكن بتاتا بحكم أنه سيُفقد الحزب الاشتراكي مصداقيته أمام الكتلة الناخبة التي صوتت عليه، وسيخدم أكثر الحزب الشعبي اليميني المعارض الذي يعتبر أكثر حدة في قمع أي صوت يعبر عن خصوصية زائدة في إقليم الباسك ومعروف بسياسته المتشددة الرافضة لأي أجنحة سياسية موالية لتنظيم إيتا الانفصالي داخل الإقليم. هذه الخارطة التي أفرزتها الانتخابات في الباسك ستجعل السياسيين يركضون في جميع الاتجاهات من أجل البحث عن تحالفات تمكنهم من تشكيل الحكومة، وتبدو مهمة الحزب الاشتراكي في هذا الصدد صعبة بحكم أن تحالفه مع اليمين مستبعد والتحالف مع القوميين تعترضه بعض العقبات. ونبهت الأحزاب السياسية القومية في كتالونيا إلى هذا التغيير في الخارطة السياسية الإسبانية وفقدان الانسجام داخل الأحزاب القومية في إقليم الباسك، وانتقد الحزب اليسار الجمهوري الإسباني “إسبانية” الحملات الانتخابية التي فقدت طابعها القومي. غاليسيا تعيد اليمينيين وضع الناخب الغاليسي حدا لتجربة قصيرة للاشتراكيين في الإقليم الذي عرف تاريخيا أنه أحد أعرق القلاع اليمينية بإسبانيا، وكان دخول الاشتراكيين إليه قبل أربع سنوات أشبه باحتلال حصن منيع للحزب الشعبي، خصوصا أن غالبية قادته وعلى رأسهم مانويل فراغا مؤسس الحزب وماريانو راخوي زعيمه الحالي ينحدرون من غاليسيا، مثلما أن الجنرال فرانكو نفسه غاليسي. وشكلت هزيمة الحزب الاشتراكي في الانتخابات بالإقليم ضربة قوية لرئيس الحكومة لويس رودريغيث ثباتيرو، الذي يبدو أنه بدأ يدفع الضريبة السياسية المترتبة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إسبانيا منذ شهور، رغم أن بعض المحللين يرون في هزيمته بالإقليم أمرا طبيعيا جاء فقط ليلغي الاستثناء الذي حصل قبل سنوات، وشكل انتصارا قويا لثباتيرو وضربة موجعة لماريانو راخوي، زعيم الحزب الشعبي المعارض، وأول من تنفس الصعداء بهذا الفوز هو راخوي الذي يعتبره في قرارة نفسه أول خطوة حقيقية يمكنها أن تقوده إلى قصر المونكلوا عام 2012، كما أن الفوز سيقوي موقعها داخل الحزب خصوصا في ظل الحرب الطاحنة الدائرة رحاها داخل صقور اليمين منذ شهور طويلة والمطالبة برأس الزعيم. وكان راخوي يعلم أن الانتخابات في غاليسيا حاسمة في مساره السياسي على المدى القريب والمتوسطّ، لذلك ركز كل جهوده في الإقليم خلال الفترة الانتخابية وكان ينتقل من قرية إلى أخرى ومن ضيعة إلى ضيعة، وركز على أن الاشتراكيين قادوا البلاد إلى أزمة اقتصادية خانقة وحان الوقت ليدفعوا الثمن بدءا من غاليسيا، وعندما أعلن عن فوز الحزب عبر عن سعادة كبيرة واحتفل بهذا الانتصار الذي سيقويه في مواجهة إسبيرنزا أغيري، رئيس الحكومة الإقليمية لمدريد الراغبة في إزاحته من رئاسة الحزب. حرب الطماطم عادت حرب الطماطم للظهور بين المغرب وإسبانيا، بعدما شمرت عدة مقاولات إسبانية عن سواعدها للعمل من أجل منع دخول الطماطم المغربية في ظل الأزمة الاقتصادية ، وعقد اجتماع في ألميرية بين المقاولين في الحكومات الإقليمية في فلنسية وأندلسية ومورسية وجزر الكناري من أجل توحيد سياستهم الدفاعية ضد الطماطم المغربية، وهو الاجتماع الذي يسبق الاتفاق المتوقع أن يعقد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وخرج المقاولون ببيان “للمصدرين والمستوردين الإسبان للطماطم الطرية”. وهو ما يعيد إلى الأذهان الحرب التي كانت تشتعل بين الفينة والأخرى بالجنوب الإسباني الذي يمنع فيه بعض المزارعين الإسبان أحيانا مرور الشاحنات القادمة من المغرب بحكم أن ذلك يؤثر على مصالحهم الاقتصادية، خصوصا أن إسبانيا تعيش الآن على إيقاع الأزمة الاقتصادية. ولم يتوان مارتين صولر، مستشار الحكومة الأندلسية في الفلاحة والصيد البحري في القول إن الاتفاق الذي عقده المغرب مع الاتحاد الأوروبي يمثل تهديدا لإسبانيا فيما يخص بيع وتصدير الطماطم بحكم أنه يمنحه امتيازات إضافية، وأشار مستشار إقليم مورسية في الفلاحة أنه إلى حدود 25 يناير الماضي أدخل المغرب إلى أوربا 220 ألف طن من الطماطم رغم أن الكمية المحددة إلى غاية 15 ماي المقبل هي 180 ألف طن، مقابل تراجع مبيعات الطماطم الإسبانية. وتبدأ مفاوضات تحرير التجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي نهاية شهر مارس المقبل، حيث من المرتقب أن تفضي إلى اتفاق بين الطرفين مع نهاية العام الجاري. في اجتماع حكومي سابق قدم عبد اللطيف معزوز وزير التجارة الخارجية المغربي عرضا تطرق فيه إلى الخطوط العريضة لمشروع عرض المغرب المتعلق بمفاوضات تحرير تجارة الخدمات وحق الاستقرار التي ينص عليها اتفاق الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وأكد معزوز أن المغرب يهدف من خلال هذه المفاوضات إلى إتمام وضع منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وإلى تنشيط الاستثمارات الخارجية وتقوية تنافسية الصادرات المغربية. ماريا روسا دي مادرياغا تعد ماريا روسا دي مادرياغا، مؤرخة وخبيرة في شؤون المغرب في عهد الحماية، فكتابها عن هزائم الإسبان في معاركهم ضد مقاومة عبد الكريم الخطابي وكتابها الآخر عن مغاربة فرانكو الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية يعدان مرجعان في دراسة العلاقات المغربية الإسبانية خلال فترة الحماية الإسبانية بشمال المغرب والحرب الأهلية الإسبانية، فهي مؤرخة تمتاز بدقة في التحليل ونفس طويل في البحث الأكاديمي. تعود ماريا روسا دي مادرياغا هذا الأسبوع إلى الواجهة من خلال تقديم كتابها “الأرشيف الإسباني حول تنظيم القضاء في فترة الحماية الإسبانية” في “البيت العربي” بمدريد بمشاركة ألفونسو دابيلا، مدير الأرشيف الإداري، وفريد أولحاج، مستشار بسفارة المغرب بمدريد، وماريا روسا دي مادرياغا، المؤرخة. الرباط ومدريد في مواجهة الأزمة تحولت الأزمة الاقتصادية إلى هم مشترك بين الرباط ومدريد اللذان سيوقعان على اتفاقية هذا الأسبوع من أجل تقوية مقاولاتهما في الخارج وتشجيع العلاقات التجارية بهدف مواجهة الأزمة الاقتصادية، لقد ،قعت الإتفاقية فعليا أمس الإربعاء على هامش ملتقى الاستثمار والتعاون المقاولاتي بالدر البيضاء، وهو الملتقى الذي يتوقع أن تشارك فيه 70 مقاولة إسبانية. وحسب معلومات سربها المعهد الإسباني للتجارة الخارجية، فإنه يتوقع أن يحضر الملتقى حوالي 130 شركة مغربية من أجل عقد 270 اجتماعا مع المقاولين الإسبان خلال الملتقى الاستثماري، ويروم هذا اللقاء توقيع اتفاقيات للشراكة الثنائية وتحديد فرص الاستثمار في بعض القطاعات مثل الطاقة المتجددة والصناعة الفلاحية والغذائية والمواد الالكترونية والنسيج والخياطة ومعالجة الماء. ويعد هذا الملتقى استمرارية للملتقيات التي سبق تنظيمها أعوام 2001 و2003و2004و2007، وينعقد بفضل الشراكة القائمة بين المعهد الإسباني للتجارة الخارجية والمركز المغربي لإنعاش الصادرات، والتي ينتظر أن تتوج بالتوقيع على هذا الاتفاق الجديد بين الطرفين. وأشار آخر تقرير اقتصادي صادر عن المعهد الإسباني السابق الذكر إلى أن المغرب يعد سوقا خارجية استراتيجية بالنسبة لإسبانيا، موضحا أنه من صالح إسبانيا تشجيع الاستثمارات الخارجية بحكم أن المغرب يجنح من الناحية القانونية إلى إدخال مجموعة من الإصلاحات لصالح الاستثمارات الخارجية. كما أن إسبانيا استطاعت في العشر سنوات الأخيرة أن تتحول إلى ثاني أكبر مستثمر في المغرب بعد فرنسا، كما أن الميزان التجاري للتعاون بين البلدين سجل أرقاما ايجابية بلغت 837,5 مليون أورو خلال عام 2008. إضافة إلى ذلك، فإن المغرب يظهر ضمن لائحة المخطط الشامل لتطوير السوق الذي أعدته وزارة الصناعة الإسبانية بهدف الدفع نحو تحسين الصادرات الإسبانية إلى البلدان التي تعرف تطورا اقتصاديا مهما والتي سيصل تطور ناتجها الداخلي الخام إلى 5 في المائة خلال هذه السنة. ويشير التقرير السابق الذكر إلى أن مدينة الدر البيضاء تمثل 45 في المائة من الناتج الصناعي للبلاد، وتشغل حوالي 75 في المائة من الساكنة النشيطة للبلاد في قطاعات التكنولوجيا الحديثة والإعلام والاتصال.