الإسبان جيران لنا وأعزاء على قلوبنا، لكنهم للأسف لا يفهموننا بما فيه الكفاية. نعطيهم السمك الطري فيعطوننا أسلحة أوكازيون تشبه الخردة، ونعطيهم المهاجرين السريين لإفناء عمرهم في بناء القناطر والجسور وجني الطماطم، فيتهموننا بدفع شبابهم إلى البطالة، ويصدرون الأوامر بالقبض على حصة محددة من شبابنا كل يوم وكأنهم يذكروننا بحملات «لاراف جنرال» أيام الحسن الثاني المجيدة. المشكلة أن الإسبان يعرفون أنه لا يوجد إسباني واحد يقبل أن يشتغل في حقول الأكياس البلاستيكية المغطاة من شروق الشمس إلى مغربها، وفي ظل درجة حرارة قياسية. أيضا نعطيهم الحشيش لكي يسوي الإسبان مزاجهم العكر فيواجهوننا بحملات إعلامية قاسية تتهمنا بالغدر، مع أن الحشيش ضروري لكي يستمر الشعب الإسباني الشقيق في مزاجه الرائق ويستمر في الرقص على نغمات الفلامنكو. الإسبان لا يفهمون أن الحشيش إذا ما قتل يسمّن. إنهم لا يعرفون الدور الذي تلعبه كتامة المجيدة في زرع السكينة والهدوء. ولو كان الجنرال الراحل فرانكو عاقلا، وهو الذي غزا إسبانيا انطلاقا من المغرب بالنار والحديد، لركب البحر محملا بأطنان الحشيش فقط، وكان بالتأكيد سينتصر بلا حرب ولا دماء. كان من الأفضل أن يتبادل الجمهوريون والملكيون الجوانات عوض أن يتبادلوا القذائف والرصاص. الحشيش والهجرة السرية والسمك ليست كل شيء. الإسبان يشبهون سكانا جاؤوا من كوكب آخر ويحاولون اكتشافنا، مع أن نصفهم يحمل نفس فصيلة دمائنا، وملايين المغاربة يحملون نفس فصيلة دمائهم، والفضل طبعا لثمانية قرون من أيام الأندلس المجيدة. أكثر الناس جهلا بالواقع المغربي هم الصحافيون، يعني الفقيه اللي كنا نترجّاو بركتو دخل للجامع ببلغتو. وفي الصحف الإسبانية لا يزال الكثيرون يسمّون الشعب المغربي بالشعب العلوي، وهم في ذلك لا يفرقون بين نسب أسرة ملكية وبين شعب ينتمي إلى مئات القبائل والأصول. بل هناك صحافيون إسبان «علماء» أكثر من اللازم يسمون مطار محمد الخامس مثلا بالمطار العلوي، أو ميناء طنجة بالميناء العلوي. حتى النرويجيون الأكثر بعدا عنا لا يقومون بهذا الخلط العجيب بين نسب عائلة حاكمة وبين شعب اسمه الشعب المغربي. حتى الصحافيين الذين يشتغلون بالمغرب يبدو أنهم يعانون من ذهان مزمن. ومرة كانت مراسلة لإذاعة إسبانية شهيرة تجلس في مطار مغربي في انتظار رحلة لمجموعة من الصحافيين الأجانب والمغاربة نحو كلميم، وكانت قربها صحافية فرنسية تتحدث الإسبانية وصلت لتوها إلى المغرب، فتكلفت الصحافية الإسبانية بوصف المغاربة بكل الشتائم الممكنة والصفات المريضة، ثم صعدت الطائرة وهي تسلم على صحافيين مغاربة كأنهم أصدقاء أعزاء. يا له من نفاق مرعب. ومرة كان صحافي إسباني يمر في شارع محمد الخامس بالرباط، وكان قربه متسول يطلب صدقة بصوت مرتفع، فانقلب نحوه وصرخ فيه غاضبا: انظر.. لا تطلب مني صدقة.. جيوبي خاوية. هذا الصحافي العجيب اعتقد أن ذلك المتسول خرج إلى الشارع خصيصا من أجل الحصول على صدقته، وأن المتسول سيعقد ذلك المساء ندوة صحافية يعلن فيها اعتزاله التسول لأن الصحافي الإسباني لم يتصدق عليه. الإسباني الوحيد الذي يبدو أنه فهم المغرب أفضل هو إيناسيو سيمبريرو مراسل «إيل باييس»، لأنه في حوار له مع «لوسوار» ظهر أنه بدأ يفرق بين المخزن وبين جهاز الديستي. هذا بالفعل إنجاز كبير، لأن إسبانا كثيرين يعتقدون أن كلمة المخزن تعني «الشرطة الدينية»، تماما مثل تلك الموجودة في السعودية.