أشعر كإنسان عربي ومسلم بالمهانة وأنا أتابع احتفالات الشماتة والافتخار، من قبل زعامات أو مواطنين يقولون إنهم من أبناء جلدتي وينتمون إلى عقيدتي، بقبول النظام السوري للمبادرة الروسية، المطبوخة بمساعدة أمريكية على هامش قمة العشرين في سانت بطرسبرغ، بتسليم مخزون بلاده من الأسلحة الكيماوية لتجنب عدوان عسكري أمريكي. شعرت بالمرارة نفسها والهوان نفسه وأنا أرى حكومات عربية، وخليجية على وجه الخصوص، تشعر بخيبة أمل عظمى بعد تراجع احتمالات العدوان الأمريكي وتمارس كل أنواع التحريض المرفوق بالمغريات المالية، ضد هذه الصفقة التي منعت هذا العدوان على بلد عربي شقيق كان يمكن، لو حدث، أن يؤدي إلى قتل الآلاف من السوريين وأن يتطور إلى حرب عالمية ثالثة. معظم الحكومات العربية، ولا أقول الشعوب، صفقت بحرارة لتدمير أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية وتفكيك برنامجه الكيماوي الطموح على يد المفتشين الدوليين، وتبين لاحقا أن معظم هؤلاء كانوا عملاء لأجهزة المخابرات الغربية، والأمريكية منها على وجه الخصوص، ورأت في هذا التدمير انتصارا لها وتنفيسا لأحقاد زعمائها تجاه العراق ورئيسه، وهي التي كانت تستخدم عبارات ممجوجة وسمجة في كل بياناتها تطالب بالالتزام بالفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة والتعاون مع فرق التفتيش الدولية، ولعلنا نرى العبارات نفسها في الأيام والأسابيع المقبلة تتكرر في ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية السورية، إذا ما قدر لهذه المبادرة/الصفقة أن تنجح. الباكستان تملك أسلحة نووية، وكذلك جارتها الهند، وإيران على وشك صنع رؤوس نووية، وإسرائيل تملك أكبر ترسانة من الأسلحة الكيماوية والنووية في المنطقة، أما نحن كعرب فممنوع علينا أن نملك أيا من هذه الأسلحة، وإن تجرأنا على امتلاكها، كقوة ردع، فالمؤامرات التي تحاك في الغرف السوداء جاهزة لتوفير الذرائع والحجج لتدميرها. أسلحة الدمار الشامل العراقية لم تدمر لأن النظام استخدمها ضد شعبه، ومن المفارقة أنه عندما استخدمها في حلبجة الكردية أو في الحرب ضد إيران، لم تعترض الولاياتالمتحدة رغم علمها بهذا الاستخدام مثلما أشارت إلى ذلك وثيقة أمريكية جرى الإفراج عنها مؤخرا، وإنما جرى تدميرها لأنها تشكل خطرا على إسرائيل، وإسرائيل فقط. الشيء نفسه، والعذر نفسه، يتكرر هذه الأيام، أي الخوف على إسرائيل وأطفالها ومستوطنيها من استخدام الأسلحة الكيماوية السورية في أي حرب قادمة، سواء من قبل النظام في لحظة يأس، ومن منطلق خيار شمشون، علي وعلى وأعدائي، أو من قبل الجماعات الجهادية التي يمكن آن تسقط في يدها أو تمرر إليها بطريقة أو بأخرى. الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما هدد بضربة عسكرية لسورية وحشد خمس مدمرات في البحر المتوسط تحمل كل واحدة منها 45 صاروخ توماهوك، وأقدم على هذا التهديد من أجل معاقبة النظام السوري بتهمة استخدامها ضد شعبه في غوطة دمشق الشرقية، وبمجرد آن التقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيط النوايا الأمريكية الحقيقية من حشد هذه القوات، أي تجميد الأسلحة الكيماوية السورية حماية لإسرائيل، تقدم بمبادرته لنزعها، وجاءت الموافقة الأمريكية سريعة وتراجعت بالتالي احتمالات العدوان الأمريكي. لا إشارة مطلقا في كل البيانات الأمريكية الأخيرة إلى ضرورة عقاب الرئيس السوري ولا حديث مطلقا عن مجزرة الغوطة الدمشقية الشرقية، ولا أي ذكر لتحديد الجهة التي استخدمت الأسلحة الكيماوية. طالما أن إمكانية الاستيلاء على المخزون الكيماوي السوري قد تحققت دون قوات مناورات الأسد المتأهب في الأردن، أو القصف الجوي والصاروخي، وطالما أن إسرائيل باتت في مأمن وترسانتها العسكرية النووية والكيماوية في تضخم مضطرد فلتستمر الحرب الأهلية في سورية، وليستمر سفك الدماء بالأسلحة التقليدية. عار علينا كعرب أن نتحول إلى أضحوكة ونموذج في الغباء، وفريسة سهلة لكل الدول الطامعة والغادرة، واللوم كل اللوم يقع علينا، نحن الذين ارتضينا أن نستمر في هذا الوضع المهين.