استعمل الفراعنة البصل في تحنيط موتاهم، واستعمل كمصدر يمنح الطاقة لعمال بناء الأهرامات. وهو من أقدم الخضر التي عرفها الإنسان، ينبت في كل بقاع العالم و يتحمل الطقس البارد والحار على حد سواء. أما أصوله التاريخية فتعود إلى عصور سحيقة، فقد اكتشف نبات البصل مدونا في «بردية إيبرز» الفرعونية عام 1522 قبل الميلاد، والتي تعد أقدم دساتير الأدوية، وقد سميت باسم جورج إيبرز، عالم الآثار الألماني الذي اشتراها من أعرابي كان قد وجدها بين ركبتي مومياء مدفونة في إحدى مقابر طيبة، كما عثر الأطباء على بصلتين في جثة رمسيس الثالث، الأولى كانت موضوعة في تجويف العين والأخرى تحت الإبط الأيسر. وكان البصل من الحصص اليومية التي تصرف لعمال بناء الأهرامات لمنحهم القوة والصحة لاستكمال البناء. كل هذه المعطيات التاريخية تدل على أن للبصل فوائد جمة اكتشفها الإنسان منذ القدم. تشترك الخضر في كثير من العناصر، ويمتاز بالمقابل كل نوع منها بميزة غذائية وطبية معينة. والبصل الأحمر أحد هذه الخضر، التي يعرف الجميع أنها تسيل دموع ربات البيوت. وهو لا يستعمل كخضرة أساسية في الطبخ العربي، وإنما كخضرة ثانوية لتنويع الطبق، لكنه يستهلك طازجا على شكل سلطات، واستعماله طازجا أهم من استعماله مطبوخا. ويستحسن أن يستعمل البصل الأحمر كخضرة أساسية، بمعنى يجب استهلاكه بكثرة. أما فوائد البصل فعديدة، ولا ننسى أن نذكر أننا نتكلم عن مواد غذائية، فالبصل أصلا يستعمل للغذاء وليس للتداوي، وقد كان يوصف قديما لخفض الحمى، وما أضافه العلم الحديث الذي برهن على هذه النتائج، هو تشخيص المركبات الكيماوية النشيطة فيه مثل السولفيدات، وهي عبارة عن زيوت طيارة تحتوي على مركبات الكبريت الطيارة المسؤولة عن تهييج إفراز الدموع، كما يحتوي البصل على مادتي الفولاسين والكليكونين اللتين لهما مفعول تنشيط الأنسولين بالنسبة للمصابين بداء السكري. هذه هي العناصر التي ينفرد بها البصل عن باقي الخضر، بالإضافة إلى مادتي الدياستيز Diastase والأوكسيديز Oxydase، وهما مادتان ملينتان للجهاز الهضمي ومقويتان للأعصاب. ويحتوي أيضا على حمضيات عضوية قوية، حيث نلاحظ مذاقه الحامضي، إذ تساعد هذه الحمضيات على الهضم، لأن أنزيم البيبسين يعمل تحت حموضة عالية، ويساعد كذلك على تطهير الأعضاء من المواد السامة، خصوصا على مستوى الكبد والطحال والمرارة والكلية. ولا نعني بهذه المعلومات وصف علاج لهذه الأعضاء، حتى لا تتخذ كوصفات أو خلطات، لكننا نتكلم عن التغذية واستهلاك البصل كمادة غذائية بكمية جيدة، وبطريقة صحيحة. ويدخل البصل ضمن لائحة الخضر والمواد التي تساعد على كبح سرطان البروستات، كما يمنع تكون الكوليستيرول في الدم، ويساعد على التخلص من الاضطرابات البولية، خصوصا عند الأطفال. ولا تخلو هذه الخضرة من الفلافونويدات والبوليفينولات، التي تمتاز بها المواد النباتية، ومن جملتها مركب الكويرستين Quercitin المعروف بخاصيته ضد الربو، ولذلك يساعد البصل المصابين بالربو، ويستعمل كذلك كغذاء نافع للمصابين بالحساسية، واستهلاكه طازجا يفيد أكثر من استهلاكه مطهوا. إذ تعمل مادة الكويرستين مع المركبات الكبريتية الطيارة، بقوة مع بعضها على تنظيف الجهاز التنفسي وتحد من السعال والكحة، وتفتح المسالك التنفسية العلوية. ولو أن هناك مواد غذائية أخرى أقوى من البصل، إلا أن استهلاك البصل بكمية جيدة يساعد كذلك على محاربة هذه الأعراض، فهو يدخل في لائحة الأغذية التي تساعد الأشخاص الذين يعانون من هذه الأعراض. أما أنواع البصل فهي كثيرة وتختلف حسب المناطق وكذلك بعض العوامل البيئية، ولو أن هذه الأنواع تختلف في اللون والحجم والمذاق والشكل، إلا أن المكونات تقترب من حيث الطبيعة والتركيز. ويبقى النوع المفضل هو البصل الأحمر، خصوصا المسطح منه، وهناك أيضا البصل الأصفر والأبيض. وقد مال المنتجون إلى البصل الأصفر نظرا للمردودية العالية الناتجة عن الشكل الضخم الذي يأخذه هذا النوع، رغم أننا لم نكن نعرفه في القديم. وتناول البصل طازجا أحسن من تناوله مطهوا، حيث تكون الاستفادة منه أكبر عندما يستهلك طازجا. وبما أنه يحتوي على أنزيمات عديدة منها الدياستيز والأكسيديز وأنزيمات أخرى، فطبخه يؤدي إلى إتلاف هذه المكونات الهائلة، ولذلك يستحسن أن يستهلك طازجا، ولا ننصح باستهلاكه على معدة فارغة، حيث قد تؤذي الحموضة بعض الأشخاص الذين لديهم بعض الالتهابات في المعدة. والحمضيات العضوية تساعد على تنظيف الأعضاء مثل الكبد والكلية والطحال، لكن هذه الخصائص التي ذكرنا لا تعمل بدون تحديد نظام غذائي شامل، فهذه المعلومات قد توحي ببعض الاستعمالات، لكن ليس بالسهولة التي يظن الناس. وإنتاج البصل سهل للغاية ومردوديته مضمونة، ولا يعاني منتوج البصل في جل الدول المنتجة من أي مرض، وحتى بعض الفطريات التي تفسد البصل أثناء التخزين لا تصيب المستهلك، حيث تبقى مردوديته عالية. والغريب أن البصل قد ينبت بدون تربة ويخرج أوراقه، إذ يمكن أن يخرجها وهو معلق في البيت، إلا أنه بالمقابل خضرة عنيدة، لأنها لا تنتج في غير موسمها، ولو في الدور الزجاجية أو في مكان آخر، فالبصل يخرج فقط في موسمه، أما خارج هذا الموسم، فنحن نأكل بصلا مخزنا، وهو يخزن في مناخ جاف بعيد عن المدن الساحلية. وليست للبصل أي أضرار إطلاقا، فقط يجب ألا يستهلك على معدة فارغة لأن حموضته شديدة، وليست له أي آثار جانبية، وننصح النساء بعدم الانسياق وراء النكهة وجمالية الأطباق المطبوخة، فبعض النساء يقبلن على طهي البصل الأبيض رغم أنه نادر، وبعضهن لا تحب البصل الأحمر، لأنه يأخذ لونا أزرق أثناء الطبخ، رغم أنه هو الأهم في التغذية السليمة. ولتفادي سيلان الدموع أثناء تقشير البصل يمكن تقشيره تحت الماء. والبصل لا يحفظ في الثلاجة، لأن المواد الطيارة الموجودة فيه تمتصها المواد الغذائية الأخرى المتواجدة في الثلاجة، وعلى رأسها اللحم والحليب، أما خارجها، فلا خوف على البصل، ويمكن أن يبقى مقشرا، لأنه لا يحتوي على مواد تتأكسد مثل البطاطس والخرشوف التي تأخذ لونا يميل إلى الأسود بعد التقشير.