كانت لالة صفية ولية أهل الشرق في زمن كان فيه جزء كبير من الجزائر تابعا للنفود الترابي المغربي، خاصة في القرن الخامس عشر الميلادي.. لكنّ الحدود بين المغرب و الجزائر حكمت على الولية الصالحة بالانتماء إلى الجارة رغم الأصول المغربية المتجذرة، بينما دفن أشقاؤها في المغرب. وُلدت صفية حوالي 1510 ميلادية في منطقة بالقرب من مدينة فكيك، ويرجع أصل والدتها إلى أحلاف «تيوت» في التراب الجزائري حاليا، وكان والدها من الأعيان الذين عُرفوا بإتقان فقه اللغة وأمور الدين، حيث عاش فترة طويلة من حياته في بوذنيب. نشأت الطفلة في فضاء يشعّ علما، فتعلمت كإخوتها على يد والدها الشيخ سليمان، الرّجل الصّوفي الشهير، تعاليم الطريقة الشاذلية. شاءت الصّدَف أن يتردّد شخص يدعى سيدي عبد الرحمان بن موسى على بيت والدها سيدي سليمان، فأخذ عنه الطريقة الشاذلية، وصار له تلميذا، قبل أن يمنحه اعتمادا مكتوبا يمكّنه من تعليم القرآن والفقه والتصوّف في فكيك وبني ونيف وبني مطهر وفي المناطق الحدودية الآن. وحين أصبح سيدي عبد الرحمان صديقا للعائلة، طلب يد للا صفية من والدها سيدي سليمان، فاشترط عليه شيخه الإدلاء بوثيقة تثبت نسبه.. حينها، رحل ليلا إلى منطقة تدعى صفيصفية للحصول على الوثيقة التي تثبت صفته ك»شريف»، ولمّا أثبت نسبه نال الموافقة وتزوج من لالة صفية. ولمساعدة الزوجين أهداهما سيدي سليمان قطيعا من الماشية، حسب «سيرة البوبكرية» لخليفة بن عمارة.. وتذكر رواية أخرى أنّ سيدي أحمد بن يوسف الملياني، شيخ سيدي سليمان بن أبي سماحة وسيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي، هو الذي زوج الشابة صفية لسيدي عبد الرحمن بن موسى، المتحدر من وليّ يرقد في أعلى جبل عمور ويدعى سيدي محمد بن أبي العطاء، وهو الجدّ السادس لسيدي يحيى بن صفية. توفي الزّوج سيدي عبد الرحمن بعد سنوات قليلة من الارتباط بلالة صفية، إثر مرض لم يُمهله طويلا، وتحديدا في سنة 1539 ميلادية، وعمرها لا يتجاوز ثلاثة عقود، حينها تكلفت برعاية أبنائها الأيتام سيدي يحيى وسيدي أحمد، ثم سيدي موسى، لأنها كانت تنجب الذكور فقط.. بعد موت أبيهم، حمل الأبناء اسم «أولاد لالة صفية»، وجاء نسبهم لها لقدْرها العظيم عند ساكنة المنطقة، «ولأنها كانت من الصّالحات القانتات، فظهرت على يدها كرامات»، حسب المصدر ذاته. ولأنّ الأبناء عاشوا حياة اليُتم بعد وفاة والدهم، الذي تركهم صغارَ السن يعيشون في كنف أخوالهم، فقد أصبح كل ابن مقرونا باسم والدته، على غرار سيدي يحيى بن صفية. كان والد لالة صفية، سيدي سليمان بن أبي سماحة البوبكري الصديقي، جامعا لقبائل الزوي الذين ينزلون بمناطق متعدّدة من الجزائر والمغرب الأقصى، منهم من دفن في الجزائر ومنهم من دفن في المغرب، مما جعل سلاسة الشيخ تجمع شعبين وتوحّدهما حول مزارات ما زالت شاهدة على دور التصوّف في تقريب الرّؤى.. عاش سليمان بن أبي سماحة، والد صفية، متنقلا بين بوذنيب في المغرب الأقصى وتلمسان في الجزائر، وعُرِف بتدريس اللغة والعلوم الإسلامية والتصوف، داعيا إلى حرمان الجسد وقهره بالانقطاع إلى العبادة. وهو ما جعل زاويته في جبال تلمسان موضعَ استقطاب لمريده من المغرب والجزائر على حد سواء، قبل أن تفصل بين المريدين حدود وهمية.. ظهرت كرامات عديدة على يد لالة صفية، مما يدلّ على ولايتها وتقرُّبها من الله عزّ وجل، وكان بيتها مقصدا للأيتام والمحتاجين الذين يتبرّكون بها، وحين توفيت -في حدود 1585ميلادية- تحولت إلى مزار لكثير من المغاربة والجزائريين، الذين ظلوا يعتقدون أنها تشفي الأطفال.. كما ارتبطت في الثقافة الشعبية بمساعدة زوار ضريحها على إنجاب الذكور، ربما لأنها أنجبت ثلاثة أولياء صالحين، يرقد اثنان منهم في التراب المغربي. دُفِنت لالة صفية مرّتين، ففي أول الأمر بنيّ لها قبر قرب صفيصيفة، جنوب شرق الجزائر، بالقرب من «العين الصفرا»، غيرَ بعيد عن فكيك، وتم نقل الرّفات إلى «تيوت» من طرف أهل الأحلاف، بعد صراعات بين أحلاف تيوت وسكان صفيصيفة، فكل طرف يطمع في بركات الولية..