أما شامة فلما رماها عيروض في وادي الطودان وقعت لها عجائب وغرائب مع العمالقة الذين أمسكوا بها و ذهبوا بها إلى ملكهم، فأخذتها ابنته صادقة لمساعدتها في خدمة إلاههم فأحسنت نظافة المكان وحظيت عندها بالقبول، واعتنت بها غاية العناية. أما ما كان من أمر سيف في وادي الغيلان فقد قصد شجرة عالية وتعلق بها حتى بقي في أعلاها وعرف الغيلان رائحته فاجتمعوا تحت الشجرة ينتظرون سقوطه لالتهامه.. ثم نظروا إلى بعضهم البعض وتكلموا بكلام لا يفهمه عاقل و لا لبيب إلى أن ظهرت زعيمتهم غيلونة وهي عجوز شمطاء و طلبت منهم الانصراف فأطاعوها في الحين. وأعطت سيف الأمان على نفسه فنزل من الشجرة ثم قصت عليه قصة الغيلان وسبب وجودهم في هذا المكان وكيف سمي الوادي باسمهم منذ قديم الزمان، إلى أن وصلت إلى ذكر مجيئه وأنه يطهر هذا الوادي منهم بواسطة ريش الديك السحري، وأرشدته إلى الطريقة التي يحصل بها عليه، ثم رافقته غيلونة تطعمه إذا جاع وتحرسه إذا نام وإذا تعب تحمله.. فلما طاردته الغيلان كان يسحب ريشة من ذلك الديك فيرميها عليهم، فإذا هي حربة ذات شرر ونار وكل من أصابته ريشة يموت لحينه وساعته، حتى قضى على جميع الغيلان. أما ما كان من أمر شامة فقد أنجبت ولدا سمته دمر وفي يوم من الأيام دخل الملك القبة فوجدها تضرب الكبش فقرر إعدامها في الحال.. وبينما كانوا يهمون بذلك وصل سيف وغيلونة وخلصاها من الموت، لكن جند الملك قيمر قبضوا عليهم وجعلوهم جميعا في الأسر، ففرحت شامة باجتماعها مع سيف و قدمت له ولده «دمر»، وبينما هم كذلك في أسر وضيق حتى نزلت عاقصة وخلصتهم من الأسر و حملتهم جميعا وطارت بهم بعيدا .. أما ما كان من أمر قمرية فإنها لما علمت بما حصل لابنها سيف وكيف تخلص من الغيلان أمرت عيروض برميه مرة أخرى في مكان خطير، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود هو وادي السحرة، فرماه في جبل عال فالتقى بشيخ دنس الثياب طويل الأظافر والأسنان شنيع المنظر كريه الرائحة، وكان اسمه برنوخ الساحر فلما رأى سيف دمدم عليه وعزم وأرسل عليه أبوابا من السحر، فصار لا يستطيع حراكا .. ثم ذهب واختفى غير قليل من الزمان وعاد وأخبر سيف بإيمانه، وفكه من سحره .. وحاولوا الخروج من بلاد السحرة، إلا أن السحرة الثمانين حاربوهم حتى كادوا يهلكوهم لولا تدخل عاقصة.. وسار برنوخ إلى جبل قرب حمراء اليمن واستخدم سحره في مرض قمرية وعقابها على ما كان منها.. أما قمرية فقد طلبت من الحكيم سقرديس أن يعالجها من دائها ويبطل أثر سحر برنوخ عليها .. لكن قمرية رغم مرضها أمرت عيروض برمي سيف في جزيرة بعيدة، فقام بذلك، ولما تمشى فيها سيف قليلا رأى صيادا يصطاد سرطانا نادرا به عشرة ألوان، ويبادله مع التجار مقابل ما في مركبهم من بضائع وأموال، فلما سأله عن نفعه قال له إنه يسحق بماء الورد وتتكحل به العين فتستعيد البصر في الحال .. وأعطاه الصياد سرطانا فربطه إلى لباسه، ولما قدم التجار إلى الجزيرة سافر معهم على وجه البحر، فقذفه البحر في فم الهايشة، ثم صار الموج يتقاذفه إلى أن وصل إلى البر، ووجد مدينة كبيرة والرؤوس معلقة على الأخشاب وعندما سأل عن السبب قال له شيخ كبير إن ابنة حاكم المدينة قد كف بصرها، و إن أباها وعد كل من يداويها بأن يقاسمه الملك و يجعله وزيرا و يزوجها له، وإذا عجز قطع رأسه وعلقه، فتقدم إليه وقال له: أنا حكيم لقد أتيت لأداوي ابنة الحاكم.. فقدمه في الحال إلى الحاكم، فأمر بإيقاد النار وفك السرطان من لباسه وكسر منه قطعة وأحرقها في النار وسحقها ونقط عليها من ماء الورد، وأخذ بالميل و كحل عينيها فصرخت صرخة عظيمة، ولما أفاقت من غشيتها و دعكت عينيها فوجدت نفسها تبصر، فلما رآها أبوها على تلك الحال فرح فرحا شديدا، وأعطى سيفا المال و النوال.. وإذا عيروض قد حضر في تلك الساعة ليحمل سيف بن ذي يزن عائدا به إلى مدينة حمراء اليمن، وكان كل ذلك بفعل الساحر برنوخ الذي حصل على لوح عيروض من قمرية وأرسله في طلب سيف بن ذي يزن..