سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاستقبال الملكي.. بين التحكيم والإخبار والصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة السليمي: استقبال الملك لشباط لا يعتبر تحكيما بل مسارا تكميليا لشرح قرار الحزب
بلقاء ملك البلاد يكون الأمين العام لحزب الاستقلال قد خطا خطوة مهمة في اتجاه تفعيل قرار المجلس الوطني للحزب، القاضي بالخروج من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية. الاستقبال الملكي، وإن لم يحسم في مستقبل حزب الاستقلال في الحكومة، فإنه شكل مكسبا سياسيا للأمين العام الجديد، بعدما شكك بعض قياديي حزب العدالة والتنمية في حديث الاستقلاليين عن وجود اتصال ملكي مع الأمين العام للحزب عقب اتخاذ قرار الانسحاب. بلاغ الديوان الملكي كان واضحا في هذه النقطة، وقال إن «هذا الاستقبال يأتي عقب تدخل جلالة الملك، نصره الله، بشأن قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة.»، مضيفا أن «الأمين العام لحزب الاستقلال سلم لجلالة الملك، حفظه الله، خلال هذا الاستقبال، المذكرة الموجهة إلى العناية المولوية السامية من طرف أجهزة الحزب». تحليل مضمون هذا البلاغ يقودنا إلى طرح السؤالين التاليين: هل استقبال الملك للأمين العام لحزب الاستقلال جاء في إطار ممارسة المؤسسة الملكية لصلاحياتها التحكيمية المنصوص عليها في الفصل 42 من الدستور؟ أم أن هذا الاستقبال لا يعدو أن يكون إلا إبلاغا رسميا للمؤسسة الملكية بقرار الحزب وأسبابه؟ قراءة نص البلاغ، وخاصة الفقرة الأخيرة منه، لا تشير إلى أن الاستقبال جاء في إطار مهام التحكيم، وهو ما يجعل تقديم الأمين العام للحزب للمذكرة التفسيرية في موضوع الانسحاب لا يعدو أن يكون إلا من باب الإخبار، خاصة أن التحكيم يقتضي حضور طرفين متنازعين للفصل بينهما، أي حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية، وهو ما لم يتم لحد الآن. عبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية، حلل الاستقبال الملكي بالتأكيد على أنه «لا يعتبر تحكيما ولا يمكن تكييفه بأنه بداية تحكيم، بل يندرج ضمن مسار تكميلي لشرح أسباب اتخاذ قرار الانسحاب من الحكومة، فالمذكرة التي قدمها أمين عام حزب الاستقلال للملك هي مذكرة شارحة لأسباب الانسحاب وليس مذكرة لطلب التحكيم، وليس هناك ما يفيد صراحة في تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال أنه طلب بطريقة مباشرة تحكيم الملك في نزاع حزب الاستقلال مع رئيس الحكومة». ويوضح السليمي أن «الفصل 42 الذي يشير إليه حزب الاستقلال لا يتضمن التحكيم وحده وإنما هناك مقتضيات أخرى منها «حسن سير المؤسسات»، والتدخل الملكي الأول بعد إعلان حزب الاستقلال قرار الانسحاب يدخل ضمن هذا المقتضى وهو ما يفسر عدم سحب حزب الاستقلال لوزرائه آنذاك». وحسب المحلل السياسي ذاته فإن «شروط التحكيم لازالت غير موجودة فالنزاع هو بين حزبين وأحيانا بين حزب ومؤسسة رئيس الحكومة، ويمكن أن يصبح نزاعا يمس بالسير العادي للمؤسسات في حالة واحدة تتمثل في إعلان حزب الاستقلال سحب وزرائه من حكومة بنكيران، آنذاك تصبح أحد شروط التحكيم قائمة لأن الأمر آنذاك سيكون أزمة داخل مؤسسة دستورية هي الحكومة». وأضاف: «التحكيم الملكي –حسب ما يفيده التاريخ الدستوري المغربي- يكون بطلب مباشر وليس بالإحالة على نص دستوري يتضمن صفات دستورية متعددة للملك منها التحكيم والتمثيل الأسمى للأمة ورمزها». تحليل منار السليمي للاستقبال الملكي، واعتباره خطوة تكميلية لشرح قرار حزب الاستقلال ونفيه لارتباطه بالمهام التحكيمية للملك، يؤكده أيضا محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية، الذي يرى أن هذا الاستقبال يمكن أن يندرج ضمن المهام الرئاسية للملك باعتباره رئيسا للدولة، لأن التحكيم يقتضي وجود طرفين أساسيين للتحكيم فيما بينهما، وهو ما لم يحصل بالنسبة لبنكيران وشباط. ويسجل زين الدين في هذا الإطار أن ما آلت إليه الأمور يقتضي تدخلا ملكيا لأن هناك وضعية اقتصادية صعبة ومتأزمة ووجب أن يتدخل الملك باعتباره رئيسا للدولة، والاستقبال يدخل ضمن مهامه كرئيس للدولة وليس المهام التحكيمية، لأن الفصل 42 فيه مجالات متعددة وليس فقط التحكيم، حيث يتحدث عن التحكيم في أربعة مجالات أساسية، لكن هناك مجالات أخرى تتضمن صلاحياته كرئيس للدولة. لكن العنوان العريض لهذا الاستقبال، حسب المتحدث ذاته، هو «شهادة سلبية قدمها شباط للملك لحصيلة عمل حكومة عبد الإله بنكيران بعد مضي سنة ونصف لهذه الحكومة، وهي شهادة جاءت من حزب في الحكومة وليس من المعارضة، وهذا في حد ذاته ليس بمسألة سهلة، وحتى الاستقبال يحمل دلالات مهمة ولم يحضر فيه أي من مستشاري الملك حتى لا يتم تأويله خارج هدفه الحقيقي الذي يدخل في السلطة الرئاسية». وأبرز زين الدين أن «من يتأمل الملاحظات ال19 التي قدمها حميد شباط في المذكرة التفسيرية التي قدمها للملك تتمحور كلها حول نقطة مركزية وهي توجيه النقد لرئاسة الحكومة وليس الحكومة كمكونات، وهذه نقطة مهمة وبالتالي تحليل شفرة تلك المذكرة تؤكد توجيه النقد للعمل الحكومي في شخص رئاسة الحكومة». لكن سيناريوهات الحل استنادا إلى تحليل المحلل السياسي محمد زين الدين، بدأت تتقلص بشكل كبير بالنسبة للطرفين معا، وهامش التحرك بدأ يتضاءل بالنسبة لهما، فالتصريح الذي أدلى به شباط يذهب في اتجاه الخروج، بعدما قال إن الصورة اكتملت وسنفعل القرار، ولكن السؤال هو حول ما بعد الخروج. وفي هذا الإطار، يرى زين الدين أن إجراء انتخابات سابقة لأوانها مستبعد جدا، في الوقت الذي يبقى فيه سيناريو حكومة أقلية حاضرا، كما أن البحث عن حلفاء آخرين سيكون إجباريا بالنسبة للعدالة والتنمية ويبقى السيناريو الذي يمكن أن يحصل هو إجراء تعديل الحكومي، لأنه حتى ولو ذهب بنكيران للبحث عن حلفاء آخرين، فلن يعوض نفس القوة التي يمثلها الاستقلال، لأن ذهاب الأخير للمعارضة سيصعب المهمة على الحكومة. ومن جهته يضع منار السليمي سيناريوهين يتمثلان في الانسحاب أو البقاء في الحكومة مع إجراء تعديل فيها، «غير أنه في السيناريوهين معا يبدو أن «شباط» و«بنكيران» باتا يفكران بمنطق التوازنات، فتكلفة الاستقلال بمغادرته الحكومية قد تكون مرتفعة لأن «حميد شباط» سيكون مطالبا بتحمل تكلفة العديد من الاستقلاليين الموجودين اليوم في مواقع حكومية وإدارية مرتبطة بدخوله الحكومة». وفي مقابل ذلك فاستمراره في الحكومة، أي حزب الاستقلال، بدون انتزاع مكتسبات أقلها تعديل حكومي سيضعف الحزب وأمينه العام، أما بالنسبة للعدالة والتنمية فسيكون انسحاب الاستقلال مكلفا لأنه سيدفع الحزب إلى البحث عن حليف جديد والتنازل لهذا الحليف الذي من المرشح جدا أن يكون هو حزب التجمع الوطني للأحرار. فانسحاب حزب علال الفاسي، حسب منار السليمي، سيكون له أثر على حزب العدالة والتنمية على عكس ما يروج له بعض القياديين بأنهم مستعدون للذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها. وخلص السليمي إلى أن العدالة والتنمية ورغم تصريحات قياداته فإنه لن يكون قادرا على المغامرة بالذهاب إلى الانتخابات، لأنه يعرف جيدا بأن تدبيرها سيكون فيه صراع كبير هذه المرة مع توسع قاعدة المنخرطين وتزايد الطامحين في الدخول إلى البرلمان من الحزب، إضافة إلى طموحات الاستوزار، فالعدالة والتنمية، يضيف السليمي، «لم يعد كما كان سواء في التنظيم أو الشارع، لهذا فالأيام المقبلة قد تحمل انسحاب الاستقلال وقد تحمل بقاءه وفي الحالتين معا سيكون المغرب مقبلا على تعديل حكومي قريب». وفي انتظار التعديل الحكومي، سواء بخروج الاستقلال من الحكومة ودخول حزب أو أحزاب أخرى، أو أيضا بتعديل حكومي داخلي يضع حدا لحالة الصراع بين العدالة والتنمية والاستقلال، يبدو أن الساحة السياسية مقبلة على حلقة جديدة من حلقات إثبات الذات في إطار توازن القوى داخل الائتلاف الحكومي، وما سيفرزه من تفاعلات قد تؤدي إلى إعادة تموقع اللاعبين في المشهد السياسي.