سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغالي: «الجدل حول تأويلات الفصل42 مرتبط بلجوء الاستقلال إلى توسيع إطار التحكيم» طلب التحكيم الملكي مرتبط بوجود «أزمة حقيقية» يعاني منها النظام الحزبي المغربي
طرح لجوء حزب الاستقلال إلى طلب التحكيم الملكي، بعد الضجة السياسية التي أثارها قراره بالانسحاب من الحكومة، عدة تساؤلات لدى المتتبعين والرأي العام، تتلخص في التأويلات المرتبطة بالفصل 42 ومدى دستورية التحكيم، وجدوى هذه الخطوة من الناحية السياسية، وكذا تأثيرها على الاستقرار والتماسك الحكومي. بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 42 نجده يخص المؤسسة الملكية بالاختصاصات التالية: 1- الملك رئيس الدولة، 2- ممثل الدولة الأسمى، ورمز وحدة الأمة، 3- ضامن دوام الدولة واستمرارها، 4- الحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، 5- صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، 6- احترام التعهدات الدولية للمملكة. 7- ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. وعليه استند حزب الاستقلال، حسب الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، على الاختصاص الرابع، الذي يجعل من الملك الحكم الأسمى بين مختلف المؤسسات الدستورية، وبالتالي فإن الجدل الذي أثير في التأويل، مرتبط بكون حزب الاستقلال وسع من إطار التحكيم، ليشمل ليس فقط المؤسسات الدستورية الرسمية، خصوصا في جانب علاقة الحكومة بالبرلمان، أو علاقة الأغلبية بالمعارضة، و لكن ليشمل كذلك العلاقة بين مكونات الأغلبية نفسها، وخصوصا بين الحزبين الأغلبيين العدالة والتنمية، و حزب الاستقلال، هذا من حيث أطراف التحكيم، أما من حيث شروطه فقد دفع حزب الاستقلال بكون الوضعية في نظره فيها «احتباس سياسي»، و من شأن استمرار هذا الاحتباس أن يؤثر على سير المؤسسات وبالتالي استمراريتها. غير أن التساؤل الذي يطرح حسب الدكتور الغالي، هو «هل تم فعلا استنفاد كل الآليات الدستورية الموازية، للجوء إلى التحكيم الملكي كإجراء احتياطي، لحل مشكل وصل فعلا إلى الباب المسدود؟، و لماذا لم يتم التوصل الى حل لإدارة وتدبير الصراع تقنيا أو سياسيا داخل المؤسسات الدستورية الرسمية؟. من جهة أخرى فإن الربط بين الحدث المتمثل في قرار الانسحاب من الحكومة وطلب التحكيم الملكي، قد يدفع لطرح سؤال آخر، يتعلق بما إذا كان الفصل 42، به غموض استغله حزب الاستقلال، خاصة بعد أن اتهمه حزب العدالة والتنمية بالقيام بعملية ابتزاز، وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور الغالي «أنه مهما بلغت درجة الدقة في الصياغة القانونية فإن الباب يبقى دائما مفتوحا على التأويل»، خصوصا بالنسبة للقواعد القانونية التي تنظم مختلف المجالات السياسية التي هي بطبيعتها دينامية، وتكييفها مع الواقع، يحتاج بالضرورة إلى التأويل الذي يتجاوز منطوق النص، إلى الانفتاح على مكونات البيئة الخارجية التي تعطي معاني أخرى، وهنا نشير، يضيف الغالي، «إلى أن الحكومة من خلال برنامجها الذي حظيت بموجبه بثقة البرلمان قد انتبهت إلى هذه النقطة، وتحدثت عن إمكانيات التأويل كآلية سياسية للتكيف والمسايرة، لكن شريطة أن يكون التأويل المعتمد ديمقراطيا، فمن إذن يضمن لنا بأن التأويل سيكون ديمقراطيا وما هي معايير ذلك، خصوصا وأن الممارسة أثبتت بأن الذي يؤول هو من يتحكم في ميزان القوة المؤسساتي بدلالة عاملي الزمن والمكان». والملاحظ أيضا أن ردود الفعل التي أعقبت طرح التحكيم الملكي، جعلت عددا من المتتبعين يعتبرون أن الفصل42 أصبحت له تأويلات حزبية بعيدا عن مضمونه، وربطوا ذلك بمحاولة استغلال الدستور من خلال بوابة التحكيم، لتصريف الصراعات السياسية، في ظل افتقار الأحزاب السياسية المغربية، إلى آليات تدبير الخلاف، في هذا السياق يقول الغالي إن الفاعلين السياسيين يجب «أن لا ينسوا أننا لا زلنا في مرحلة انتقالية بعد دستور 2011»، وهي مرحلة تقتضي «الحفاظ على الحد الأدنى من التوافق الذي لا يجب أن يسقط مرة ثانية الحياة السياسية في الرتابة والجمود، لأن السياسة لا يمكن أن يكون لها مفعول ومردودية، إلا إذا كانت مؤطرة بالتنافس والصراع الإيجابيين بناء على قواعد اللعب الديمقراطية المحددة، حسب الدستور والأعراف والممارسات الدستورية الحميدة»، وأضاف الغالي بأن «النقاشات الجارية اليوم يجب أن تكون قراءتها إيجابية، لأنها تعبر عن طبيعة الثقافة السياسية السائدة، وقراءتها لا تستقيم إلا بتقييمها من خلال الوقوف عند نقط القوة واستثمارها، ونقط الضعف وتجاوزها». وربط الغالي تشبث حزب الاستقلال بالتحكيم الملكي ب«الأزمة الحقيقية» التي يعاني منها النظام الحزبي المغربي، وبالتالي اللجوء إلى التحكيم يعبر عن حالة عجز في التواصل بين الأحزاب المشكلة للأغلبية، رغم أن هذه الأخيرة كانت قد اعتمدت ميثاقا للأغلبية من أجل تقريب وجهات نظرها وجعله أرضية للتحكم في خلافاتها، وقال الغالي إن «آلية التحكيم لا يكون لها مكانة وموضوع إلا إذا عبرت الأطراف موضوع الخلاف، عن نيتها مجتمعة في طلبه لإدارة وتدبير خلافاتها، وهو ما لم يتحقق في الحالة هاته على اعتبار أن الطرف الثاني اعتبر الأمر عاديا»، وممكن حله من خلال المؤسسات الدستورية المشتغلة، وبالتالي حتى لو تم التسليم بفرض التحكيم فإنه سيخلق مشكلا لعدم توافق الطرف الثاني عليه، فالتحكيم لا يكون إلا إذا توافقت عليه الأطراف المعنية بالنزاع مجتمعة. وأكد الغالي أن قرار الانسحاب هو «قرار سياسي» وليس دستوريا على اعتبار أن الدستور في تنظيمه للعلاقة بين مختلف مكونات المؤسسات الدستورية لا يتحدث عن الانسحاب كآلية للتعبير عن عدم الاتفاق أو عدم التفاهم، بل الدستور يحدد آليات أخرى تكمن في تقديم الاستقالة أو التحرك لإثارة مسؤولية الجهة المسؤولة. كما أن طرح التحكيم الملكي انطلاقا من الفصل42 جعل بعض المحللين والمتتبعين يؤكدون بأن الملك يعتبر طرفا في اللعبة السياسية، وبالتالي لا يمكنه ممارسة التحكيم، وهو الرأي الذي يستند لكون التحكيم مقصور على المؤسسات الدستورية، غير أن الدكتور الغالي يؤكد أن الدستور قام بتقسيم العمل بين مختلف المؤسسات الدستورية، خصوصا في مستوى ممارسة العمل الحكومي، وعليه يمكن للملك بالنظر إليه كفاعل استراتيجي أن يلعب ذات الدور في المجالات التي لا يعتبر طرفا فيها، وهو ما يضمنه له الدستور كحكم أسمى وكممثل للدولة والساهر على ضمان استمراريتها، غير أنه شدد على أن الوضع الحالي لم يصل إلى المستوى الذي يمكن من خلاله التدخل مباشرة للقيام بدور التحكيم، كما أن الظرفية تفرض على الفاعلين السياسيين السير في اتجاه الممارسات التي تثمن النقاش داخل المؤسسات الرسمية بدل البحث في جيوب أخرى يمكن أن تخلق الاعتقاد بالتشكيك في المسلسل الذي قطعته المملكة من أجل إضفاء طابع التحديث والعصرنة على طرق إدارتها وتدبيرها، وقال الغالي «يظهر أن المتحول هي النصوص القانونية خصوصا نصوص الدستور، والثابت هو الثقافة السياسية السائدة التي لا تنزع حتى إلى الفردانية بل تنزع إلى الأنانية والشمولية في طرح الرأي أو التصور، حيث أبانت الممارسة بأن الأحزاب السياسية تعاني من فقر على مستوى قيم التقاسم والاعتراف بالآخر». وحذر الدكتور الغالي من قياس مسألة التحكيم بمعيار الغالب والمغلوب من طرف حزب الاستقلال والعدالة والتنمية، وأكد أن هذا الأمر يجب أن يقاس بمدى تأثير الأجواء السائدة على استمرارية واستقرار الأداء المؤسساتي للدولة بمختلف مكوناتها، خصوصا أن الجميع يجتاز مرحلة انتقالية تتمثل في ترسيخ وتفعيل مقتضيات دستور 2011 التي ثمنت دور البرلمان في الحياة العامة للدولة، من خلال اعتباره المشرع الوحيد، ومن خلاله دور الأحزاب، حيث أصبح الملك ملزما بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. وأكد أن استمرار الأزمة سيقود إلى التشكيك في مصداقية الإصلاحات التي تبنتها الدولة، مما قد يقود إلى حدوث ارتدادات ستنعكس على أداء المؤسسات الدستورية واستمراريتها.