يواجه المغرب صعوبات كثيرة في معالجة ملفات اللاجئين وطالبي اللجوء، بسبب مجاورته لأوربا، التي هي عادة المقصدُ الفعليّ للاجئين، فطبقا لميثاق الأممالمتحدة فإنه من حق هؤلاء التحرك إلى دول أخرى إذا لم تحترَم حقوقهم في البلد الأول الذي منحهم حق اللجوء السياسي.. هكذا إذن يفسر المغرب معاناة اللاجئين على أرضه، في نظر المسؤولين، اللاجئون يقولون ذلك حتى يتسنى لهم الانتقال إلى أوربا، وجهتهم المرغوبة. وبين واقع الحال وروايات الأطراف، قصص إنسانية لأطفال يحلمون ب«الإلدورادو» الأوربي.. اسمها كراسيا، سنها البيولوجي لا يتعدى 11 سنة، لكنّ تجربتها «المريرة» في الحياة جعلت منها فتاة تنطق لغة الكبار.. ليست مِثلَ أيّ طفلة ترغب في اللعب والدراسة والاستماع بطفولتها، بل تحلم فقط بمغادرة المغرب نحو إحدى الدول الأوربية، وبالنسبة إليها فالمغرب، الذي تدرس فيه، لا يعدو كونه محطة عبورٍ مفروضة على والدتها وإخوانها.. من خلال الاستماع إلى قصتها يتضح سبب هذه الرغبة الجامحة في مغادرة القارة الإفريقية، فلنتابع قصتها من البداية.. في سنة 2005 وصلت هذه الفتاة، رفقة إخوتها الأربعة ووالدتهم، إلى المغرب، قادمين إليه من دولة الكونغو هربا من جحيم الحروب الأهلية. التحقت كراسيا بمقاعد الدراسة في إحدى مدارس مدينة الرباط، أسوة بقريناتها. لم يكن همّ أسرتها الكونغولية سوى مغادرة المغرب نحو إسبانيا، وهي الرغبة التي دفعت الأم -إلى جانب أبنائها الأربعة- إلى التوجّه نحو مدينة الناضور في محاولة لاختراق الحواجز الأمنية وتنفيذ عملية «حْريك» إلى الديار الإسبانية.. تمكنت الأم من إرسال اثنين من أبنائها إلى إسبانيا عبْر «قوارب الموت» المتخصّصة في «الحْريك»، في حين عادت هي أدراجها رفقة ابنتيها إلى الرباط.. أطفال يحلمون بالإدوادور الأوربي استغرقت هذه الرحلة من العاصمة الإدارية للمملكة نحو الناضور حوالي أربعة أشهر، انتظرت فيها الأم طويلا لإرسال ابنيها إلى إسبانيا، لكنْ من سوء حظ كراسيا أنّ المدرسة الابتدائية التي كانت تدرس فيها رفقة قريناتها من الطفلات المغربيات لم تقبل بعودتها بسبب طول غيابها عن المؤسسة وعدم حضورها لحظة الامتحانات.. فاضطرّت إلى الالتحاق بأقسام «المدرسة غير النظامية» المخصّصة لتأهيل أبناء المهاجرين واللاجئين في المغرب من أجل الالتحاق مجددا بالدراسة في المؤسسات الابتدائية التابعة للوزارة التربية الوطنية. تعلمت كراسيا الدارجة المغربية بفضل إقامتها في المغرب، تقول في حديث مع «المساء»: «أنا بْغيت نمشي عندْ خواتاتي لإسبانيا».. ثم تضيف: «بغيت نمشي لأوربا.. أنا تعطلتْ هْنايا».. هنا تدخل كراسيا في جدال مع مليكة أوختار، المكلفة بالتربية في مؤسسة «شرق -غرب» التي تعنى بالمهاجرين وأطفالهم، التي تحاول أن تقنعها بأنّ مصلحتها هي في البقاء بالمغرب إلى تكمل دراستها الثانوية.. لكن كراسيا تجيبها بحزم: «حتى هناك في إسبانيا يمكنني أن أكمل دراستي!».. قصة كراسيا ليست سوى نموذج من قصص أطفال وأبناء لاجئين سياسيين في المغرب أو مهاجرون يقطنون في المملكة. هي واحدة من ضمن 110 طفلات لاجئات، وواحدة أيضا من ضمن 213 طفلا، باحتساب عدد الإناث والذكور. وللإشارة فالإحصائيات هنا تتعلق فقط بأبناء اللاجئين السياسيين أو طالبي اللجوء وليس كل المهاجرين والمقيمين في المغرب.. فإذا كان المهاجر شخصا يرحل من بلد إلى آخر، سواء بطريقة قانونية أو عن طريق الهجرة السرية ولا يتمتع بامتيازات تخصّ وضعيته القانونية والإدارية، فإنّ اللاجئ هو شخص فرّ من بلده لأنه عرضة للتعنيف، وبعد أن يقدّم طلبا للجوء في مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقوم الأخيرة بدراسة ملفه ويصبح حاملا لبطاقة «لاجئ» مسلمة من طرف المفوضية، تمنحه بعض الامتيازات. يعدّ ملف دراسة أطفال اللاجئين أحدَ أهمّ الإشكاليات التي تؤرّق بال مليكة أوختار، المكلفة بالتربية في مؤسسة «شرق -غرب». يتكرر السيناريو نفسه كل سنة: تسجيل أبناء المهاجرين في المدارس الابتدائية وتتبع تكوينهم وتمدرسهم، وحتى حالاتهم النفسية والاجتماعية.. في كل بداية كل موسم دراسي تُعدّ مليكة أوختار لائحة بأسماء أطفال بلغوا سنّ التمدرس، تقول إنّ عددهم هذه السنة قدِّر بحوالي 40 طفلا. بعد أن تقوم بإرسال هذه اللائحة إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقوم الأخيرة بالتأشير عليها وإعداد رسالةِ توصية من أجل اعتمادها من طرف أكاديمية وزارة التربية الوطنية، وبعد الموافقة النهائية عليها من طرف الجهات المسؤولة، تبدأ رحلة البحث عن عملية توزيع الأطفال على المدارس القريبة من الأحياء التي يقطن بها آباؤهم قبل التحاق هؤلاء الأطفال بمقاعد الدراسة، إلى جانب تلاميذ مغاربة. لا تخفي مليكة أوختار فخرها بالأطفال المتحدّرين من إفريقيا جنوب الصّحراء عندما يتفوقون في دراستهم. تورد كمثال في هذا الإطار الطفلة برنيس، ذات الثمانية سنوات، والتي قدِمت من الكونغو رفقة والدتها هربا من جحيم الحروب وحققت معدّلات جيدة في دراستها الابتدائية. تقول برنيس، في حديث مع «المساء»: «أدرس في السنة الأولى من القسم الابتدائي، أحلم بالرّحيل إلى فرنسا ولا أرغب أبدا في العودة إلى الكونغو، حيث الدمار والحرب».. تقطن برنيس، رفقة والدتها، في حي يعقوب المنصور الشعبي في الرباط، وصرّحت للجريدة بأنها لا تعاني أبدا من أي مشكل مع التلاميذ المغاربة بسبب لون بشرتها أو اختلافها عنهم في القسم، لكنّ هذا لا يمنعها أبدا من الحلم بالرّحيل إلى أوربا. بالنسبة إلى مليكة أوختار فإنه «عندما يتم تسجيل الأطفال في المدارس نسهر على إدماجهم، عبر مراقبة وتتبع محيطهم الدراسي، وحتى الأسَري، إذ يستفيدون حتى من خدمات المشْرف النفسي والاجتماعي في حالات كانوا قد تعرّضوا لاضطرابات نفسية جرّاء التجارب التي مروا بها خلال محطات عبورهم رفقة آبائهم إلى المغرب».. هنا تثير المتحدثة نفسها الانتباه -بفخر- إلى أنّ مديرة إحدى المدارس الخاصة في الرباط قبلت تدريس طفلين من الكوت ديفوار في المرحلة الابتدائية بالمجان، مؤكدة أنّ العمل الميدانيّ الذي تقوم به رفقة العديد من المؤسسات الوطنية والدولية يؤتي أكله. ممنوعون من التسجيل في المدارس هذا الوضع لا يعني، أبدا، أن مليكة أوختار لا تواجه مشاكل في عملية تسجيل أطفال المهاجرين أو اللاجئين. فالإشكاليات القانونية المرتبطة بملف المهاجرين تجعل ملفهم خاضعا لتعامل كل مسؤول أكاديمية تعليمية على حدة. تقول أوختار: «تربط أكاديميةَ الرباط، على سبيل المثال، اتفاقية شراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبالتالي لا نواجه أيّ مشكل في تسجيل هؤلاء الأطفال، لكن على سبيل المثال في أكاديمية الدارالبيضاء اصطدمنا ببعض المشاكل المتعلقة برفض تسجيل حوالي 14 طفلا لاجئين بدعوى عدم توفرهم على وثائق وجوازات سفر».. وتخلص المتحدّثة ذاتها إلى أنّ «الأمر يتعلق هنا بأطفال مكانهم ليس على قارعة الطريق، من أجل استغلالهم في التسول، ولكنْ في مقاعد الدراسة، ولا يعقل، أبدا، منعهم من التسجيل في المدارس تحت أي ظرف من الظروف أو حسب تقدير كل مسؤول».. هنا يصرّح مارك فاو، مسؤول العلاقات الخارجية في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بأنّ «المفوضية مستعدّة لتوقيع اتفاقيات مع وزارة التربية الوطنية من أجل ضمان حق التعليم لأبناء اللاجئين»، مثيرا الانتباه إلى أنّ هذا الأمر لا تمنعه سوى بعض العراقيل القانونية بخصوص الاعتراف بوضعية اللاجئ القانونية في المغربية. وتجدر الإشارة، في هذا الإطار، إلى أنّ القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المملكة وبالهجرة غير المشروعة ينصّ على أنه مع مراعاة الضوابط القانونية المتعلقة بالإقامة فوق التراب المغربي والدخول إليه، تسلَّم بطاقة الإقامة، ما لم يوجد استثناء، إلى «الأجنبي الذي حصل على صفة لاجئ تطبيقا للمرسوم الصادر في 2 صفر 1377 (29 غشت 1957) بتحديد كيفيات تطبيق الاتفاقية المتعلقة بوضعية اللاجئين، الموقعة في جنيف في 28 يوليوز 1951، وكذا إلى زوجه وأولاده القاصرين أو خلال السنة التي تلي بلوغهم سنّ الرشد المدني». كما ينص القانون على أنه لا يمكن اتخاذ قرار الطرد في حق: «المرأة الأجنبية الحامل والأجنبي القاصر». في المقابل، يقول القانون إنه «يتم إبعاد الأجنبي الذي يُتخَذ في حقه قرار الطرد أو الاقتياد إلى الحدود نحو: البلد الذي يحمل جنسيته، إلا إذا اعترِف له بوضع لاجئ، أو إذا لم يتمّ بعدُ البتّ في طلب اللجوء الذي تقدَّم به، ولا يمكن إبعاد أي امرأة أجنبية حامل وأي أجنبي قاصر.. كما لا يمكن إبعاد أيّ أجنبي آخر نحو بلد أثبت أن حياته أو حريته معرضتان فيه للتهديد أو أنه معرَّض فيه لمعاملات غير إنسانية أو قاسية أو مهينة».. ما بين 1965 و2004، كان ملتمسو اللجوء يربطون الاتصال بالبعثة الشّرَفية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الدارالبيضاء، التي تقوم بدراسة ملفاتهم. وعندما تعترف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بحق اللجوء لمُلتمِس لجوء، يقوم المعنيّ بالاتصال بمكتب اللاجئين وعديمي الجنسية لتقديم طلب اللجوء بصفة منفردة.. ولا يعني اعتراف المفوضية السامية بوضعية اللاجئ منح حق اللجوء له بطريقة أوتوماتيكية من طرف الدول. في المغرب، كما في باقي الدول، يدخل إعطاء هذا الحق في إطار السيادة الوطنية. يعترف مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية، في غالب الأحيان، بحق اللجوء لجلّ اللاجئين الذين اعترفت بهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وكان اللاجئون المُعترَف بهم من طرف المفوضية يحصلون على إذن على الحماية القضائية والإدارية من طرف مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية، وكذلك على وثيقة إقامة مؤقتة تمكّنهم من مزاولة الأنشطة المختلفة المرتبطة بالحياة المدنية.. لكنْ منذ بداية سنة 2005، إثر ارتفاع ملحوظ لطلبات اللجوء المُقدَّمة، توقفت السلطات المغربية عن الإدلاء بجوازات الإقامة المؤقتة للاجئين المُعترَف بهم من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. هنا يشير مارد فاو إلى أنه «في انتظار إطار قانونيّ ومؤسساتي وطني، تقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتحديد اللاجئين، في حين أعطى اتفاق المقر الذي تم توقيعه في يوليوز 2007، للمفوضية فرصة توسيع وتطوير مجال أنشطتها لتحسين حماية ملتمسي اللجوء واللاجئين خلال الفترة المؤقتة، التي تنتهي عند تأسيس إجراءات وطنية خاصة باللجوء». اللغة عائق أمام أطفال اللاجئين ليس الإطار القانوني للاجئين هو الذي يطرح إشكاليات أمام تمدرس أطفالهم في المغرب، بل أيضا اللغة والثقافة والاندماج في المجتمع، وحتى تجاوز السن القانونية للالتحاق بالمدرسة.. تشير ملكية أوختار بهذا الخصوص إلى أنّ الأطفال الذين لا يتجاوزون سنّ التاسعة يمكن تسجيلهم في المدارس، أما الذين تجاوزوا هذا العمر فلا يمكن إلحاقهم بالمدارس الابتدائية أو الإعدادية، بل يُحلقون بمدارس التربية غير النظامية، التي تهيئهم للدراسة في ما بعد، ويتم هذا الأمر بتعاون مع جمعيات مغربية تعمل في هذا المجال. وتمثل اللغة العربية أحدَ العوائق التي تواجه أبناء اللاجئين المتحدّرين من إفريقيا جنوب الصّحراء لأنها ليست لغتهم الأمّ، في حين وجبت عليهم الدراسة فيها، ولهذا الغرض تعمل مؤسسة «شرق، غرب» على تمكين هؤلاء الأطفال من حصص الدعم المدرسي في مواد اللغة العربية والفرنسية كل يوم أربعاء بدعم ماليّ من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. تسرد ملكية أوختار قصّة أم كونغولية كانت ترغب في تسجيل ابنها، ذي التسع سنوات، في مدرسة عمومية، لكنه لم يكن يتقن أيَّ لغة، باستثناء الإنجليزية.. لهذا اختارت أمه أن يلتحق بمسالك الأقسام غير النظامية، وفي كل يوم أربعاء كان يأتي إلى مؤسسة «شرق -غرب» من أجل الاستفادة من دروس التقوية والدّعم المدرسيين.. «في هذه السنة كان من ضمن المسجَّلين في لوائح أكاديمية وزارة التربية الوطنية في الرباط بعد أن حصل على نقط مشجّعة وتم إلحاقه بالقسم الثاني ابتدائي»، تضيف ملكية أوختار. في مقابل هذه القصص الناجحة اصطدمت المتحدّثة نفسها بالعديد من القصص التراجيدية. حكاية أداما هي واحدة من هذه القصص، فهذا المراهق توفي والداه أمام في الكوت ديفوار خلال فترة الحرب الأهلية الأخيرة، بين المساندين لحسن واتارا ولوران غباغبو، وعمره لم يكن حينها يتجاوز 15 سنة، قبل أن يرحل إلى المغرب. ومباشرة بعد حصوله على حق اللجوء من المفوضية السامية للاجئين تبنّته أسرة فرنسية. «تحتاج مثل هذه الحالات إلى تتبع لحالتها النفسية»، تقول ملكية أوختار، التي كانت تدرس «الدّارجة» لمجموعة من المراهقين في إطار حصص الدّعم المدرسي من أجل تسهيل عملية إدماجهم، مثيرة الانتباه إلى أنّ العديد من هذه الحالات كانت تصاب بحالة هيسترية من البكاء جرّاء ما عانته.. مشكل آخر يواجه القائمين على الأطفال اللاجئين في المغرب خلال دراستهم، وهو دروس التربية الإسلامية بالنسبة إلى التلاميذ المتحدّرين من إفريقيا جنوب الصّحراء ذوي أصول من عائلات مسيحية أو تدين بديانة أخرى.. إذ يواجَه هذا الأمر برفض بعض الآباء والأمّهات إلى درجة أنّ أم إحدى التلميذات طلبت من ابنتها عدم الاستماع أبدا وأن تغلق أذنيها خلال حصص التربية الإسلامية!.. «رغم أن هذا الإشكال غير مطروح بحدّة فقد نظمنا العديد من الاجتماعات مع مدراء المدارس، الذين تفهموا هذا الأمر، ولهذا لا يحتسبون نقط مادة التربية الإسلامية بالنسبة إلى هؤلاء التلاميذ في المعدل العامّ»، تشرح مليكة أختار.