تفيد مؤسسة متخصصة في تقدير نسبة مشاهدة التلفزيون بأن المغربي، من خمسة أعوام فما فوق، يشاهد التلفزيون حوالي ثلاث ساعات ونصف يوميا. رغم هالة الخبرة التي تحيط مثل هذه المؤسسات، فإن الأمر يبقى مجرد تقدير، وإلا فأنا أعرف مغاربة كثيرين ممن لا يشاهدون التلفزيون إلا نادرا. هناك مغاربة لا يطلون على قناة البريهي بالرباط إلا لنشرة الأخبار الرئيسية، ليتأكدوا أن ليست هناك زيادة، في أسعار المواد الأساسية طبعا، أما زيادة الأجور فالمعتاد أنها غالبا ما تأتي وسط زيادات في الأسعار، لذلك توقف البعض عن المطالبة بها. وهناك مغاربة لا يشاهدون في قناة محلية غير نشرة الأحوال الجوية، لتكييف ملابسهم حسب درجات الحرارة أو البرودة، أو لارتباطهم بنشاط فلاحي يتوقف على هطول الأمطار لسقي الزرع والضرع، أو عدم هطولها كي لا تضر قمحا نضج واستوى وبات يترقب المنجل. هناك من لا يجد نفسه إلا في برامج الحوادث والمشاكل الاجتماعية، يرى فيها شخوص مجتمعه ولو بأسماء مغايرة، العاقل منهم والأبله والمشاغب وصاحب السوابق و»الفقيه اللي نستناو بركتو ويدخل للجامع ببلغتو»... من كانوا يبحثون في قنواتنا عن أجوبة لقضايا دينية، توزعوا بين عشرات القنواتِ المختلفةِ في فتاويها باختلاف مموليها، بين سنة معتدلين وسلفيين متطرفين وشيعة يجادل بعض المسلمين في إسلامهم. حتى الذين كانوا يعودون لمشاهدة ديربي البيضاء، بين الوداد والرجاء، أصبحوا يتابعونه على قناة خليجية، بعد مباراة ميلان وروما وقبل البارصا وسرقسطة. هواة برامج الأطفال لم يعودوا ملزمين بانتظار صباح الأحد، بعدما تعددت قنوات «طوم وجيري» بكل اللغات في كل الأوقات، وأحدث صيحاتها «ميكي ماوس» حلال، منزوع الموسيقى والغناء. أما المولعات بتتبع المسلسل التركي، فينتقلن بعده إلى المسلسل الكوري الجنوبي، كوادالوبي بجنسية أخرى. ومادامت مسلسلات اليوم مدبلجة، فالمشاهِدات يسمعن نفس الأصوات في المسلسل التركي كما في نظيره الكوري، بل منهن من تعتقد أن العربية الفصحى هي لغة أهل المكسيك، ما دام لكل قطر عربي لغة تتميز عن تلك التي يتكلم بها شقيقه في قطر عربي آخر، قبل أن يكتشفن أن لغة المكسيك هذه هي التي يتكلم بها الكوريون في مسلسلاتهم، المعروضة على الشاشات العربية؛ وهؤلاء يجدن ضالتهن في قنوات عربية متخصصة، تتفوق شكلا ومضمونا. ............................. هجرة المشاهد المغربي إلى القنوات الدولية، المتخصصة في الرياضة والمنوعات والمسلسلات والأخبار، جعلت القنوات الوطنية غريبة في عقر دارها، مثل كثير من عباد الله المغاربة. فالتقديرات تشير إلى أن أقل من أربعين في المائة فقط من مغاربة القرن الواحد والعشرين من يشاهدون القنوات الوطنية. تتقدم «دوزيم» في هذا الترتيب بنسبة 26 في المائة، متبوعة بالأولى بحوالي 9 في المائة، والمغربية 3 في المائة، بينما تتقاسم بقية قنواتنا نسبة 2.2 في المائة من نسبة المشاهدة (الثالثة والرابعة والسادسة والأمازيغية والعيون والرياضية وميدي 1 تيفي). والغريب أنه في هذا المشهد الواضح الفاضح، ينشغل بعض أصحاب الأفكار العبقرية بالتخطيط لتدعيم المشهد بقناة ثقافية، وأخرى خاصة بالبرلمان. وإذا كنت أعرف أن قناة البرلمان سيشاهدها السادة النواب والمستشارون وعائلاتهم، خصوصا في جلسات الأسئلة الشفوية، فإنني لا أستطيع أن أعد مشاهدي القناة الثقافية المحتملين على قلتهم. وبعد ذلك لا بأس بقناة للمرأة وأخرى للطفل، مادام أصحاب الأفكار العبقرية لا يغطون مصاريف هذه القنوات المفلسة من جيوبهم، ثم يفتح الباب للجهات والأقاليم لتتنافس على القنوات التلفزية، تنافسها على المهرجانات، فتصبح لكل منها تلفزتها، ليتنقل المشاهد من قناة عين عودة إلى قناة عين اللوح إلى قناة تزنيت إلى قناة تاكونيت.. وكلها تتنافس على عرض المسلسل الكوري والوثائقي السوري، إضافة إلى نشرة النماء والرخاء.