في الوقت الذي دخلت فيه جماهير الرجاء الرياضي « خلوتها الخاصة» للتفكير وإنجاز تيفو ديربي الأحد المقبل، الذي لن يشبه كل الديربيات السابقة لأكثر من سبب، لا تزال «ألترات» الوداد تداوي جراح « الحرب الأهلية» التي دخلتها منذ أسابيع، والتي يطالب فيها جمهور الفريق برحيل الرئيس أكرم ومكتبه المسير. سيكون هذا اللقاء، الذي ظل يشكل لسنوات محطة كروية واقتصادية وحضارية بامتياز، غير كل الديربيات لأنه يجرى في ظروف خاصة جدا، ومن تم يحق لنا أن نقرأ هذه المحطة من خلال جملة من العناوين أهمها أن الرجاء سيخوض مباراته وعينه على لقب البطولة. ثاني العناوين، هو أن الخصم الوداد يعيش أصعب لحظاته بعد أن خرج من السباق نحو اللقب، ويعيش خلافات كبيرة بين كل مكوناته. أما ثالث العناوين الأساسية لهذا الديربي، فهي أنه يجري في أجواء طبعتها أحداث الخميس الأسود، التي حولت فيها جماهير الكرة مدينة الدارالبيضاء إلى ساحة لحرب أهلية حقيقية. والحصيلة هي أن المحاكمات انطلقت. وبدلا من أن يجد المتفرج لنفسه مكانا على مدرجات الملاعب، أوجد له سريرا في السجن. غير أن كل هذه العلامات التي ستميز ديربي الأحد المقبل، لن تخرجه عن طابعه الخاص كمباراة تحرك الدارالبيضاء وكل المدن المغربية، وتنعش الاقتصاد أيضا. الرجاء من حسن طالع فريق الرجاء الرياضي أنه سيخوض ديربي الأحد المقبل بالكثير من الراحة النفسية لكل مكوناته. وسيكون المدرب فاخر أكبر الرابحين لهذه المواجهة لأنه سيدخلها وفريقه يقود الترتيب العام بفارق مريح. ولأن نتيجة الفوز أمام الخصم التقليدي الوداد تعني أن الخضراء وقعت بالأحرف الأولى على لقب الدوري، الذي يعني المشاركة في كأس العالم للأندية بكل قيمتها الرمزية والمالية أيضا. وإذا كان خروج الفريق من كأس العرب على يد الفريق الكويتي قد اعتبر نقمة لأنه أضاع عليه منحة مالية بقيمة 600 مليون سنتيم، فيمكن اعتباره اليوم نعمة لأن الرجاء ركزت كل جهدها حول لقب البطولة وكأس العالم للأندية، خصوصا وأن منافسيها الجيش الملكي والوداد يخوضان المنافسات الإفريقية التي تتقل الكاهل. والحصيلة هي أن الرجاء هي الأكثر حظا لكسب نقط المباراة، على الرغم من أن مباراة الديربي بين الخضراء والحمراء لا تحتكم في العادة للمنطق. وداد الأمة الجريح يدرك الوداديون أن لمباراة الديربي خصوصية لا تلزم بقية المباريات. فالتواجه بين الرجاء والوداد هو مباراة العمر. ونتيجتها لا تعني ثلاث نقط فقط، ولكنها تعني مناوشات وصدامات بين عشاق الفريقين. لذلك يقول الكثيرون إن الفوز في مباراة الديربي يمكن أن تنوب عن الفوز بلقب الدوري. هذا هو المنطق الذي تتحرك به اليوم جماهير الوداد، التي اقتنعت أن فريقها خرج اليوم من السباق نحو اللقب. ولم يتبق له لإنقاذ موسمه غير الفوز على خصمه التقليدي الرجاء. غير أن الظروف العامة التي يعيشها الفريق «الأحمر»، قد لا تساعد اللاعبين على أداء مباراة الموسم، وإن كان كثيرون يرون أن الديربي لا علاقة بمستوى الفريقين، فالنتائج التي حصدها في المدة الأخيرة تركت أثرها على الجميع. ونتيجة الموزمبيق في كأس الإتحاد الإفريقي زادت من صعوبة المهمة. وهذه الحروب الصغيرة هنا وهناك، والتي طالبت فيها بعض الأصوات برحيل رئيس الفريق ومكتبه المسير كحل ضروري، مع ما رافق ذلك من احتجاجات سواء من على مدرجات الملعب، أو أمام مقر النادي حيث تجمع الآلاف مطالبين برأس عبد الإله أكرم. أما أكبر القرارات التي قد تؤثر على المردود العام لفريق الوداد خلال هذا النزال، فهي الدعوة التي أطلقتها فصائل المشجعين بمقاطعة الديربي، وترك المدرجات الحمراء هناك حيث توجد «فريميجة» فارغة. ظلال الخميس الأسود ظل الأمن الرياضي يعتبر مباراة الديربي حدثا استنائيا. لذلك كان يوفر له ما يكفي من عتاد وموارد بشرية كافية لتوفير أمن وسلامة قرابة الثمانين ألف متفرج الذي يملأون مدرجات ملعب المركب الرياضي محمد الخامس، والذين يلجون أبوابه منذ الساعات الأولى ليوم المباراة. غير أن ديربي الأحد المقبل سيكون أكثر استثناء بالنظر لما خلفته أحداث الخميس الأسود، وما قام به بعض الذين يدعون أنهم جمهور فريق الجيش الملكي. ففي الوقت الذي سيكون فيه لاعبو الفريقين البيضاويين وجمهورهما يتنشي بما يقدمه الديربي، سيكون الجمهور المعتقل في السجن ينتظر مصيره الصعب، خصوصا وأن التهم التي يتابع بها البعض ثقيلة، وتمتد إلى تكوين عصابة، وإضرام النار، والسرقة وتهديد الأمن العام. لذلك لا بد أن تكون أحداث الخميس الأسود حاضرة في خلفية الديربي بشكل من الأشكال. الديربي الذي يدر الأرباح خلف كل هذه الصور السوداء التي خلفتها لعبة كرة القدم مؤخرا، لا يخلو الديربي من لحظات مشرقة فيها تلك الصور الكاليغرافية التي يرسمها عادة جمهور الفريقين، وفيها أيضا ما يخلفه اللقاء من عائدات مالية. ويتذكر الجمهور المغربي كيف أن أول مواجهة اندلعت بين مؤسستي «اتصالات المغرب» و»ميديتيل» للهاتف كانت بسبب مباراة في كرة القدم. وسجل المتتبعون كيف أن مباراة الديربي البيضاوي، الذي يجمع فرقي الرجاء والوداد بكل الحمولة الثقافية التي يجرها هذا اللقاء الاسثتنائي، هي التي استطاعت أن تخرج مؤسستين عن جادة الصواب ليتواجها أمام أنظار قرابة الثمانية ألف متفرج، ويهددا باللجوء إلى القضاء للفصل بينهما. حدث هذا في 2000 حينما كان المركب الرياضي محمد الخامس يستعد لاستقبال مباراة الديربي بين الرجاء والوداد. ولأن مباراة الكرة في هذا الديربي هي مجرد مكمل، أو لنقل هي مبرر لتحريك شيء من الاقتصاد من خلال عائدات التذاكر وعائدات اللوحات الاشهارية التي تزين مدار الملعب، فقد اندلعت المواجهات حينما كانت «اتصالات المغرب» تضع لوحاتها على مدار الملعب دقائق قبل انطلاق المباراة، لتكتشف أن منافسها التجاري الوحيد وقتها « ميديتيل» قد وضع هو الآخر لوحاته الاشهارية على قدم المساواة، وفي نفس مدار الملعب. تحركت الهواتف بسرعة كبيرة والمباراة تستعد للانطلاق، حيث كان مقررا أن يتم نقلها على شاشة التلفزيون. هكذا عشنا معركة اقتصادية، وليست رياضية مع ديربي البيضاء الذي يصنف اليوم من ضمن الديربيات العشر الكبرى في العالم ليس لقدرته على استقطاب جمهور عريض يملأ في المعدل كل المدرجات، ولكن لما يدره من عائدات مالية محترمة للفريق المضيف لدرجة يعتبره الكثيرون تلك الدجاجة التي تبيض ذهبا. يدرك الرجاويون والوداديون على السواء أن مباراة الديربي، بكل الحمولة الرمزية وبكل الاهتمام الإعلامي والجماهيري، وبكل المخلفات التي يتركها، أن للخلفية الإقتصادية حضورها القوي بالنظر إلى أن الديربي يحقق مداخيل لا يحققها غيره. تذاكر وتذاكر لم يتردد أحد مسؤولي الرجاء مرة في القول إن مباراة الديربي انتهت بالنسبة له قبل أن تنطلق، فقط لأن كل تذاكر الدخول للمباراة قد بيعت، وسيلعب الديربي أمام شبابيك مغلقة. لقد اعتبر هذا المسؤول أن المباراة هي ما تدره من عائدات، لا ما تمنحه من معطيات تقنية أو ما يمكن أن تسفر عنه من نتيجة، لذلك كثيرا ما قدر نجاح هذا الديربي أو ذاك بما حققه من عائدات. ولذلك أيضا كان الوداد قد فجر أزمة بين جماهير الدارالبيضاء حينما اختار الرفع من قيمة تذاكر الدخول وهو يستقبل الديربي لدرجة أن الازمة كادت تتحول إلى مواجهات، وكاد الأمر يصل لمستويات أخرى غير الرياضة حينما تحرك الجانب الاجتماعي في العملية، وتردد أن لهذه المباراة وجها طبقيا أكثر منه رياضي. تتحقق مداخيل مباراة الديربي من خلال عائدات بيع التذاكر. وعلى الرغم من أن الجميع يتحدث عن 45 ألف تذكرة أو 50 ألف على أكثر تقدير، إلا أن عدد الذين يتابعون مباراة الديربي يصلون في المعدل إلى 80 ألف متفرج، بعضهم يتابعها من على سطح المركب الرياضي. ومن بين هذه الثمانين ألف متفرج يكون المعدل في الغالب هو 50 ألف تذكرة موزعة بين تذاكر المدرجات المكشوفة، التي لا تتجاوز في المعدل 30 درهما، وتذاكر المنصة الرسمية ب50 درهما، ثم المنصة الشرفية ب100 و200 درهم. وفي هذا التوزيع يستطيع الفريق المستضيف أن يحقق عائدات مالية محترمة، على الرغم من كل حالات الانفلات التي تتم هنا وهناك ويساهم فيها أحيانا بعض المنظمين سواء من رجال أمن او قوات مساعدة، أو ممن توكل لهم مهام التنظيم. بالإضافة إلى ظاهرة الانفلات، التي لا تزال تشكل إكراها حقيقيا خصوصا حينما يتعلق الأمر بمباراة كبيرة من حجم الديربي. عائدات تذاكر الديربي هي واحدة من النسب المحترمة لما يحققه ماليا. لذلك كثيرا ما تنافس الفريقان حول هذا الشق حيث يتحدث الوداديون على أنهم حطموا الرقم القياسي الذي قارب 200 مليون سنتيم في بعض المناسبات، فيما يتحدث الرجاويون على أنهم قاربوا في مناسبات أخرى هذا الرقم، رغم أنهم يضعون في اعتبارهم القدرة الشرائية لجمهور الخضراء، ومن تم لا يغامرون بالرفع من قيمة التذاكر. غير أن عائدات تذاكر ديربي الأحد المقبل قد تتضرر إذا ما نفذ الوداديون وعيدهم بمقاطعته احتجاجا على رئيسهم. لوحات هنا وهناك تشكل مداخيل اللوحات الاشهارية المبثوتة على مدار الملعب واحدة من أهم العائدات المالية التي يحققها ديربي البيضاء. الكثير من المعلنين يعرفون أن لهذه المباراة قيمتها الرمزية والثقافية أيضا. ويعرفون أن وضع العلامة التجارية على مدار الملعب هي مكسب كبير، خصوصا وأن التلفزيون حاضر في هذا الحدث الكروي بالضرورة لنقل الصورة، بالإضافة إلى تلك الأعداد الكبيرة ممن يتابعون المباراة من داخل الملعب. لذلك تتحرك لجان التسويق في هذا الفريق أو ذاك للتفاوض حول قيمة كل لوحة يتم وضعها على مدار ملعب المركب الرياضي محمد الخامس. يتحدث العارفون بعالم التسويق أن قيمة كل لوحة إشهارية يتم وضعها في مباراة الديربي البيضاوي تساوي ما بين 5 و10 مليون سنتيم بحسب موقع كل لوحة ودرجة ظهورها خصوصا على مستوى شاشة التلفزيون. لذلك تحظى لوحات بعض العلامات التجارية بامتياز بالنظر لأنها علامات محتضنة لهذا الفريق أو ذاك أو لأنها محتضنة لجامعة الكرة، في الوقت الذي يتم توزيع بقية اللوحات بحسب القيمة المالية التي صرفتها للفريق المضيف الذي يعتبرها مصدر ربح كبير لا يتحقق إلا مع الديربي. غير أن هذه المداخيل يمكن أن ترفع قيمتها إذا ما تمكن الفريق المضيف من كسب معركة النقل التلفزيوني، واستطاع أن يسوق مباراته بمفرده، كما حول ذلك فريق الرجاء ثم الوداد في أكثر من مناسبة. لكنهما فشلا بالنظر إلى أن جامعة الكرة ظلت لسنوات تسوق مباريات الدوري المغربي بمعرفتها مرة مع راديو وتلفزيون العرب وقتها، ومرة مع التلفزيون المغربي، واليوم مع الجزيرة الرياضية. لذلك لا يخفي كبار الرجاء والوداد على السواء أن حقوق النقل التلفزيوني لا تزال من المداخيل المحترمة التي تضيع فيها الفرق المغربية رغم أنها تتقاضى اليوم حصصها من ذلك. مهن الديربي لا تنتعش خزينة الفريق المضيف في ديربي البيضاء فقط سواء من خلال عائدات التذاكر أو اللوحات الاشهارية، ولكن الممتهنين لبعض المهن الهامشية يجدون في هذا الموعد فرصتهم لتحريك اقتصاد غير مهيكل. إنه اقتصاد بسيط قوامه بيع السوندويتشات السريعة، والمشروبات الغازية. بالإضافة إلى حراسة السيارات في محيط الملعب حيت تتحول كل الدروب والأزقة المؤدية للملعب إلى مواقف للسيارات يجب أن يؤدى ثمنها مسبقا، حتى وإن كان الأمر مجدر نصب واحتيال. وبالنظر إلى أن مركبا بحجم محمد الخامس الذي يستقطب في مباراة الديربي قرابة المائة ألف متفرج لا يتوفر على مواقف للسيارات، فإن الحراس الموسميين يجدون في هذا الموعد ضالتهم للاسترزاق. ولا تملك السلطات لهذا الوضع أي حل جذري فتتركه على حاله. مداخيل ومصاريف خلف هذه الحركية الاقتصادية التي يصنعها ديربي البيضاء، الذي يجمع بين الإخوة الأعداء، ثمة معارك أخرى أهمها معركة الأمن وحماية أرواح قرابة المائة ألف متفرج، خصوصا وأن الكثير من الأحداث الدامية والتي تسببت في وفيات كانت في مثل هذه المباراة. لذلك يسابق رجال الأمن الخطوات لكي يخرج الديربي بأقل الخسائر. رقميا، تضطر مصالح الأمن لاستنفار أكثر من 5000 رجل أمن، وأعدادا من رجال القوات المساعدة والتدخل السريع. بالإضافة إلى رجال من الوقاية المدنية. وهم يتقاضون مقابل خدمتهم هذه بعض التعويضات بحسب كل فئة وكل درجة في المسؤولية. وتقارب قيمة ما يصرف للتنظيم 10 مليون سنتيم يتم خصمها من عائدات المباراة. تماما كما هو الأمر مع النسبة المأوية التي يتم تخصيصها لخزينة مدينة الدارالبيضاء، ولصندوق جامعة الكرة. ديربي البيضاء، الذي يجمع الإخوة الأعداء، هو مناسبة لتستمتع جماهير الكرة بفرجة لا تتحق إلا مرتين في السنة خارج مباريات الكأس. فرجة يصنعها جمهور متحمس من خلال الشعارات التي يرفعها، والتيفوات التي يتم صنعها. ويصنعها لاعبون يدركون أن النجاح في هذا الديربي هو الجواز الذي يمر منه أي لاعب إلى قلوب جماهير فريقه في الوداد وفي الرجاء. هو موعد لا تساوي نتيجته غير نقط المباراة، لكنها تساوي، وقد تفوق، في قلوب العشاق التتويج بلقب بطولة أو كأس. لذلك كثيرا ما احتلت مباراة الديربي حيزا مهما في التقارير الأدبية لهذا الفريق أو ذاك. وكثيرا ما سقطت مكاتب مسيرة، وغادر مدربون بسبب نتيجة هذا الموعد الكروي الخاص. ولا غرابة أن تمثل نتيجة هذا الديربي اليوم لساكنة الدارالبيضاء، ولعدد كبير من جمهور المدن الأخرى، حدثا كبيرا. فلا قيمة للفوز بلقب الدوري بالنسبة للفريقين إذا لم يتحقق الفوز في مباراة الديربي. غير أنه أضحى اليوم، بالنسبة لعدد من المسيرين في هذا الفريق أو ذاك، فوزا اقتصاديا أكثر منه كرويا أو رمزيا. في ديربي الأحد المقبل، قد يختل كل هذا التوازن بالنظر لطموح كل فريق، وظروف بيته الداخلي. وبالنظر لما تركته الكرة في الخميس الأسود من صور مأساوية.