مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    قوات الأمن السورية تلقي القبض على "سفاح" سجن صيدنايا    قيادة "الجرار" تريد إيصال تعديلات مدونة الأسرة بسرعة إلى البرلمان بعد "اجتماع عاجل" مع أطراف الأغلبية    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزراء تحوّلوا إلى «عابري سبيل»
منهم من غادر الوزارة قبل أن يحتفل بمرور عام على الاستوزار وبعضهم دخل السجون
نشر في المساء يوم 22 - 04 - 2013

بعض الوزراء في الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، طال مقامهم وحفظ الناس أسماءهم عن ظهر قلب،
من شدة حضورهم اليومي في النشرات الإخبارية، ومنهم من داهمه إعصار التعديل المبكر، فأسقط عنه صفة «معالي» التي ارتبطت بتسميته، ومنهم من لم يصمد أمام دسائس الاستوزار، فتعرض لغضبات أهل الحل والعقد، فعادوا إلى قواعدهم محبطين، ومنهم من زجت به نزوة ثراء سريع نحو أقرب معتقل.
حين تلوح في أفق الفضاء السياسي بوادر التعديل الحكومي، يصاب بعض الوزراء بالإسهال، يتمنون لو أطال الله عمرهم لشهور أخرى على كرسي الوزارة، ومنهم من يفكر في مرحلة ما بعد الاستوزار، حيث تنسحب إشارات البذخ ويحل محلها ترشيد النفقات، ويرحل السائق الخاص ومدير الديوان والخدم والحشم ويبتلع الناس عبارة معالي، التي تنتهي بنهاية الخدمة، ويصاب رنين الهاتف بالصمم.
أصعب موقف يعيشه وزير انتهت صلاحيته الحكومية، هو دعوته على عجل للحضور إلى القصر، دون تحديد دواعي الدعوة، هناك يكتشف مدى القلق الجاثم على نفوس الوزراء، وكأنهم في قفص اتهام ينتظرون قرار حياة أو موت، على موائد القصر أنواع من الحلويات والمرطبات، لكن الشهية مغلقة بسبب مخاض التعديل الحكومي.
في عهد الراحل الحسن الثاني، كان الشكر والثناء مقدمة طللية لإعفاء قادم لا ريب فيه، وغالبا ما يرفع الملك الجلسة دون كلمة وداع، حينها يتسلل ريق التفاؤل بين الحلقوم ويمني الكثيرون النفس بظهور جديد في تشكيلة جديدة، في مثل هذا الموقف، يتمنى السياسي أن يتحول إلى تيقنوقراط ويتمنى التقنوقراط ارتداء رداء السياسة، بينما يفضل عدد من الوزراء التوجه مباشرة إلى مكاتبهم لوداع الكرسي وإفراغ المكتب.
يعترف وزير سابق بالذهول الذي انتابه حين أشعر بتعديل حكومي طارئ لم يكن في الحسبان، كان يفكر في المبررات التي ستحملها زوجته لصديقاتها وهي تشاركهن حصص الرياضة، بل إن وزيرا للتكوين المهني من حزب الحركة الشعبية، أكد بأن عزله في سنة 1997 جعله يتيه في طرقات العاصمة الإدارية، قبل أن "يشد" الأرض.
الاستوزار حق، والإعفاء حق، لكن في الحالتين معا، هناك مسؤول حزبي يقترح ووزير أول يقبل، ثم ملك يزكي ويعفي، لكن هناك وزراء عركتهم التجربة وعاشوا تقلبات المناخ السياسي، وأصبحوا ملقحين ضد عاديات العزل والإعفاء، بعد أن خبروا تضاريس تشكيل الحكومات. ففي أدبيات المخزن لا اعتراض على التنصيب ولا اعتراض على العزل، صحيح أن الدستور الجديد قد منح لرئيس الحكومة صلاحيات اقتراح أسماء للاستوزار، لكن تبقى الكلمة الأخيرة للقصر الذي ينتقي من يشاء ويزيح من يشاء، وكلما انتصبت علامات الحيرة والقلق واشتد ضغط الأحزاب الحليفة، رفع الوزير الأول عدد المناصب وأعاد التوزيع الكعكة على نحو آخر، ونسج حقائب جلدية على مقاس السياسيين، لا يهم إن كانت للتشكيلة هوية وما إذا كانت منسجمة أم لا، إذ غالبا ما يتعايش اليسار والصف الديمقراطي مع المكونات الإسلامية، لإيمان الجميع بأن السياسة لا تعترف بالخصم الدائم ولا بالزميل الدائم، فالحب يأتي عبر المعاشرة، والطريق إلى الوزارة يمر عبر تأشيرة ثقة موقعة من المسؤول السياسي، الذي يباشر عملية التفاوض حول الحقائب ومحتوياتها. وبعد انتهاء مراسيم تسليم السلط، يجلس الوزير باسترخاء على الكرسي ويشرع في تعيين مكونات ديوانه، قبل أن ينصحه قيدوم الوزارة بعدم الثقة في الكرسي الدوار، تستهل الحكومات عملها برفع شعار التصحيح وينتهي رصيدها من التعبئة السياسية بتقارير تجمع على اعوجاج الأوضاع.
تحدثت كتب التاريخ عن سلاطين المغرب وتعاملهم مع حاشياتهم، وكيف كانت نظرة زائغة من وزير تكفي لإقالة مقرونة بالقصاص، فكثير من الوزراء انتهى بهم المطاف جثثا في الساحات العمومية، ومنهم من أقيلوا قبل أن يمر عليهم الحول بسبب "أخطاء" غالبا ما تكون تافهة. تناول المؤرخون في كتاباتهم التاريخية العديد من القضايا التي تتعلق بالحكومة في عهد الحماية، ودور الصدر الأعظم في قيادة الفريق الحكومي بمنطق الراعي والقطيع، فهو يهش بعصاه على كل شاة خرجت عن صف الإجماع. ومنذ 1955، تاريخ حصول المغرب على الاستقلال، تناوبت على الحكم 30 تشكيلة حكومية، قادها 12 وزيرا أولا ورئيسا للحكومة، بعضهم عين على رأس بعض الحكومات أكثر من مرة، مثل أحمد بلافريج وعبد الكريم العمراني، وعبد اللطيف الفيلالي. وقد ترأس الحكومة الأولى مبارك البكاي لهبيل، وآخر حكومة تحت إمرة عبد الإله بن كيران.
عرفت الحكومات في بداية عهد الاستقلال مخاضا عسيرا، نظرا لصعوبة تحقيق الانتقال السياسي من المستعمر الفرنسي إلى الإدارة المغربية، وعرفت البلاد حالة استثناء، كما سقطت حكومات قبل أن تكتمل "عدتها"، ففي 27 مارس 1960، عين الملك الراحل محمد الخامس خامس حكومة، كما قاد نجله الفقيد الملك الحسن الثاني، وكان وليا للعهد آنذاك، الحكومة السادسة التي تأسست في 4 مارس 1961، والحكومة السابعة في 2 يوليوز 1961، أي بعد أربعة أشهر فقط. وحين كان المغرب مهددا بالسكتة القلبية، كلف الملك الراحل الحسن الثاني الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمن اليوسفي بتشكيل حكومة التناوب، وتحديدا في 4 فبراير 1998، وهي الحكومة التي عول عليها الشعب لاستبدال الغم بالانفراج، قبل أن تتبخر الآمال من جديد وتسقط رؤوس من الكتلة كانت تقدم وصفة مكافحة داء ضعف المناعة الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تسقط في الامتحان السياسي. ومكن الملك وزيره الأول اليوسفي من فترة اختبار استدراكية لتشكيل الحكومة، في 26 سبتمبر 2000. رغم أن التناوب قد أجهض في بداية التسعينيات، حين رفض الاستقلالي امحمد بوستة وجود إدريس البصري ضمن تشكيلته، وهو ما دفع الحسن الثاني إلى قلب الطاولة على الكتلة وإصدار بلاغ أعلن فيه عن فشل الحوار مع الكتلة الديمقراطية وعن إنهاء تكليف بوستة بتكوين حكومة تناوب وأيضا ترقية إدريس البصري إلى وزير دولة.
لكن مع تعاقب الحكومات، ظلت التشكيلة الوزارية أسيرة مجموعة من المعطيات الأساسية، فهي تتميز بتعدد الأدوار، إذ أن كثيرا من الوزراء تقلدوا أكثر من منصب وزاري دون رابط منطقي بينها، على غرار محمد اليازغي، أحمد بلافريج، عبد الرحيم بوعبيد، إدريس السلاوي، المحجوبي أحرضان، محمد حدو الشيكر، محمد أوفقير، الحاج محمد ياخيني، محمد كريم العمراني، مولاي أحمد العلوي، عز الدين العراقي، محمد العنصر، أحمد عصمان، عبد اللطيف الفيلالي، إدريس البصري، إدريس جطو،، بينما كانت النساء الأكثر عرضة للإبعاد.
العمر الافتراضي للحكومة لا يقل عن خمس سنوات، لكن هاجس التعديل حاضر وقد يحول وزيرا إلى خبر كان، لأن دواعي التعديل يمكن اختزالها في محاولة التخلص من أسماء "أينعت وحان قطافها"، وأشخاص أزعجوا السلطات العليا والسفلى على حد سواء، أو لإرضاء زعماء الأحزاب، الذين يسعون إلى تلبية حلم الاستوزار الذي يسكنهم والرغبة في الدفع بالمقربين إلى كراسي المسؤولية جزاء الجهد المبذول على طول الطريق نحو الزعامة. لكن المواطن البسيط يختلف في هواجسه عن اهتمامات النخب السياسية، فالتعديل الوزاري لا يشغله لإيمانه بأن "أولاد عبد الواحد واحد"، ولأن تغيير وزير بآخر لن يساهم في تحسين أوضاعه المعيشية، لذا فإنه يطالب مع مرور الوقت بإصلاح الوزير بدل إصلاح القطاع الوزاري.
في المجتمعات الغربية، هناك ثقافة الاعتراف بالفشل، إذ يعلن وزير النقل عن استقالته لمجرد حادث اصطدام قطار، أو يقال وزير لاستعماله سيارة المصلحة خارج الدوام، بينما لا يغادر وزراؤنا مكاتبهم إلا بإعصار تعديل حكومي أو بالوفاة.



الصّدر الأعظم في منفى شفشاون
بعد أن وضعت الحماية يدها على المغرب عاشت المنطقة الشمالية تحت مظلة استعمارية إسبانية، حيث شغل مولاي المهدي بن إسماعيل، ابن السلطان محمد الرابع، منصب الخليفة السلطاني في الشمال بظهير سلطانيّ أصدره السّلطان مولاي يوسف في 14 ماي 1913. وكان السلطان مُؤازَرا في حكمه للمنطقة بالصدر الأعظم محمد بن عزوز وحاشيته، وجعل من قصر المشور في تطوان قبة «الحكم» السلطاني، إلا أنّ الكتابات التاريخية أجمعت على أن مولاي المهدي كان منعزلا عن الناس، مفوضا أمر الحكم للصدر الأعظم، الذي استبدّ بأمور الخلافة السلطانية، وباشر جميع شؤون الحكومة.
وبعد وفاة الخليفة مولاي المهدي، في 24 أكتوبر1923، أصبحت منطقة شمال المغرب بدون خليفة سلطاني لمدة تجاوزت السنتين، نتيجة تأخر تعيين مولاي الحسن كخليفة لوالده من طرف سلطات الحماية، في الوقت الذي راهنت السلطات الاستعمارية الإسبانية على الشريف الريسوني رغبة في تعيينه في هذا المنصب، لكنّ هذا الأخير رفض شروط الإسبان.. فصدر ظهير 8 نونبر 1925، الذي عُين بمقتضاه مولاي الحسن خليفة سلطانيا على المنطقة، في فترة تاريخية كانت فيها رحى حرب ضروس تدور في جبال الريف، إثر ثورة قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي.. واستمر مولاي الحسن في منصبه إلى حين إلغاء الحماية الإسبانية وإعلان استقلال المغرب. تشكلت الحكومة الخليفية في شمال المغرب، إضافة الى الخليفة السلطاني، من الصدر الأعظم وعددٍ من الوزراء، وخاصة وزراء العدلية والمالية والأحباس وأمين المستفاد والحاجب وقائد المشور، إضافة الى عدد من الكتاب. وكانت الوزارة الأولى تسمى «الصّدارة العظمى»، وهي التي تشرف على تسيير شؤون المنطقة بتنسيق مع طرفين: الخليفة السلطاني والإقامة الإسبانية. تولى هذا المنصبَ ثلاثة وزراء وهم: محمد بن عزوز وأحمد الركينة وأحمد الغنمية، ولكن الأول هو أشهرهم، إلا أنه أعفي من منصبه وسُجن في منفاه بمدينة شفشاون لمدة سنة، بظهير جاء في إحدى فقراته: «نأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، وأن لا يقبل له من الآن قولا ولا يقتفي له فعلا»..
مباشرة بعد عزل ابن عزوز أسند المنصب إلى أحمد الركينة، الذي عمل حاجبا للسلطان، لكن الصدر الجديد لم يجلس طويلا على كرسيه، إذ توفي قبل أن يُتمّ العام، فتم فكّ أسْر ابن عزوز وتولى -من جديد- منصب الصّدر الأعظم.. شملت الإعفاءات السريعة من الوزارة في هذه المنطقة العديدَ من الوزراء، كمحمد بن المكي بن ريسون، الذي كان وزيرا للأحباس، وعُين بدله عبد الخالق الطريس، الذي سرعان ما أعفي من مهامه سنة 1935، ليتولى أحمد الحداد مهامّ إدارة الأحباس، إلا أنه أعفي من مهامه في السنة نفسِها. وعاد الطريس ليشغل منصب وزير للأحباس مجدّدا، لكنه لم يقضِ فترة طويلة في هذا المنصب، إذ صدر ظهير إعفائه في أبريل 1937.


عبد الهادي بوطالب.. مغادرة اضطرارية لوزارة التعليم
رغم أنه شارك في أول حكومة ائتلافية، عن حزب الشّورى والاستقلال، وعاش في كنف القصر لسنوات، وظلّ عنصرا أساسيا في مختلف التشكيلات الحكومية، سياسية كانت أو تقنوقراطية، بل عُين على رأس مجلس النواب سنة 1971، قبل أن ينتهي مقامه في قبة البرلمان سريعا، إثر الانقلاب العسكري.. لم يكن عبد الهادي كائنا طيّعا في يدَي الحسن الثاني، إذ كان مزاجه الصّعب يجلب له الكثير من «الغضبات» الملكية، رغم أنه كان أستاذا للحسن الثاني في المدرسة المَولوية..
ورغم أنّ بوطالب كان في نظر أوفقير مُجرّد خريج لمدرسة عتيقة، هي جامعة القرويين فإنّ الرجل تفوقَ على كبار المسؤولين في تدبير ملفات كبرى، بل تدرَّجَ عبر المناصب السّامية، ليصل إلى درجة وزير الدولة، إلى أن لُقّب ب«الوزير الذي لا بد منه». وحين غادر دواليب السّلطة عاد راكضا إلى الحرم الجامعي، وهو سعيد بالتخلص من «وزر» الوزارات، قبل أن يلقى ربه وسط أكوام الكتب والمُجلّدات.
يسجل التاريخ السياسي للمغرب حكاية الخلاف الذي كان قائما بين بوطالب ووزير الداخلية أوفقير، وهو ما جعل مقام عبد الهادي بوطالب على رأس وزارة التربية الوطنية لا يتعدّى بضعة أشهر. أصل الخلاف هو إصرار أوفقير على التدخّل في اختصاصات بوطالب، مُستغلا الذكرى الثالثة لأحداث «23 مارس» الدّامية. لقد أشعر وزير الداخلية ملك البلاد بوجود «قلاقل» في المدارس والثانويات، وهو ما نفاه وزير التربية الوطنية..
امتدّ الصراع بين الرّجُلين إلى المجالس الحكومية، حين طالب الوزير القوي بتقسيم وزارة التعليم إلى ست وزارات، بدعوى الهاجس الأمني، وهو المُقترَح الذي استجاب له الحسن الثاني، مع إحداث وزارة للثقافة، التي لم تكن موجودة في التشكيلات الحكومية السابقة. لم تنفع احتجاجات بوطالب، الذي حاول إقناع الملك بخطورة هذا القرار الذي يضرّ بوحدة المنظومة التربوية، إلا أن هذا الأخير اقترح عليه منصب وزير للتعليم العالي والثقافة.. اعتذر بعد طول تفكير، وقال قولته الشهيرة: «ارتديت في الوزارة لباسا فضفاضا يسع لقامتي، لكنْ من الصّعب أن أرتدي اليوم تنورة قصيرة».. حينها، قرّر الملك إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعين بوطالب وزيرا للدولة بدون حقيبة، في الحكومة الحادية عشرة برئاسة محمد بنهيمة، وتحديدا في يونيو 1968، بعد شهور على ذكرى 23 مارس، في الوقت الذي عين محمد حدو الشيكر وزيرا للتعليم الابتدائي، وعبد اللطيف الفيلالي وزيرا للتعليم العالي، وقاسم الزهيري وزيرا للتعليم الثانوي والتقني.



الجنسية الإسبّانية تُقيل لخريف من الخارجية
بعد أيام من استقراره في العاصمة الرباط، باشرَ أحمد لخريف مهامّه ككاتب للدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون. وبعد سنة على التحول من تدبير مؤسسات تعليمية إلى الاستئناس بالعمل السياسي، تلقى قرار إعفائه من مهامّه. كان حينها يتابع جلسات مجلس النواب وهو يتأهّب لسفر إلى القاهرة.. غادر الرجل القاعة مسرعا وبحث عن سرّ الإعفاء المفاجئ، لكنه فوجئ بأنّ عباس الفاسي لا يملك الحقيقة على غرار باقي أعضاء الحكومة، قبل أن يتمّ إشعاره بأنّ انتابته نوبة غضب حين تأكد له أن لخريف يحمل الجنسية الإسبانية، فقرر إعفاءه من مهامّه، مقدما إشارات للصحراويين، الذين هرولوا في تلك الفترة نحو إسبانيا بحثا عن جلد التجنيس.. صدر القرار على وجه السّرعة، ونقلته وكالة «المغرب العربي للأنباء» بأقل تفاصيل ممكنة، لأنّ الرجل كان هو الصحراوي الوحيد حينها في حكومة عباس الفاسي، بل والعضو القيادي في «المجلس الملكي للشؤون الصحراوية»، الذي لم يُصْدر أي بيان في الموضوع، ولو من باب التضامن مع لخريف، الذي عاش «خريفا» سياسيا على نحو مفاجئ..
فضّل الرجل الصّمت، ولم يجرؤ على التعليق. اكتفى بعبارات جاهزة ومُقتضَبة تؤكد قبوله القرار واستعداده لخدمة الوطن حتى خارج مكاتب وزارة الخارجية. كما لم يرافق القرارَ أيُّ بحث أمني لمعرفة سر وجود وزير بجنسية إسبانية في تشكيلة حكومية مغربية في «غفلة» عن المخبرين. بل إنّ الخرجة الوحيدة التي سجلت للخريف هي التي تحدّث فيها ل«المساء» نافيا ما تردَّد عن إقالته بسبب حضوره حفل زفاف مسؤول من جبهة البوليساريو.. وأزاح عنه ببيانٌ مقضب ما قيل عن نزعة خيانة هامدة. «إذا كانت إقالتي ستسدي خدمة للبلاد فمرحبا بها»..
ترتب عن الإقالة سجالٌ قويّ بين النخب السياسية، وتم تسويق الواقعة على نحو مُغرّض من طرف البوليساريو، لاسيما بعد غضب السلطات العليا للبلاد من تهافت الصّحراويين على الجنسية الإسبانية دون سواهم من المغاربة، في الريف بالخصوص.. إلا أنه بمرور الأيام هدأت زوبعة الجنسيات، ولم يواجه كثير من الأطر الصحراوية العليا مصيرَ لخريف، حيث احتفظوا بمناصبهم وبجنسياتهم، كما احتفظ بها عدد من المسؤولين الحكوميين، الذين يتمتعون بازدواجية الجنسية، أمّا ابن السمارة فقد آثر الابتعادَ عن الحياة السياسية لفترة طويلة.



وزراء في سجن لعلو بسبب الفساد
في مارس من سنة 1971 تلقى الملك الراحل الحسن الثاني تقريرا مفصلا من مُساعده الجنرال المدبوح، يتضمّن حقائق تؤكد تورُّط عدد من وزراء الحكومة في قضايا فساد ماليّ، واقترح على الملك فتح تحقيق في القضية، التي أحيلت على أحمد الدليمي، الذي كان حينها مديرا عاما للأمن الوطني. وبعد طول انتظار وترقب، أعلِن عن اعتقال خمسة وزراء، وهم عبد الحميد كريم، وزير السياحة، وعبد الكريم الأزرق وزير الأشغال العمومية، ويحيا شفشاوني، وزير سابق للأشغال العمومية ومدير مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، ومحمد الجعيدي، وزير التجارة والصناعة، ومامون الطاهري، وزير المالية، ووزير الداخلية السابق محمد العيماني، فضلا على رجل الأعمال عمر بن مسعود وموظفين سامين.
كان أصل صكّ الاتهام، الذي شغل الرأي العامّ في تلك الحقبة الزمنية العصيبة، هو سفر الجنرال المدبوح إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتهييء زيارة للحسن الثاني لهذا البلد، وما ترتب عنها من تقرير يُدين وزراء الحكومة بالفساد، بعد أن طلبوا عمولات لشركة «بانام أميريكان» كي يُسمح لها بإنجاز مشروع استثماري في الدار البيضاء، عبارة عن فندق فخم.. كشف تقرير المذبوح وجود شبكة لتهريب المعادن، وأخرى لتهريب الأموال إلى الخارج.
فوجئ الوزراء باستدعائهم إلى قصر إفران في مارس 1971، ليُعرب لهم الملك عن خيبة أمله، قبل أن يضيف: «سأسامحكم، كأنكم قد ولدتكم أمّهاتكم اليوم». استبشر الوزراء المُدانون والتمسوا الصّفح من الملك، لكنّ الحسن الثاني فاجأ الجميع، بعد شهر فقط، بإجراء تعديل حكوميّ أسقط الوزراء الخمسة، وتبيذَن أن الملك الراحل كان يريد «دفن» القضية، التي أغضبت الولايات المتحدة الأمريكية ووضعت مصداقية الحكومة في مهبّ الريح. لكن الانقلاب العسكري لعاشر يوليوز، أيْ بعد ثلاثة أشهر عن العفو الملكي، أغضب الملك لأنّ قائد المحاولة لم يكن سوى الجنرال المدبوح، الذي كان إلى عهد قريب يتأبّط تقرير الأمريكيين.. وفي سادس غشت عَيّن الحسن الثاني حكومة جديدة يرأسها كريم العمراني، دون أن يُطوى ملفّ الوزراء المدانين. في شهر نونبر من السنة ذاتها (1971) استقبل السجن المركزي لعلو في الرباط «ضيوفا» من العيار الثقيل، فلأول مرة في تاريخ المغرب بعد الاستقلال اعتقل وزراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، لتبدأ أطوار محاكمات شغلت الرّأي العامّ الوطني والدولي. وكان أول حكم نطقت به محكمة العدل الخاصة هو تمتيع العيماني بالسراح المؤقت، وتقليب أوراق قديمة لوزراء حكموا البلاد قبل تشكيلة العراقي. ورغم الضجّة التي أحدثتها المحاكمة فقد كانت الأحكام «رحيمة» بالمُدانين الذين قضوا فترات حبس قليلة، ومنهم من لم يستأنف الحكم الابتدائي لإيمانه بأنّ المحاكمة كانت صورية، وأنهم مجرّدُ أثاث لتزيين البيت المغربي، الخارج للتو من حالة انقلابٍ كان المدبوح أحدَ المُخطّطين له.



عجّول بنعتيق الصّبار والآخرون
لم يَقضِ عبد الكريم بن عتيق، ابن أزيلال، فترة طويلة في منصبه ككاتب للدّولة في التجارة الخارجية، رغم أنه جاء إلى الوزارة من القطاع البنكي، الذي كان من قياداته النقابية، ومن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل أن ينشقّ عنه ويؤسّس الحزب العمالي.. فقد خرج سريعا من الفريق الذي قاده عبد الرحمن اليوسفي. وحين جرّب حظه في الانتخابات التشريعية في دائرة «أبزو»، في إقليم أزيلال، مُني بخسارة أخرى، جعلته يُعيد النظر في كثير من طموحاته.
عاش حسن الصبار، الوزير السابق للسياحة، وضعا لا يختلف كثيرا عن القادري، إذ لم يُعمّر طويلا في المنصب، الذي دشّنه مع حكومة التناوب في مارس 1990، قبل أن يغادره في أول تعديل حكوميّ.. وعلى المنوال ذاتِه سار العربي عجّول، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول -المكلف بالبريد والتقنيات الحديثة والاتصال، في زمن التناوب وفي ظل «زحمة» الأعضاء الحكوميين، الذين بلغوا 39 شخصا، بين وزير للدولة ووزير وكاتب للدولة.. ومرّ وزراء آخرون مرور الكرام، مثل سعيد السعدي، وإنْ كان هذا الأخير قد طبع المَشهد السّياسي ب«ثورته» على الأنماط القديمة ووضعه خطة إدماج المرأة المغربية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الذي مر مرور الكرام بوزارة العلاقة مع البرلمان، ومحمد زيان، «مُحامي الحكومة»، الذي عمّر «قصيرا» في مقرّ وزارة حقوق الإنسان، قبل أن يتفرغ لحزبه الليبرالي، وعبد الحفيظ بوطالب، وزير العدل، الذي قضى بضعة أشهر على رأس هذه الوزارة، أمضاها في توقيع تعيينات رؤساء المحاكم، قبل أن تسند إليه مهامّ حكومية أخرى، كوزارة الشغل والشؤون الاجتماعية.



محمد سابوه.. حالة تسلل
في كل الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام للبلاد، ظل منصب وزير المالية مَوضعَ جاذبية، بل اعتبره الملوك والسلاطين المغاربة، على مر التاريخ، المنصبَ الأكثر تطلّباً لجُرعات الثقة اللازمة، مقارنة مع بقية المناصب الحكومية.. فهو الخازن العام تارة، والواقف على مال بيت المسلمين تارة، والآمر بجمع الجبايات وصرف نفقات الدولة. ومنذ حصول المغرب على الاستقلال ظلّ هذا المنصب حكرا على أهل فاس دون سواهم من المغاربة، مع بعض الاستثناءات القليلة، التي لا تبرّر القاعدة، حين أسنِد المنصب إلى وزير من أوصول أمازيغية هو محمد سابوه، أو حين عُهد إلى ابن مكناس صلاح الدين مزوار ولأربعة وزراء آخرين بتدبير الشأن المالي للبلاد والعباد.
كان منصب وزير المالية «محجوزا» لمن هم من أصول فاسية، ورغم أنّ أهالي سوس هم الذين ارتبطوا في أذهان المغاربة بإجادة «الحساب»، فنجحوا في تجارتهم، وكانوا مضرب المثل في التدبير والترشيد المالي.. كان سابوه هو الأمازيغي الذي «تسلل» إلى وزارة المالية لكن قام إليه محمد كريم العمراني، الذي اختار التشكيلة بإيعاز من الملك، بإنهاء مقام سابوه على رأس مالية المغرب بعد ثلاثة أشهر فقط من الاستمتاع بوجاهة الوزراء..
جاء تعديل وزاري سريع أعاد الأمور إلى نصابها العِرْقي، وتَبيّنَ للجميع أنّ صفة وزير المالية ستظل حكرا على الفاسيين منذ عبد القادر بن جلون، في أول حكومة قادها امبارك البكاي، إلى عهد نزار البركة، سليل أسرة الفاسي واسعة النفوذ، والذي عُين وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة يرأسها عبد الإله بنكيران.
على امتداد 30 حكومة، ظل الشأن المالي حكرا على «أهل فاس»، وحين منحت ل«مكناسي وشلح وعروبي» سلطة المال، ترتّب عن القرار لغط كبير.. ولم يتنفس بعض الطامحين في هذا المنصب الصّعداء إلا بعد أن استعادوا المنطقة المالية المُتنازَع حولها، ونجحوا في ال«فيتو»، بل إنّ كثيرا من المناصب الخاصة بهذه الوزارة قد تم تداولها بين الأهل والأقارب، وكأنّ مدينة فاس تخصّصت في إنجاب وزراء المالية..



نوال المتوكل.. عدّاءة أنهكتها حواجز المخزن
كنتائج رياضيّينا، ظلّ منصب وزير الرياضة عُرضة ل»التقلّبات»، إذ إنّ أول كاتب للدولة لهذا القطاع، أحمد بنسودة، قضى في المنصب بضعة شهور، قبل أن يغادره بعد ثمانية أشهر انشغل فيها ب«التأقلم» مع قطاعٍ لا علاقة له به.. كما قضى عبد الله غرنيط ثمانية أشهر على رأس هذه الوزارة، التي غادرها في فبراير من سنة 1966، ثم جاء عمر بوستة، الذي قضى فيها تسعة أشهر، وهو أول رئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم..
ولم يتعدّ جلوس البطلة العالمية السابقة نوال المتوكل على كرسي وزارة الشباب والرياضة في عهد الحسن الثاني ستة أشهر، إذ «داهمها» تعديل حكومي في 14 مارس 1998، جاء بحكومة التناوب إلى سدة الحكم، فأسند ملفّ الرياضة إلى «الحركي» أحمد الموساوي، الذي لا علاقة له بالرياضة والشّباب..
عادت المتوكل، مجددا، إلى كرسي الوزارة في «أكدال»، لكنْ ما كل مرة تسلم جرّة الاستوزار، ففي يوليوز 2009 صدر بلاغ عن القصر أنهى صلاحيات الوزيرة، في سياق تعديل وزاريّ طفيف أجراه الملك محمد السادس عشية الاحتفال بالذكرى العاشرة لاعتلائه العرش. بموجب التعديل الوزاري أُسندت حقيبتان إلى حزب الحركة الشعبية، وخرجت سيدتان هما نوال المتوكل، وزيرة الشبيبة والرياضة (التجمع الوطني للأحرار) وثريا جبران، وزيرة الثقافة (مستقلة).. استعاد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حقيبة الثقافة، التي تولاها الرّوائي والشاعر بنسالم حميش، في حين عُيّن منصف بلخياط، وهو من التجمع الوطني للأحرار، خلفا للمتوكل.
عاشت نوال المتوكل الاستوزار قصيرَ المدى مرّتين في القطاع نفسه وفي عهد ملكين، وقرّرت الاهتمام بمسؤولياتها كقيادية في اللجنة الأولمبية الدولية، وفي المكتب التفيذيّ للجامعة الدولية لألعاب القوى، فضلا على انشغالاتها الجمعوية كرئيسة الجمعية المغربية «رياضة وتنمية»، إلى جانب مهمّتها كسفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) ناهيك عن عضويتها في اللجنة التنفيذية لحزب التجمع الوطني للأحرار..
وإذا كان التناوب قد عجّل برحيل المتوكل في الولاية الأولى، فإنّ خلافها مع مسؤول مُقرَّب من القصر، بسبب نزاع حول أرض «ترامتْ» عليها جامعة المسؤول، ساعد على إقالتها وتعويضها
بمنصف بلخياط..


ثريا جبران.. بين كرسي الوزارة والمرض
بعد أن داهمها المرض وأصبحت زبونة للمصحّات، طلبت ثريا جبران، وزيرة الثقافة، من الملك محمد السادس إعفاءَها من مهامّ لا تملك القدرة الجسدية والذهنية لممارستها، واختارت المغادرة الطوعية، كي تتفرّغ للعلاج. استجاب القصر للمُلتمَس وتم تعويضها ببنسالم حميش، في ما يُشبه «البْريكولاجْ» السياسي.
يقول المُقرَّبون من ثريا جبران إنها عانت في آخر أيام استوزارها، وتَبيَّن للجميع أنّ مقامها لن يطول، خاصة بعد أن تصدّى لها بعض «رفاق» الأمس، الذين شنّوا حربا بلا هوادة على السّيدة التي كانت «وزيرة للمسرح» أكثر من الثقافة.. ففي زمنها القصير أصدرت الدفعة الأولى من «بطاقة الفنان»، وأصرّت على أن يتمّ التسليم تحت قبّة البرلمان لِما له من دلالات، لكنها لم تتمكن من استكمال «نواياها»، بعد أن استبدّ بها المرض، ما حال دون تحقيق «انتظارات» أهل الفنّ، الذين لاحت أمامهم بارقة أمل بتعيين فنانة مسرحية كانت في زمن إدريس البصري «ممنوعة من الصّرف».. بل إنّ أعمالها المسرحية كانت «مصدرَ قلق» لكثير من الأجهزة الأمنية، لاسيما في ظلّ ميولاتها اليسارية.
آمنت ثريا جبران، التي عرفها المغاربة من خلال إعلان قنينات الغاز، أو من خلال الوصلة الإشهارية للوقاية
من حوادث السّير، حين رددت لازمتها الشهيرة «أناري جابْها فْراسو» أنّ الضغط السياسي يولّد الانفجار، فاعتزلت السياسة كي لا.. «تجيبها فْراسْها»..


عبد الله القادري.. سياحة وسياسة
لم يُمض عبد الله القادري سوى ثمانية أشهر في منصبه كوزير للسياحة، قبل أن يتلقى «إشارة» من القصر بترْك المنصب والاستعداد لمراسيم تسليم المهامّ لعبد القادر بن سليمان. حينها، كتبت صحيفة «العلم» إن الرّحلة السياحية للوزير انتهت سريعا، إلا أنّ خلفيات الإقالة ترجع إلى المزاج «العسكريّ» ل«حْريزي» عركته الحياة العسكرية التي عاشها وغادرها برتبة «عقيد»، وهو ما جعله على خلاف دائم مع جاره «الشّاوي» إدريس البصري، الذي عجّل بإنهاء مهامّ القادري على رأس وزارة نادرا ما يُديرها «لْعْروبيّة».
حين تقاعد القادري من الجيش، وهو شاهد عيان أساسي على الانقلاب الذي عرفه قصر الصخيرات، حيث اعترض شفويا على المشاركة في الغارة البرّية، وقفل راجعا، مما جنّبه محنة «تازمامارت».. نزع بذلة العسكر وارتدى رداء السياسة، حين التحق بحزب «التجمع الوطني للأحرار»، قبل أن «ينشقّ» رفقة أرسلان الجديدي هذا
التجمّع «المدني»، ويضعا اللبنة الأولى للحزب الوطني الديمقراطي، رفقة خلي هنا ولد الرشيد وغيره من الأسماء التي عاتبت التجمّعيين على ميولاتهم البورجوازية.. ويعتبر القادري من «نوادر» العمل السياسي، إذ يبدو الانتقال من «الثكنة» إلى «مقرّ» حزب أمرا عصيا على الفهم، لاسيما أن ابنَ مدينة برشيد دخل سريعا الحياة الانتخابية وأصبح -في ظرف وجيز- برلماني المدينة الذي لا يُشقّ له غبار، لكن الحزب أصبح مع مرور الزمن في ذمّة التاريخ.
رغم العلاقات القوية بين القادري والبصري، بحكم «الجوار»، إذ لا تبعد برشيد عن سطات إلا ب30 كيلو مترا، فإنّ العلاقات بين الرّجُلين عرفت مدّا وجزرا. وتقول الروايات إن القادري قال للبصري يوما: «عندما كنتَ ضابطا صغيرا في الشّرطة كنتُ أنا عقيدا في الجيش».. وهي العبارة التي انتزعت ضحكات مسموعة من خُصوم البصري، الذي قرّر «الانقلاب» على شاهد على انقلاب الصخيرات، فوقعت القطيعة، وبدأ العدّ العكسي للإقالة التي قام ادريس بتسريع وتيرتها..
مات البصري، وظلّ القادري عرضة للغارات السياسية، قبل أن يدفع دفعا نحو التقاعد السياسي والاكتفاء بزياراته لنادي الراسينغ الجامعي للتنس في حي «الوازيس»، هناك يروي للرياضيين «جولاته» في ملاعب السياسة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.