أخيرا وقعت الواقعة التي كان ينتظرها جميع الاستقلاليين، وهي تتويج عباس الفاسي أمينا عاما لولاية ثالثة على رأس الحزب بغير منافس، وكما كان متوقعا أيضا سحب امحمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية، ترشيحه للأمانة العامة في كلمته أمام المجلس الوطني مساء أول أمس، مبررا انسحابه بالحفاظ على وحدة الحزب، وقال مراقبون حضروا المؤتمر الخامس عشر لحزب علال الفاسي الذي انطلق الجمعة واختتم أعماله أمس الأحد، إن إجماع غالبية الاستقلاليين على عباس الفاسي لم يترك للخليفة سوى هامش ضيق جدا. وقبل انطلاق أشغال المؤتمر، كانت جميع المؤشرات تؤكد أن الأمين العام الحالي سيحافظ على موقعه، وقبل اجتماع المجلس الوطني للتصويت على الأمين العام، أعلن رئيس المؤتمر عبد الواحد الفاسي في ندوة صحافية أن التعديل الذي أدخل على القانون الأساسي للحزب، والذي أعطى الحق للأمين العام في الترشح لولاية ثالثة في حالة ما إذا كان وزيرا أول في نفس الوقت، حصل على توافق جميع أعضاء الحزب، مضيفا أن المهم هو مصلحة حزب الاستقلال وأن «مصلحة الحزب هي في بقاء الأمين العام الحالي». وقال الفاسي إن الأمر لا يتعلق بخرق للقانون الأساسي الذي بقي على ما هو عليه، وإن التعديل الوحيد هو إضافة فقرة تخص منح الأمين العام حق الترشح مرة ثالثة في وضعية استثنائية، وهي شغله لمنصب الوزير الأول للحكومة. انطلقت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخامس عشر بشعارات الحزب المعروفة، خصوصا نشيد الحزب الذي كتبه زعيمه الراحل علال الفاسي، والذي اهتزت له القاعة بكاملها. ثم بدأ بعد ذلك ترديد الهتافات والشعارات التضامنية مع سكان قطاع غزة، وقد طبعت أحداث القطاع جميع مفاصل المؤتمر، حتى غطت على الكثير من الشعارات التي كانت تردد في جنبات قاعة المركب الرياضي مولاي عبد الله، خصوصا عندما تناول الكلمة رئيس الوفد الفلسطيني، حيث كان المؤتمرون يقاطعونه في كل مرة بالشعارات الحماسية المنددة بالجرائم الإسرائيلية والتواطؤ الأمريكي. وقد حرص عباس الفاسي، في كلمته المطولة التي ألقاها مرتديا الكوفية الفلسطينية، أسوة بأعضاء مجلس الرئاسة الذين اصطفوا في الخلف أمثال أبو بكر القادري وامحمد بوستة وعبد الكريم غلاب، على أن يوجه بعض الرسائل السياسية من على منصة المؤتمر. وأكد عباس أن الكتلة الديمقراطية مستمرة في التنسيق بين مكوناتها، وأن جيلا جديدا من الإصلاحات ينتظرها مثلما كان عليه الأمر في الماضي. كما أكد أن الكتلة ليست «إطارا مغلقا» وأنها يمكن أن تضم قوى سياسية أخرى «تؤمن بالديمقراطية من أجل مغرب متقدم ومتضامن مرجعيته القيم الإسلامية السمحة». وانتقد عباس الفاسي ما سماه بالمظاهر المفسدة للمسار الديمقراطي، كاستعمال المال في الانتخابات والعزوف السياسي وسيطرة خطاب التيئيس من العمل السياسي والحزبي. وفي غياب السفير الجزائري بالرباط، الذي اعتذر عن الحضور، انتقد الفاسي تصلب الجزائر في موقفها من قضية الصحراء المغربية، وما يترتب على ذلك من عرقلة لمسار الوحدة المغاربية، وقال إن الجزائر لاتزال ترعى أطروحة الانفصال ضدا على علاقات الجوار. تصريحات عباس كانت بالتأكيد ستشكل إحراجا كبيرا للسفير الجزائري الجنرال العربي بلخير في حال حضوره بقاعة المؤتمر، ولأي وفد حزبي جزائري آخر، وربما كان الإحراج سيزداد أكثر مع كلمة رئيس الهيئة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، علي بن بريك القندوسي، التي تطرق فيها لمناطق الساورة وتوات وتيديكلت الواقعة داخل التراب الجزائري. وعزا عبد الواحد الفاسي، في تصريحاته للصحافيين، غياب السفير الجزائري وعدم حضور أي وفد من الأحزاب الجزائرية إلى الظروف السياسية الداخلية للجار الجنوبي للمغرب. وقد حسمت لجنة الأنظمة والقوانين، في اجتماع استمر إلى الرابعة من صبيحة السبت، في كوطا الشباب والنساء داخل اللجنة التنفيذية، حيث جرى الاتفاق على إلغاء شرط ولايتين في المجلس الوطني للترشح لعضوية اللجنة التنفيذية، وأن يتم رفع العدد إلى ثلاثة لكل من النساء والرجال داخل اللجنة، بدل اثنين في السابق، كما تم الاتفاق على منح نفس الشروط التفضيلية لوزراء الحزب غير المتوفرين على نفس الشرط، للترشح للجنة التنفيذية، خصوصا وأن عددا منهم كان مهددا بالتشطيب عليه من اللجنة.