قبل بضعة أشهر بدأ الفزع يدب إلى آباء التلاميذ عندما استفحل مرض المينانجيت في المدارس. الناس كانوا يعتقدون أن هذا المرض انقرض، لكن الحقيقة أن الشيء الوحيد الذي انقرض في المغرب هو الأمل. صحيح أن هذا المرض ينتمي إلى القرون الوسطى، لكن على الناس أن يثبتوا أنه هو الوحيد الذي ينتمي إلى العهود الغابرة. ألا ينتمي أغلب مسؤولينا إلى القرون الوسطى أو أبعد من ذلك؟ مرض المينانجيت يضرب مثل عدو جبان. إنه يستغل غياب النظافة والمرافق الصحية في مدارس «أجمل بلد في العالم» ثم يقتل أو يصيب بالرعب، لذلك فإن السلطات بدورها تحركت حتى تطمئن الناس وتوصل إليهم رسالة تقول إن المينانْجيت مرض عابر. في كل الأحوال، فإن المينانجينت يظهر ويختفي مثل ثعلب ماكر، لكن الذي ظهر ولم يختف هو هذه المظاهر المشينة التي ضربت المدارس والمؤسسات التعليمية المغربية منذ سنوات طويلة، ومع ذلك لم يرتعب منها أحد ولم يطالب الناس بوضع حد لها. إنها الفضائح التي أصبحت تعيشها المدارس والثانويات بشكل شبه يومي أو أسبوعي، حيث صرنا على مواعيد مواظبة لفضائح جنسية لتلميذات قررن أن يكبرن فجأة.. لكن بطريقتهن الخاصة. في كثير من المدن المغربية انفجرت فضائح لتلميذات هن ما بين الطفولة والمراهقة، وكلهن، أو أغلبيتهن الساحقة، فعلن ذلك عن طيب خاطر، وهناك تلميذات ظهرن في فيديوهات منشورة على «اليوتوب» و»الفيسبوك» وهن يتباهين بما يفعلن. والمثير أن هذه الظاهرة الفضائحية انتقلت من مدن إلى أخرى، وكأن هناك منافسة شرسة بينها. في عدد من الشرائط الجنسية التي ظهرت على مواقع الإنترنيت يكون البطل هو تلميذ زميل لعدد من الفتيات، حيث يقتاد كل يوم فريسة معينة إلى شقة، فيصورها ويؤرشف الشريط، ثم يأتي بفريسة جديدة. وهناك حالات وصل فيها عدد التلميذات اللواتي ظهرن في شرائط جنسية أكثر من عشرة في شقة واحدة ومع تلميذ واحد. عندما ظهر المينانْجيت في المدارس تحرك وزير الصحة بسرعة ليطمئن الناس بأن هذا المرض عابر وليس وباء، وطرح برلمانيون أسئلة في البرلمان وطالبوا بتوفير الوقاية والأدوية. لكن منذ بدأت ظاهرة الفضائح الجنسية للتلميذات لم يتحرك وزير الصحة أو التعليم أو مسؤولون آخرون لكي يطمئنوا الناس بأن هذه الظاهرة عابرة وليست فضائح ثابتة، ولم يتحرك برلمانيون لطرح أسئلة على المسؤولين، ولم يتم تنظيم ندوات تلفزيونية أو إذاعية لتحسيس الأسر بما يجري في دواليب المؤسسات التعليمية. اليوم، يمكن لأي عابر أمام الإعداديات أو الثانويات أن يلحظ عدد السيارات التي يقف أصحابها أمام الأبواب لاصطياد تلميذات تجاوزن سن الطفولة بقليل. وهناك كهول أو شيوخ يركبون سيارات فارهة ويطوفون بها حول أبواب المدارس من دون أن يردعهم أحد، مع أنه كان من الضروري أن يتم إنشاء شرطة تعليمية خاصة هدفها الوحيد هو مراقبة المؤسسات التعليمية وإيقاف أصحاب السيارات المشبوهة. أكيد أنه في حال إنشاء هذه الشرطة سيتحرك أولئك المتنورون العظماء من أنصار الانفتاح المطلق لكي يقولوا إن حرية المجتمع المغربي في خطر. لكن ليطمئن هؤلاء المنفتحون المغاوير لأن حريتهم الشخصية أو حرية بناتهم لن تكون في خطر لأنهم يمكن أن يفعلوا بها ما يشاؤون ولن يحاسبهم أحد، لكن يجب أن يتركوا المغاربة يقررون مستقبل أبنائهم وبناتهم. المشكلة أن ما يحدث اليوم في المؤسسات التعليمية لا يتحمل وزره المتحرشون فقط، بل في كثير من الأحيان يكون الآباء اللبنة الأساسية في صرح هذه الفضائح. فهناك آباء يوفرون لبناتهم آخر صرعات الهواتف المحمولة، ويتركونهن حتى ساعات متأخرة من الليل أمام حواسيبهن، ولا يسألون أبدا لماذا دخلت بناتهم متأخرات ليلا، ولا يعرفون إن كنّ يراجعن فعلا دروسهن مع صديقاتهن أم كنّ يستعرضن أجسادهن العارية أمام كاميرا أو آلة تصوير. هناك مشكلة أخرى تزيد هذه الظاهرة استفحالا، هي الطابور الخامس من بين المُدرّسين الذين صار بعضهم مجرد ذئاب بشرية داخل الأقسام الدراسية، ولو أن كل تلميذة كشفت عن المدرسين الذين تحرشوا بها سنكون أمام زلزال حقيقي. ظاهرة التحرش بالتلميذات تبدأ منذ سن المراهقة الأولى وتستمر حتى المراحل الجامعية، حين يصير الأستاذ ذئبا وقورا يطلق نقاطه أو يعصرها حسب كرم وأريحية طالبته. إنه «مينانْجيت» أخلاقي خطير لا ننتبه إليه، أو نتعمد عدم الانتباه إليه، وسيأتي يوم نكتشف فيه مقدار غفلتنا وغبائنا.