سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحسيني: اعتبار الجزائر طرفا في أي تسوية يعد منعطفا في موقف بان كيمون قال إن الوضع الأمني في المنطقة سيدفع الدول الكبرى لممارسة مزيد من الضغط على أطراف النزاع
يقدم تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، قراءة لمضامين التقرير الأخير حول الصحراء، وأهم النقاط التي شكلت تطورا في موقف الأمين العام للأمم المتحدة. واعتبر الحسيني أن بلدان الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى قضية الصحراء كمعضلة إقليمية تتطلب في حد ذاتها حلا، ولكن أصبحت تنظر إليها في علاقة وثيقة بما يجري في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، على أساس أن المسألة تهم أخذ الرهائن واحتجازهم من طرف العصابات الإرهابية وزعزعة استقرار دول ذات سيادة بما فيها مالي، وأن أي خلخلة للتوازن الإقليمي من خلال القوة المتطرفة سينعكس على منطقة البحر المتوسط. - ما هي قراءتك لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء، وهل يمكن اعتبار مضامين التقرير إيجابية بالنسبة للموقف المغربي؟ في اعتقادي الشخصي هذا التقرير يشكل منعطفا في موقف الأمين العام للأمم المتحدة وتعامله الذي يتمثل في اعتبار الجزائر بمثابة طرف أساسي في أي تسوية محتملة في المستقبل، وقد ظهر هذا في عنصرين أولهما مسألة فتح الحدود المغلقة بين الدوليتين، وثانيهما يهم مسألة التكامل بين المغرب والجزائر وبلدان المغرب العربي. لكن التقرير ألح على نقطة أكثر أهمية وهي أن ما يجري في منطقة الصحراء والساحل ومالي يشكل ارتباطا قويا في إطار استراتيجية شمولية للتسوية تشمل المنطقتين معا، وهذا في حد ذاته مهم، خاصة أن الأمين العام ومبعوثه الشخصي ألحا على أن كل الأطراف أصبحت تعتقد بأن التوصل إلى تسوية عاجلة لمشكلة الصحراء يخدم الأمن والاستقرار في منطقة الساحل. وهذه هي النقط الأساسية التي شكلت تطورا نوعيا في تقرير الأمين العام وفي التقرير الذي أعده كريستوفر روس، وأعتقد أن استقبال هذا الأخير من طرف العاهل المغربي كان تعبيرا عن كون المغرب لم يعد يرفض وجود روس كطرف في معادلة التسوية والمفاوضات وحتى كطرف في معادلة الوساطة بين المغرب والجزائر في الاتجاه الذي رسمه تقرير الأمين العام. - هل هذا يعني أن قضية الصحراء لم تعد مجرد صراع إقليمي ولكن أخذت بعدا دوليا؟ بالتأكيد هو صراع إقليمي منذ مدة طويلة، لكن صبغته الدولية وأوليات الاهتمام أصبحت الآن بشكل واضح فبلدان الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة لا تنظر إلى قضية الصحراء كمعضلة إقليمية تتطلب في حد ذاتها حلا، ولكن أصبحت تنظر إليها في علاقة وثيقة بما يجري في منطقة الساحل وجنوب الصحراء على أساس أن المسألة تهم أخذ الرهائن واحتجازهم من طرف العصابات الإرهابية وزعزعة استقرار دول ذات سيادة بما فيها مالي، وإمكانية نقل القوات لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة. وهذه البلدان واعية بأن كل خلخلة للتوازن الإقليمي من خلال هذه القوة المتطرفة من شأنها أن تنعكس على منطقة البحر المتوسط وبالتالي على العلاقات بين الشمال والجنوب. وهنا أظن أن قضية الصحراء لا تكتسي اليوم نفس الأهمية إلا بقدر ما يمكنها أن تؤثر على مسألة الاستقرار والأمن في منطقة الساحل والصحراء والمتوسط. - كيف تحلل حضور الوضع بمالي بشكل بارز في التقرير؟ بطبيعة الحال المغرب نبه منذ البداية إلى أن هناك ارتباطا وثيقا بين ما يجري في مالي والصحراء، وأكبر حجة على ذلك هو انغماس مجموعة من المقاتلين للبوليساريو في مجال التطرف، بل دخولهم إلى منطقة جنوب الصحراء وارتباطهم بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وعلينا أن نلاحظ أن تقرير الأمين العام نقل بهذا الخصوص عن أحد الوزراء في المنطقة أن ما يجري في تندوف هو في الحقيقة بمثابة قنبلة موقوتة قد تنعكس بشكل خطير على مستقبل المنطقة كنتيجة حتمية لظاهرة فقدان الأمل، التي أصبحت تهيمن على الشباب الصحراوي في تندوف. وفقدان الأمل يمكنه أن يتطور تدريجيا إلى نوع من التطرف والدخول في حلقة العنف، خاصة أن الجماعات الإرهابية في المنطقة تتوفر على إمكانيات مالية هائلة يمكن أن توظفها في استقطاب هؤلاء الشبان الصحراويين. ثم هناك ظاهرة انتشار السلاح الليبي بعد انهيار نظام معمر القذافي بكميات كبيرة جدا ووضع هذه الأسلحة للإرهابيين وإمكانية وصوله إلى مخيمات تندوف من شأنه أن يشكل عنصرا لخلخلة الاستقرار ليس فقط فيما يتعلق بمنطقة الصحراء ولكن حتى فيما يتعلق بالوضع في جنوبالجزائر نفسها. - الملاحظ أيضا في التقرير هو حديثه عن هيئة مستقلة للإشراف على وضعية حقوق الإنسان، سواء في الصحراء أو تندوف. هل هذا يشكل تحولا في موقف الأمين العام؟ أعتقد أن هذه هي النقطة الوحيدة التي يمكن اعتبارها تمس بمصالح المغرب، لأن التقرير أشار إلى وجود خروقات لحقوق الإنسان، سواء في إقليم الصحراء أو في تندوف، فهو من هذا الجانب حاول أن يخلق نوعا من التوازن فيما يخص تندوف والصحراء بخصوص إمكانية المراقبة. وهذا يعني أن مناقشة الموضوع أمام مجلس الأمن قد تعرف وجهات نظر تتجه إلى وضع مراقبين لحقوق الإنسان في الصحراء ومراقبين في تندوف في نفس الوقت. لكن السؤال المطروح هو هل ستقبل الجزائر بوجود مراقبين لمسألة حقوق الإنسان في تندوف؟ وحتى بالنسبة لموضوع اللاجئين وهذا سؤال مهم أيضا لأن الجزائر لحد الآن ترفض حتى إحصاء هؤلاء اللاجئين فبالأحرى تنصيب مراقبين لحقوق الإنسان هناك. ولاحظنا في قضية مصطفى ولد سلمى كيف أن توجهه لدعم مسلسل الحكم الذاتي جعله ينفى من الإقليم وجعل عائلته تتعرض للزجر والردع، وبالتالي هذه المسألة ستطرح أمام مجلس الأمن بهذه الصورة بوجود تجاوز بين المراقبة الخاصة لحقوق الإنسان في الصحراء وكذلك في تندوف. لكن أعتقد أن من واجب المغرب أن يقف في مواجهة مثل هذا التطور، لأنه سيشكل تراجعا عن القرارات السابقة. لا ننسى أن مجلس الأمن في قرار سابق كان قد أشاد بقوة بما قام به المغرب في المنطقة على مستوى حقوق الإنسان، خاصة تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وإنشاء فرعين لهذا المجلس في الداخلة والعيون. وبالتالي تجاوز صلاحيات المجلس في مسألة حقوق الإنسان، وهو مجلس أثبت حياديته وموضوعيته في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان والقول اليوم من طرف الأمين العام بأن هذه المسألة تتطلب مراقبة مستقلة ومحايدة وشاملة في كل من الصحراء وتندوف هذا يمس بمصالح المغرب، علما بأن الجزائر بالخصوص تحاول التوجه إلى القول بأن المغرب يريد استغلال أحداث الساحل في التوصل إلى تكييف مختلف في قضية الصحراء. - كيف تتوقع أن يكون النقاش في مجلس الأمن بخصوص هذه النقطة؟ أعتقد أنه على مستوى مجلس الأمن سيكون هناك نقاش حامي الوطيس حول هذا الموضوع، والسؤال المطروح هو هل ستحافظ فرنسا على موقفها المبدئي فيما يتعلق بدعم المغرب ورفضه أي إسناد لمهمة حقوق الإنسان للمينورسو أو جهة أخرى، خاصة أن التقرير الذي وضعه الأمين العام أشار إلى ضرورة رفع عدد أعضاء المينورسو. فهل هذا فيه التلويح إلى إمكانية توسيع حتى صلاحياته واختصاصاته الموضوعية؟ أعتقد بأن دورة مجلس الأمن ستكون ساخنة في هذا الاتجاه، وسيعرف عما إذا كانت فرنسا ستستمر في مساندة الموقف المغربي في رفضه هذه الإضافة لصلاحيات المينورسو، أم إنها قد تتراجع بعد وصول الاشتراكيين إلى الحكم. - ماذا عن الموقف الجزائري الذي تصفه ب«المبدئي»؟ هو ليس موقفا مبدئيا على الإطلاق، بل موقف مصلحي قبل كل شيء ويتضمن نوعا من الانتهازية السياسية في التعامل مع الموضوع، وهذا مرتبط بدور المؤسسة العسكرية وبالتحولات التي عرفها المناخ السياسي في الجزائر. وعلينا ألا ننسى أن موقف الجزائر كان متجها فعلا نحو التغيير قبل شهر ماي الماضي، عندما كان ينتظر أن تكون نسبة الإسلاميين في الوصول إلى الحكم مرتفعة، وبأن هناك تغييرا ستعرفه الساحة السياسية بعد الانتخابات. وهذا ما دفع النظام الحالي إلى فتح آفاق التعاون الثنائي مع المغرب خلال الزيارات المتبادلة بين الوزراء من خلال التبشير بفتح الحدود. لكن كل هذه التطورات منذ انتخابات ماي وتركيز سلطة جبهة التحرير الجزائرية والمؤسسة العسكرية بدد هذه الآمال والنظام الجزائري اليوم يعود إلى التمسك بنفس المواقف المتصلبة بخصوص إيجاد تسوية للصراع، بل ذهب الأمر بهم إلى اتهام المغرب بأنه يستغل أحداث الساحل كوسيلة لدفع الجزائر إلى تغيير موقفها الذي تعتبره مبدئيا. أظن أن ضغوط القوى الكبرى فيما يتعلق بالسلام والأمن والساحل والصحراء هي وحدها التي من شأنها أن تغير موقف الجزائر، خاصة إذا ظهر واضحا أن هناك تورطا لمقاتلي البوليساريو في عمليات إرهابية وإذا ظهر أن هناك وصولا للتهديد إلى منطقة جنوبالجزائر مجددا وحتى إلى الصحراء. فهذه الأشياء يمكن فعلا أن تحرك الرأي العام العالمي والدول الكبرى لممارسة مزيد من الضغط للتوصل إلى حل سياسي للصحراء.