نساء جعلن من «النظافة» هدفهنّ الأول في الحياة، يحرصن على أدقّ التفاصيل، ويسعين نحو الأفضل في نظافة البيت ورعاية الزوج والأبناء، وإنْ كان ذلك على حساب أعصابهنّ وراحة أطفالهن وأزواجهن، الذين يعانون من إفراطهن و«هوسهنّ» بالنظافة. «المساء» حصلت على اعترافات مجموعة من الأزواج الذين يشتكون من زوجاتهم المهووسات بالنظافة.. نظافة تحقق للزوجة راحتها النفسية وللزوج تجلب التعاسة.. حميد، أب لثلاثة أبناء، تحفظ كثيرا ليبلغنا عن السبب الحقيقي وراء زيارته لعيادة أخصائي نفساني، استعان به لتشخيص حالة زوجته «حكيمة»، التي عُرفت في بيتها وعائلتها ولدى الجيران بشدة حرصها على نظافة كل ما في البيت، إلى درجة «الوسواس» والشك في أنّ ما قامت بتنظيفه ما يزال متسخا، لتعيد تنظيفه مرات عدّة.. يقول حميد: «لم يعد يهم زوجتي من أمْرٍ داخل البيت غير توجيه العتاب لنا، لكوننا غير حريصين على نظافة البيت واللباس ولا نقوم بمساعدتها على تحقيق النظافة اللازمة، مما يجعلها طيلة اليوم رفيقة فوطة التنظيف، التي لا تملّ من استعمالها مرات متكررة داخل أرجاء البيت.. مستطلعة حال كل غرفة ومدى نظافتها، إلى درجة أنه عندما يدخل أي شخص يلاحظ مدى ولع وهوس زوجتي بالنظافة.. فكل شيء يلمع ورائحة مساحيق التنظيف تفوح من كل ركن من أركان البيت.. لقد صرتُ أشعر بالغثيان من شدّة الرّوائح العطرة، التي ما إنْ أعترضَ على استعمالها المفرط لها حتى تنعتني بأني «متسخ» وغير حريص على نظافة ملبسي ولا تصحّ صلاتي.. مما يجعلني، في كثير من الأحيان، أثور على قولها ونتشاجر، وتتوتر الأجواء الأسَرية.. وما يحُزّ في نفسي أكثر هو معاناة أطفالي، حيث أصبحت ألمس «كرهَهم» والدتهم، لكثرة لومها إياهُم وإلحاحها على موضوع «النظافة» نفسه».. النظافة بالنقطة والحرْف في تعليق طريف على زوجته، افتتح «علي» معاناته مع زوجته «نادية»، التي تقضي ساعات طوالا في أشغال البيت، لتسقط في آخر النهار مثل «جثة هامدة».. حيث تُسخّر جلّ وقتها لانتقاد من يريد الخروج عن «طقوسها» في البيت، وإذا خالفها أحدُنا أو اعترض عليها تصاب بالهلع الشّديد، تفلت أعصابها، وتثور إلى درجة أنها لا تستطيع النوم تلك الليلة»..
تنظف يديْها بعد كلّ مُصافحة.. أما «كريمة»، وهي سيدة متزوجة ولديها طفل في الثامنة من عمره، وربة منزل بجدارة، فتحدّثت عن نفسها قائلة: «أشعر أنّ النظافة في دمي،.. ولكنّ زوجي وابني يغضبان مني من كثرة وسواسي وولعي بالنظافة». لا تسمح «كريمة» لعائلتها بتوسيخ أيّ ركن في المنزل، وتحمل في جيبها دائما منديلا لتنظيف يديها عندما تصافح أحدا.. «كايتقلقو مني، لكني أخاف كثيرا، فليس كل الناس حريصين على نظافتهم مثلي». لا يُغضب «كريمة» وصفُ زوجها لها بأنها «موسوسة» لإيمانها بأنّ من واجبها، كأمّ وزوجة، الحرصُ على نظافة البيت والملبس والمأكل. رأي علم النفس يؤكد أخصائيو علم النفس، في تعريفهم للمرأة المثالية، أنها شخصية مريضة بالوسواس، تحاسب نفسها على كل صغيرة وكبيرة، تطمح إلى الشيء الكامل والأصحّ، من وجهة نظرها، وهذه التصرفات يقوم بها الرجل والمرأة على السواء، لكنْ تتركز عند المرأة بشكل كبير، نظرا إلى التربية المغربية التي ألزمتها، منذ صغرها بتربية مختلفة.. وفي الغالب تتشبّه الفتيات بأسلوب أمهاتهنّ في البيت وأشغاله.. ومن ثمة ربطوا الظاهرة بالضغط المجتمعيّ الشّديد على المرأة، التي تُحَثّ، منذ نعومة أظافرها، على المثالية أكثرَ من الرجل، الذي «يسمح له» المجتمع ببعض الصّفات السلبية و«يتهاون» معه، بينما يطلب من الزوجة والأم أن تكون «مثالية»، وبصورة تفوق الرّجل.. عوامل تتضافر لتجعل منها شخصية «وسواسية»، تحمل بداخلها هاجسَ المثالية، التي تصبح لا تفارق ذهنها، فتعيش «الجحيم»، هي ومن معها، ويبقى الخوف من أن تتحول رغبتها في الوصول إلى المثالية والكمال إلى إرهاق جسديّ وتوتر نفسي يحتاج إلى علاج. ومن أهمّ «ملامح» المرأة التي تطمح إلى الكمال في بيتها أنها عنيدة، صعبة في تناولها للأمور، ولا وجود للمرونة في قراراتها.. تنظف بيتها وملابس أطفالها وأجسادهم جيدا بدافع «الوقاية من المرض»، تحبّ زوجها وبيتها وأطفالها وتفني نفسها في خدمتهم وشعارها «خُلِقتُ لبيتي وأسْرتي»..